الافلاس والتسوية القضائية
الإفلاس bankruptcy لغة هو وصف لحالة كل شخص أصابه العسر. وفي لسان العرب والقاموس المحيط: أفلس الرجل إذا لم يبق له مال، يُراد به أنه صار إلى حال يقال فيها ليس معه فلس.
أما تعريف الإفلاس قانوناً فهو توقف التاجر عن دفع ديونه التجارية (مادة 606 من قانون التجارة السوري). واستناداً إلى ذلك فإن المدين غير التاجر الذي يتوقف عن دفع ديونه والتاجر الذي يتوقف عن دفع ديونه المدنية لا يمكن إشهار إفلاسهما، وبالتالي لا تطبق عليهما أحكام الإفلاس بل أحكام الإعسار المنصوصة في القانون المدني.
وإذا كان الإفلاس والإعسار يقتربان لغة الواحد منهما من الآخر، إذ يعني كلاهما عجز المدين عن دفع ديونه لمدة ـ فإنهما يختلفان جوهرياً في كثير من الأحكام ولاسيما عدم الأخذ بفكرة التصفية الجماعية لأموال المعسر، وبقاء حق الدائنين في اتخاذ إجراءات فردية إزاءه، وعدم رفع يد المعسر عن إدارة أمواله، وعدم جواز شهر إعسار المدين إلا إذا كانت أمواله لا تكفي لوفاء ديونه المستحقة، بخلاف التاجر الذي يشهر إفلاسه لمجرد توقفه عن دفع ديونه التجارية ولو كانت أمواله تكفي لوفاء تلك الديون.
الأصول التاريخية للإفلاس
الإفلاس الحديث نظام يرجع في نشأته إلى الأنظمة التي كانت مطبقة في الامبراطورية الرومانية وكذلك في الجمهورية الإيطالية في القرون الوسطى. ففي ظل الامبراطورية الرومانية عَدَّ القانون الروماني شخص المدين ضامناًً لديونه. فقد أجازت الألواح الاثنا عشر منح المدين مهلة ثلاثين يوماً للوفاء، فإذا لم يتمكن من سداد دينه في هذه المدة حق لدائنه أن يقبض عليه ويُعرف هذا الإجراء بـ «manus interjetio» ويحق للدائن في أثناء مدة الحبس أن يرغم المدين أن يعمل لحسابه حتى سداد الدين، فإذا لم يتمكن المدين من سداد دينه في ستين يوماً حق للدائن أن يبيع المدين بالمزاد وأن يقبض ثمنه. وكانت الغاية من القسوة على المدين، الذي يعجز عن دفع ديونه، هي وجوب توقيع العقاب على من يغدر بدائنيه في حقوقهم.
ظل هذا الإجراء متبعاً حتى عام 429ق.م فقد صدر في ذلك العام قانون يقضي بتحويل ضمان الدائنين من شخص المدين إلى ماله، ولكن هذا القانون اشترط على المدين أن يتنازل عن أمواله لمصلحة الدائنين، على أن التنازل لم يكن يترتب عليه نقل ملكية أموال المدين إلى دائنيه، وإنما تقديمها ضمانةً لديونهم. واستمر العمل بهذا القانون حتى بداية ظهور القضاء البريتوري ـ في ظل الامبراطورية الرومانية ـ الذي وضع نظاماً جديداً سمح للدائنين بموجبه بوضع يدهم على أموال مدينهم دونما حاجة إلى تنازله، وكذلك ببيع هذه الأموال وتوزيع ثمنها بين الدائنين بطريقة قسمة الغرماء.
يمتاز هذا القانون بأنه تضمن بعض الأفكار الرئيسية التي يدور حولها التشريع الحالي في مسائل الإفلاس، فقد سمح للدائنين بوضع يدهم على أموال مدينهم وأن يُنيطوا أمر إدارتها والتصرف بها بوكيل يتم تعيينه من قبلهم من جهة، ومنع المدين من التصرف بأمواله أو إدارتها من جهة أخرى.
أحكام الإفلاس في القانون السوري وبعض القوانين العربية الأخرى
عالج المشرع السوري أحكام الإفلاس في قانون التجارة الصادر بالمرسوم التشريعي ذي الرقم 149 المؤرخ في 22 حزيران عام .1949 ومن الملاحظ أن هذا القانون مقتبس في معظم أحكامه من القانون الفرنسي الصادر عام 1807 وما دخل عليه من التعديلات إلى تاريخ صدور قانون التجارة السوري، وأن المشرع السوري قد مال فيه إلى التقريب بين أحكامه وأحكام القوانين التجارية الصادرة في البلاد العربية، فهو في سائر مباحثه، والإفلاس واحد منها، يقترب من أحكام القانون التجاري اللبناني والعراقي والمصري كل الاقتراب، والغاية من ذلك هي توحيد التشريع بين البلاد العربية وإزالة التنازع بين قوانينها لتوحيدها أو التقريب بينها.
تناول المشرع السوري أحكام الإفلاس والصلح الواقي في الكتاب الخامس من قانون التجارة الآنف الذكر (المواد 576- 774). أما في الكويت، فقد بحث القانون التجاري الصادر عام 1962 أحكام الإفلاس والصلح الواقي (في مواده من 555 حتى 800). وفي تونس، خصصت المجلة التجارية، المتضمنة القانون التجاري التونسي الصادر عام 1959 الكتاب الرابع منها لدراسة الصلح الاحتياطي والتفليس وكرّست لذلك الفصول 413 ولغاية 596. وفي مصر بحث قانون التجارة المصري الصادر عام 1883 أحكام الإفلاس في المواد 195- 419 وفي المغرب خصص القانون التجاري المغربي الصادر عام 1913 الكتاب الثاني منه لدراسة الإفلاس، وتناوله في المواد من 197 ولغاية 389.
شهر الإفلاس وإجراءاته
شهر إفلاس التاجر: نظراً لخطورة النتائج التي قد تترتب على حالة الإفلاس فإن المشرع السوري اشترط صدور حكم بشهر الإفلاس، وهذا يتطلب: أن يكون المدين تاجراً، وأن يكون متوقفاً عن دفع ديونه التجارية.
من المعروف أن من الشروط الواجب توافرها كي يُعدّ الشخص تاجراً أن يتخذ الأعمال التجارية مهنة له، وأن يكون كامل الأهلية. وعلى هذا لا يجوز شهر إفلاس القاصر أو الأشخاص الذين يقومون بأعمال تجارية لحساب غيرهم كالمستخدمين في المحلات التجارية ومديري الشركات المساهمة وربابنة السفن. ويجوز شهر إفلاس التاجر بعد وفاته وذلك في غضون سنة من تاريخ الوفاة شريطة أن يكون توقفه عن دفع ديونه التجارية سابقاً للوفاة.
أما توقف المدين التاجر عن دفع ديونه التجارية فإن المشرع السوري قد أعطى للمحكمة سلطة مطلقة في تقدير هذه الأمور من الوقائع التي أمامها. وقد عَدّ القضاء بعض الوقائع قرائن على التوقف عن الدفع تكفي لشهر إفلاس التاجر مثل الاحتجاجات التي تبلغ إلى المدين لعدم دفع قيمة أسناد تجارية[ر] في تاريخ استحقاقها، أو إغلاق المدين محلاته التجارية وتواريه عن الأنظار، أو وضع المدين بالتداول أسناد مجاملة لا تستند إلى علاقات قانونية حقيقية وغير ذلك.
حق طلب شهر الإفلاس: يتم شهر الإفلاس بحكم من المحكمة الابتدائية المدنية التي يوجد في منطقتها المركز الرئيسي للمؤسسة التجارية وذلك بناء على طلب من التاجر المدين أو من أحد دائنيه أو من المحكمة نفسها وهذا خلافاً للقاعدة العامة القائلة بأنه لا يجوز للمحكمة أن تحكم إلا بناء على طلب. والسبب في هذا الاستثناء أن الإفلاس يتعلق بالنظام العام، وأنه لا يهم الدائنين فحسب بل يهم المجتمع بأكمله. لأن توقف التاجر عن دفع ديونه التجارية قد يشيع الاضطراب في المعاملات التجارية ويخلق جواً من عدم الثقة بين الفعاليات الاقتصادية، الأمر الذي يعرقل مسيرة البلد في التقدم والازدهار.
مضمون حكم شهر الإفلاس: يشتمل الحكم الصادر بشهر الإفلاس تعيين تاريخ التوقف عن الدفع، وتعيين وكيل أو عدة وكلاء للتفليسة، وتعيين القاضي المنتدب للتفليسة، والإجراءات التي تأمر بها المحكمة للمحافظة على حقوق الدائنين.
شهر حكم الإفلاس: يختلف حكم شهر الإفلاس عن غيره من الأحكام الأخرى في أنه حجة مطلقة عامة ويتمسك به من كانوا طرفاً فيه وهم المدين ودائنوه الذين اشتركوا في طلب التفليسة أو غيرهم ممن لم يكونوا طرفاً فيه كالدائنين الذين لم يشتركوا في الطلب على السواء. ونتيجة لذلك فقد ألزم المشرع السوري شهر حكم الإفلاس في إحدى الصحف اليومية وفي ردهة المحكمة التي أصدرت الحكم وعلى باب مؤسسة المفلس التجارية، والغاية من ذلك هو إطلاع الناس كافة على هذا الحكم.
طرق الطعن في الأحكام الصادرة في الإفلاس: الطعن في الحكم هو وسيلة أجازها القانون من أجل إعادة النظر في حكم صادر عن محكمة ما، إما لأن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون أو لأنها أخطأت في تقدير الوقائع، أو لأن الإجراءات التي بني عليها الحكم باطلة، أو لأي سبب آخر. وعلى هذا فإن طرق الطعن في الأحكام الصادرة في مسائل الإفلاس تطابق طرق الطعن بالأحكام بصورة عامة، وهي: اعتراض الغير والاستئناف والطعن بالنقض وإعادة المحاكمة. والأحكام التي تصدر عن محكمة التفليسة تخضع بدورها لطرق الطعن المذكورة ما لم يكن في القانون نص مخالف.
آثار الإفلاس
يترتب على الحكم القاضي بشهر الإفلاس آثار كثيرة يمكن حصرها في فئتين اثنتين: الآثار المتعلقة بالمدين، والآثار المتعلقة بالدائنين.
آثار الإفلاس المتعلقة بالمدين: تقسم هذه الآثار إلى قسمين رئيسيين، يعود القسم الأول إلى أعمال المفلس السابقة على حكم شهر الإفلاس، ويشمل القسم الثاني ما يظهر أثره في المستقبل أي في تصرفات المفلس اللاحقة بشهر حكم الإفلاس.
تأثير حكم شهر الإفلاس في تصرفات المدين السابقة لصدوره: إن الغاية الرئيسة من نظام الإفلاس هي تحقيق المساواة بين الدائنين كافة. لذلك فقد قضى المشرع السوري بإبطال بعض تصرفات المفلس التي تمت في فترة الريبة: أي من تاريخ توقفه عن الدفع وحتى تاريخ صدور الحكم بشهر إفلاسه، أو في العشرين يوماً السابقة لهذا التاريخ. وقد عدّد المشرع السوري على سبيل الحصر التصرفات الباطلة بحكم القانون وهي: التصرفات والتبرعات المجانية، وفاء الديون قبل استحقاقها، وفاء الديون المستحقة بغير الشيء المتفق عليه وإنشاء تأمين رضائي أو قضائي أو رهن عقاري على أموال المدين. على أنه لا يُعد هذا البطلان بطلاناً بالمفهوم العام ـ أي إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد ـ بل هو مجرد عدم نفاذ التصرف في حق كتلة الدائنين.
كما قضى المشرع السوري بجواز بطلان بعض التصرفات الأخرى للمدين إذا ثبت أن الذين تعاقدوا مع المدين كانوا على علم بتوقفه عن الدفع.
تأثير حكم شهر الإفلاس في تصرفات المدين بعد صدوره: إن هذه الآثار هي: تخلي المفلس عن إدارة جميع أمواله، ووقف الملاحقات الفردية حياله، وسقوط آجال الديون المترتبة في ذمته، ووقف سريان الفوائد، وسقوط بعض حقوقه المدنية والسياسية. على أن رفع يد المفلس عن إدارة أمواله لا يعني نزع ملكيته لها، بل يستمر عدّه مالكاً لها. كما يترتب على وقف الملاحقات الفردية حيال المفلس عدم جواز رفع دعوى على المدين المفلس من قبل الدائنين بل يجب والحالة هذه أن تقام الدعوى في مواجهة وكيل التفليسة. كذلك يترتب على سقوط بعض حقوق المفلس المدنية والسياسية منع المفلس من القيام بوظيفة عامة أو أن يكون مديراً أو عضواً في مجلس إدارة أي شركة أو أن يكون مرشحاً أو ناخباً في المجالس السياسية أو المجالس المهنية. وذلك كله حتى يعاد إليه اعتباره وفقاً للقانون.
آثار الإفلاس المتعلقة بالدائنين: يترتب على شهر حكم الإفلاس آثار عدة تمسّ الدائنين وأهمها الاسترداد. أي أنه يحق للأشخاص الذين يدّعون ملكية أموال موجودة في حيازة المفلس أن يطلبوا استردادها. وقد اشترط المشرع السوري شرطين اثنين لاسترداد البضاعة: أن تكون البضاعة موجودة عيناً في حيازة المفلس، وأن تكون مسلمة للمدين المفلس على سبيل الوديعة أو لأجل بيعها لحساب مالكها. وقد أفرد المشرع السوري حكماً خاصاً بالأسناد التجارية إذ اشترط لاستردادها أن تكون قد انتقلت إلى المدين المفلس على سبيل التوكيل لاعلى سبيل نقل ملكيتها، وأن تكون موجودة عيناً عنده.
هيئة التفليسة
لا بد من وجود أشخاص وهيئات في كل تفليسة لتنفيذ الإجراءات التي تستتبع حكم شهر الإفلاس وأهم هؤلاء الأشخاص: وكلاء التفليسة، والقاضي المنتدب، ومحكمة التفليسة.
وكلاء التفليسة:
وكيل التفليسة هو الذي يقوم مقام المفلس بإدارة أمواله، ويُعين في متن الحكم القاضي بشهر الإفلاس. ويشترط ألا يكون قريباً أو مصاهراً للمفلس حتى الدرجة الرابعة. ويجوز أن يكون للتفليسة أكثر من وكيل شريطة ألا يتجاوز عددهم الثلاثة. ويتقاضون مرتبات تحدد من قبل القاضي المنتدب.
يقوم وكلاء التفليسة مباشرة، بعد صدور الحكم بشهر الإفلاس، بجرد أموال المفلس بحضوره أو بعد دعوته بحسب الأصول وينظمون قائمة الجرد بحضور القاضي المنتدب. كما يقومون بجميع الأعمال اللازمة لصيانة حقوق المفلس تجاه مدينيه، ويواصلون تحت إشراف القاضي المنتدب تحصيل ديون المفلس على الغير. ثم يعمل الوكلاء على استلام سندات الدائنين للتحقق من ديونهم تجاه المفلس. ويلزمون، في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ الحكم بشهر الإفلاس، بأن يودعوا قلم المحكمة بياناً بالديون التي قاموا بتحقيقها مع ذكر القرار الذي اتخذه القاضي المنتدب بناء على اقتراحهم فيما يختص بكل منها.
القاضي المنتدب:
يعين القاضي المنتدب من بين أعضاء المحكمة التي أصدرت حكم شهر الإفلاس. على أنه إذا كانت المحكمة مؤلفة من قاضٍ فرد قام هو نفسه بوظائف القاضي المنتدب.
يختص القاضي المنتدب بمراقبة عمليات الإفلاس وإدارتها. ويقدم تقريراً إلى المحكمة في المنازعات التي تنشأ عن الإفلاس، وله أن يأذن لوكيل التفليسة بالقيام ببعض الأعمال الضرورية كبيع الأشياء القابلة للتلف وتسليم المفلس ثيابه وأمتعته الضرورية.
محكمة التفليسة:
تختص محكمة التفليسة بالنظر في جميع الدعاوى التي يكون منشؤها القواعد المختصة بالإفلاس ولها تعيين وكيل التفليسة كما يحق لها أن تجيز بعض الأعمال الضرورية المهمة.
حلول قضايا التفليسة
تنتهي التفليسة بأحد الحلول التالية: الصلح البسيط أو اتحاد الدائنين أو الصلح بتنازل المفلس عن موجوداته أو إغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات.
الصلح البسيط:
قد لا يجد الدائنون مصلحة لهم بمتابعة إجراءات الإفلاس والوصول أخيراً إلى بيع موجودات المفلس وتوزيع ثمنها عليهم، فيرتضون إجراء صلح مع المفلس. ولهذا ألزم المشرع السوري القاضي المنتدب أن يوجه دعوة إلى الدائنين للاجتماع من أجل المفاوضة في عقد صلح مع المفلس وذلك في الأيام الثلاثة التي تلي إغلاق جدول الديون للدائنين الذين جرى تثبيت ديونهم نهائياً. أما الدائنون الذين قبلت ديونهم مؤقتاًً فيُدعى كل واحد منهم بكتاب مضمون في الأيام الثلاثة التي تلي قرار المحكمة القاضي بقبول ديونهم. وبما أن الصلح هو عقد بين المفلس والدائنين، فإن القانون أوجب على المفلس أن يحضر بنفسه الاجتماع، أو أن يرسل وكيلاً عنه إذا أبدى عذراً وقبله القاضي.
يرأس القاضي المنتدب اجتماع المفاوضة لعقد الصلح. وفي الاجتماع يتلو وكيل التفليسة تقريراً خطياً عن حالة التفليسة، ثم يعطى حق الكلام للمفلس أو وكيله فيتقدم بالشروط التي يقترحها لعقد الصلح، وتجري بعد ذلك المناقشة بهذه الشروط بين المفلس والدائنين بحيث قد يقبل المفلس إجراء بعض التعديلات عليها. ثم تطرح، بعد ذلك، شروط الصلح مع تعديلاتها، إن وجدت، على التصويت. وقد اشترط القانون لحصول الصلح أن يصوت إلى جانبه عدد من الدائنين يؤلفون الأغلبية النسبية ويملكون ثلثي الديون المثبتة على وجه نهائي ومؤقت. لكن هذا الصلح لا ينتج أثره ولا يكون نافذاً إلا بعد عرضه على محكمة التفليسة لتصديقه.
وقد يتضمن عقد الصلح منح المفلس آجالاً لوفاء ديونه وتقسيطها أو إبراءه من جزء كبير أو صغير منها.
اتحاد الدائنين: الاتحاد هو حالة من حالات حلول التفليسة، أي إنهاؤها. وتتم في الأحوال الثلاث التالية: إذا لم يطلب المدين المفلس عقد الصلح، إذا طلب المدين المفلس عقد الصلح ورفضه الدائنون، إذا حصل المدين المفلس على الصلح ثم أبطل أو فسخ.
وعلى إثر قيام حالة الاتحاد يدعو القاضي المنتدب الدائنين للمداولة فيما يتعلق بأعمال الإدارة وفي شأن إبقاء وكلاء التفليسة أو استبدال غيرهم بهم، ويقوم وكلاء الاتحاد بتصفية موجودات التفليسة، أي التحقق من موجودات المفلس وتحصيل الديون وبيع الموجودات وتوزيع حاصل التصفية على الدائنين بنسبة ديونهم.
الصلح بتنازل المفلس عن موجوداته: يجوز إجراء عقد صلح بين المفلس ودائنيه: إما بالتنازل الكلي أو بالتنازل الجزئي عن موجوداته.
يتم بعد الاتفاق على عقد الصلح رفع يد المفلس عن الأموال المتنازل عنها، ويتم بيعها بوساطة وكلاء يتم تعيينهم لهذه الغاية، وتخضع إجراءات البيع إلى القواعد نفسها المتبعة في حالة الاتحاد.
إغلاق التفليسة لعدم كفاية الموجودات:
يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها، أو بناء على تقرير من القاضي المنتدب قبل تصديق عقد الصلح، أو تأليف اتحاد الدائنين، أن تحكم بإغلاق التفليسة إذا تبين لها عدم كفاية الموجودات. على أنه يحق للمحكمة الرجوع عن هذا الحكم إذا ثبت لديها وجود مال كاف لسداد نفقات التفليسة.
الحقوق الخاصة التي يمكن الاحتجاج بها في مواجهة التفليسة
يوجد بعض الحقوق الخاصة التي يمكن الاحتجاج بها في مواجهة التفليسة. وهذه الحقوق هي: حقوق زوج المفلس، حقوق أصحاب الديون المضمونة برهن أو امتياز على منقول، حقوق أصحاب الديون المضمونة برهن أو تأمين أو امتياز على عقار، حقوق أصحاب الديون المترتبة على عدة مدينين.
حقوق زوج المفلس: يحق للمرأة التي أفلس زوجها أن تسترد عيناً المنقولات والعقارات إذا استطاعت إثبات ملكيتها لها قبل الزواج، وكذلك استرداد العقارات التي تم شراؤها في مدة الزوجية شريطة إثبات أن الأموال التي تم شراء هذه العقارات بها لم تكن من زوجها، وأن ينص عقد الشراء صراحة على بيان استعمال النقود.
على أن المشرع السوري عدّ جميع الأموال التي أحرزتها الزوجة في أثناء مدة الزواج مشتراة بنقود زوجها، ما لم تقم الزوجة الدليل على عكس ذلك.
حقوق أصحاب الديون المضمونة برهن أو امتياز على منقول:
إن الديون المضمونة برهن أو امتياز على منقول هي: امتياز الدائن المرتهن لبضاعة، وامتياز البائع، وامتياز المؤجر.
وعلى هذا إذا رغب وكلاء التفليسة باستعادة الأشياء المرهونة فيجب عليهم وفاء الدين بعد الحصول على ترخيص من القاضي المنتدب. إما إذا لم يرغب وكلاء التفليسة بهذا الاسترداد وقام الدائن بعد ذلك ببيع الأشياء المرهونة فإنه يجب عليه في حال بيعها بثمن يزيد على الدين إعادة الزيادة إلى وكيل التفليسة. أما إذا كان الثمن أقل من الدين فإنه يحق للدائن المرتهن الاشتراك بالباقي في التفليسة بصفته دائناً عادياً.
حقوق أصحاب الديون المضمونة برهن أو تأمين أو امتياز على عقار: إذا تم توزيع ثمن العقارات قبل توزيع ثمن المنقولات أو حصل التوزيعان معاً يحق للدائنين المرتهنين للعقارات أو أصحاب حقوق الامتياز عليها، الذين لم يستوفوا ديونهم كلها من ثمن العقارات، الاشتراك بما بقي لهم مع الدائنين العاديين، شريطة أن تكون ديونهم قد حققت.
حقوق أصحاب الديون المترتبة على عدة مدينين: إذا أفلس جميع الملتزمين بدين واحد دفعة واحدة كأن يحمل دائن سند دين موقع أو مظهر أو مكفول بوجه التضامن مع المفلس من شركاء له في الالتزام مفلسين أيضاً، جاز له أن يشترك في كل تفليسة بكل دينه إلى أن يستوفيه بتمامه، إلا أنه لا يجوز لتفليسة الرجوع على تفليسة أخرى بما أوفته عنها.
جرائم الإفلاس
إن الجرائم التي يمكن أن يرتكبها المفلس على نوعين: الإفلاس الاحتيالي والإفلاس التقصيري.
الإفلاس الاحتيالي: يُعد مفلساً محتالاً ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة حتى سبع سنوات كل تاجر مفلس أخفى دفاتره، واختلس أو بدّد قسماً من ماله، أو اعترف مواضعة بديون غير متوجبة عليه سواء في دفاتر أو صكوك رسمية أو عادية أو بموازنته. كما عَدّت بعض القوانين العربية، كالقانون الكويتي مثلاً، أن المدين يرتكب إفلاساً احتيالياً إذا حصل على الصلح بطريق التدليس.
الإفلاس التقصيري: إذا أقدم التاجر، بعد التوقف عن الدفع، وفي سبيل تأخير الإفلاس، على شراء بضاعة ليبيعها بأقل من ثمنها، أو عقد للغاية نفسها قروضاً أو حوّل سندات أو توسل بطرق أخرى مبيدة للحصول على المال أو كان قد استهلك مبالغ باهظة في مضاربات وهمية، أو إذا أقدم على إيفاء دائن إضراراً بكتلة الدائنين، أو إذا زادت نفقاته الشخصية أو نفقات عائلته عن الحد المعقول، فإنه والحالة هذه يعدّ مفلساً مقصراً. والإفلاس التقصيري هو نوع من الجنحة يحاكم مرتكبه أمام المحكمة البدائية الجزائية ويعاقب بالحبس من شهر إلى سنة.
أحكام إفلاس الشركات
تسري على إفلاس الشركات القواعد المتعلقة بإفلاس التاجر بصورة عامة والتي ذكرت آنفاً، عدا بعض الأحكام الخاصة التي تختلف بين شركة وأخرى.
يجوز شهر إفلاس جميع الشركات عدا شركة المحاصة لصفتها المستترة، كما يجوز شهر إفلاس الشركة وهي في حالة التصفية لأنها لا تزال تتمتع بالشخصية الاعتبارية.
تختلف الآثار التي يرتبها الحكم بشهر الإفلاس بين شركة وأخرى. ففي شركات التضامن وشركات التوصية يؤدي شهر إفلاس الشركة حتماً إلى إفلاس جميع الشركاء المتضامنين، أما في الشركات المساهمة والشركات المحدودة المسؤولية فلا تأثير لإفلاس الشركة على الشركاء لأنهم لا يكتسبون الصفة التجارية، فهم مسؤولون عن ديون الشركة فقط بما كانوا قد قدموه من حصص أو أسهم.
أما فيما يتعلق بمسؤولية مديري هذه الشركات، في حال إفلاس الشركة إفلاساً احتيالياً أو تقصيرياً، فإنه يمكن إقامة دعوى المسؤولية الجزائية على هؤلاء المديرين وعلى أعضاء مجالس إدارتها الذين يقومون بوظائف المديرين.
اترك تعليقاً