الفكر القانوني والقضائي في التحكيم الإلزامي
الأستاذة Brigitte Sten[1] في معرض دفاعها عن الحكم الصادر عن استئنافية باريس باعتبارها معارضة للتحكيم الإلزامي تقول
إن الحكم التحكيمي الذي أبطلته استئنافية باريس، كان قد اعتمد نواة مفهوم جديد للرضا في التعاقد وبالتبعية التحكيم، باعتبار إن المحكم لايعود ملزما بالبحث عن التراضي في أي نوع من التحكيم بل يصبح المحكم مدعو للبحث عن تراض عام على التحكيم، بحيث يصبح الأمر كأن التحكيم هو نظام عمومي في القانون العام بديل للأنظمة القضائية الداخلية، فيذهب المحكم لإيجاد بديل في نص أخر غير العقد وهو موجود في معاهدة دولية كما لو أنه بدل عن ضائع. كما أنن الحكم التحكيمي الذي أبطله الحكم القضائي، اعتمد ليس عقدا تحكيميا بالتراضي بين الطرفين، بل نصا خارجا عن إرادتهما بديلا ورديفا لها، وهذا أساس يتغاضى عن التراضي الذي هو أساس للذهاب إلى نص يقوم مقامه ويكون بديلا عنه .
ذلك أن حكم استئنافية باريس يتضمن تنبيها لانزلاق التحكيم بعيدا عن التراضي، إذ هو يؤكد أن التحكيم الدولي يقوم حصريا على الإرادة المشتركة للطرفين التي هي وحدها تنصب المحكم، وتعهد إليه بمهمته. ويبدو أن حكم استئنافية باريس أنه يكرس قاعدة ارتباط التحكيم الدولي بالتراضي وخارج هذا التراضي لايكون هناك وجود ولا أساس للتحكيم الدولي.
– إن الاتفاقية الدولية يمكنها فتح الباب أمام رعايا الدول للتحكيم، ولكن لايمكنها أن تلزمهم به، بل يبقى الخيار لهم وحدهم بالتراضي مع الطرف الأخر ليكون التحكيم مشروعا.
اما بخصوص الراي الوسط عبر الاستاد Emmanuel Gaillard [2] عن موقف حيثذهب الى أنه ومند سنة 1997أخدت تقدم لمركز واشنطن التحكيمي لحسم منازعات الاستثمار دعاوى المستثمرين ضد الدول مستندة إلى اتفاقيات تشجيع وحماية الاستثمار الثنائية أو المتعددة الأطراف الموقعة بين الدول.
واعتبر تيار في الفقه والاجتهاد أن الدولة من خلال اتفاق حماية وتشجيع الاستثمار تقدم عرضا، وحين يقدم المستثمر دعواه فإن ذلك يكون قبولا، ويكون ذلك بديل عن الصيغة التقليدية للعقد التحكيمي وأن الرضي يكون متوفرا.
وأن المحكمين مدعوون في هذه الحالات إلى مزيد من التدقيق في الرضي والتعاقد الواضح والصريح للطرفين، وفي اختصاص وصلاحية مركز التحكيم الذي يلجأ إليه المستثمر.
حيث أن هناك فارق بين أن تكون اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار قد أحالت صراحة وبوضوح كل خلافات الاستثمار التي يمكن أن تنشا إلى مركز تحكيم محدد مسمى بالذات، أو أن تكون هناك إشارة في اتفاقية إلى الخلافات تحل عن طريق التحكيم.
إن اللجوء إلى مركز واشنطن التحكيمي لحل خلافات الاستثمار حين يكون الاختصاص والصلاحية موضع نزاع يعقد أمر فعالية الحكم التحكيمي ويصبح في التحكيم نزاعان جديان يهدد أحدهما الأخر بعدم تنفيذ الحكم التحكيمي.
عموما فما يمكن قوله أخيرا، هو أن هذا التمرد على قانون الإرادة في تحكيم الاستثمار، كان يشكل خطرا كبيرا على التحكيم كوسيلة لتسوية منازعات الاستثمارات الدولية . وخيرا فعلت استئنافية باريس بتعرضها لظاهرة التحكيم الإلزامي، حتى تفتح المجال لعودة التحكيم إلى أصله من جديد والذي يعتمد وبالأساس على إرادة الأطراف المتعاقدة، دون أن نتعداها إلى أشياء أخرى لاتلعب أي دور في جلب الاختصاص إلى مراكز تحكيمية تسند الاختصاص لنفسها كلما كان هناك فقط مجرد إشارة بسيطة إلى إمكانية اختصاصها. واذا كان هذا هو الوضع في ضل التحكيم المؤسساتي، فماهو الوضع في ضل أهم قيد يرد على المعاملات الخاصة الدولية وبالتبعية على إرادة الأطراف الذي هو النظام العام. الأمر الذي سنحاول إظهاره من خلال المطلب الموالي.
[1] Brigitte Stern ; un coup d’arrêt a la marginalisation du consentement dans l’arbitrage international Rev arb 2000 n 3 p 403 est s.
[2] Emmanuel Gaillard. Chronique de sentences arbitral (clunet) 1999 p 275 est s.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً