تمتع الدولة بالسيادة.
يعني مصطلح السيادة من الناحية اللغوية المجد والشرف والعلو والسيطرة. أما اصطلاحا فهو يعني السلطة العليا في الدولة وهي مشتقة من الأصل اللاتيني (super attus) وأول من استخدم هذه الكلمة جان بودان في كتابه الجمهورية عام 1576 . ويعرف بعض الفقهاء السيادة بأنها ( السلطة العليا التي تحكم بها دولة ما وأن هذه السلطة يمكن مباشرتها في الداخل أو في الخارج، والسيادة في الخارج تتركز في استقلال مجتمع سياسي معين بالنسبة لكل المجتمعات الأخرى.) والسيادة بالمعنى القانوني هي خاصية من خصائص السلطة السياسية.
ولدراسة موضوع السيادة لابد من التمييز بين سيادة الدولة كخاصية لها أو مظهر من مظاهرها، والسيادة في الدولة أي من هوصاحب السيادة الفعلي في الدولة.
الفرع الأول: سيادة الدولة .
السلطة السياسية في الدولة تتميز بأنها ذات سيادة، والسيادة تعرف على أنها (مجموعة من الاختصاصات تنفرد بها السلطة السياسية في الدولة وتجعل منها عليا وآمرة وتمكنها من فرض إرادتها على غيرها من الأفراد والهيئات، كما تجعلها غير خاضعة لغيرها في الداخل أو في الخارج.).
تعتبر الدولة كاملة السيادة إذا كانت تتمتع بكامل مظاهر سيادتها الداخلية والخارجية وبأن تكون حرة في وضع دستورها واختيار نظام الحكم الذي ترتضيه وتبني النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي تراه مناسبا لها. وتعتبر ناقصة السيادة إذا شاركتها دولة أجنبية أو هيئة دولية في ممارسة اختصاصاتها الأساسية.
وعليه فالسؤال الذي يطرح ما هي مظاهر هذه السيادة وما هي خصائصها؟
أولا: مظاهر السيادة.
أجرى الفقه عدة تقسيمات لسيادة الدولة يمكن حصرها في التقسيمات الرئيسية التالية:
1) ـ السيادة القانونية والسيادة السياسية.
السيادة القانونية معناها سلطة الدولة في إصدار القوانين وتنفيذها، أما السيادة السياسية فتنصرف على الشعب بمفهومه السياسي الذي يتولى عملية اختيار من يسيرون الدولة ويمارسون السيادة القانونية.
2) ـ السيادة الداخلية والسيادة الخارجية.
السيادة الداخلية هي حق الأمر والنهي في مواجهة كل المواطنين وكل القاطنين على إقليم الدولة، دون أن تكون هناك سلطة موازية أو منافسة لسلطة الدولة مع عدم خضوع الدولة في ممارستها لهذه العملية لأي ضغط مادي أو معنوي من أي كان. أما السيادة الخارجية فمعناها عدم خضوع الدولة لأية سلطة أو دولة أجنبية، أي تمتعها بالاستقلال التام أمام غيرها من الدول والمنظمات الدولية، بما ينفي عنها اندماجها أو تبعيتها لوحدات سياسية خارجية، مما يفيد معنى الاستقلال السياسي.
3) ـ السيادة الإقليمية والسيادة الشخصية.
السيادة الإقليمية تعني ممارسة سلطة الدولة على كامل إقليمها وكل ما يوجد به وما يقع عليه من أعمال وتصرفات، أي انسحاب أوامرها ونواهيها وتنفيذ قوانينها على المقيمين على أرضها من أشخاص ( مواطنين أو أجانب)، وأشياء أو حوادث. أما السيادة الشخصية فهي تعني أن سلطة الدولة تتحدد على أساس عنصر الشعب بمعنى أن الدولة يمكنها تتبع الأفراد المكونين لشعبها بأوامرها ونواهيها وقوانينها سواء كانوا داخل أو خارج إقليمها.
4) ـ السيادة السلبية والسيادة الايجابية.
يتجلى مضمون السيادة السلبية في عدم إمكانية إجبار الدولة على القيام بأي نشاط داخلي أو خارجي لا ترغب في القيام به من أي كان سواء دولة أو منظمة دولية. أما السيدة الايجابية فيتجلى مضمونها في عدم إمكانية منع الدولة من القيام بأي نشاط داخلي أو خارجي ترغب في القيام به من أي كان في الداخل أو في الخارج.
ثانيا: خصائص السيادة. يمكن إيجاز خصائص السيادة في الآتي:
1) ـ سيادة الدولة قانونية، أي أنها ليست مجرد حقيقة مادية بل هي حالة أجازها القانون وقررها.
2) ـ إنها عليا وشاملة، أي أنها تسمو فوق الجميع ولا تخضع لأحد وكذلك طاعتها واجبة على كل الأفراد من دون استثناء.
3) ـ إنها دائمة، حيث تتعدى في مداها الزمني عمر جيل كامل، ولا تخضع لعمر القائمين عليها.
4) ـ إنها غير قابلة للتصرف فيها أو التنازل عنها ولا تقبل التجزئة.
الفرع الثاني: السيادة في الدولة.
السيادة في الدولة تعني من هو صاحب السيادة الفعلي في واقع الدولة؟
ولعل سبب طرح هذا السؤال يعود بالأساس إلى أن الدولة شخص معنوي مجرد ولابد للسلطة من صاحب يمارسها بصورة فعلية، بمعنى تحديد المالك الفعلي للسيادة. وعلى هذا الأساس ظهرت عدة اتجاهات أهمها:
أولا: السيادة للحاكم.
حتى أواخر القرن الثامن عشر كان يعتقد بأن السيادة للحاكم (الملك) الذي تسلمها من الله، وهي سيادة مطلقة. وساد آنذاك الخلط بين فكرة السلطة السياسية وشخص الملك، وبعد ظهور المبادئ الديمقراطية في العصر الحديث تم هجر هذا الاتجاه، وانقسم الفقهاء إلى اتجاهين في تحديد صاحب السيادة في الدولة، الأول يحصر السيادة في الأمة والثاني ينيطها بالشعب.
ثانيا: السيادة للأمة.
تنسب نظرية سيادة الأمة إلى الفقيه الفرنسي جون جاك روسو الذي ركز في مؤلفه الشهير (العقد الاجتماعي) على مبدأ أساسي هو سيادة الإرادة العامة التي نشأت بالعقد الاجتماعي، وهذه الإرادة ليست حاصل جمع الإرادات الجزئية للأفراد ولكنها إرادة الكائن الجماعي، لذلك قيل بأن السيادة وحدة واحدة لا تتجزأ وغير قابلة للتصرف فيها أو التنازل عنها فهي ملك للأمة وحدها، وقد اعتنقت الثورة الفرنسية هذه الفكرة وحولتها إلى مبدأ دستوري، إذ نص إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789 على أنه (الأمة هي مصدر كل سيادة).
ومن أهم النتائج المترتبة عن هذه النظرية:
1) ـ إنها لا تتفق مع الديمقراطية المباشرة وشبه المباشرة التي تأخذ بمبدأ الاستفتاء الشعبي ولكنها تتناسب مع الديمقراطية النيابية والتي يقتصر فيها دور الأفراد على انتخاب ممثليهم في المجلس النيابي، وبالتالي يصبح الانتخاب وظيفة عامة ويمكن اعتماد الاقتراع الإجباري.
2) ـ يعتبر النائب في المجلس النيابي ممثلا للأمة في مجموعها وليس مجرد نائب عن دائرته الانتخابية أو حزبه السياسي فهو وكيل عن الأمة.
وجهت لهذه النظرية عدة انتقادات نوجزها فيما يلي:
1) اعتبار الأمة وحدة مستقلة عن أفرادها يؤدي إلى الاعتراف لها بالشخصية المعنوية، وعليه نصبح أمام شخصين هما الدولة والأمة فأيهما يكون صاحب السيادة.
2) الأخذ بهذه النظرية يؤدي إلى الاستبداد لأن السيادة مطلقة.
3) تشكل هذه النظرية خطرا على حقوق وحريات الأفراد، بحيث تعتبر القوانين مجرد تعبير عن الإرادة العامة وما على الأفراد إلا الخضوع لها حتى لو كانت ضد مصالحهم.
بعد أن أدت هذه النظرية دورها في مواجهة النظريات السابقة التي كانت تعطي السيادة للحاكم، وأمام الانتقادات التي وجهت لها اتجه الفقه إلى البحث عن نظرية أخرى فكان أن ظهرت نظرية سيادة الشعب.
ثالثا: السيادة الشعبية.
تعترف هذه النظرية بالسيادة للشعب باعتباره مكون من أفراد ولدوا أحرارا ومتساوين، بحيث تنقسم السيادة بينهم بشكل متساوي بحيث يكون لكل فرد جزء من هذه السيادة والمقصود بالأفراد هنا هم الشعب بمدلوله السياسي.
من أهم النتائج المترتبة عن هذه النظرية:
1) الانتخاب حق لأن المواطن له جزء من السيادة.
2) الانتخاب حق عام لكل أفراد الشعب بالمفهوم السياسي.
3) تتناسب مع الديمقراطية المباشرة وشبه المباشرة.
4) لا تتماشى إلا مع النظام الجمهوري.
5) القانون يعد تعبيرا عن إرادة الأغلبية بما يجرده من صفة القداسة ويجعله قابلا للمعارضة والإلغاء والتعديل.
6) النائب يعتبر ممثلا لناخبيه وبالتالي لهم حق عزله إذا تجاوز حدود الوكالة الممنوحة له.
وجهت لهذه النظرية عدة انتقادات كذلك وهي تتمثل في:
1) ـ إذا كانت نظرية سيادة الأمة تؤدي إلى بروز شخصين معنويين يتنازعان السيادة فإن نظرية السيادة الشعبية تجزؤها بين أفراد الشعب، فكيف يمكن ممارستها؟ ومن الذي يمارس السيادة الفعلية؟
2) ـ يعتبر النواب تابعين لجمهور الناخبين سواء كانوا على خطأ أو على صواب، دون مراعاة لمصلحة الأجيال القادمة.
3) ـ منطق هذه النظرية قد يؤدي إلى الوقوع في عيب استبداد هيئة الناخبين بالنواب، لما لهم من حق المحاسبة وحتى العزل.
والخلاصة أنه ليس هناك مجال للمفاضلة بين النظريتين لأنهما في الواقع العملي تشتركان في دساتير العديد من دول العالم، حيث حاولت الأخذ بإيجابيات النظريتين عن طريق طرح عدة مبادئ في دساتيرها مثل الاقتراع العام وكذلك استقلالية النواب والاستفتاء الشعبي.
* وضع المسألة في الدساتير الجزائرية.
في دستور 1963 نجده يشير صراحة إلى أن الشعب هو صاحب السيادة في البند 25 من مقدمة الدستور والمادة العاشرة منه تقضي بأن من أهداف الجمهورية ممارسة السلطة من طرف الشعب وتضيف المادة 27 أن السيادة الوطنية للشعب يمارسها بواسطة ممثليه في المجلس الوطني.
أما دستور 1976 في المادة الخامسة منه نصت على (السيادة الوطنية ملك للشعب يمارسها عن طريق الاستفتاء أو بواسطة ممثليه المنتخبين.)
أما دستور 1989 فقد نصت المادة السادسة على أنه ( السيادة الوطنية ملك للشعب)
أما تعديل 1996 فقد نصت المادة السادسة الفقرة الثانية (السيادة الوطنية ملك للشعب وحده) وأضافت المادة السابعة الفقرة الثانية والثالثة أنه : (…يمارس الشعب سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها، يمارس الشعب هذه السيادة عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثليه المنتخبين..)
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً