تمديد التوقيف
بقلم : دريد عرار
رئيس قلم محكمة بداية أريحا
جعل القانون الأساسي وكذلك الشرائع جميعا الإنسان بمقدمة الأولويات، ودعت بنصوصها إلى الحق بالحرية، والأساس أن يعيش الشخص حرا، ولكن المشرع جعل للمجتمع الحق في محاسبة المذنب والمعتدي، ولكنه لم يجعل ذلك دون تنظيم بل وضع من النصوص التي تحمي الفرد وإن كان متهما بخرق القوانين والأنظمة والاعتداء على المجتمع من الظلم والتعسف في توقيفه، لذا نوضح المدد التي يجوز للنيابة العامة والمحكمة توقيف متهم ما دون تقديمه للمحكمة بإحالة ملفه للمحاكمة.
1. تمديد التوقيف من قبل النيابة العامة :
حدد المشرع بنص المادة 108 من قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 المدة المسموح لوكيل النيابة توقيف المتهم وهي “ثماني وأربعين ساعة” أي يومين وبذلك ينتهي حق النيابة العامة فلا يجوز لها أن تتعدى بكل الأحوال هذه المدة وإنما ينبغي لها إن وجدت ضرورة لتمديد توقيف المتهم مددا أخرى أن تلجأ للمحكمة للقيام بذلك، وبهذا نجد أن المشرع لم يجعل يد النيابة العامة مطلقة بالتعامل مع المتهم من حيث التوقيف حتى إحالة ملفه، كون التوقيف بالأساس هو أمر احترازي وليس عقابا بذاته، قصد منه المشرع الإبقاء على المتهم قيد التوقيف والتحقيق وذلك لحفظ الأمن والنظام العام، وما يمكن أن يترتب على خروج المتهم للمجتمع من إخفاء الأدلة أو ربما قد يكون في خروجه خطرا على حياته شخصيا، ومع ذلك لم يكن الأمر بمطلقه للنيابة العامة وإنما حصر حقها بالتوقيف في ثماني وأربعين ساعة فقط، إذ اعتبر أن النيابة العامة في مصافي الأمور، ستكون خصما لكل متهم أمام المحكمة وإن اعتبر الخصم النزيه.
2. التوقيف من قبل المحكمة :
أجبر المشرع النيابة العامة إذ ما أرادت توقيف المتهم مده أخرى اللجوء إلى المحكمة وفق ترتيب وقواعد بينتها المادة ( 120 )بفقراتها الخمس من قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 وفق ما يلي :-
3. أ محكمة الصلح :
بالعادة تقوم النيابة العامة بالطلب من محكمة الصلح تمديد توقيف المتهم 15 يوما، ومع أن القانون أجازا للقاضي بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم بالإفراج عن المتهم أو بتوقيفه إلا أننا نجد عادة ما يوافق القاضي على تمديد المتهم 15يوما إلا أن المشرع أيضا وبالرغم أنه سمح لقاضي الصلح تمديد توقيف المتهم مددا لا تزيد في مجموعها عن 45 يوما نرى أن الأمر جاء جوازي لقاضي الصلح ولم يكن ملزما له بالتوقيف، إلا أن نصه كان أمرا بخصوص مجموع المدد المسموحة لقاضي الصلح، وهي 45 يوما مما يشكل ضمانه يستفيد منها المتهم، وتأكيد من قبل المشرع على أن حرية الشخص مصانة وأن التوقيف أمر احترازي وليس عقابا، ولهذا نجد أن محكمة الصلح اقتصر دورها كمحكمة صلح دون النظر إلى اختصاصها بنظر التهمة المسندة للمتهم أم لا ب 45 يوما فقط.
ب. محكمة البداية :
أراد المشرع أن يضع ضمانة جديدة تحفظ حق المتهم، فقد نص بالمادة 120 فقرة 2 من القانون بعدم جواز أن يوقف المتهم مدة لا تزيد عن 45 يوما، والتي سمح بها لقاضي الصلح كما أسلفنا إلا بطلب يقدم من النائب العام أو أحد مساعديه، إلى محكمة البداية يطلب به تمديد توقيف المتهم، وبهذا نجد أن المشرع زاد بحماية المتهم من التعسف أو الخطأ إذ أن التوقيف في الخمس والأربعين يوم أمام قاضي الصلح تكون من قبل وكيل النيابة، وأمام قاضي صلح منفرد، وبعد ذلك نجده ألزم النيابة بأن تقدم الطلب من قبل رأس الهرم في النيابة العامة وهو النائب العام، أو أحد مساعديه ضمانا للنزاهة وكذلك منح الحق بالتمديد بعد ذلك لمحكمة البداية المؤلفة من ثلاثة قضاة ضمانا للعدالة وصونا للحق بالحرية، إلا أنه قصر حق محكمة البداية بصفتها محكمة البداية دون النظر إلى كونها هي مختصة بالنظر بالتهمة المسندة للمتهم أم لا بخمسة وأربعين يوما فقط، ولا تجوز أن تزيد عن ذلك .
مما تقدم نجد أن المشرع نظم أول ثلاثة شهور من حياة المتهم في التوقيف، وجعل من الضمانات القانونية التي تحميه من التعسف، ومع ذلك فقد لا تكفي هذه الثلاثة شهور لانتهاء النيابة العامة من جمع الأدلة، وإجراءات التحقيق، وإحالة الملف للمحكمة لمحاكمة المتهم، ,ولذلك تدخل المشرع بالفقرة الثالثة من المادة 120 وأوجب على النيابة العامة عرض المتهم على المحكمة صاحبة الاختصاص بالنظر في التهمة المسندة للمتهم بتمديد توقيف المتهم مددا أخرى تصل حتى إلى انتهاء المحاكمة وقد تكون هذه المحكمة محكمة الصلح إذا ما كانت التهمة المسندة للمتهم تشكل جنحة، وقد تكون محكمة البداية إذا ما كانت التهمة تشكل جناية، وليست محكمة البداية فقط، وإنما قد تعود محكمة الصلح من جديد لتمديد توقيف المتهم مددا أخرى، غير تلك التي كانت قد مددتها بالسابق للمتهم وذلك كونها محكمة مختصة في محاكمة المتهم، وليس كونها محكمة صلح فقط.
و كذلك الأمر بالنسبة لمحكمة البداية، وبذلك نجد أن محكمة الصلح سمح لها القانون في البداية بتوقيف المتهم خمسة وأربعين يوما فقط، وكذلك الأمر في محكمة البداية، ونجد أيضا أن التوقيف بعد ذلك يخضع في تقدير النيابة العامة للتهمة المسندة للمتهم، فقد تلجأ لمحكمة الصلح إذا ما كيفت التهمة المسندة للمتهم بجنحة، وقد تلجأ لمحكمة البداية إذا ما كيفتها بجناية، فالنص جعل الاختصاص بالتمديد بعد الثلاث شهور الأولى لمحكمة الاختصاص بنظر القضية وجعل مدة التوقيف تستمر لحين انتهاء المحاكمة إلا أن الأمر ليس بمطلقه إذ نصت الفقرة الرابعة من المادة 120 في عدم جواز أن تزيد مدة التوقيف عن 6 شهور، وذلك في كل الأحول وهذه النص أَمر و وجوبي على القاضي، إذ يجب على القاضي أن يأمر بالإفراج عن المتهم فورا، ما لم تتم إحالة المتهم إلى المحكمة المختصة لمحاكمته والمقصود هنا بالإحالة ليس عرض المتهم لتمديد توقيفه، وإنما إحالة الملف والمتهم للمحكمة لمباشرة المحاكمة إلا أن الستة شهور هذه لا تعتبر أيضا حقا للمحكمة إذ لا يجوز أيضا أن تزيد مدة التوقيف عن مدة العقوبة المقررة للجريمة الموقوف بسببها المتهم، وفق أحكام الفقرة الخامسة من المادة 120، والترتيب الذي تتبعه المشرع ليس على سبيل الإلزام الأخذ بالترتيب إذ قد يضطر القاضي أن يخلي سبيل المتهم بمرور شهر أو ثلاثة شهور، إذا ما كانت المدة المقررة للعقوبة لا تزيد عن هذه المدة وينبغي هنا القول أن الإفراج عن المتهم بعد مرور ستة أشهر أو بعد مرور المدة المقررة للعقوبة أصلا أنه يجب الإفراج عن المتهم ما لم يكن موقوفا على ذمة قضيه أخرى دون الحاجة إلى كفالة أو إلزامه بتقديم تعهد وإنما يأمر بالإفراج عنه.
اترك تعليقاً