حقيقة التكيف القانوني للتعاقد لحساب الإدارة
مما لا شك فيه إننا لا يمكن أن نسلم بافتراض وجود وكالة ضمنية في تلك الحالة التي لا تظهر فيها النيابة بشكل واضح وجلي وقد سبق وان قررنا انه لا خلاف على قيام الصفة الإدارية لذلك العقد الذي يبرم بين أشخاص القانون الخاص أحدهم يعد نائبا عن الشخص العام أيا كانت صورة تلك النيابة ولكن في الوقت ذلك لا يمكن التسليم بافتراض قيام تلك النيابة ولهذا تعين البحث عن معيار أو تبرير أخر لتفسير قيام الصفة الإدارية في تلك الحالة 0
المطلب الأول :- عدم افتراض النيابة
تنص المادة 104 من القانون المدني على انه ” إذا تم العقد بطريق النيابة كان شخص النائب لا شخص الأصيل هو محل الاعتبار عند النظر في عيوب الإرادة أو في اثر العلم ببعض الظروف الخاصة أو افتراض العلم بها حتما “
كما تنص المادة 105 ” إذا ابرم النائب في حدود نيابته عقدا باسم الأصيل فان ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق والتزامات يضاف إلى الأصيل “
فالنيابة إذن هي حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل مع انصراف الأثر القانوني لهذه الإرادة إلى شخص الأصيل دون النائب ذلك أن التعبير الذي يصدر من النائب إنما هو تعبير عن إرادته هو وليس عن إرادة الأصيل ومع ذلك فان اثر هذا التعبير ينصرف إلى الأصيل ”
ويتعدد المصدر الذي يستقي منه النائب مكنته المشروعة في إبرام تصرف يعبر فيه عن إرادته وتنصرف آثاره إلى الأصيل فقد يكون مصدر النيابة القانون مباشرة وتعرف بالنيابة القانونية وقد يكون مصدرها حكم القضاء وتعرف بالنيابة القضائية وقد يكون مصدرها الاتفاق وتعرف بالنيابة الاتفاقية
أما فيما يتعلق بالوكالة كأحد صور النيابة الاتفاقية فانه طبقا لنص المادة 699 ” الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بان يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل “
فالنيابة أذن بأشكالها المختلفة يجب أن يكون لها وجودا قانونيا أما بنص القانون أو بحكم القضاء أو أن يكون هناك عقدا مستوفيا كافة أركانه وشروط صحته حتى يمكن القول أننا بصدد عقد وكالة يرتب أثره القانونية المختلفة 0
هذا فيما يتعلق بفكرة النيابة في مجال القانون الخاص ولكن السؤال الذي يدور في هذا الشان هل من المتصور أن تكون لفكرة النيابة مفهوما مغايرا لذلك المفهوم في فقه القانون الخاص ؟
المطلب الثاني :- ذاتية فكرة النيابة في القانون العام
في الحقيقة انه مضت الإشارة انه من المستقر عليه في مجال القانون الإداري أن للقانون الإداري ذاتيته التي يستقل بها عن فروع القانون الأخرى وبالتالي فانه من المتصور أن يكون للقانون الإداري من المفاهيم المغايرة تماما للنظريات المتعارف عليها في فقه القانون الخاص بل أن الدور الذي يلعبه القضاء الإداري في مجال وضع المبادئ والنظريات الملائمة لطبيعة القانون الإداري ونشاط الإدارة العامة يقطع بإمكانية تصور تلك المغايرة و بالتالي فانه ليس ببعيد أن نجد مفهوما مغاير لفكرة النيابة في مجال القانون الإداري لعل هذا التحديد هو ما يفسر اتجاه محكمة التنازع الفرنسية إلى إسباغ الطبيعة الإدارية على تلك العقود المبرمة بين أشخاص القانون الخاص إذا كانت متعلقة بالأشغال العامة وافتراض أن ذلك الشخص الخاص يعمل لحساب الإدارة بالرغم من أن أحكام النيابة تستبعد هذا الفرض وبالرغم من أننا لا يمكن أن نسلم بان هناك نصا قانونيا يكفل تلك النيابة إضافة إلى عدم قيام أركان الوكالة في جانب ذلك الشخص الخاص إلا أن محكمة التنازع انتهت إلى أن هذا الشخص يعمل لحساب الإدارة وانتهت إلى أن ذلك العقد عقدا إداريا بل أن ما يؤكد ذلك أن محكمة التنازع الفرنسة التفتت تماما عن فكرة الوكالة الضمنية والتي نادى بها المفوض في تلك القضية ربما قصدت من ذلك أن تقرر مبدأ في مثل هذه التعاقدات وبذلك حاولت جاهدة أن تبرز ملامح وحدود هذه النتيجة التي انتهت إليها ولهذا قصرتها على بعض العقود التي يبرز فيها بشكل صريح وجازم استهداف تسير المرافق العامة أو المساهمة في تسيرها واستلزمت أيضا أن يكون ظاهرا للكافة أن ذلك الشخص يعمل لحساب الإدارة مستخدما في ذلك امتيازات السلطة العامة ولا أدل على ذلك ما جاء بذلك الحكم من انه ” يمكن أن يقرر قرار المنفعة العامة في حالات استثنائية منح الدولة التزام إنشاء و استغلال أحد الطرق إلى شخص عام أو مجموعة من الأشخاص العامة أو غرفة تجارة أو شركة اقتصاد مختلط تكون الأغلبية فيها للمصالح العامة .وفي هذه الحالة يقر مرسوم عقد الالتزام وكراسة الشروط، ويصدر بعد اخذ رأي مجلس الدولة وبعد استشارة الأشخاص المحلية ذات الشان مباشرة ؛ويمكنها أن تخول الملتزم تقاضي رسوم مرور لتغطية فوائد واستهلاك رؤوس الأموال التي استثمرها وكذلك لصيانة الطريق وتوسيعه في المستقبل “
ومن حيث أن لإنشاء الطرق الوطنية صفة الأشغال العامة وهو بطبيعته من شان الدولة ،وينفذ تقليديا من خلال الإدارة المباشرة ؛وانه نتيجة لذلك تكون العقود التي يبرمها رب العمل لهذا التنفيذ خاضعة لقواعد القانون العام 0
فالمعيار إذن أن يكون العمل المكلف به الشخص الخاص من الأعمال التي هي بطبيعتها من شأن الدولة كالأشغال العامة يتم إسنادها لأحد أشخاص القانون الخاص إضافة إلى منحة جانبا من امتيازات السلطة العامة وهو ما يبرر اعتبار مثل هذا الشخص يعمل لحساب السلطة العامة وبالتالي تعد تعاقداته بمناسبة هذه الوظيفة تعاقدات إدارية تخضع لقواعد القانون العام 0
لا شك أن هذه النتيجة التي تنطلق من الاعتراف بذاتية القانون الإداري تؤدي إلى عدم الخوض في الجدل الذي أثير حول طبيعة النيابة أو الوكالة الضمنية والتي قد تؤدي بنا إلى الوقوع في تناقض حول عدم التسليم بافتراض النيابة أو الوكالة طبقا لفقه القانون الخاص ولكن من شان البحث عن طبيعة العمل الذي يقدم عليه الشخص الخاص والوسائل التي تكفلها الإدارة له من امتيازات السلطة العامة ما يبرر إخضاع مثل هذه التصرفات لقواعد القانون العام ومما لا شك فيه أن مثل هذا الأمر يعد ضمانة أساسية للمتعاملين مع ذلك الشخص الذي منح مثل هذه السلطة الخطيرة وهو ما يبرر تحقيق نوع من الرقابة القضائية الفعالة من خلال قواعد القانون الإداري 0
ربما هذا ما يفسر ما ذهب إليه البعض في تفسير حكم محكمة التنازع الفرنسية واتجاه مجلس الدولة الفرنسي من أن القضاء أراد أن يمنح لنفسه سلطة تقديرية في تكيف العقد محل الاعتبار وفقا لظروف كل حالة على حده وعلى ضوء الاعتبارات التي تحيط بها وبطبيعة الحال فان لجوء الدولة في العصر الحديث في سبيل القيام بوظيفتها إلى صور وأشكال عديدة وفي بعض الأحيان ذات طبيعة غامضة لا يجعل وضع معيار أو ضابط قاطع ومحدد بالأمر الميسر في كل الحالات بالنسبة للقضاء فهذه السلطة التقديرية أراد القضاء أن يتزود أذن بفكرة مرنة تسعفه في مواجهة مختلف الحالات التي تعرض له
اترك تعليقاً