هيئة الأوقاف من الجوامع إلى الجامعات
استحدثت وزارة العدل قبل عامين تسع دوائر قضائية متخصصة في الأوقاف والوصايا في المحاكم الشرعية بهدف خدمة الواقفين، وتيسير الإجراءات المتعلقة بذلك, ووافق مجلس الوزراء على نظام الهيئة العامة للأوقاف بتاريخ 25/2/1437هجري، وتعتبر هذه الموافقة أهم تطور رسمي لقطاع الأوقاف بعد إنشاء إدارة للأوقاف في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1344هجري, ومابين ذلك التاريخ وتاريخ اليوم تمرحلت وتنوعت وتنامت الأوقاف السعودية في مصارف مختلفة تَنافس أهل البر والإحسان عليها, حتى قدرت الأوقاف السعودية في المملكة العربية السعودية بنحو 54 مليار ريال سعودي، بلغت قيمة الأوقاف التي تديرها إدارة الهيئة العامة للأوقاف 14 مليار ريال سعودي, بينما بلغت قيمة الأوقاف التي تديرها الجهات الأخرى40 مليار ريال سعودي، وشكلت نسبة العقار 80% من إجمالي الأوقاف العامة.
وحسب دراسة أجرتها شركة المستثمر للأوراق المالية فإن 54% من الأوقاف في المملكة العربية السعودية هي عبارة عن أراض بيضاء لا تدر دخلا ! هذه الأرقام الذي أوردها تقرير اقتصاديات الوقف الصادر من لجنة الأوقاف بغرفة الشرقية يظهر حجم الوقف ويظهر التوجه التقليدي في استثمار الوقف عبر العقار الذي يولد قطعًا تبنى فيها المساجد والجوامع فقط، فكانت هذه النمطية هي الأكثر شيوعًا في العقود والقرون الماضية، حيث إن الحضارات الإسلامية كانت تهتم بوقف المساجد والجوامع؛ لما لها من أثر كبير في المجتمعات آنذاك، فالمسجد هو المدرسة ومركز انطلاق التعليم والتدريس وحاضنة الغرباء ومنزل المقرئين ومشفى المرضى، وكان هو المعلم الأول والوحيد في ذلك الوقت, واستمرت هذه العادة متوارثة عبر الأجيال على الرغم من تقلص الاستفادة من الجوامع ومحدودية دور المسجد في العصر الحديث الذي يفتح لبضع ساعات لا تتجاوز اليد الواحدة, ومع شكل الحكومات المعاصرة الذي أحدثت عددًا من المؤسسات الاجتماعية والصحية والتعليمية المنافسة التي تؤازر دور المساجد ولا تلغيها تبدلت مع ذلك أوجه الوقف وأولوياته, ففي دراسة أجريت على 1040 وثيقة وقفية أوضحت أن ما نسبته 19% من الوقف يذهب للأضاحي و4% لبناء المساجد ورعايتها و 0,5% فقط من الأوقاف يصرف لتعليم الجامعات, وهذا الرقم الضعيف حفز المهتمين للفت أنظار المحسنين لحاجات المجتمع الجديدة في الوقف والعمل غير الربحي فنشطت بعد ذلك أوقاف الجامعات والكليات التي شجعت عليها وزارة التربية والتعليم في حينه, وكانت نقلة نوعية نقلت الوقف من الجوامع إلى الجامعات في عمارة للأرض وتلبية لحاجات الناس للعلم وأهله، حيث إن الوقف يجمع المحاسن الثلاث (الاستقرار, والاستقلال, والاستمرار) الذي ترنو إليه الساحات الجامعية والبحوث العلمية.
ولقد كان لتجربة مدينة سليمان الراجحي في القصيم ومعها كليات سليمان الراجحي قدَم السبق في ذلك فسجلت رقمًا قياسيًا في النجاح المهني والتعليمي من حين انطلاقها عام 1430هجري خرّجت ثلاث دفعات من كليات الطب بشكل سلسل ونجاح منقطع, مهتمة بالكيف قبل الكم كما بين الواقف في عدة مناسبات.
وقد تحالفت مع جامعة من أعرق الجامعات العالمية في التعليم الطبي جامعة ماسترخت الهولندية لتطبيق التعليم عن طريق حل المعضلات في أسلوب نشط, وبقي أن يعي كل محب للخير أنه لم تعد النوايا الحسنة كافية لوحدها أو قادرة على خلق الاستمرار في عالم العمل الخيري والأوقاف الذي بات يعتمد على عدد من الأنظمة والقوانين واللوائح الاحترافية التي تحكم نجاحه واستمراره, راجين أن نجد مزيدًا من الاهتمام والمساندة من قبل الهيئة العامة للأوقاف عبر التراخيص لمراكز تراقب الأداء الوقفي ومراكز أخرى لتقديم الاستشارات المختصة وتأهيل مكاتب المحامين لتقديم العون لهذا القطاع أسوة بما تقوم به بعض الجهات. كما أن القطاع بحاجة لاستحداث مؤشرات خاصة دورية وبحاجة لمعرفة ما وصل إليه مشروع الشركات غير الربحية إما بصدوره أو عبر تضمينه نظام الشركات في فصل مستقل, والهيئة العامة للأوقاف بقياداتها القانونية الشابة التي سبرت هذا المجال قادرة بإذن الله على إحداث هذه النهضة السريعة في قطاع الخير والنماء والمستقبل.
فيصل المشوح
المحامي والمستشار القانوني
fisalam @
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً