التنظيم القانوني للهيئات المهنية و مهامها
إن البحث في التنظيم القانوني للهيأت المهنية سواء ذات الطبيعة القانونية المحضة كالمحاماة الموثق العدل و المفوض القضائي أو تلك المرتبطة بالمجال الفني والعلمي كالطب الصيدلة المقاول والهندسة المعمارية ليس بالأمر الهين لاعتبارات عدة .
لتفادي عملية سرد مهام الهيأت المهني كل مهنة على حدة كان لابد من البحث عن نقط التقاطع بينهم على اعتبار أن دراسة مهام الهيئة المهنية تقتضي الكثير من التحليل قصد الإلمام بها لكن يمكن إجمالها في وظيفتان أساسيتان سنتطرق للوظيفة تشريعية في فقرة أولى ونتناول الوظيفة تأديبية في فقرة ثانية .
الفقرة الأولى:الوظيفة التشريعية
لا نقصد هنا بالوظيفة التشريعية التشريع بمفهومه الضيق الصادر عن البرلمان وانما سلطة الهيئة المهنية لسن قواعد عامة مجردة تتسم بالإلزام بالنسبة لأعضائها ، ولعل أول تجليات امتياز إنشاء القاعدة القانونية يبدأ في التنظيم والتسيير الداخلي للهيئة (*) إلا أن التطبيق المهم لسلطة إنشاء القاعدة القانونية تظهر بجلاء في إعداد الهيئة لقانون أخلاقيات المهنة ، حيث أن تدخل الهيئة في مجال التخليق المهني يتسم بأهمية خاصة نظرا لما له من آثار تجاه الأغيار . صحيح أن قانون أخلاقيات المهنة يطبق داخل الهيئة لكن في الحقيقة يتجاوز إطار المهنة لأنه يعالج بالضرورة علاقات المهني بالعموم وبذلك فله تأثير على وضعية الزبناء ,وتبعا لذلك فإن الدولة تفرض رقابتها على هذه القوانين وذلك بضرورة المصادقة عليها من قبل السلطات العمومية (*) لكن السؤال المطروح ما هو الأساس المعتمد لمنح الهيئات المهنية سلطة إنشاء القاعدة القانونية؟ الجواب على هذا السؤال يستحق وقفة لأن بعض التوضيحات قد تجعل الهيئة المهنية موضع الشك.
فمن المنظور السوسيولوجي المؤسساتي يعتبر أن المؤسسة هي تجمع مجموعة من الأشخاص من أجل تحقيق هدف مشترك وتتميز بالرابطة الاجتماعية بين أعضائها وبسلطة التحكم الضرورية لحياة المؤسسة ، وعلى غرار جميع التجمعات فالهيئة المهنية تحتاج أيضا إلى سلطة مكلفة بسن القواعد السلوك الواجب إتباعه داخل الهيئة وضمان احترام هذه القواعد وبالتالي فسلطة التشريع هي مرتبطة أساسا بطبيعة الجماعة وملازمة للمهنة المنظمة.
وهناك منظور ثاني يعتبر أن سلطة التشريع المخولة للهيئة المهنية هي تفويض من قبل الدولة وبالتالي فارتباط سلطة تشريع الهيئة المهنية بسلطة الدولة هو الوحيد الذي يفسر وجود مراقبة للملائمة ، فإذا كانت قوانين أخلاقيات المهنة تعد من قبل الهيئة المهنية فإنها تخضع لمصادقة السلطات العمومية وتدخل حيز التنفيذ بواسطة مرسوم، وبالتالي فإن سلطة التشريع المخولة للهيئة المهنية ليست وليدة الصدفة بل تجد مصدرها من القانون وفي إرادة الدولة التي تنازلت للهيئة عن حقها في تقنين بعض جوانب المهنة إلا أنها – أي الدولة – دائما تحتفظ بحقها في مراقبة التشريعات الصادرة عن الهيئة.
الفقرة الثانية :المهمة التأديبية
إن الهدف الرئيسي والغاية الأساسية من وجود الهيئة المهنية هي المهمة التأديبية ، وعملا بذلك فإن المنادون بإنشاء الهيئة المهنية كانوا ينظرون إلى الجانب الزجري للهيئة باعتبار أن الهيئة يجب أن تعمل من أجل كبح تراجع أخلاقيات المهنة وأن تواجه الأعمال المنافية لها ، كما أنها تهدف إلى الحد من نواقص الأعمال التأديبية للنقابات ومواجهة عدم ملائمة التشريع الجنائي والمدني المعمول به .من جانبهم يعتبر المدافعون عن الهيئة أنها الوسيلة التي بها يتم تصحيح وضعية المهنة والرفع من قيمتها الأخلاقية وهي بذلك تعتبر ضامنة للصفات الحميدة في المهنة.
فالقانون الفرنسي منح للهيئات المهنية اختصاصات في تأديبية واسعة : فهي تمارس وظيفة وقائية تتجلى في مراقبة الولوج إلى المهنة ووظيفة زجرية تتجلى في مراقبة الإخلال بواجبات المهنة أما في المغرب فالتشريعات غير منسجمة والاختصاصات التأديبية ليس لها نفس الامتداد بالنسبة لكل هيئة وبصفة عامة أبدى المشرع المغربي تحفظه بالنسبة للهيئة المهنية لكن الملاحظة لا تسري على كل الهيئات بل يجب التميز بين ثلاث حالات.
فكما في فرنسا تتمتع هيئة المحامون في المغرب باختصاصات تأديبية جد موسعة فهي تمارس وظيفة تأديبية وقائية باعتبارها تراقب ولوج الأعضاء الجدد إلى المهنة كما تبث أيضا في قبول التدريب و التسجيل في الجدول مكلفة أيضا بالسهر على احترام القواعد التي تنظم المهنة وتعاقب الإخلالات المهنية ، وفي هذا الصدد فهي تمارس مهمة قضائية ومهمة تأديبية زجرية فالقرارات التأديبية لهيئة المحامون قابلة للطعن بالاستئناف أمام محاكم الإستئناف و القرارات الصادرة عن المحاكم المذكورة تقبل الطعن بالنقض أمام المجلس الأعلى.
بالنسبة لهيئة الأطباء فإن الدور التأديبي للهيئة محدود لكن يبقى مهم نسبيا فهيئة الأطباء لا تمارس لا تمارس الدور الوقائي لأنها لا تراقب ولوج الأعضاء الجدد إلى المهنة بل لها دور استشاري في الموضوع ورأيها هذا في قبول أو رفض العضو الجديد لا يلزم الإدارة في شيء، في المقابل تتمتع هيئة الأطباء بدور موسع فيما يتعلق بزجر المخالفات، فعلاوة على الإنذار والتوبيخ بإمكان الهيئة اللجوء إلى توقيف العضو أو التشطيب عليه بصفة نهائية لمعاقبة الأخطاء المرتكبة من قبل أعضائها لكن العقوبتين الأخيرتين تثير الملاحظات فإذا كانت هذه العقوبات تتعلق بقدرة الشخص على ممارسة المهنة فإن هذه العقوبة يجب أن تؤدي بالإدارة إلى سحب رخصة الممارسة لكن السؤال المطروح هو هل الإدارة ملزمة بقرار الهيئة أم يمكن أن ترفض إعطاء الأثر القانوني المترتب عليه .
فإذا كانت الهيئة لها كامل الصلاحيات في ممارسة مهامها التأديبية يجب أن نعتبر بأن الإدارة ملزمة بسحب رخصة الممارسة من العضو الصادرة في حقه العقوبة لكن إذا كانت الهيئة في وضعية تبعية بالنسبة للإدارة فإننا نعترف للأمانة العامة للحكومة بسلطة تقديرية خاصة تمكنها من شل و إفراغ قرار الهيئة من محتواه.
القانون يبدو أنه اختار حلا توافقي ملفوف بكثير من الغموض فهو يضع كمبدأ أن للهيئة المهنية كامل الصلاحية في تأديب العضو إلا أنها في بعض الحالات الاستثنائية يمكن للإدارة إرجاء قرار السلطة الصادر عن الهيئة وتأخير تطبيقه، كما يمكن أن تذهب أبعد من ذلك وترفض سحب الرخصة لمدة سنتين هذا التأويل يخول الإدارة حق فيتو حول قرارات التشطيب رغم ارتباطه بتوفر الظروف الاستثنائية.
مهما يكن فإن القرارات التأديبية الصادرة عن هيئة الأطباء هي بمثابة قرارات قضائية وبصفتها هذه فالقرارات الصادرة عن المجلس الجهوي قابلة للطعن أمام المجلس الوطني والقرارات الصادرة عن المجلس الوطني قابلة للطعن بالنقض أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى.
فيما يتعلق بهيئة المهندسين لها دور مختزل فهي على غرار هيئة الأطباء تمارس دور وقائي استشاري فالهيئة تصدر رأي استشاري حول ترشيحات الولوج إلى المهنة نفس الأمر فيما يخص زجر المخالفات المرتبطة بإخلالات الواجب المهني ، كما أن العقوبات الأكثر حدة الوقف والعزل لا تصدر عن الهيئة بل هي مقترحة من قبلها على الأمانة العامة للحكومة.
اترك تعليقاً