السياسة الناجحة في التفاوض على العقود
د. أسامة بن سعيد القحطاني
لا أتحدث هنا عن مهارات التفاوض والنقاش التي يتحدث عنها كثير من المختصين بمهارات الخطابة والحوار وخلافه، إنما أود التركيز فقط على الأفكار التي يدار من خلالها التفاوض والنقاش أثناء عملية التعاقد وإجراء الصفقات التجارية وخلافه.
شاركت في كثير من المفاوضات على إجراء عقود تجارية كبيرة سواء كانت جهات حكومية أو شركات أو حتى أفرادا، وأود أن ألخص أهم الملاحظات التي يتم ارتكابها خصوصا ممن لا يمتلك خبرة جيدة في مجال الأعمال أو لم يكتسب خبرة من خلال العمل في مؤسسة ذات كفاءة عالية، تمكنه من امتلاك خبرة جيدة في كيفية التفاوض، وما الأشياء التي يجب التركيز عليها، وكذلك ما الأشياء الممكن التفاوض عليها دون أن تؤدي إلى فشل الصفقة برمتها.
كثيرة هي الفرص الجيدة التي تم فقدانها فقط بسبب ضعف كفاءة الأشخاص الذين تولوا علمية التفاوض، وكثيرا ما يقوم بعض الأشخاص بوضع عقبات لا يمكن أن يقبلها الشريك الجيد الذي يتم التفاوض معه، بسبب أن هذه الشروط لها أبعاد سلبية تؤدي إلى عدم جدوى الصفقة كلها أحيانا، ولكن بجهل من أحد الأطراف يظن بحسن نية ربما أنه بهذه الطريقة يحمي الجهة التي يمثلها، بينما هو في الحقيقة يسهم في إفشال فرصة عمل جيدة من حيث لا يعلم.
من أهم الأشياء التي يجدر التنبيه عليها هنا؛ هو أن أي عملية تفاوض لا تنبني على قاعدة تحقيق الفائدة للكل فإنها ستكون فاشلة Win-win situation، وأي شريك يؤسس قاعدته على أساس مبدأ الأنانية والفائدة له بأقصى حد؛ فإنه في النهاية سيحكم بفشل الصفقة قبل بدء العلاقة حتى، وذلك أن أساس أي نجاح تجاري هو تحقيق الفائدة للكل، ما يؤدي إلى مزيد من التعاون والتفاعل بين الأطراف.
وأسوأ تلك التجارب التي مررت بها هي عندما يتولى العملية شخص تنقصه الكفاءة والخبرة ويتشدد في نقاط ليس من المفترض التشدد فيها، كونها مقبولة في العرف التجاري مثلا، بينما هو بسبب ضعف الخبرة لا يستطيع استيعاب أهميتها.
أذكر عملية تفاوض كنت أقوم بها لأجل إجراء صفقة تحالف بين ثلاثة أطراف أحدهم أجنبي لأجل إنشاء صناعة وطنية رائدة قبل عدة سنوات، وكان ممثل أحد الأطراف يعترض على إعطاء الطرف الأجنبي التزاما بعدم التواصل مع المنافسين الآخرين لمدة محددة، علما بأن هذه التقنية شديدة الحساسية وتحتاج إلى حماية لمنع تسربها للمنافسين، وهذا الممثل بحسن نية يظن أنه بهذا يحمي الجهة التي يمثلها، بينما أسهم في إفشال ذلك التفاوض وتعطيله، كون هذا الشرط متعارفا عليه دوليا مع مقدم أي تقنية، ولكن نعود إلى السبب نفسه وهو أن قاعدة التفاوض الأناني وغير المستند إلى الخبرة لا يمكن أن يؤدي إلى نجاح.
أود الإشارة إلى بعض النقاط المهمة في مرحلة التفاوض في العقود التجارية.
كنت قد تحدثت عن الضرر الكبير الذي قد يسببه ضعف كفاءة الأشخاص الذين يتولون علمية التفاوض، ما قد يتسبب في فشل التفاوض، وبالتالي ذهاب فرصة جيدة، إضافة إلى ضياع الوقت والجهد المصروف، ما يؤخر النجاح والربح.
في هذا السياق، من أهم النقاط في هذه المرحلة؛ أن يكون المفوّضون بالتفاوض مشكلين بالتوازي في تخصصاتهم، حيث يجب أن يشارك في التفاوض أهم أركان المؤسسة الذين سيتحملون أعباء هذا العقد، حيث يجب أن يشارك المستشار القانوني كجزء أساسٍ في العملية والصياغة للتفاوض، إضافة إلى اختيار القوالب القانونية المناسبة لطبيعة العقد والاتفاق، كما أن مشاركة المدير المالي مهمة جدا أيضا، حيث من خلاله يتم التأكد من التكلفة وهامش الربح أو الخسارة وهكذا، إضافة إلى الطرف ذي العلاقة من المؤسسة، فإن كان العقد فيه تصنيع، فتجب مشاركة المختصين والمهندسين بإدارة التصنيع في المؤسسة، وكذلك الإدارة التي ستقوم بتسويق المنتج والتحقق من مدى أهمية المنتج وخلافه في السوق وهكذا. كل هؤلاء وربما غيرهم حسب طبيعة العقد يجب أن يشاركوا في عملية التفاوض بشكل تكاملي، كون كل طرف منهم هو من سيتحمل مسؤولية الشق الخاص به، ولا يمكن أن تكون الرؤية متكاملة أثناء التفاوض ما لم تكن جميع عناصر استيعاب العقد وتغطيته لاحتياجهم موجودة.
أمر آخر أود تأكيده؛ وهو أن التفاوض يجب أن يؤسس على قاعدة الثقة والفائدة للكل دون إجحاف بأي طرف دون الآخر، وهذا أمر من أهم أخلاقيات التجارة، كون جميع الأطراف تبحث عن الفائدة، وفي حال اختلال هذه القاعدة؛ فإنه في النهاية سيكون نوعا من الغش أو الخسارة للطرف الآخر.
نعم كل طرف يبحث عن الحد الأعلى للفائدة، لكن ليس بالإضرار بالطرف الثاني وهضم حقوقه، ولذلك فإن من أهم القواعد في صياغة العقد أن تكون الحقوق متساوية إلا في حالات الاستثناء، فمثلا يجب أن تكون صياغة العقد بأن المسؤولية متساوية، بمعنى أن كل طرف مسؤول فيما يخصه من أداء العقد، وليس بإلقاء المسؤولية على طرف دون الآخر بسبب قوة الأول مثلا، وهكذا.
الخلاصة؛ أن مرحلة التفاوض في صياغة العقود مرحلة مهمة جدا، ويجب الاعتناء بها وعدم التردد في البحث عن مختص يساعد في تقديم العون والاستشارة إن استلزم الأمر، كونها تساعد كثيرا على تقليل المخاطرة مستقبلا وزيادة الربح، بإذن الله.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً