مقال قانوني معمق حول محكمة النقض الفرنسية
أ* عبد الله كامل
دور محكمة النقض
إنّ محكمة النقض Cour de Cassation هي أعلى محكمة في النظام القضائي الفرنسي.
تخضع القضايا المدنية، التجارية، الاجتماعية أو الجزائية أوّلا لما تحكم به محاكم الدرجة الأولى أو المحاكم الدنيا (المحاكم الابتدائية tribunaux d’instance والمحاكم الابتدائية الكبرى tribunaux de grande instance، المحاكم التجارية والصناعية أو محاكم العمل (مجالس العمل التحكيمية conseils de prud’hommes) الخ.). وفقًا لأهمية النزاع المطروح، يتم إصدار الأحكام من قبل هذه المحاكم، إما، في الحالات القليلة، بالدرجة النهائية، أو في أغلبية الحالات، بالدرجة الأولى. يمكن الطعن بالأحكام الصادرة بالدرجة الاولى، أمام محكمة الاستئناف، حيث يتم إعادة النظر بالحكم من كل نواحيه، أي من حيث الوقائع والقانون معًا. أما الأحكام الصادرة بالدرجة النهائية عن محاكم الدرجة الأولى، أو القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف، فيجوز أن تشكّل موضوع طلب نقض أمام محكمة النقض. بغضّ النظر عن كونها في قمّة الهرم، هناك خاصّتان أخريان تميّز محكمة النقض عن باقي المحاكم. إنها وحيدة : “هناك محكمة نقض واحدة للجمهورية كلّها”. ويرِد هذا المبدأ الأساسي في أوّل نصوص قانون نظام القضاء الخاص بمحكمة النقض، لأنّ هذه المحكمة هي الأكثر أهمية؛ لا يمكن فصل هذا المبدأ عن الهدف الرئيسي للمحكمة، ألا وهو توحيد الاجتهاد وضمان أن يكون تفسير النصوص مماثلا في كل أراضي الجمهورية. كون محكمة النقض وحيدة، يمكّنها ذلك من توحيد التفسير، وبالتالي تطوير الاجتهاد الذي يجب أن يكون ذي سلطة، على أن تكون وحدانية المحكمة وعملية توحيدها للتفسير مرتبطتان ببعضهما البعض. ثانيا، ليست محكمة النقض محكمة درجة ثالثة بعد المحاكم الاستئنافية وغيرها من المحاكم. وليس هدفها الأساسي الحكم في الأساس، بل اعلان ما إذا تمّ تطبيق القانون بشكل صحيح بالاستناد إلى الوقائع التي سبق حكمًا تقييمها في القرارات التي يتم مراجعتها بشأنها. لهذا السبب، لا تقوم محكمة النقض، إطلاقًا، بالبتّ بالنزاعات المؤدّية للقرارات المُحالة إليها إنّما بتلك القرارات بحدّ ذاتها. في الواقع، تحكم على قرارات المحاكم الأخرى : فدورها هو البت في ما إذا قامت تلك المحاكم بتطبيق القانون بشكل صحيح على ضوء الوقائع، المحددة من قبلها وحدها، على القضية المرفوعة أمامها على المسائل المطروحة عليها. إنّ هدف كل طلب نقض هو الطعن في قرار قضائي على أن تكون مهمة محكمة النقض اعلان ما إذا تمّ تطبيق القانون بشكل صحيح، أو بشكل غير صحيح، في هذا القرار القضائي.
يتم، في هذه المرحلة، تقرير مصير القضية النهائي، ما يتم نقضه يوضع جانبا، وما عدا في الحالات الاستثنائية، التي لا تخضع فيها القضية لأي مراجعة، لا بدّ أن يتم الاستماع للقضية مرة أخرى على ضوء ما تقضي به محكمة النقض.
إنّ هذه الخصائص، التي تشكل أساس أصالة محكمة النقض وتجعل طلب نقض نقاط قانونية تدبيرًا قضائيّا “استثنائيًّا”، يعود تفسيرها لجذورها التاريخية. وتجد مصدرها في أحداث الثورة الفرنسية. نصّ قانون 27 تشرين الثاني 1790 على تأسيس محكمة النقض التي كانت معروفة بتسمية “Tribunal of Cassation” والتي أصبحت بموجب قرار مجلس الشيوخ senatus-consultum في 28 فلوريال السنة الثانية عشرة (28 أيار 1804) معروفة بتسمية محكمة النقض Court of Cassation. ولكن تاريخ المحكمة يعود لأقدم من ذلك بكثير، إذ بدأت الطريقة التي كانت تتم بها ممارسة العدالة، في ظل النظام القديم في فرنسا Ancien Régime. وبما أن العدالة كانت، آنذاك، حكرًا خاصا، تصدر، كما كان الأمر عليه، عن الملك، كانت الإمكانية الوحيدة لطلب نقض حكم البرلمانات parlements أن يتم النظر بهذا الحكم في المجلس الملكي. وقضت المساهمة الرئيسية للثورة بتكييف هذه المؤسسة، كما لو كانت تفقد علّة وجودها الأصليّة، ناقلةً السلطة التي كانت تعود لرئيس الدولة إلى المحاكم. وعبر التطوّر الذي اختبرته في القرن التاسع عشر، اكتسبت هذه المؤسسة سلطتها المُعترف بها على نطاق واسع الآن.
فضلا عن ذلك، نتيجةً لتلك السلطة القانونية والمعنوية، كلّف المشرّع محكمة النقض بمهام متنوّعة أخرى. ومثالا على لذلك، أدخل عليها الإجراء الاستشاري، الذي يمكّنها، في ظروف معيّنة، من أداء دورها الموحِّد لتفسير القانون ليس بصورة مستأخرة a posteriori ولكن مسبقًا، حتى قبل قرار محاكم الأساس. تمَّ أيضًا، بشكلٍ غير مباشر، تعزيز دور محكمة النقض، أوّلا من خلال إنشاء مؤسسات قضائية متنوّعة مؤلّفة بشكل كامل أو جزئي من أعضاء المحكمة وثانيا بكون أعضاء المحكمة مدعوّين بشكل متزايد للإشتراك في مجموعة من الهيئات ذات التأثير والأهمية المتنامية، حتى ولو كان ذلك خارج صلاحياتهم القضائية تلك.
تنظيم محكمة النقض
ينبع تنظيم محكمة النقض، طبيعيًّا، من كونها محكمة تقضي مهمّتها بالبت في تطبيق القانون. ولكن لا يمكنها أن تعمل بشكل فعال، إلا إذا كان لديها بنية إدارية سليمة.
من حيث القضاء، تتألّف محكمة النقض من غرف توزع عليها طلبات النقض المطلوب من المحكمة النظر بها، على أساس معايير متنوعة محدّدة من قبل قلم المحكمة. تمتّ زيادة عدد الغرف بشكل تدريجي حيث كانت أساسا بعدد ثلاثة (الغرفة المدنية، الغرفة الجنائية، غرفة العرائض Chambre des Requêtes، التي تم إلغاؤها في العام 1947) وأصبح عددها الآن ستة. تمتّ إضافة غرفة تجارية واقتصادية ومالية، وغرفة اجتماعية، وغرفة جزائية إلى الغرف المدنية الثلاثة (أي الغرف الأولى، الثانية والثالثة). ولكل غرفة رئيس. يقوم الرئيس الأول بتخصص مستشارين (conseillers) للغرف، ويختلف عددهم بحسب الأهمية الخاصة بطلبات النقض التي ستقوم الغرف بالبتّ فيها. بالإضافة إلى ذلك، استدعى حجم طلبات النقض الواجب النظر فيها، في كل غرفة، تقسيمًا للأعمال. بالفعل، تمّت قسمة كل غرفة إلى أقسام، التي ضمنها يختلف عدد القضاة بحد ذاته. فهناك دعوى، يتم بتها من قبل ثلاث قضاة عندما يكون طلب النقض غير مقبول أو غير مسند إلى أسسٍ قابلة للدفاع عنه، مما يؤدي إلى الاعلان “بعدم قبوله” (non admis) ، أو أيضًا عندما يبدوحل القضية سهلا. من ناحية أخرى، هناك دعاوى يتم البت بها من قبل هيئة قضاة مؤلفة من خمسة أعضاء على الأقل لهم حق التصويت. عندما يقرر الرئيس ذلك، يجوز أن تتألف الغرفة أيضًا من هيئة قضاة كاملة، إذا ما كان، على سبيل المثال، القرار المطلوب في دعوى ما قد يؤدي إلى تغيير في الاجتهاد أو أنّ الهيئة عليها أن تحكم في دعوى حساسة.
تتضمن محكمة النقض أيضًا، هيئات قضاة مؤقتة مؤلفة إما من أعضاء من كل غرفة (الهيئة العامة (Assemblée plénière)) أو من أعضاء من ثلاث غرف على الأقل (غرفة مختلطة). يرأس الهيئة العامة والغرفة المختلطة الرئيس الأول أو ، في غيابه ، الرئيس الأعلى درجة لغرفة في المحكمة.
تتألف الهيئة العامة من الرئيس الأول ومن كل رؤساء الغرف ومن المستشارين الأعلى درجة للغرف senior chamber justices، يضاف إليهم مستشار من كل غرفة، بحيث يتم تشكيل مجموعة من تسعة عشر عضوًا. يتم اتّخاذ القرار بإحالة قضية ما لمثل هذه الهيئة من قبل الرئيس الأول أو الغرفة التي تمّ تكليفها أصلا بالدعوى. ويمكن ان يحصل ذلك عندما تطرح الدعوى مسألة مبدئية. وتكون الهيئة العامة إلزامية عندما يتم نقض الحكم او القرار وعندما، بعد عودة القضية الى محكمة النقض ثانية، يجب ان يبت القرار الجديد في نفس الدفوع. تكون أيضًا إلزامية عندما يطلب ذلك النائب العام قبل افتتاح المذاكرة. من أهم سمات قرار الهيئة العامة القاضي بنقض قرار صادر عن محاكم الدرجات الدنيا Lower Courts، هو أنه على محاكم الدرجات الدنيا الأدنى هذه أن تلتزم بقرار محكمة النقض حول النقاط القانونية التي سبق للمحكمة أن حكمت بها في نفس القضية .
بالإضافة إلى الرئيس الأول أو من ينوب عنه، تتألف الغرف المختلطة من أربع قضاة من كل من الغرف التي تشكل الغرف المختلطة (رئيس الجلسة، القاضي الأعلى درجة، وقاضيَين آخرَين) بحيث إذا افترضنا أن هناك غرفة مختلطة مؤلفة من قضاة من ثلاث غرف، فيكون مجموع أعضائها ثلاثة عشر عضوا. من الضروري إحالة دعوى إلى غرفة مختلطة عندما تُطرح فيها مسألة تقع عادةً ضمن صلاحيات عدّة غرف، أو عندما تصل هذه الغرف أو من الممكن أن تصل إلى حلول مختلفة. تكون مثل هذه الإحالة إلزامية في حال تساوي الأصوات المنقسمة في الغرفة التي نظرت أولا في طلب النقض، كما هي إلزامية عندما يطلبها المدعي العام Procureur général قبل افتتاح المذاكرة. يرمي الهدف الرئيسي لمثل هذه الهيئة المختلطة من القضاة إلى حل الاختلافات بين الغرف حول الاجتهاد.
يتم تخصيص كاتب واحد أو أكثر لكل غرفة.
هناك عدد من اللجان ذات الطبيعة القضائية مرتبطة بشكل وثيق بمحكمة النقض، بحيث تقوم هذه الأخيرة بتزويدها بالقضاة وبالبنية التحتية الإدارية وبالأماكن الضرورية لأعمالها. على سبيل المثال :
· اللجنة الوطنية للتعويض عن الحبس الاحتياطي (Commission nationale de réparation des détentions) التي تقوم بوظيفة محكمة استئناف ضد قرارات الرؤساء الأول من محاكم الاستئناف في مجال التعويض عن العواقب المضرة للحبس الاحتياطي الصادر بناءً على قرار إعادة سجن المتّهم احتياطيًّا في دعاوى قضائية تم الآن إغلاقها، إذ تم ردّ الدعوى بسبب عدم كفاية الدليل أو لأنه تم إطلاق سراح السجين أو تبرئته؛
· لجنة مراجعة الاحكام الجزائية (Commission de révision des condamnations pénales) التي تنظر في الطلبات من أجل إعادة المحاكمة، مُحيلةً تلك التي تراها مقبولة إلى الغرفة الجزائية في المحكمة،
· لجنة إعادة النظر في قرار جزائي تبعًا لقرار صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (Commission de réexamen d’une décision pénale consécutif au prononcé d’un arrêt de la Cour européenne des droits de l’homme)، المنشأة بقانون 15 حزيران2000. تقوم هذه اللجنة بعمليّة غربلة، إذ تؤكّد أن طلبات إعادة المحاكمة مقبولة وصحيحة قبل إحالة الدعاوى إلى محكمة بنفس التسلسل الهرمي وبنفس مستوى تلك التي أصدرت القرار الذي يخالف الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ويوجد أيضا لدى محكمة النقض مكتب المساعدة (المالية) القضائية (Bureau d’aide juridictionnelle) الذي يضم قضاة، ومحامين، ومسؤولين حكوميين وممثلا عن المتقاضين، بحيث يتم تعيين مديره من قبل الرئيس الأول. يقوم هذا المكتب بتقييم طلبات المساعدة وتغطية أتعاب المحامي المقدّمة من المدعين أو المدعى عليهم في ما يخص طلبات النقض، بما يضمن وصول الجميع بحريّة الى محكمة النقض بغض النظر عن وضعهم المالي.
فيما يتعلّق بالإدارة ، كما سيتبيّن أدناه ، يكون للرئيس الأول لمحكمة النقض، بالنسبة لهيئة القضاة، مسؤولياته الخاصة به، المختلفة عن النائب العام بالنسبة إلى النيابة العامة. لكل منهما مكتب مزود بالقضاة، ويكون الزملاء المباشَرين للرئيس الأول في مكتبه، مؤلفين من مستشار، ومديري علاقات دولية، وموارد بشرية وإدارة واتّصالات. ويكون مكتب الرئيس الأول مسؤولا أيضًا عن دائرة المحكمة الخاصة بالإدارة العامة وبالإدارة المتعلقة بالميزانية كما دائرة الإلكترونيات التي ترعى إدارة وصيانة البرمجياتsoftware ومكونات الحاسب الإلكتروني ووحداته hardware وتؤمن لأعضاء المحكمة المساعدة والتدريب التقنيين.
هناك “مكتب” مؤلّف من الرئيس الأول، ورؤساء الغرف، والنائب العام والمحامي العام الرئيسي يتولّى بعض المهام المعينة. تحدد بالمذاكرة المجالات التي تقع ضمن نطاق اختصاص هذا المكتب بموجب القوانين والمراسيم. ومن بين أمور أخرى، يحدد هذا المكتب عدد ومدة الجلسات ويضع اللائحة الوطنية للخبراء National List of Experts. كما ينصح الرئيس الأول في المسائل الرئيسية المتعلقة بتنظيم وعمل المحكمة.
أخيرًا، على غرار كل المحاكم، يكون لمحكمة النقض قلمًا يغطي كل دوائرها الإدارية. يقوم رئيس القلم الأعلى درجة للمحكمةSenior Registrar بإدارة هذا القلم تحت سلطة الرئيس الأول. ويكون للنيابة العامة مكتبها العام المستقل الخاص بها، المرؤوس من رئيس قلم Chief Registrar.
أعضاء محكمة النقض
لا بد من استنتاج علامة فارقة جوهرية خاصة بشكل أساسي بالنظام القضائي الفرنسي، بين قضاة محكمة النقض والنيابة العامة. فمهمة قضاة محكمة النقض هي أساسًا البت في الدعوى، بينما يقوم قضاة النيابة العامة بالمرافعة في الجلسات، وبهذه الصفة، يكونون مسؤولين عن حماية القانون بضمان تطبيقه المناسب.
أعضاء هيئة القضاة
يتألف قضاة محكمة النقض من الرئيس الأول (premier président)، الرؤساء الأول للغرف، المستشارين (conseillers) والمستشارين المساعدين (conseillers référendaires).
يتولى الرئيس الأول المسؤوليات القضائية والإدارية معًا. هو يرأس اجتماعات الهيئة العامة (Assemblée plénière) والغرف المختلطة للمحكمة. كما يرأس إحدى الغرف عندما يراه مناسبًا، ويضع جدول الطلبات المقدّمة من أحد فرقاء النقض ويجوز له بالتالي تخفيض المهل الزمنية لتقديم المذكّرات. يبت في قبول طلبات الفرقاء بإبراز مستندات لدى محكمة النقض مسجّلة على أنّها مزورة. يفصل في عدم توافر الشروط في طلبات النقض للتخلّف عن تقديم المذكرات ضمن المهل الزمنية أو في عدم قبولها كما في ردها. يحكم في استدعاءات الشطب من الجدول ويبت في القرارات الخاصة بمكتب المساعدة القضائية وفق ما تتم إحالتها إليه. يعين المستشارين (conseillers) والمستشارين المساعدين (conseillers référendaires) وكتّاب الغرفة (greffiers de chambre) لكل من غرف المحكمة الستة. أخيرًا، يرأس المكتب وله السلطة على رئيس قلم المحكمة الأعلى درجة Senior registrar في ما يتعلق بإدارة المحكمة.
إلى جانب مسؤولياته القضائية والإدارية في المحكمة، يقوم الرئيس الأول أيضًا بأنشطة مهمّة جدًّا خارج المحكمة. على سبيل المثال، يرأس : مجلس القضاء الاعلى Conseil supérieur de la magistrature سواء في ما يتعلق بالقضايا التأديبة أم التعيين في ما خصّ أحد قضاة الحكم منذ إصلاح مجلس القضاء الاعلى الذي أقِرّ بموجب قانون 23 تموز 2008، ولجنة ترقية القضاة Commission d’avancement des magistrats ومجلس إدارة المعهد الوطني للقضاء Conseil d’administration de l’Ecole nationale de la magistrature الذي يلعب دورًا رئيسيًّا في تحديد منهاج الدراسة الخاص بالقضاة المستقبليين كما في متابعة الحصص التدريبية للقضاة المعيّنين. بصفته القاضي الأعلى في فرنسا، يعتبر الرئيس الأول شخصية محوريَّة، فيتم الاستماع إلى آرائه من قبل السلطات المختلفة للدولة والذي غالبا ما يمثل القضاء في الاجتماعات الوطنية والدولية. ومن بين الأمور الأخرى، تتم استشارته في مشاريع القوانين والمراسيم التمهيدية المتعلقة ليس فقط بالإجراءات لدى محكمة النقض ولكن أيضًا بالإصلاحات الرّئيسيّة التي تؤثر على النظام القضائي. بسبب استقلالية منصبه، والسلطة التي ينطوي عليها هذا المنصب، تطلب منه السلطات التشريعية أيضًا تعيين شخصيات بارزة لرئاسة هيئات مختلفة أو المشاركة فيها.
منذ بعض السنوات لتاريخه، يقوم الرئيس الأول بعقد اجتماع سنوي لكل الرؤساء الأول للمحاكم الاستئنافية لتبادل الآراء، بحضور ممثّلي الغرف المختلفة من المحكمة ووزارة العدل Chancellerie حول مسائل قانونية جديدة تواجهها المحاكم الدنيا. إنّ هذه الاجتماعات وسيلة قيّمة لتوثيق العلاقات بشكل أكبر على كل مستويات القضاء، بينما تتم في الوقت عينه مساعدة محكمة النقض، التي تواجه تدفّقًا واسعا من الدعاوى، على تحديد أولوياتها القاضية بتأكيد تطبيق القانون على ضوء المسائل التي تُحال إليها.
يرأس رؤساء الغرف، الذين عددهم سبعة، جلسات هيئات القضاة الخاصة بهم. بغيابهم، يقوم المستشار (conseiller) الأقدم رتبة للغرفة برئاسة الجلسة، أو في حال غاب هذا الأخير، فالمستشار الأقدم رتبة الحاضر.
عدد مستشاري المحكمة هو ماية وعشرون، يضاف إليهم خمسة وثلاثون منصبا مخصّصا لتعيين رؤساء المحاكم الاستئنافية الأول ورئيس المحكمة الابتدائية الكبرى في باريس Tribunal de grande instance. يتم تعيينهم بمرسوم من قبل رئيس الجمهورية الفرنسية بناءً على اقتراح مجلس القضاء الأعلى Conseil supérieur de la magistrature. يتم اختيارهم، بشكل رئيسي، من بين أعضاء السلك القضائي، لا بل يتمّ أيضًا مؤخَّرًا تعيين عدد من أساتذة القانون أو المحامين لدى مجلس شورى الدولة Conseil d’Etat ومحكمة النقض. بما أن المستشارين في الخدمة غير العادية conseillers en service extraordinaire، الذين عددهم عشرة، يقومون بالمهام نفسها مثل المستشارين الآخرين، لا بدّ من إضافتهم أيضا إلى المستشارين المذكورين هنا، ويتم تعيين هؤلاء المستشارين لمدة ثماني سنوات غير قابلة للتجديد ، نظرًا لمهارتهم وخبرتهم.
على المستشارين أيضًا أن يقدّموا الخدمات في اللجان المختصة وفي المؤسسات المختلفة، على أن يتم بشكل عام تعيينهم أو اقتراحهم من قبل الرئيس الأول.
في كل غرفة، يضطلع القاضي الأعلى درجة أو العميد doyen بدور إشرافي في كل الدعاوى.
يتم اختيار المستشارين المساعدين (conseillers référendaires)، الذين يبلغ عددهم سبعين، من بين القضاة المزاولين في المحاكم الدنيا، ويتم تعيينهم لمدة لا تتجاوز العشر سنوات. باستثناء الحالات التي يكونون فيها مستشارين مقررينconseillers-rapporteurs، لا يكون لهم مبدئيا حق التصويت في المذاكرات بالرغم من أنه تتم استشارتهم. كما يتوجب عليهم القيام بأبحاث ويكونون مسؤولين عن صياغة خلاصات القرارات بالتعاون مع دائرة التوثيق والدراسات والتقرير.
النيابة العامة Parquet général
تتألف النيابة العامة، التي يرأسها النائب العام Procureur général يساعده سبعة محامون عامون أوَل، فضلا عن هؤلاء، من ثلاثة وثلاثين محاميا عاما يًضاف إليهم خمسة محامون عامون مساعدون. تناط مهام النيابة العامة بالنائب العام شخصيا. يقوم دور المحامين العامين بشكل رئيسي، على إبداء آراء استشارية تستلزم تحليلا لطلبات النقض في نقطة أو نقاط قانونية وفي بعض الحالات، إبداء الرأي في المسائل الاقتصادية والاجتماعية التي تكون في قلب المشاكل المُثارة أو الحلول المرتقبة. يعين النائب العام Procureur général المحامي العام الأول والمحامين العامين لكل غرفة من الغرف السبعة التي تشكّل محكمة النقض. يجوز له أن يشارك شخصيًّا في جلسات الغرف عندما يرى الأمر ضروريا. عمليا، يكون أعضاء النيابة العامة Parquet général مستقلّين عن وزير العدل Garde des sceaux ولا يكون المحامون العامون خاضعين للنائب العام Procureur général الذي لا يعطيهم التعليمات.
إنّ مسؤوليات، وصلاحيات وسلطة النيابة العامة لدى محكمة النقض محدّدة بشكل تام. تكون النيابة العامة ضرورية بما هي عليه، للعب دور رئيسي في إدارة العدالة، فالمهمة الأولى للنيابة العامة Ministère public لدى محكمة النقض تقضي بتأكيد كون تفسير المحكمة للقانون منتظمًا ويراعي رغبات التشريع، والمصلحة العامة، والسياسة العامة. كما من مهمتها ضمان وحدة الاجتهاد ليس فقط لدى محكمة النقض بل لدى كل المحاكم.
ولهذه الغاية، يتمتع النائب العام Procureur général بصلاحية مهمة. في الدعاوى المدنية، يجوز له أخذ المبادرة بإحالة قرار قضائي غير مناسب إلى محكمة النقض لإجراء الرقابة “نفعا للقانون”. يجوز له أيضًا، عندما يُطلب إليه ذلك، من قبل وزير العدل Garde des sceaux، أن يقدم طلب نقض بإساءة استعمال السلطات لدى محكمة النقض، مُعلما إياها بالأعمال التي تجاوزت فيها المحكمة حدود حسن استعمال سلطاتها أو أساءت استعمالها. في الدعاوى الجزائية، يمكن طلب النقض نفعا للقانون إما بناء على طلب وزير العدل Garde des sceaux وإما بمبادرة من النائب العام Procureur général الذي يتمتع أيضًا بسلطة طلب إحالة دعوى الى الغرفة المختلطة أو إلى الهيئة العامة.
تشارك النيابة العامة أيضًا بأنشطة اللجان المختلفة المرتبطة بمحكمة النقض وباللجنة التي تبت في طلبات الطعن المقدمة من ضباط الشرطة الجنائية ضدّ حرمانهم المؤقت من وظيفتهم أو سحب صلاحياتهم. وتقدّم النيابة العامة لمحكمة النقض طلبات إعادة المحاكمة، وطلبات إحالة دعوى من محكمة إلى محكمة أخرى عندما يكون هناك شك في عدم التحيّز أو بخطر على النظام العام، وطلبات تعيين المحكمة المختصة requêtes en règlement de juges، وطلبات تعيين هيئة للتحقيق والحكم في الجرائم والجنح التي يرتكبها القضاة وبعض المسؤولين العامين الآخرين.
يمثل النائب العام Procureur Général النيابة العامة Ministère public لدى محكمة عدل الجمهورية Cour de justice de la République ويساعده في هذه المهمة المحامون العامون الأول ومحامون عامون آخرون.
يشارك النائب العام Procureur général في إدارة القضاء وتأمين النظام فيه، وتبعا لذلك، هو عضو في لجنة ترقية القضاةCommission d’avancement des magistrats ومجلس إدارة المعهد الوطني للقضاء Conseil d’administration de l’Ecole nationale de la magistrature. ومنذ إصلاح مجلس القضاء الاعلى Conseil supérieur de la Magistrature الذي أقِرّ بموجب قانون 23 تموز 2008، يرأس هيئة مجلس القضاء الأعلىConseil supérieur de la magistrature المختصة بالإجراءات التأديبية بحق أعضاء النيابات العامة.
نقابة المحامين لدى محكمة النقض ومجلس شورى الدولة
هناك محامون متخصّصون للتمثيل والدفاع عن المتخاصمين أمام محكمة النقض، حيث يكون هذا التمثيل بالفعل إلزاميا، باستثناء الخلافات المتعلقة بانتخابات (تتعلّق بالحرف والمهن كما الانتخابات السياسية) ضمن اختصاص المحكمة، حيث يُسمح للفرقاء تولّي دفاعهم الخاص. إنّ هؤلاء المحامين الذين يشكلون نقابة وحيدة، هم خلفاء محامي المرافعة المقبولين أمام المجالس الملكيةRoyal Councils التي ورثوا عنها لقبهم بالمحامين لدى المجالس avocats aux Conseils. إن ميثاق هذه النقابة يعود تاريخه لمرسوم ملكي في العاشر من أيلول 1817، ولا زال نافذًا لتاريخ اليوم، بالرغم من بعض التعديلات الضرورية على مر السنين. يقوم هؤلاء المحامون المتخصصون بوظائف رسمية (offices) ومن هنا نجد عددهم محصورا بستين محامياٍ. غير أنه، هناك مرسوم صادر بتاريخ 15 آذار 1978 يسمح أيضًا للشركات أو للمكاتب المهنية القيام بهكذا وظائف على أن لا يكون لكل شركة أكثر من ثلاثة أعضاء. في الأول من كانون الثاني 2010، كان العدد الإجمالي لهؤلاء المحامين، إن شركاء أو غير ذلك،97. يخضع الانتساب إلى هذه النقابة لشروط صارمة تتعلق بالأهلية المهنية، تتجلى بالنجاح في اختبار من بعد فترة تدريبية مدتها ثلاث سنوات أو بالخبرة المهنية السابقة لمقدّم الطلب المُحددة بمعايير موضوعية خاصة جدًّا. يتم إصدار تعيين هؤلاء المحامين بقرار من وزير العدل Garde des sceaux من بعد تقديمهم من قبل المتفرغ الذي يمارس بالتالي الحق باستيفاء من الخلف أو الشريك المقدّم مبلغا تكون قيمته مراقبة من قبل النقابة ووزارة العدل والذي تكون من أجله إمكانيات التمويل متوفرة. تمّ الاعتراف بتأسيس نقابة متخصصة مرتبطة بهذه الطريقة بالمحكمة العليا، من قبل الهيئات الأوروبية كضرورة مبرّرة من أجل خدمة مرفق عام.
يتولى مجلس النقابة النظام الداخلي للنقابة، وهو مؤلّف من رئيس وأحد عشر عضوًا، منتخبين كلهم لثلاث سنوات، ويتم إعادة انتخاب ثلثهم في كل سنة. تقوم المهمة الرئيسية لمجلس النقابة (Conseil de l’Ordre) على وضع القواعد الأخلاقية لأعضاء النقابة (avocats aux conseils). كما يبدي رأيه في إجراءات تتعلّق بالمسؤولية الشخصية ضد المحامين المنتمين لهذه النقابة.
يكون أعضاء هذه النقابة، الذين كموظفين رسميين officiers ministériels يقومون بوظائف رسمية، معنيين بأعمال المحكمة. إنّ كل مكتب لمزاولة المهنة (cabinet) أمام محكمة النقض يساعد الأشخاص الذين يتلقون المساعدة القضائية. ويكون البعض من هؤلاء المحامين مرتبطين بمكتب المساعدة القضائية بينما يقوم الآخرين بالنظر بطلب نقض نقطة أو نقاط قانونية في الدعاوى الجزائية، باحثين عن دفاع ممكن بمخالفة القانون (سبب النقض moyen de cassation) خاضع بشكل محتمل للبتّ فيه. وبشكل أعم، تتمثل مهامهم بتأمين أمرين مرتبطين بشكل غير قابل للفصل، وهما مصالح المتنازعين وحسن سير المحكمة.
طلب نقض نقطة أو نقاط قانونية (pourvoi en cassation)
في الدعاوى المدنية، يتم تقديم طلب نقض نقطة أو نقاط قانونية (pourvoi en cassation) بتصريح لقلم محكمة النقض (باستثناء الدعاوى الانتخابية، التي يجوز تقديمها من الفريق نفسه أو من أي ممثل مفوض)[i]. تبلغ المهلة الزمنية “شهرين لتقديم طلب النقض ، ما لم يتم النص على خلاف ذلك”، وتبدأ هذه المهلة من تاريخ تبلّغ القرار موضوع النقض. في المسائل الجزائية، لا بد أن يتمّ التصريح بطلب النقض لكاتب المحكمة التي أصدرت القرار موضوع النقض، بمهلة لا تتخطى الخمسة أيام من إصداره.
يجب أن يتضمن الطلب، الذي يراعي بعض القواعد الشكلية خارج نطاق هذا الشرح العام، من حيث تعريفه، نقض القرار. وهذا الأمر يثير المسألة الثنائية لنوع القرار الذي قد يكون موضوع هكذا طلب والأسباب التي سيتم الاستناد إليها لنقضه.
في الدعاوى المدنية، يكون طلب نقض نقطة قانونية ممكنًا فقط ضد القرارات الصادرة بالدرجة النهائية. غير أنه، وفقًا لبعض المواصفات، يجب أيضا أن يكون قد تم إصدار القرار في أساس الدعوى، أي على الأقل في “مسألة أساسية” “some issue of substance”، ما يستثني الأحكام التي تقضي بتحقيق إضافي أو تدبير مؤقت، التي من الممكن فقط نقضها في مرحلة لاحقة، في نفس الوقت الذي يتم فيه طلب نقض القرار0
بالنسبة إلى القرار المُراد الطعن فيه، على الفريق الذي يرفع طلب النقض أمام محكمة النقض أن يثبّت أن القرار، موضوع النقض، لا يراعي القانون. لذلك، يتم استثناء كل مناقشة في الوقائع، التي لا يتم التحقق
فيها من قبل محكمة النقض، إذ أن مهمة تقدير هذه الوقائع تقع حصريًّا على عاتق المحاكم الدنيا.
في الدعاوى الجزائية، “يجوز إبطال أحكام غرفة التحقيق والقرارات الصادرة بالدرجة النهائية في المسائل الجزائية وتلك المتعلقة بالشرطة في حال مخالفة القانون”. تخضع القرارات التمهيدية هنا لإجراءات خاصة، ما يعني أنه ضمن بعض الشروط، يجوز تقديم طلب الترخيص بالنقض المباشر لنقطة قانونية لرئيس الغرفة الجزائية. يُضيف قانون أصول المحاكمات الجزائية دعاوى متنوعة أخرى لمخالفة القانون تمنح أهمية كبيرة للصفات التقنية القانونية، وتم تعزيز تلك النصوص الآن بشكل إضافي بموجب الاتفاقية الأوروبية حول حقوق الإنسان.
بشكل عام، في الدعاوى المدنية أو الجزائية، تكون رقابة محكمة النقض على نوعين رئيسيّين : الرقابة القانونية والرقابة التأديبية.
بشكل أساسي، تتم ممارسة الرقابة القانونية بواسطة ردّ المحكمة على سبب الطعن أو الطعون لمخالفة القانون (المدني والجزائي) أو على سبب الطعن بسبب الافتقار للأساس القانوني (الدعاوى المدنية). إن مخالفة القانون ليست فقط مخالفة القانون بالمعنى الدستوري، ولكن أيضًا مخالفة للنصوص التنظيمية، وللعرف وفوق كل شيء، للمعاهدات الدولية بحيث تم وضع مبدأ تفوّقها على القانون الداخلي بموجب المادة 55 من الدستور : وفي هذه الحالة، يستحق قانون المجموعة الاوروبية Community Lawإشارة خاصة. إنّ الافتقار إلى الأساس القانوني، لا يستلزم بشكل ضروري تفسيرًا خاطئًا للقانون من محكمة الأساس المطعون بحكمها، ولكنه يفترض أن لا تكون المحكمة قد قدّمت أسسًا كافية لقرارها. ويُضاف إلى تلك الحالات، التشويه، الافتقار إلى الأسس القانونية، والتخلف عن الرد على الطلبات. في هذا المجال بامتياز، تستطيع محكمة النقض القيام بعملها الموحّد الذي غالبا ما يكون عملا تجديديا في ما يخص تفسير قاعدة قانونية سواء كانت أساسية أو إجرائية أو تشكل جزءًا من تشريع جديد أو قديم. إنه في هذا المجال بشكل رئيسي يتم تطوير الاجتهاد من قبل محكمة النقض، المسألة التي سنعود إليها لاحقا.
أما مفهوم الرقابة التأديبية – كما تمت تسميتها رسميا لوقت طويل – فيتعلق بشكل أساسي بالتزامات المحاكم في ما يخص كيفية إصدارها ووضعها للقرارات. والهدف هنا هو ضمان أن تقوم محاكم الموضوع بالتزاماتها في ما يخص عرض طلبات وأسباب دفاع الفرقاء، والرد على اللوائح المقدّمة وتبيان أسباب الأحكام والقرارات، إذ أنّ شرط الاستدلال القانوني لا يشمل فقط الالتزام بعرض أسباب دعمًا للفقرة أو الفقرات الحكمية ، ولكن أيضًا عدم الاحتواء على تناقض، وعدم استعمال أسس افتراضية أو مشكوك فيها، وعدم استعمال أسس لا صلة لها بالموضوع، وبمعنى آخر، أسس لا تشكل ردًّا على النقطة المثارة. إنّ التشويه لمستند ما، يشكل أيضًا جزءًا من الرقابة التأديبية في الدعاوى المدنية. قد يتضمن أيضًا التفسير الأوسع لمفهوم الرقابة التأديبية الواضح والدقيق المآخذ المتعلقة بعدم مراعاة الالتزامات الأخلاقية للمحاكم وبشكل أعم عناصر المحاكمة العادلة، أي مبدأ الخصومة الوجاهية، مثلا عندما يتم طرح سبب يعود للوظيفة ex officio، ومبدأ عدم التحيز، ومبدأ الجلسات العلنية، والحق بأن يتم الاستماع إليها ضمن الوقت المعقول. لقد شهد مبدأ عدم التحيز، بشكل خاص، المطبق على ضوء المادة 6 المقطع 1 من الاتفاقية الأوروبية حول حقوق الإنسان، تطورات كبيرة في الاجتهاد كان لها أصداء كبيرة على طريقة عمل modus operandi المحاكم أو الهيئات المماثلة الأخرى، مثل السلطات الإدارية المستقلة.
إنّ هذه الرقابة التأديبية، المفهومة بشكل واسع، تمثل عبئا ثقيلا على محكمة النقض، باعتبار ان العديد من طلبات النقض تستند إلى سبب أوأسباب تأديبية. ولا مجال لتفادي ذلك، بسبب عدد وأنواع ومجموعة المحاكم التي تتم مراقبة قراراتها من قبل محكمة النقض وأيضا الأهمية الأساسية، في دولة القانون، لمقتضيات المحاكمة العادلة.
إجراءات النظر في طلبات نقض نقطة أو نقاط قانونية
من بعد قيد طلب النقض في سجل محكمة النقض، تتمثل الخطوة التالية، شرط ألا تكون الدعوى غير مستوفية الشروط الشكلية، بتقديم لائحة المطالب (mémoire en demande) التي لا تزال تُسمى اللائحة التوضيحية (mémoire ampliatif). تعرض هذه اللائحة النقاط القانونية المسند إليها، مع الأمل بنقض القرار، موضوع الطلب، كما الحجج التي تدعم النقاط القانونية تلك. من جهته، يجوز للمطلوب النقض ضده أن يردّ بتقديم لائحة جوابية (mémoire en défense)0 في نهاية المهل الممنوحة للفرقاء لهذه الغاية، والتي تختلف وفقًا لطبيعة الدعوى (في الدعاوى المدنية، أربعة أشهر في المبدأ للائحة المطالب، ابتداء من تسجيل طلب النقض ، وشهران لللائحة الجوابية تبدأ بالسريان من تاريخ تبلغ لائحة المطالب)، تتم إحالة الدعوى، بحسب موضوعها، إلى إحدى غرف المحكمة الستّة، أو لغرفة مختلطة أو للهيئة العامة ، مع تعيين مستشار مقرّر (conseiller rapporteur).
عندما لا يكون طلب النقض مقبولا أو مسندا إلى أسس جدية ، تجوز معالجة الدعوى بشكل سريع بواسطة إجراءات عدم القبول. إنّ هذه الإجراءات، التي وضعها قانون 25 حزيران 2001، قد أحيت من جديد، بشكل مختلف، إجراءات النظر التمهيدي بطلبات النقض التي وُجدت لغاية العام 1947، على الأقل في الدعاوى المدنية، ولكن بفرقين أساسيّين. أوّلاً، كان هناك، سابقا، غرفة متخصصة لهذه الغاية، غرفة العرائض (Chambre des requêtes). أما الآن فتشكّل كل غرفة هيئتها الخاصة من ثلاثة مستشارين، التي قد تختلف في تشكيلها، من أجل الحكم في هذا النوع من طلب النقض. ثانيًا، لقد كان النظر في طلبات النقض من قبل غرفة العرائض مرحلة إلزامية لطلبات النقض، باستثناء الدعاوى الجزائية، في حين يتم الآن النظر من قبل تلك الهيئات من القضاة فقط بطلبات النقض التي تبدو ظاهريا أنها تستدعي قرارا بعدم قبولها.
ولعملية الغربلة هذه منافع مختلفة. هي سريعة وبسيطة : بالرغم من أنها تفترض بشكل طبيعي دراسة مفصّلة من المقررrapporteur كما رأي النيابة العامة Ministère public، فإنها لا تستدعي إلا قرارات شكلية بعدم القبول، لا تتضمن حيثيات ، وهذا ما يوفر على المحكمة وجوب معالجة دعاوى لا تستحق العناء، وتمكّنها هذه العملية من التركيز على مهمتها الأساسية، أي تطوير الاجتهاد عن طريق ردها على طلبات النقض التي تثير مشاكل قانونية حقيقية. إنّ نسبة طلبات النقض التي تسير على هذا النحو كبيرة، وتصل إلى 30% بالنسبة للغرف المدنية و35% بالنسبة للغرفة الجنائية.
إنّ كل دعوى أخرى تتطلّب الدراسة المفصّلة، تشكّل موضوع إجراءات قضائية خطية مُعدَّة من المستشار الذي يُعتبر مقرّرًاrapporteur، والذي يتمّ تكليفه بالدعوى من قبل رئيس غرفته. من بعد النظر بالدعوى، يحضّر المستشار المقررconseiller rapporteur تقريرًا، مع مذكرة Note ومسودة حكم أو أكثر. يتألف التقرير من بيان الوقائع والإجراءات، وتحليل الحجج، وتحديد المسألة القانونية التي تتطلب قرارا وأهميتها، والمراجع الأساسية ذات الصلة بالاجتهاد والفقه، مع الإشارة إلى ما إذا تم تحضير مسودة حكم واحدة أو أكثر واقتراحًا يتعلق بهيئة القضاة المناسبة لمعالجة الدعوى. تتألف المذكرة Note فقط من رأي المقرر. ويعود أمر وضع مسودة حكم واحدة أو أكثر للمقرر وحده، حسبما يرى أن هناك احتمال وجود عددًا من الحلول، أو على الأقل هناك عدد من الحلول التي قد تتطلب مناقشة.
تتم من ثم إحالة ملف الدعوى، بما في ذلك التقرير (باستثناء المذكرة ومسودة الأحكام، التي سيتم الاطلاع عليها فقط من قبل المستشارين الذين عليهم أن ينظروا في الدعوى)، إلى محامٍ عام، الذي يدرس الملف بقصد إبداء رأيه. قبل أسبوع تقريبا من الجلسة، يلتقي الرئيس والمستشار الأعلى درجة للغرفة لتبادل الأفكار في الدعاوى التي يتم تحديدها : إنها المداولةconférence التي ترمي إلى تحديد ما إذا يبدو أن بعض الدعاوى تطرح مصاعب خاصة يكون على المقرر rapporteurوهيئة القضاء المكلَّفة ببتها أن يمنحاها انتباهًا خاصًّا.
بموجب قانون 23 نيسان 1997، تتألف هذه الهيئة من القضاة من ثلاثة مستشارين عندما يتطلب طلب النقض اتّخاذ قرار إجرائي، بغض النظر عن نوعه (ردّ، إسقاط، غير قابلية للقبول، أو عدم قبول). وإلاّ، على هيئة القضاة أن تتألف من خمسة مستشارين على الأقل يتمتعون بحق التصويت. غالبا ما يتم استخدام مصطلح التشكيل المحدود formation restreinte(limited bench) للهيئة الأولى وتشكيل القسم formation de section (section bench) للهيئة الأخيرة من القضاة. وفي كل هيئات القضاة هذه، تُبدي النيابة العامة Ministère Public آراءها. وتتم بالتالي المذاكرة في الدعوى، التي خلال سيرها يلخّص المقرر rapporteur النقاط الأساسية لعمله ويبدي رأيه. ويعطي بالتالي الكلام للمستشار الأعلى درجة، الذي يتبعه بالتسلسلية كل مستشار (conseiller)، على أن يكون رئيس الغرفة صاحب الكلمة الأخيرة. من ثم يتم طرح الإجراءات المقررة (الحل solution) أي، ليس فقط الفحوى العام للحكم، ولكن أيضًا حرفيته الفعلية (على الأقل بنفس أهمية الإجراءات ذاتها) لأغلبية الأصوات، على الرغم من أن الحكم لن يتضمن أي إشارة لكيفية تصويت المستشارين. لا يجوز أن يذكر في القرار أي رأي مخالف.
عندما يتخذ قرار بردّ طلب نقض،يصبح القرار، موضوع النقض، غير قابل للرجوع عنه. وعندما يتم نقض حكم فيجوز نقضه برمته من دون طلب أي إجراء (يُبطل القرار موضوع النقض، على أن يبقى الفرقاء في الحالة التي كانوا عليها قبل هذا الحكم) أو جزئيا من دون طلب أي إجراء (في هذه الحال، يتم إبطال بعض الأجزاء فقط من الفقرة أو الفقرات الحكمية لهذا الحكم). مبدئيا، يتعلق مثل هذا القرار فقط بطالب النقض والمطلوب النقض ضده، بالرغم من أنه في الدعاوى الجزائية يكون لمحكمة النقض الخيار بمدّ مفاعيل الإبطال لشمل فرقاء في المحاكمة لم يقوموا بالنقض.
في الأغلبية الكبيرة من الدعاوى، إنّ الحكم بنقض قرار يحيل الدعوى إلى محكمة بنفس مستوى تلك التي تمّ إسقاط قرارها أو للمحكمة نفسها مؤلفة من قضاة مختلفين. باستثناء الحالة التي يتم فيها إصدار قرار من قبل الهيئة العامة، لا تكون المحكمة التي تمّت الإحالة إليها مُلزمة بمراعاة الإجراء أو الحل الوارد في قرار محكمة النقض.
ولكن، يجوز لمحكمة النقض إبطال حكم من دون إحالة الدعوى، إمّا لأن نقض الحكم لا يتضمن أي حكم إضافي في الأساس أو لأن الوقائع، كما هي مثبتة ومقيَّمة نهائيا من قبل محكمة الموضوع، تمكنها من تطبيق القاعدة القانونية المناسبة. والهدف هنا هو تسريع الإجراءات القضائية وضمان الاحترام لواحدة من الشروط الأساسية لمحاكمة عادلة، بمعنى آخر، حق فريق ما في الحصول على حكم ضمن مهلة زمنية معقولة.
اجتهاد محكمة النقض
كونها في ذروة التسلسل القضائي، وبما أنها وحيدة، ولأن ذلك هو هدفها الرئيسي، تلعب محكمة النقض دورًا أساسيا في توحيد الاجتهاد. وهذه الوظيفة تفسر الطبيعة المتخصصة للمحكمة، التي لا تحكم قطّ في الوقائع. بل أن مهامها تتمثل حصريًا بتفسير القانون، إن في ما يخص الأساس أو الشكل، إن كان قديما أو جديدا . هذا ما يعزز أهمية قراراتها بموجبه. يرتكز تفسيرها على الجوابات التي تعطيها في حكمها على الحجج المعروضة أمامها، وبشكل محدد أكثر، على الحجج التي تتذرع بمخالفة القانون. إن كيفية تكون وتطور ونشر الاجتهاد المتّبع تستدعي بعض التعليق.
بسبب طبيعة تقنية النقض بالذات (cassation) التي تقود إلى تفحص كل دعوى في ما يتعلق بالتطبيق المناسب للقانون على القرار موضوع النقض، يتم تطوير الاجتهاد بشكل تدريجي على أساس طلبات النقض والحجج الناجمة عنه. يحظر على محكمة النقض الممارسة المعروفة بالقرارات التنظيمية arrêts de règlement (“regulatory judgments”)، كما وأنه بالنسبة لكل المحاكم الفرنسية الأخرى، وبموجب المادة 5 من القانون المدني، “يُحظّر على المحاكم إصدار قرار بشكل أحكام تنظيمية في دعاوى مقدّمة لها”. ويتم بالتالي تطوير الاجتهاد شيئًا فشيئا بما أن المشاكل مطروحة بشكل تدريجي بموجب حجج قانونية. بالتالي، إن محكمة النقض بتناغمها مع المجتمع الفرنسي – والآن الأوروبي- تقوم بتحديد تطبيق القانون مكيّفةً إياه مع تطورات هذا المجتمع، التي تكون إن سياسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو دولية، أو تقنية، أو تكنولوجية. إن تنوع المسائل بحد ذاته، المطروح على محكمة النقض يعني أنه عليها أن تعطي جوابا منطقيا ومتوازنا لمعظم المشاكل المحتملة التي يثيرها تفسير القانون.
وتترك المرونة الناجمة عن ذلك، نطاقا واسعا لقراءة جديدة، مع الوقت، وإذا اقتضى الأمر، لكيفية تفسير القانون، على ضوء التغيرات في المجتمع والطريقة التي يتم النظر إليها. وهي بشكل خاص، تمكّن من ملء ثغرات في القانون الوضعي، إذ أن المادة4 من القانون المدني تمنع المحاكم من رفض الحكم بسبب صمت، أو غموض أو عدم ملاءمة القانون. ويكون بالتالي لمحكمة النقض دورًا أساسيا تلعبه في هذا الصدد. هناك بشكل أساسي تقنيّتان من الممكن استعمالهما لمواجهة صمت القانون، إحداهما تطبيق نصوص على حالات لا يتوقعها المشرع، وكمثال محتمل يتمثل بتطبيق النصوص حول المسؤولية الجرمية، الناجمة بشكل أساسي عن القانون المدني للعام 1804 في ما يتعلق بسير السيارات. التقنية الأخرى هي الإستناد إلى مبادئ عامة (مثل، على سبيل المثال، قاعدة الغش يفسد كل أمر fraus omnia corrumpit، نظرية الاثراء غير المشروع، قاعدة إزعاج الجيران بشكل مبالغ به، أو مبدأ حقوق الدفاع)، على أن لا تتناقض هذه التقنية طبعا مع أي نص للقانون الوضعي. ولكن لهذه التقنية حدودها : فأحيانا لا تسمح البنود الحالية للقانون، وبالرغم من أنها أصبحت كليا قابلة للمناقشة، نتيجة لعدة تطورات، أي تعديل في تفسير القانون. بالتالي، تشير محكمة النقض في تقريرها السنوي ، إلى العواقب الناجمة عن الوضع الحالي للنصوص وتقترح تعديلات تشريعية.
يؤدي تطور الاجتهاد لتغيرات تدريجية في اتجاه معين، ولكن قد يأخذ هذا التطور أيضًا شكل عمليات تحول عكسي لما سبقه، فتكون هذه التغييرات من حيث طبيعتها استثنائية. إنّ مستشاري محكمة النقض يبذلون الجهود لوضع اجتهاد مستقر ويشكل بالتالي معيارًا لمحاكم الأساس وللمتخاصمين ومستشاريهم. إنّ بناء القانون يحصل بالضرورة بشكل تدريجي وبصورة مستمرة. فضلا عن ذلك، تكون سلطة المحكمة على المحك. ولكن لا يعني ذلك أنه يجب أن يتم رمي الاجتهاد بوابل من الانتقادات، كما بينت الأحكام ذلك بشكل متكرر. وقد يؤدي بالتالي منطق التطور، في ما يتعلق بنقطة أو أخرى، إلى تحول مفاجئ عما سبق، غالبا ما يكون ثمرة عملية ناضجة داخلية وطويلة، وتكون العناصر الأخرى منها عبارة عن ردّات فعل رأي علماء أو عن مقاومة من محاكم الأساس. على أي حال، إنه فقط من بعد التفكير الناضج، يتم تقرير مثل هذا التحول في الاجتهاد، لأن له آثار ليس فقط على الدعوى الخاصة المعنية بشكل مباشر ولكن أيضًا، من خلال ردات فعل متتالية، على كل الدعاوى العالقة التي تطرح المسألة ذاتها. بكلام آخر، للتحول المفاجىء مفعول رجعي مما يستدعي التساؤل حول الممارسات التي يدينها. يُفهم بالتالي وجود اهتمام مستمر بالتوصل إلى موازنة دقيقة بين الحاجة إلى تكييف القانون مع تغيرات المجتمع والحاجة إلى القوانين التي تدوم. غالبا ما تنبع عمليات التحول الأوسع عما سبق من الاجتهاد عن الهيئة العامة بالرغم من أنّ هذه الهيئة لا تحتكر تلك العمليات.
على كل حال، فقط من خلال معرفة المفردات المناسبة والقانونية، وليس أسماء المؤسسا ت والأفراد، يفهم اجتهاد محكمة النق ، من هنا الأهمية المعلقة على نشر هذا الإجتهاد , الأمر الذي هو من مسئولية دائرة الأبحاث القانونية، والتي بمجموعة من الطرق تعكس المجالات المتنوعة للجمهور المعني. إنّ الوسيلة التقليدية لذلك، التي يعود تاريخها إلى عصر الثورة، كانت تقضي بنشر مجلّتين شهريتين، واحدة للغرف المدنية، وأخرى للغرفة الجزائية، مبرزة أحكاما يتم اقتراح نشرها من قبل رئيس كل غرفة. ولكن قد تؤقف إصدار هاتين المجلتين الآن هناك الآن ، بحيث أصبحت كل القرارات تنشر على الآنترنت. إنما ما تزال تنشر “مجلة قانون عمل” فصليّة ومجلة معلومات نصف شهرية. تقدّم الأخيرة، الموجّهة لكل المحاكم البدائية والمحاكم الاستئنافية، ملخصات عن أهم القرارات أو تلك التي تكون ذات أهمية خاصة لمحاكم الأساس والتي يتم إصدارها ليس فقط من قبل محكمة النقض بل أيضًا من قبل محاكم أخرى. كما أنها تتضمن آراء المحامين العامين وتقارير المستشارين (conseillers) مع مجموعة مختارة من كتابات العلماء ومحاضر اجتماعات تنظمها محكمة النقض، مثل تلك المتعلقة برؤساء المحاكم الاستئنافية.
وهناك أداة أخرى قد تمّ استعمالها منذ القرن التاسع عشر وهي نشر أحكام في جرائد قانونية مرفقة بتعليقات العلماء القانونيين وغالبا، في حال القرارات الأكثر أهمية، الآراء والتقارير المشار إليها أعلاه.
من خلال العالم الإلكتروني وتطور الإنترنت، يتمتّع الجمهور بإمكانية الدخول المجّاني إلى موقع Legifrance الإلكتروني(http: //www.legifrance.gouv.fr)، وهو موقع إلكتروني لكل القرارات المنشورة في النشرة المدنية منذ العام 1960والقرارات المنشورة في النشرة الجزائية منذ العام 1963 كذلك الأمر بالنسبة إلى جميع القرارات منذ العام 1987 (المنشور وغير المنشور منها). تم وضع الموقع الإلكتروني هذا لتطويره أكثر مع تضمينه عناوين جديدة. كما يقدم موقع محكمة النقض الالكتروني (betacourdecassation.jouve-hdi.com) مجموعة مختارة من الأحكام والآراء وينشر كل مجلات المعلومات الدورية.
أخيرًا لا بد من الإشارة بشكل خاص إلى التقرير السنوي لمحكمة النقض. بموجب قانون تنظيم القضاء، يتلقى وزير العدل، تقريرًا سنويا حول تطور الإجراءات القضائية والمهل الزمنية الموضوعة لها، ولهذه الغاية تم تشكيل لجنة تقارير ودراسات. إنّ هذه اللجنة، تحت سلطة الرئيس الأول والنائب العام لدى المحكمة، تتألف من أحد مستشاري المحكمة كرئيس لها، ومن ممثلي كل غرفة من المحكمة، ومن النيابة العامة Parquet général وأيضًا من مدير دائرة الأبحاث القضائية. يتضمن التقرير السنوي، من بين أمور أخرى، اقتراحات بتعديلات تشريعية أو تنظيمية، وتعليقات على أهم الأحكام الصادرة خلال السنة، كما دراسات قانونية مُعدّة من قبل مستشاري محكمة النقض. ويمكن الاطلاع عليه على موقع المحكمة الإلكتروني.
دائرة التوثيق والدراسات والتقرير لدى محكمة النقض
كونها تحت سلطة الرئيس الأول، تتم إدارة دائرة التوثيق والدراسات والتقرير من قبل قاض كبير من رتبةرئيس غرفة وهي تتألف بشكل أساسي من قضاة (باحثين auditeurs في محكمة النقض) ومن موظفين (رؤساء أقلام، كتّاب).
أولا، تساعد على تنظيم سير الدعاوى. عندما تتم إحالة طلبات النقض الى الغرف المختلفة، تجمع معا الدعاوى التي تثير مسائل مماثلة وذات الصلة وتساعد على تحاشي الاختلاف في اجتهاد محكمة النقض ذاتها وبين هذا الاجتهاد واجتهاد محاكم الأساس. كما أنها تساعد المستشارين والمحامين العامين في أبحاثهم إذا ما طلبوا اليها ذلك. إن إنشاء قاعدة بيانات للقانون الأوروبي في الدائرة قد أمن أداة مفيدة لتحليل المشاكل الناجمة عن تطبيق القانون الأوروبي من قبل المحاكم الوطنية.
ثانيا، تكون دائرة الأبحاث القانونية أداة تطوير سياسة اجتهاد المحكمة عن طريق نشر أحكامها وأيضًا عن طريق تعميمها على المحاكم، بالوسائل الإلكترونية كما بالوسائل الأخرى.
آراء محكمة النقض الاستشارية
منح قانون 15 أيار 1991 محكمة النقض صلاحية إبداء آراء استشارية. لإجراءات الرأي الاستشاري ميزة جعلته معروفا بشكل سريع جدًا عندما تقبل محكمة النقض تفسير نصوص جديدة، وبالتالي يصبح من السهل توقع ما سيكون موقف المحكمة في ما يخص قاعدة خاصة أو أخرى، يكون تطبيقها مسبّبًا للمشاكل. إن هذا الإجراء، المنظَّم بشكل دقيق، خاضع لعدد من الشروط :
· يجب أن يحصل طلب الرأي من قبل محكمة في النظام القضائي الوطني، في ما يتعلق بسؤال مطروح في إجراءات قضائية عالقة، يتطلب رأي محكمة النقض. ويتم بالتالي استبعاد طلبات الفرقاء المباشرة.
1. يجب أن يكون السؤال قانونيا وجديدًا.
2. يجب أن ينطوي على صعوبة جدية وأن ينمكن أن يطرح في نزاعات عديدة.
3. بالإضافة إلى تلك الشروط التي يفرضها القانون أضافت محكمة النقض شرطا آخر : لا يجوز أن يكون السؤال المثار موضوع طلب نقض عالق أمامها، والمقصود هنا عدم حرمان الغرفة التي تعالج الدعوى من صلاحيتها بالحكم فيها.
في الدعاوى الجزائية، فرض قانون 25 حزيران 2001 قيودا أخرى تتعلق بطبيعة النزاعات وبعدم التأخير في اتخاذ قرار عندما يتم حجز متّهِم في السجن الاحتياطي أو يكون خاضعا لمراجعة قضائية.
على محكمة النقض، التي تعقد جلستها كهيئة قضاة خاصة ومنفصلة حسب ما يكون طلب الرأي في دعوى مدنية أو جزائية، مبدئيا بحضور الرئيس الأول الذي يرأسها، أن تبدي رأيها خلال ثلاثة أشهر من تقديم الطلب. إن المحكمة التي تطلب إبداء الرأي ليست ملزمة بشكل رسمي بمراعاته.
هناك حوالي عشرة آراء استشارية في السنة.
اترك تعليقاً