مقالة قانونية مميزة عن إثبات العقود الالكترونية
أ* أحمد أبو زنط
إثبات العقود الالكترونية
لقد أثارت الاستعانة بوسائل الاتصال الحديثة مشكلة التعبير عن الإرادة و مدى مصداقية الإ يجاب و القبول المتبادل و إثباته . إذ نجد أن أهم ميزة في هذه البيئة الغياب المادي المحسوس لس التعاقد و الذي يستتبع معه عدم معرفة أطراف العقد حتى يتسنى إدراك الطرف المكتسب للحق و الطرف المترتب عليه الالتزام .كما تبين لنا أن العقود عبر الشبكات قد تتم بالع ديد من الوسائل كالبريد الالكتروني و المحادثة و المواقع الالكترونية، و تبين لنا كذلك أن من حالات التعاقد ما يكفي فقط النقر على الأيقونة لينعقد العقد، لذلك نتساءل عن : كيف ي تم إثبات الإيجاب و القبول على الإنترنت؟ و ما مدى نطاق الاستعانة بالكتابة الالكترونية في العقود الالكترونية؟ و إذا كانت القاعدة بأن “: LOISEL عدم جواز تقييد مبدأ سلطان الإرادة خصوصا على الإنترنت، فكيف تتحقق مقولة العالم الثيران تربط بقروا و الناس بكلامهم”؟ 1، و هل تشكل الكتابة عائقا يحول دون تطور التجارة الالكترونية؟.
تعريف الكتابة الإلكترونية:
يشهد الفقهاء للقانون الفرنسي حول المعاملات الالكترونية أنه السباق لوضع مقاربة واقعية و شاملة لحل مشكلة الإثبات الكترونيا بشكل مقتضب لكنه شدة في ا لبيان 1، ففي مرحلة أولى، عرف الإثبات بالكتابة بصفة شاملة و عامة دف تضمينها الكتاب ة الالكترونية من خلال المادة 21316 ، أما المرحلة الثانية، اعترف لهذه الأخيرة بنفس القيمة القانونية الممنوحة للكتابة التقليدية فهي مماثلة أو معادلة كما سيأتي ذكرها لاحقا، بين كلا النوعين تعتبر – حسب نص المادة – : ” كتابة كل مجموعة من أحرف أو أرقام أو أية إشارة أخرى أو رموز تكون ذات دلالة يمكن حفظها و قراءﺗﻬا عند طلبها، مهما كانت الدعامة أو وسيلة الاتصال المتبادلة”.
لم يتقيد نص المادة بدعامة أو حامل معين ويمكن أن تختلف تبعا لذلك حوامل الك تابة بين السند الورقي و الالكتروني كالأقراص اللينة والمضغوطة أو أية وسائط الكترونية أخرى، فلا ينظر عندئذ وسيلة الاتصال أو تبادل تلك الكتابات و البيانات بقدر ما ينظر إلى مفهومية الكتابة و قابليتها للقراءة التي تحفظ بشكل آمن و دائم مع إمكانية التصرف فيها بطلبها و الاستدلال ا 3. لهذا جاءت المادة الثالثة من ا لقانون رقم 02 لسنة 2002 المتعلق : بالمعاملات و التجارة الالكترونية لإمارة دبي بما يلي 4
” يكون للمعلومات الالكترونية ما تستحقه من حجية في الإثبات، وفي تقدير هذهذه الحجية يعطي الاعتبار لما يلي:
(أ) مدى إمكانية التعويل على الطريقة التي تم ا تنفيذ واحدة أو أكثر من عمليات الإدخال أو الإنشاء
أو التجهيز أو التخزين أو التقديم أو الإرسال.
(ب) مدى إمكانية التعويل على الطريقة التي استخدمت في المحافظة على سلامة المعلومات.
(ج) مدى إمكانية التعويل على مصدر المعلومات إذا كان معروفًا”.
1كلا ا لتعريفين قدما الكتابة الالكترونية تقنيا، وقد مدد و وسع التعريف الفرنسي ليشمل كل من العقود الرسمية والعرفية على حد سواء بتضمينه الكتابة الالكترونية في نفس الفقرة تحت عنوان ” أحكام عامة “، وهذه العبارة تسبق الفقرات التي تنظم هذين النوعين من العقود مما يفيد أا تخضع لنفس الأحكام 1، يضاف إلى التعريف التقني تعداد المشرع الإماراتي لبعض أنواع الكتابة الالكترونية، هذا بالنسبة للموقف الضمني للمشرع الفرنسي أما موقفه الصريح .
بتبني الكتابة الالكترونية في الأوضاع الشكلية ما جاء في المادة الثانية من المرسوم المعدل للقانون المدني الفرنسي 2
لم يقم المشرع الفرنسي تدرجا أو سلما معينا للأدلة المكتوبة بين التقليدية والحديثة، بالتفسير الموسع لنص المادة 3 في أن العقود Jolibois السابقة الذكر التي ساوت و عادلت بينهما وهذا ما ذهب إليه المقرر جوليبوا الالكترونية غير موقعة تكتسي حجية محدودة جدا كما هو الحال بالنسبة لخلو العقود الورقية من أي توقيع.
كلتا الحالتين تعتبران قرائن بس يطة كما قد يشكلان بداية إثبات بالكتابة 4 ، وبخلاف ذلك عند مهر الوثيقة الإلكترونية بتوقيع فان لها نفس الآثار القانونية ونفس قوة الدليل المحفوظة للكتابة الرسمية و العرفية، بكلمة أدق، أن هذا الدليل المكتوب لا يمكن دحض ه إلا بدليل آخر من نفس الدرجة أو أعلى منه، يلاحظ هنا أنه يجب أن تكون المعلومات الواردة في ذلك المحرر الإلكتروني قابلة للاحتفاظ ا وتخزينها بحيث يمكن الرجوع إليها في أي وقت بالشكل الذي تم به إنشاؤه أو إرساله أو تسلمه أو بأي شكل آخر يمكن به إثبات دقة المعل ومات التي وردت فيه عند إنشائه أو إرساله أو تسلمه، توفر هذه الشروط تجعل من القاضي يقبل هذه الكتابة في الإثبات و يمكنه تقدير حجيته مقارنة بالأدلة الكتابية الأخرى 5، نفس الشيء دعت إليه لجنة الأمم المتحدة ” اليونسترال” وذلك بالأخذ بمبدأ التنظير أو المعادلة الوظيفية 6. ولعل أولى و أهم تلك المماثلة بين البريد الالكتروني و الكتابة العادية التي جاء المشرع الفرنسي في تسريعه لبعض الإجراءات ا لإدارية الجبائية، فقد بدأ بقبول التصاريح الالكترونية بالفواتير منخلال المادة من قانون المالية لسنة 1990 بنصه ا:” تعتبر الفواتير المرسلة عن بعد … محررات أصلية ” 7، هذا الإجراء القانوني يشترط فيه رخصة مسبقة و إتباع بعض الإجراءات الواجب إتباعها.
المطلب الثاني: الشروط القانونية للكتابة الالكترونية:
فرع 01 / أن يتضمن الدليل آتابة:يعتد بالب ينة الخطية التقليدية أو الالكترونية رسمية كانت أم عرفية يعتد ا إذا تضمنت كتابة مثبتة لتصرف
قانوني، ومعنى الكتابة تثبيت بيانات التصرف و صياغة ما تم الاتفاق عليه و الذي يمهر بالتوقيع اعتمادا لما تم تدوينه،فما مدى صلاحية هذه الكتابة؟.إن أول ما يلاحظ في اع تماد الحاسب الآلي في المعاملات هو ظهور أنواع جديدة للكتابة 1، كالبطاقات الا لكترونية وأخرى ذكية، الأساليب البنكية للدفع والسداد، البريد و الفوترة والشيكات الالكترونية 2 وغيرها، فهذا التعدد في الكتابة يعتبر دليلا كاملا بالمعنى المقصود في قانون الإثبات بما في ذلك نسخ و طبع المعلومات على ورق أو حتى قراءتها و رؤيتها بالعين على شاشة الكمبيوتر 3 إذ لا يشترط فيها الدعامة المادية.
الفرع 02 / أن تكون الكتابة الالكترونية مقروءة أو قابلة للقراءة:
إن الاحتجاج بدليل ذا إشارات أو أحرف أو أرقام يجب أن تكون واضحة ذات دلالات مفه ومة لدى الغير، فالكتابة الالكترونية المشفرة يمكن أن تشكل دليلا كاملا متى أصبحت مفهومة لدى الأطراف 4، بمعنى أنه يشترط في هذا الدليل أن يكون ظاهرا بلغة معروفة لدى الطرفين، فان صيغ بلغة أجنبية عنهما استعانا بالترجمة.
تغير الشكل الذي يتخذه المحرر لا يغير شيئا من طبيعته القانونية، لذلك أوصت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري تغير الشكل الذي يتخذه المحرر لا يغير شيئا من طبيعته القانونية، لذلك أوصت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري بإعادة النظر في القواعد القانونية التي تعوق استخدام سجلات الحواس ب كأدلة إثبات في Cnudci الدولي الدعاوى القضائية و أخذت به بعض التشريعات الأوروبية 5، يضاف إلى هذا اشتراط الكتابة في التجارة الالكترونية يجب أن تأخذ في الاعتبار تسجيل المعاملات ونقلها في شكل مقروء عبر وسائل غير ورقية، وتدخل في نطاقها كل كتابة استخدمت فيها وسائل كهربائية أو مغناطيسية.
فرع 03 / الكتابة وتعيين الأطراف:
يحتوي المحرر الالكتروني على تعيين اسمي لهوية أطرافه، هذا الاسم مرتبط بموقعي الوثيقة أو العقد اللذين يكونانحاضرين ماديا لس التعاقد أو وقت تحمل الالتزامات، إن الإشكال المطروح كيف يمكن نسبة المحرر الالكتروني لشخص معين في وقت لم يسبق لأطراف التصرف القانوني التعامل من قبل؟من هنا تظهر أهمية تحديد صفة الشخص الذي يمكنه أن ينتحل شخصية أخرى 1، نجد الإجابة في الوسائل التقنية مثل :
التوقيع الالكتروني ، والغير المصادق الذي يضمن أمن المبادلات على الشبكات دون أي تعديل في الموضوع فهو يساعد على تحديد المرسل و المرسل إليه و يزودهم بالدليل في حال قيام نزاع، فهذه الوسائل غير قابلة للاختراق أو التزوير، تمنح ضمانات أوسع من تلك على الورق في نسبة المحرر لصاحبه.
فرع 04 : حفظ محتوى المحرر:
لقد عهد للدعامة الورقية وظيفة حفظ أصول المحررات و محتواها،و تطور هذا بظهور السندات الالكترونية، إلا أن هذه الأخيرة قد لا تقوم بالدور المحفوظ للوثيقة الورقية على اعتبار أن الكتابة الالكترونية غير مادية كما قد تكون في بي ئة مفتوحة كالانترنت لا يجزم بأمنها المعلوماتي المطلق، و لذا كان من الضروري إيجاد وسائل كفيلة لسلامة المحرر الالكتروني من كل تغيير أو تعديل في أصوله، وأشار معهد توحيد القانون الخاص التابع لمنظمة الأمم الايجاب الالكتروني:
الايجاب “هو العرض الذي يعبر به الشخص الصادر منه على وجه جازم فيارادته في ابرام عقد معين بحيث اذا ماقترن به قبول مطابق انعقد العقد” ولا يشترط فيه سوى المسائل الجوهرية في العقد اما تخلف المسائل التفصيلية عنه لا ؤثر في أثره الا اذا اتفق على عدم انعقاد العقد الا بها.
وسوف نفصل الموضوع لعدة نقاط .
1- الاختيار المكاني للمستهدف من الايجاب: في الممارسات التجارية العادية فان العميل ينتقل بشخه الى مكان التاجر. اما في المجال الالكتروني فان المستهدف من الايجاب قد يكون تابعا لأي دولة في العالم ومن ثم سؤدي القبول الى نشوء التزام على عاتق الموجب بالتسليم/ بتسليم ماتعهد به في مكان يبعد عنه كثيرا, وتفاديا لتعقيدات العنصر المكاني فان الموجب قد يوضح الحدود المكانية لايجابه من خلال التقيد بمنطقة معينه يتناسب مع قدرته على تنفيذ التزامه بالتسليم وبالتالي فان لموجب قد يعلق الايجاب على شرط صدور القبول من مناطق محددة.
ان صاحب الموقع الالكتروني الموجب يحتفظ لنفسه بالحق في الرجوع عن ايجابه ورفض الدعوة الى التعاقد الواردة اليه متى تبين له احتمالية عدم تمكنه من تنفيذ تعهداته.
وبالتالي فان غير ذلك من الايجاب المطروح الكترونيا والذي قد يكون عبر البريد الالكتروني او عبر غرف المحادثه لا يعد دعوة جادة للتعاقد نهائية بل يدخل في دائرة الاعلانات الكاذبة.
2- اختيار الاشخاص المستهدفين من الايجاب: عادة مايختار الموجب عملاءه المحتملين بما يتفق مع مضمون ايجابه من خلال البريد الالكتروني او غيرة وهنا يمكن القول اننا امام ايجاب اعد بعناية, وقد يمتد التخصيص في الاختيار الى مواصفات خاصه في العميل مما يجعل العقد في حالة نشوئة قائم على الاعتبار الشخصي.
ثانيا: القبول الالكتروني:
على عكس الايجاب فان القبول يمكن ان يكون باتباع كافة الوسائل التي تؤدي الى اعمال اثره في نشوء العقد. فقد يصدر عبر وسلة الكترونية كالتي صدر عبرها الايجاب وهو الغالب.
وارادة التعبير في العقد الالكتروني تكون اما بالنقر على الفارة, او تعبير ضمني لها.
1- النقر على الفارة قبول صريح:
النقر على الخانة الخاصه بالمنتج او على خانة نعم المصاحبة يعد بمثابة قبول للتعاقد.
غير ان هذا العميل/ القابل قد يكتشف عند التسليم ان المنتج غير مناسب او التكلفة غير متوقعة او وقع في غلط , وبالتاي كلما زادت الخطوات الواجبة الاتباع لاعتماد القبول كلما كان الموقف افضل ,لذا فان كثير من اصحاب المواقع الالكترونية يستلزمون تكرار النقر على الخانة المعينة بحيث يكون اللجوء الية واتباعه كافيا لتأكيد ظهور ارادة القبول المتعاقد حيث يفترض عدم الوقوع في غلط مرتين على التوالي وبهذا يمكن تفادي تداعيات الادعاء بالوقوع في غلط سعيا للتراجع.
اترك تعليقاً