قابلية بيع ملك الغير للإبطال
مر معنا في أكثر من موضع في الرسالة، أن المشتري وحده هو الذي يملك إبطال بيع ملك الغير، وهو ما نتأكد من صحته في الفرع الأول من هذا المطلب، لأن آراء أخرى نادت بحق البائع بالمطالبة بإبطال البيع، فلا بد من دراسة هذه الآراء في الفرع الثاني حتى يتبين لنا مدى صحتها، وبعد ذلك نخصص الفرع الثالث للفقه الإسلامي لرؤية موقفه من مسألة إبط ال البيع.
الفرع الأول: إبطال البيع من حق المشتري وحده
يتجه الرأي الغالب في الفقه المصري إلى قصر طلب إبطال بيع ملك الغير على المشتري وحده دون البائع. ويستند هذا الفقه في رأيه على المادة ( 468 ) من القانون المدني المصري التي تنص على أنه “إذا حكم للمشتري بإبطال البيع وكان يجهل أن المبيع غير مملوك للبائع، فله أن يطالب بتعويض ولو كان البائع حسن النية”.
فهذه المادة أعطت المشتري حق المطالبة بالتعويض إذا حكم له بإبطال البيع، متى كان حسن النية، أي أنه يجهل ملكية المبيع للبائع، وبمفهوم المخالفة لا يستحق التعويض المش تري سيء النية، الذي كان يعلم بعدم ملكية البائع للمبيع ولكنه بالرغم من ذلك أبرم العقد، ولكن يبقى من حقه المطالبة في إبطال البيع.
كما ويجوز للمشتري طلب إبطال البيع ولو كان البائع حسن النية، وهذا يستفاد من مفهوم المخالفة للنص السابق، إذ أنه بموجب هذا النص يكون للمشتري حسن النية الذي يجهل ملكية البائع للمبيع المطالبة بالتعويض حتى ولو كان هذا البائع هو الآخر حسن النية، فحسن أو سوء نية البائع لا تأثير لها على حق المشتري في طلب الإبطال.
والسبب في قصر طلب الإبطال على المشتري يرجع إلى الضرر الذي يلحق به من جراء عدم انتقال الملكية إليه. أما البائع فهو في مأمن من أي ضرر، لأنه هو الذي يجب أن يعرف ما إذا كان يملك المبيع أو لا يملكه، فإذا كان عالما بأنه غير مالك، فهو مخطئ إذا باع ما لا يملك، أما إذا كان يجهل بعدم ملكيته، فهو أيضا مخطئ لأنه كان يجب عليه أن يعلم، ولا يجوز له الاستناد إلى خطئه في كلتا الحالتين. فالبائع لا يتضرر من شيء وبالتالي لا محل لحمايته عن طريق منحه الحق في إبطال البيع.
كما أن قواعد الضمان، لا تجيز للبائع طلب إبطال البيع، ولا تجيز له استرداد الشيء المبيع بحجة التزامه بردها إلى مالكها، أو بحجة استحقاقه إياها بعد البيع، لأن من التزم بالضمان لا يجوز منه التعر.
الفرع الثاني: إبطال البيع من حق البائع والمشتري
وذهب جانب من الفقه المصري إلى القول بجواز مطالبة البائع بإبطال بيع ملك الغير على أساس القواعد العامة في الغلط، متى كان هذا البائع قد وقع في غلط جوهري، وكان هذا الغلط هو الدافع له إلى التعاقد، بحيث لولاه لما أقدم على التعاقد. أي أنه متى توافرت شروط الغلط المنصوص عليها في المادة ( 120 ) من القانون المدني المصري يكون من حق البائع المطالبة بإبطال بيع ملك الغير على أساس هذه المادة لا على أساس بيع ملك ا لغير . وحتى ينطبق هذا القول لا بد من الاشتراك في الغلط بين البائع والمشتري، بأن يكون المشتري يعلم بوقوع البائع بالغلط، أو كان في استطاعته أن يعلم ذلك.
وقد أخذ على هذا الرأي أنه يخالف ما يفهم من نص المادة ( 468 ) من القانون المدني المصري والتي جعلت طلب الإبطال من حق المشتري وحده.
وأرى ترجيح الرأي الذي يقصر الإبطال لمصلحة المشتري وحده دون البائع، لأنه من غير الجائز الرجوع إلى القواعد العامة في حال وجود الحكم في القواعد الخاصة، لأن الخاص يقيد العام. وقولهم إن المشرع لم ينص في الحكم الخاص ببيع ملك الغير على حرمان البائع من المطالبة بإبطال البيع، فيه ما يعني جواز الرجوع إلى القواعد العامة. يمكن أن نرد عليه بأن المشرع عندما وضع الحكم الخاص ببيع ملك الغير، افترض فهمنا لفكرة العقد القابل للإبطال حسب المادة ( 138 ) من القانون المدني المصري والتي بموجبها يحرم أحد المتعاقدين طلب الإبطال إذا كان القانون قد جعله للطرف الآخر. وفي بيع ملك الغير يحرم على البائع هذا الحق لأنه منح المشتري بموجب الحكم الخاص ببيع ملك الغير.
إذ لو نص على عدم جواز تمسك البائع ببطلان بيع ملك الغير، كما فعل قانون الموجبات والعقود اللبناني في المادة ( 385 ) منه، لكان هذا الأمر منتقد، إذ في فكرة البطلان النسبي المقرر لمصلحة المشتري ما يغني عن النص على حرمان البائع من التمسك في هذا البطلان.
وبعد أن ثبت هذا الحق للمشتري، فيكون بإمكانه المطالبة به عن طريق دعوى أصلية يرفعها على البائع، أو عن طريق دفع دعوى البائع التي يطالب بها المشتري بالثمن.
وإذا رفع المشتري دعوى الإبطال، تحتم على القاضي أن يحكم به، حتى لو أقر المالك الحقيقي البيع، أو أصبح البائع مالكا قبل صدور الحكم، لأن دعوى المشتري سبقت إقرار المالك الحقيقي وكانت قبل أن يصبح البائع مالكا، لأن القاضي يرجع في حكمه إلى وقت رفع الدعوى، وهو الوقت الذي كان البيع فيه قابلا للإبطال ولم يكن المالك الحقيقي قد أقره أو أصبح البائع مالكا للمبيع.
الفرع الثالث: موقف الفقه الإسلامي من مسألة إبطال البيع
إن الفقه الإسلامي على مذاهبه المختلفة متفق على رفض الأخذ بفكرة طلب الإبطال، وإنما أخذ بفكرة فسخ هذا البيع. ولكنهم اختلفوا في مسألة من له الحق في طلب فسخ بيع الفضولي.
فبالنسبة للحنفية، فهم يمنحون حق فسخ بيع الفضولي للمشتري والبائع، ولهم في هذا الحكم ما يبرره، فهم يمنحون المشتري هذا الحق، تحرزا من لزوم العقد في جانب ه، لأن عقد الفضولي في نظرهم يبقى موقوفا مهما طالت المدة إلى أن يتدخل المالك الحقيقي بإجازة هذا البيع أو رفضه. وأمام هذه المدة التي قد تطول إلى أمد بعيد، منح الفقه الحنفي المشتري الحق في التخلص من هذا البيع. أما منحهم البائع حق التحلل من بيع الفضولي، ذلك حتى يتخلص من المسؤولية التي سوف تلحق به إذا أجاز المالك الحقيقي البيع، لأن الفضولي بعد الإجازة يعد بمثابة الوكيل الملتزم بحقوق العقد التبعية، فيطالب بالتسليم، ويخاصم بالعيب، وفي ذلك ضرر به، فله دفعه عن نفسه قبل ثبوته، أما المالك الحقيقي فله إجازة هذا البيع فينفذ في حقه، وله رده ويسقط البيع.
وقد تأثر القانون المدني الأردني بالفقه الحنفي في مسألة عدم تحديد مدة لعقد الفضولي ينفذ خلالها أو يبطل، ذلك أن النصوص الخاصة ببيع ملك الغير جاءت خالية من تحديد مدة معينة لهذا العقد. ولكن من ناحية أخرى نجد أن المشرع الأردني خالف الفقه الحنفي في مسألة 551 ) من القانون المدني الأردني – حق البائع في فسخ البيع، ذلك أن نصوص المواد ( 550 قصرت طلب الفسخ على المشتري وحده دون البائع.
ويبدو أن المشرع العراقي قد تأثر بالفقه المالكي من هذه الناحية، فقرر في الفقرة الثانية من المادة ( 136 ) من قانونه المدني، أن خيار الإجازة من عدمه يجب أن يستعمل خلال مدة ثلاثة أشهر وإلا اعتبر العقد نافذا.
وموقف المشرع العراقي هذا يخالف موقف المشرع الأردني الذي ترك هذه الحالة دون نص كما سبق وقلنا. وبالتالي فإن الحل في القانون الأردني هو ترك العقد موقوفا على إجازة المالك مهما طالت المدة. ولكن أي الرأيين أفضل؟ موقف القانون الأردني المتأثر بالفقه الحنفي أم موقف القانون العراقي المتأثر بالفقه المالكي؟
يرى البعض، أن رأي الحنفية هو الراجح، لأن في هذا الرأي ما يحقق الحماية لكل من الفضولي والمشتري والمالك، هذه الحماية تتمثل في عدم لزوم العقد في حق المشتري، وتحلل البائع من الإلتزامات التي عليه قبل إجازة العقد، وعدم خروج الملك من صاحبه دون رضاه .
إلا أني أرى بأن موقف الفقه المالكي هو الآخر فيه ما يحقق هذه الحماية، لأن عقد الفضولي وإن كان موقوفا، إلا أن مدة وقفه لا تتجاوز العام، إذ في خلال هذه المدة يجب أن يقرر المالك موقفه من العقد، إن أجازه نفذ البيع في حق الجميع، وفي هذا القول مصلحة للجميع، لأن الفضولي هو من تفضل بهذا التصرف والمشتري قبل هذا التفضل لرغبته فيه، وبما أن المالك بارك فيه فلا ضير من ذلك. أما إن رفضه فهو وحده من يكون المتضرر من هذا البيع وله في خلال أقل من عام إبطاله.
لهذا أرى أن كلا من الرأيين له ما يبرره من حيث القوة والمنطق وتحقيق العدل، وإن كنت أميل إلى رأي المالكية أكثر.
أما المالكية فهم يجعلون بيع الفضولي لازم في جهة كل من البائع والمشتري، وغير لازم في جهة المالك. ويفرقون في الحكم بالنسبة للمالك بين حالتين، الحالة الأولى وهي حالة حضور المالك العقد، فإن حضر المالك وسكت فهو يعتبر مجيزا للعقد وكان من حقه مطالبة البائع بالثمن خلال عام من العقد وإلا سقط حقه، أما الحالة الثانية وهي حالة إبرام العقد دون حضرة المالك، ففي هذه الحالة يكون أمام المالك عام واحد يبدأ من وقت البيع ليقرر فيه إجازة العقد أو رفضه، فإذا لم يقرر خلال هذا العام وبقي ساكتا يفسر سكوته على أنه إجازة للعقد، ويبقى له الحق بمطالبة البائع بالثمن خلال عشرة أعوام من وقت علمه بالبيع، فإذا انقضت هذه المدة سقط حقه.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً