بحث حول مشروعية الدليل الصوتي
التسجيل الصوتي عبارة عن عملية ترجمة للتغيرات المؤقتة لموجات الصوت الخاصة بالكلام او الموسيقي إلى نوع اخر من الموجات او التغيرات الدائمة ، ويكون التسجيل عادة بواسطة الة تترجم موجات الصوت إلى اهتزازات خاصة ، ويتم تسجيل الصوت على الشريط المستخدم في جهاز التسجيل بواسطة الموجات المغناطيسية , وتشير الدراسات العلمية الحديثة إلى ان الصوت يعد من الصفات المميزه في تحديد شخصية الإنسان فهو يشبه بصمات الأصابع في هذا المجال فلكل شخص صوت خاص به يختلف تماماً عن أي شخص اخر ويمكن التمييز والتعرف على صاحبه من بين العديد من الصوت بمجرد سماع صوته ، ويمكن ان نتعرف مثلاً من خلال الاستماع إلى جهاز التسجيل الذي سجلت عليه المخاطبة الهاتفية إلى ان الصوت يعود إلى من نسب اليه.
ويستطيع الخبراء عن طريق إجراء المضاهاه في ذبذبات الصوت المتكلم التحقق من شخصية اقواله وتمييز الصوت الأصلي والمقلد او المزيف مهما كان هذه التقليد او التزييف يبدو حقيقياً لمن يسمعه.
ومشروعية استخدام التسجيل الصوتي في الإثبات المدني :-
لقد أثار استخدام التسجيل الصوتي للكلام المسجل لإثبات التعاقد جدلاً كبيراً حول مدى مشروعية الدليل المستمد بهذه الطريقة ، لا سيما إذا تم تسجيل كلام المتعاقد خفية دون علم المتحدث بها , اذا لا يكون حراً في التعبير عن إرادته ، فضلاُ ان التسجيل خلسه يستند على الاحتيال والغش الذي يوقع المتعاقد في الغلط مما يعيب إرادته.
فلا يجوز الاعتماد على اثبات المخاطبة الهاتفية والمسجلة إلا ضمن القواعد والقيود التي تؤكد صحة الكلام المسجل إلى الشخص المنسوب اليه ونظراً لوجود تشابه كبير بين الرسالة والكلام المسجل بطريقة التلفون فأنه يجب الاخذ بالضوابط التي يستلزمها القانون في تقديم الرسالة في الإثبات وعليه لكي يستطيع الخصم الاحتجاج بالتسجيل الصوتي يجب أن يتوافر فيها الشروط الآتية:-
1- ان يكون الخصم قد حصل على شريط التلفون بطريقة مشروعة فإذا كان قد حصل على الشريط بطريقة غير مشروعة كما لو كان قد سجلها خفيه أو استولى عليها بطريقة الغش او الأكراه فلا يجوز عند ذلك تقديمها إلى القضاء وإذ قدمها وجب استبعادها
2- أن يصدر من الشخص المنسوب اليه المكالمة المسجلة إذن بتسجيلها
3- الا تتضمن المخاطبة الهاتفيه المسجلة امور تتعلق بالشخص الذي نسبت إليه.
فإذا توافرت هذه الشروط التي ذكرناها فان الدليل المستمد من المخاطبة الهاتفيه المسجلة يعد مشروعاً ويجوز للمحكمة ان تستند اليه بإصدار قرارها .
وقد اهتم الفقه بمسالة قوة الدليل المستمد عن طريق التسجيل الصوتي فذهب جانب منهم إلى الدليل المستمد من شريط التسجيل الصوتي يمكن ان يعد بمنزلة الاقرار غير القضائي الذي يستقل قاضي الموضوع في تقديره فيمكن ان يعد هذا الإقرار دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة يعزز بالشهادة أو القرائن أو اليمين المتممة بشرط ان يتم التسجيل بعلم المقر حتى ينسب اليه قصد الإقرار بالحق واقامة الحجة على نفسه ، وانه في حالة انكار الصوت فان للقاضي ان يلجا في هذه الحالة إلى اهل الخبرة لكي يحسم هذا الأمر .
واجاز جانب اخر من الفقه للمحكمة أن تستلخص من الكلام المسجل على شريط التسجيل قرينه قضائية تساهم الى حد ما مع عناصر الإثبات الأخرى في تكوين قناعتها بالقدر الذي يؤكد على مدى صحة الواقعة محل النزاع يشترط ان يكون الكلام المسجل بعيداً عن شبة التلاعب والتزوير وسجل بطريقة مشروعة لا تتعارض مع حق الفرد في المحافظة على سريه حديثه.
صـ 47.38الحجة القانونية ووسائل التقدم العملي في الإثبات المدني اد/ عباس العبودي
مشروعية استخدام وسائل التسجيل الصوتي :-
لقد ثار الجدل حول مشورعية استخدام مثل هذه الاجهزة كوسيله من وسائل الاثبات الجنائي، وبالتالي هل الدليل المستمد منها مشروع من عدمه ، وهل يمكن للمحكمة الأخذ به كدليل من ادلة الثبوت قبل المتهم أم أن المحكمة لا تاخذ به ، ولقد تردد القضاء في الأخذ بالأحاديث المسجلة أو طرحها ،ولم يكن الأمر قاصر على القضاء فحسب ، بل أن الفقه اختلف حول المشروعية.
ففريق يرى أن التسجيل الصوتي والاستناد اليه ليس إجراء باطل ويركن في ذلك للأسباب الأتية :-
اولاًُ :– غير محرم على العدالة الاستعانة بالتقدم العلمي والاكتشافات الحديثة.
ثانياً :- ليس في التسجيل الصوتي انتهاك للحرمات ، طالما ان هذه المحادثات قد صدرت طوعاً واختياراً ودون أي تأثير شريطة إلا يكون التسجيل قد تم بالمخالفة للقانون مثل اجراء التسجيل بعد دخول المسكن بطريقة غير مشروعه.
وفريق اخر يرى التسجيل الذي يتم في خلوه يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً ، إذ لا يوافق هذا الفريق على المساواة بين التسجيل خلسة وبين مراقبة المحادثات التلفونية ويرون في ذات الوقت انه وان كانت المحادثات التلفونية تنطوي على انتهاك لحق الفرد في سرية مراسلاته فان حماية المشرع لحق الخلوه الذي يعتدي عليه بالتسجيل خفيه وخلسة لا يمكن إلا تكون حماية مطلقة خاليه من أي قيد، بل اكثر من هذا فانهم يروا ان التسجيل باطل بطلاناً مطلقاً بإذن القاضي متى كان فيه انتهاك لحق الخلوة . في حين يرى أنصار هذا الراي أن تسجيل المحادثات التلفونية لا يتضمن أي اعتداء على حق الخلوة ، بحسب أن من يتحدث حديثاً تليفونياً فعليه ان يتوقع وجود من يسترق السمع على عكس من يتحدث في خلوة إذ ليس عليه ان يفترض هذا التسجيل او ان يتوقعه .
وفريق ثالث له راي يعد بين الرأيين وذلك على التفصيل الأتي :-
أولاً : اذا كان الحديث عاماً أي من مكان عام كأحاديث النوادي والمقاهي والمحاضرات والاجتماعات فان المتحدث يفيض بما يجيش في صدره في مكان لا يتوقع فيه ان يكون حديثة في مأمن من استراق السمع وبالتالي فان التسجيل في هذه الحالة يكون مشروعاً.
ثانياُ :-أما اذا كان الحديث في مكان عام إلا أن في سلوك المتحدث ما يكشف عن حرصه ان يظل حديث في طي الكتمان ، كأن يتنحي بصديقه جانباً ويسر اليه في الحديث فان تسجيل هذا الحديث يقع باطلاً إذا انه ينطوي على انتهاك لحقه الشخصي .
ثالثاً :وقد يجري الحديث في مكان خاص حتى وان المتحدث يطمئن إلى ان حديثه في مأمن من استراق السمع ، كان يتم الحديث في مسكنه او في سيارته الخاصة ، ومن ثم فان تسجيل هذا الحديث يقع باطلاً لمساسه بحقوق الانسان في الخلوة.
وقد قضت محكمة النقض بانه لما كان كل ما يثيره الطاعن من النعي المتصل بالدليل المستمد من التسجيل بعدم مشروعيته مردود عليه بان المحكمة قد خلصت بما لا يدع مجالاً للشك إلى تكوين عقيدتها في الدعوى بما استقر لديها من شهادة الشهود ، والقرائن واقوال الطاعن نفسه / واما استطرد اليه الحكم بعد ان استوفى دليلة من حديث عن واقعة تسجيل المناقشة التي دارت بين الطاعن والشهود الذين سمعتهم المحكمة واطمأنت الى روايتهم ، فانه لا مجال لأثارت مثل هذا الدفع بصدد احاديث جرت في محل مفتوح للكافة دون ثمة اعتداء على الحرمات أي ان المحكمة تجيز الاستناد الى الدليل المستمد من تسجيل الأحاديث اذا تحقق شرطين:
الاول : أن يكون الحديث الذي تم تسجيله قد جرى في مكان عام مفتوح للكافة
ثانياً :- لا ينطوي التسجيل على اعتداء على الحرمات سواء كان بشخص من صدر منه الحديث او المكان الذي تم فيه الحديث.
صـ 67.66.65 الأدلة الفنية للبراءة والإدانة في المواد الجنائية م/ محمد احمد عابدين
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً