التفاوض. ودوره في حل المشاكل
التفاوض هو موقف تعبيري حركي قائم بين طرفين أو أكثر حول قضية من القضايا، يتمّ من خلاله عرض وتبادل وتقريب ومواءمة وتكييف وجهات النظر واستخدام كافة أساليب الإقناع للحفاظ على المصالح القائمة، أو للحصول على منفعة جديدة بإجبار الخصم بالقيام بعمل معيّن، أو الامتناع عن عمل معين في إطار علاقة الارتباط بين أطراف العملية التفاوضية تجاه أنفسهم أو تجاه الغير.
ما هو التفاوض؟ هو سلوك طبيعي يستخدمه الإنسان عند التفاعل مع محيطه، وهو عملية التخاطب والاتصالات المستمرّة بين جبهتين للوصول إلى اتفاق يفي بمصالح الطرفيْن.
أهمية علم التفاوض
تنشأ أهمّية علم التفاوض من زاويتين أساسيتين:
الأولى: ضرورته.
وتظهر ضرورة علم التفاوض ومدى الأهمّية التي يستمدّها من خلال العلاقة التفاوضية القائمة بين أطرافه، أي ما يتعلّق بالقضية التفاوضية التي يتمّ التفاوض بشأنها، وتلك هي الزاوية الأولى.
الثانية: حتميّته.
فنجد أن علم التفاوض يستمدّ حتميّته من كونه المخرج أو المنفذ الوحيد الممكن استخدامه لمعالجة القضية التفاوضية والوصول إلى حلّ للمشكلة المتنازع بشأنها.
التأصيل الشرعى
نشأ هذا العلم عبر التاريخ، وأوردته النصوص التاريخية المختلفة، وتاريخنا الإسلامي زاخر بالشواهد القصصية، والأدلة القرآنية حول هذا جانب كثيرة، فالتفاوض- كأداة للحوار- هو جوهر الرسالة الإسلامية، والأسلوب القرآني خير دليل على ذلك كأفضل أسلوب للإقناع، قال تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، ويقول تعالى: «لا إكراه في الدين»، وهذا من شأنه أن يؤدّي إلى نشوء موقف حواري تفاوضي حقيقي يؤدّي بدوره إلى تبلور مفهوم التسامح مع الآخر، والإمام علي- رضي الله عنه- يقول: (الناس صنفان: أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق)، وهذه المقولة تعطينا النظرة إلى العالم نظرة تشاركية وتفاعلية لا على أساس (نحن) و (هم) بل على أساس»نحن جميعًا كبشر».
عناصر التفاوض الرئيسية
أولا: الموقف التفاوضي:
يعدّ التفاوض موقفًا ديناميكيًا أي حركيًا يقوم على الحركة والفعل وردّ الفعل إيجابًا وسلبًا وتأثيرًا أو تأثّرًا. كما أن التفاوض موقف مرن يتطلّب قدرات هائلة للتكيّف السريع والمستمرّ للمواءمة الكاملة مع المتغيّرات المحيطة بالعملية التفاوضية.
وبصفة عامة، فإن الموقف التفاوضي يتضمّن مجموعة عناصر:-
1- الترابط: وهذا يستدعي أن يكون هناك ترابط على المستوى الكلي لعناصر القضية التي يتمّ التفاوض بشأنها، أي أن يصبح للموقف التفاوضي (كلّاً عامًا مترابطًا)، وإن كان يسهل الوصول إلى عناصره وجزئياته.
2- التركيب: حيث يجب أن يتركّب الموقف التفاوضي من جزيئات وعناصر ينقسم إليها ويسهل تناولها في إطارها الجزئي، كما يسهل تناولها في إطارها الكلي.
3- إمكانية التعرّف والتمييز: يجب أن يتصف الموقف التفاوضي بصفة إمكانية التعرّف عليه وتمييزه دون أي غموض أو لبس، أو دون فقد لأي من أجزائه أو بُعد من أبعاده أو معالمه.
4- الاتساع المكاني والزماني: ويُقصد به المرحلة التاريخية التي يتمّ التفاوض فيها، وكذلك المكان الجغرافي الذي تشمله القضية عند التفاوض عليها.
5- التعقيد: الموقف التفاوضي هو موقف معقّد، حيث تتفاعل داخله مجموعة من العوامل، وله العديد من الأبعاد والجوانب التي يتشكّل منها هذا الموقف، ومن ثمّ يجب الإلمام بهذا كله حتى يتسنّى التعامل مع هذا الموقف ببراعة ونجاح.
6- الغموض: ويُطلق البعض على هذا الموقف (الشك(، حيث يجب أن يحيط بالموقف التفاوضي ظلال من الشك والغموض النسبي الذي يدفع المفاوض إلى تقليل دائرة عدم التأكّد، وذلك عن طريق جمع كافة المعلومات والبيانات التي تكفل توضيح الموقف التفاوضي، خاصّة وأن الشك دائمًا يرتبط بنوايا ودوافع واتجاهات ومعتقدات وراء الطرف المفاوض الآخر.
ثانيًا: أطراف التفاوض:
يتمّ التفاوض في العادة بين طرفين، وقد يتسع نطاقه ليشمل أكثر من طرفين نظرًا لتشابك المصالح وتعارضها بين الأطراف المتفاوضة. ومن هنا فإن أطراف التفاوض يمكن تقسيمها أيضًا إلى:
1- أطراف مباشرة: وهي الأطراف التي تجلس فعلاً إلى مائدة المفاوضات وتباشر عملية التفاوض.
2- أطراف غير مباشرة: وهي الأطراف التي تشكّل قوىً ضاغطة لاعتبارات المصلحة، أو التي لها علاقة قريبة أو بعيدة بعملية التفاوض.
سبق وأن تناولنا التفاوض وعرّفناه بأنه: موقف تعبيري حركي قائم بين طرفين أو أكثر حول قضية من القضايا. وتناولنا التأصيل الشرعي له، وتحدّثنا عن جانبين من عناصر التفاوض الرئيسية والتي هي الموقف التفاوضي وأطراف التفاوض، ونتابع البحث في تتمّة هذه العناصر وشروط التفاوض، وقد وصلنا إلى:
ثالثًا: القضية التفاوضية
لابدّ أن يدور التفاوض حول (قضية معيّنة) أو (موضوع معيّن) يمثّل محور العملية التفاوضية وميدانها الذي يتبارز فيه المتفاوضون، وقد تكون القضية، قضية إنسانية عامة، أو قضية شخصية خاصّة، أو تكون قضية اجتماعية، أو اقتصادية أو سياسية، أو أخلاقية… إلخ. ومن خلال القضية المتفاوض بشأنها يتحدّد الهدف التفاوضي، وكذا غرض كلّ مرحلة من مراحل التفاوض، بل والنقاط والأجزاء والعناصر التي يتعيّن تناولها في كلّ مرحلة من المراحل، والتكتيكات والأدوات والاستراتيجيات المتعيّن استخدامها في كلّ مرحلة من المراحل.
رابعًا: الهدف التفاوضي
لا تتمّ أي عملية تفاوض بدون هدف أساسي تسعى عملية التفاوض إلى تحقيقه أو الوصول إليه، وتوضع من أجله الخطط والسياسيات. فبناءً على الهدف التفاوضي يتمّ قياس مدى تقدّم الجهود التفاوضية في جلسات التفاوض وتعمل الحسابات الدقيقة، وتجري التحليلات العميقة لكلّ خطوة.
ويتمّ تقسيم الهدف التفاوضي العام أو النهائي إلى أهداف مرحلية وجزئية، وفقًا لمدى أهمّية كلّ منها ومدى اتصالها بتحقيق الهدف الإجمالي أو العام أو النهائي.
ومن ناحية أخرى، فإن الهدف التفاوضي، يدور في الغالب حول تحقيق أي من الآتي:
– القيام بعمل محدّد يتفق عليه الأطراف.
– الامتناع عن القيام بعمل معيّن يتفّق على عدم القيام به بين أطراف التفاوض.
– تحقيق مزيج من الهدفيْن السابقين معًا.
شروط التفاوض
أولاً: القوّة التفاوضية:
ترتبط القوّة التفاوضية بحدود أو مدى السلطة والتفويض الذي تمّ منحه للفرد التفاوضي وإطار الحركة المسموح له بالسير فيها وعدم تعدّيه أو اختراقه فيما يتصل بالموضوع أو القضية المتفاوض بشأنها.
ثانيًا: المعلومات التفاوضية:
هي أن يملك فريق التفاوض المعلومات التي تتيح له الإجابة على الأسئلة الآتية:
مَن نحن؟ ومَن خصمنا؟ وماذا نريد؟ وكيف نستطيع تحقيق ما نريد؟ وهل يمكن تحقيق ما نريده دفعة واحدة؟ أم يتعيّن أن نحقّقه على دفعات، وتجزئته للوصول إليه على مراحل؟ وإذا كان ذلك يسير، فما هي تلك الأهداف المرحلية، وما هي كيفية تحقيقها؟ وما الذي نحتاجه من دعم وأدوات ووسائل وأفراد للوصول إلى تلك الأهداف؟. وبناءً على هذه المعلومات يتمّ وضع برنامج التفاوض محدّد المهام ومحدّد الأهداف، وتتاح له الإمكانيات وتوفّر له الموارد.
ثالثاً: القدرة التفاوضية:
يتصل هذا الشرط أساسًا بأعضاء الفريق. ومدى البراعة والمهارة والكفاءة التي يتمتّع بها أو يحوزها أفراد هذا الفريق، ومن ثمّ فمن الضروري الاهتمام بالقدرة التفاوضية لهذا الفريق، وهذا يتأتّى عن طريق الآتي:
– الاختيار الجيد لأعضاء هذا الفريق من الأفراد الذين تتوفّر فيهم القدرة والمهارة والرغبة والخصائص والمواصفات التي يجب أن يتحلّى بها أعضاء هذا الفريق.
– تحقيق الانسجام والتوافق والتلاؤم والتكييف المستمر بين أعضاء الفريق ليصبح وحدة متجانسة، محدّدة المهام، ليس بينها أي تعارض أو انقسام في الرأي أو الميول أو الرغبات.
– تدريب وتثقيف وشحذ وتحفيز وإعداد أعضاء الفريق المفاوض إعدادًا عاليًا يتمّ خلاله تزويدهم بكافة البيانات والمعلومات التفصيلة الخاصّة بالقضية التفاوضية.
– المتابعة الدقيقة والحثيثة لأداء الفريق المفاوض ولأي تطوّرات تحدث لأعضائه.
– توفير كافة التسهيلات المادّية وغير المادية التي من شأنها تيسير العملية التفاوضية.
رابعًا: الرغبة المشتركة:
ويتصل هذا الشرط أساسًا بتوافر رغبة حقيقية مشتركة لدى الأطراف المتفاوضة لحلّ مشاكلها أو منازعاتها بالتفاوض، واقتناع كلّ منهم بأن التفاوض هو الوسيلة الوحيدة أو الأفضل لحلّ هذا النزاع أو وضع حدّ له.
خامسًا: المناخ المحيط:
ويتصل المناخ التفاوضي بجانبيْن أساسيين هما:
1- القضية التفاوضية ذاتها: وفي هذا الجانب يتعيّن أن تكون القضية التفاوضية ساخنة، وبالتالي فإن القضية كلما كانت ساخنة كلما أمكن أن يحظى التفاوض باهتمام ومشاركة الأطراف المختلفة وبفعالية.
2- أن تكون المصالح متوازنة بين أطراف التفاوض: فيجب لتهيئة المناخ الفعّال أن يتمّ التفاوض في إطارٍ من توازن المصالح والقوى بين الأطراف المتفاوضة حتى يأخذ التفاوض دوره، وتكون نتائجه أكثر استقرارًا وتقبّلاً وعدالة واحترامًا بين هؤلاء الأطراف، فإذا لم يكن هناك هذا التوازن فإنه لن يكون هناك تفاوض بالمعنى السليم، بل سيكون هناك استسلام وتسليم وإجحاف بأحد الأطراف، وغالبًا ما يكون هو الذي لا يملك القوّة اللازمة لتأييد حقه، أو للتدليل عليه، أو لفرض رأيه وإجبار الخصم الآخر على تقبّله واحترامه والعمل به، أو بما سيتمّ التوصّل بالتفاوض إليه.
خطوات التفاوض
للتفاوض العملي خطوات عملية يتعيّن القيام بها والسير على هداها، وهذه الخطوات تمثل سلسلة تراكمية منطقية تتمّ كلّ منها بهدف تقديم نتائج محدّدة تستخدم في إعداد وتنفيذ الخطوة التالية. وإن تراكمات كلّ مرحلة تبنى على ما تمّ الحصول عليه من ناتج المرحلة السابقة، وما تمّ تشغيله بالتفاوض عليه واكتسابه خلال المرحلة الحالية ذاتها قبل الانتقال إلى المرحلة التالية الجديدة، وبهذا الشكل تأخذ العملية التفاوضية شكل جهد تفاوضي تشغيلي متراكم النتائج بحيث تصبح مخرجات كلّ مرحلة مدخلات للمرحلة التالية لها وهكذا.
الخطوة الأولى: تحديد وتشخيص القضية التفاوضية:
وهي أولى خطوات العملية التفاوضية، حيث تتعيّن معرفة وتحديد وتشخيص القضية المتفاوض بشأنها، ومعرفة كافة عناصرها وعواملها المتغيّرة ومرتكزاتها الثابتة. وتحديد كلّ طرف من أطراف القضية، والذين سيتمّ التفاوض معهم. وتحديد الموقف التفاوضي بدقة لكلّ طرف من أطراف التفاوض، ومعرفة ماذا يرغب أو يهدف من التفاوض.
ويتعيّن إجراء مفاوضات أو مباحثات تمهيدية لاستكشاف نوايا واتجاهات هذا الطرف وتحديد موقفه التفاوضي بدقة، وبعد هذا التحديد يتمّ التوصّل إلى نقطة أو نقاط التقاء أو فهم مشترك.
كما يتعيّن تحديد نقاط الاتفاق بين الطرفين المتفاوضين لتصبح الأرضية المشتركة أو الأساس المشترك لبدء العملية التفاوضية، ويساعد في تحديد نقاط معرفة المصالح المشتركة التي تربط بين الطرفين المتفاوضين.
ومن ثمّ يتمّ تحديد مركز دائرة المصلحة المشتركة أو الاتفاق بين الأطراف ليمثّل نقطة الارتكاز في التعامل مع هذه الدائرة وبها، حيث يتمّ في التفاوض نقل المركز تدريجيًا لتوسيع نقاط الاتفاق التي يوافق عليها الطرف الآخر وتصبح حقًا مكتسبًا.
وتستخدم في هذا المجال المفاوضات التمهيدية بهدف تحديد المواقف التفاوضية ومعرفة حقيقة ونوايا الطرف الآخر بالإضافة إلى:
– تغيير اتجاهات وآراء الطرف الآخر.
– كسب تأييد ودعم الطرف الآخر والقوى المؤثرة عليه.
– دفع الطرف الآخر إلى القيام بسلوك معيّن وفقًا لخطّة محدّدة.
– الاستفادة من ردّ فعل الطرف الآخر.
وبصفة عامّة يتمّ في المفاوضات التمهيدية تحديد نقاط الالتقاء ونقاط الاختلاف بين الأطراف وتوضيح أبعاد كلّ منهما. ومن ثمّ يمكن تحديد النقاط الأشدّ تطرفًا بالنسبة لكلّ طرف من الأطراف التي لا يمكن التأثير عليها، والتي لن يتنازل عنها في الفترة الحالية على الأقل. وأكثر النقاط قبولاً منه أو نقطة الالتقاء المشتركة التي يوافق عليها دون تردّد. ومن ثمّ يقوم بالابتعاد عن أشدّ نقاط الاختلاف، والتعامل فقط مع تلك النقاط التي تقع في منطقة التأرجح بين الموافقة والاعتراض، والتي يمكن عن طريق التفاوض كسب النقاط التفاوضية بنجاح ويسر.
الخطوة الثانية: تهيئة المناخ للتفاوض:
إن هذه الخطوة هي خطوة مستمرّة وممتدّة، تشمل وتغطّى كافة الفترات الأخرى التي يتمّ الاتفاق النهائي عليها، وجني المكاسب الناجمة عن عملية التفاوض.
وفي هذه المرحلة يحاول كلّ من الطرفين المتفاوضين خلق جو من التجاوب والتفاهم مع الطرف الآخر، بهدف تكوين انطباع مبدئي عنه، واكتشاف استراتيجيته التي سوف يسير على هداها في المفاوضات، وردود أفعاله أمام مبادراتنا وجهودنا التفاوضية.
وتكون هذه المرحلة عادة قصيرة، وبعيدة عن الرسميات، وتقتصر- عادة- على لقاءات النادي أو على حفلات التعارف، حيث يتمّ فيها تبادل عبارات المجاملة والترحيب.
الخطوة الثالثة: قبول الخصم للتفاوض:
وهي عملية أساسية من عمليات وخطوات التفاوض لقبول الطرف الآخر وقبول الجلوس إلى مائدة المفاوضات. ومن ثمّ تنجح المفاوضات أو تكون أكثر يسرًا، خاصّة مع اقتناع الطرف الآخر بأن التفاوض هو الطريق الوحيد، بل والممكن لحلّ النزاع القائم، أو للحصول على المنفعة المطلوبة، أو لجني المكاسب والمزايا التي يسعى إلى الوصول إليها. ويجب علينا أن نتأكّد من صدق رغبة وحقيقة نوايا الطرف الآخر، وأن قبوله للتفاوض ليس من قبيل المناورات أو لكسب الوقت أو للتحجيم عن استخدام الوسائل الأخرى.
الخطوة الرابعة: التمهيد لعملية التفاوض الفعلية والإعداد لها تنفيذيًا:
ويكون ذلك من خلال النقاط التالية:
– اختيار أعضاء فريق التفاوض وإعدادهم وتدريبهم على القيام بعملية التفاوض المطلوبة وإعطائهم خطاب التفويض الذي يحدّد صلاحياتهم للتفاوض.
– وضع الاستراتيجيات التفاوضية واختيار السياسات التفاوضية المناسبة لكلّ مرحلة من مراحل التفاوض.
– الاتفاق على أجندة المفاوضات، وما تتضمّنه من موضوعات أو نقاط أو عناصر سيتمّ التفاوض بشأنها، وأولويات تناول كلّ منها بالتفاوض.
– اختيار مكان التفاوض وتجهيزه وإعداده وجعله صالحًا ومناسبًا للجلسات التفاوضية، وتوفير كافة التسهيلات الخاصّة به.
الخطوة الخامسة: بدء جلسات التفاوض الفعلية: حيث تُعتبر هذه الخطوة من العمليات الأساسية التي لا يتمّ التفاوض إلا بها وتتمّ من خلال:
– اختيار التكتيكات التفاوضية المناسبة من حيث تناول كلّ عنصر من عناصر القضية التفاوضية أثناء التفاوض على القضية وداخل كلّ جلسة من جلسات التفاوض.
– الاستعانة بالأدوات التفاوضية المناسبة، وبصفة خاصّة: تجهيز المستندات والبيانات والحجج والأسانيد المؤيّدة لوجهات نظرنا والمعارضة لوجهات نظر الطرف الآخر.
– ممارسة الضغوط التفاوضية على الطرف الآخر، سواء داخل جلسة التفاوض أو خارجها. وتشمل هذه الضغوط عدّة عوامل منها: (الوقت، والتكلفة، والجهد، وعدم الوصول إلى نتيجة، والضغط الإعلامي، والضغط النفسي).
– تبادل الاقتراحات وعرض وجهات النظر في إطار الخطوط العريضة لعملية التفاوض، وفي الوقت نفسه دراسة الخيارات المعروضة والانتقاء التفضيلي منها.
– استخدام كافة العوامل الأخرى المؤثّرة على الطرف الآخر لإجباره على اتخاذ موقف معيّن، أو القيام بسلوك معيّن يتطلّبه كسبنا للقضية التفاوضية أو إحراز نصر أو الوصول إلى اتفاق بشأنها أو بشان أحد عناصرها أو جزيئاتها.
الخطوة السادسة: الوصول إلى الاتفاق الختامي وتوقيعه:
إذ لا قيمة لأي اتفاق- من الناحية القانونية- إذا لم يتمّ توقيعه في شكل اتفاقية موقّعة وملزمة للطرفيْن المتفاوضين. ويجب الاهتمام بأن تكون الاتفاقية شاملة وتفصيلية تحتوي على كلّ الجوانب، وأن يراعى فيها اعتبارات الشكل والمضمون، واعتبارات أخرى من حيث جودة وصحّة ودقة اختيار الألفاظ والتعبيرات حتى لا تنشأ أية عقبات أثناء التنفيذ الفعلي للاتفاق التفاوضي.
سبق وأن تناولنا التفاوض وعرّفناه بأنه موقف تعبيري حركي قائم بين طرفين أو أكثر حول قضية من القضاي، وتناولنا التأصيل الشرعي له، وتحدّثنا عن جانبيْن من عناصر التفاوض الرئيسية وهما: الموقف التفاوضي، وأطراف التفاوض.. وبحثنا في تتمّة هذه العناصر شروط التفاوض.. وسنبحث مراحل عملية التفاوض ومبادئه، تاركين استراتيجياته للبحث الأخير.
مراحل عملية التفاوض
هناك خمس مراحل ينبغي أن تمرّ بها عملية التفاوض وهى:
1- مرحلة الاستكشاف Exploration
2-مرحلة تقديم العروض والمقترحات Bidding
3- مرحلة المساومة Bargaining
4- التوصّل إلى اتفاق أو تسوية Settling
5- مرحلة إقرار الاتفاق Ratifying
> وتشمل الأنشطة فى مرحلة الاستكشاف ما يلى:
< تحاول الأطراف تكوين نوع من الفهم لمتطلّبات كلّ منها من الآخر.
< تصل الأطراف إلى نوع من الإحساس المشترك بنوع الاتفاق الذى يمكنهم التوصّل إليه.
< يحاول كلّ طرف أن يظهر اتجاهًا تجاه الآخر.
< تبدأ ملامح الصفقة المتوقّعة فى الظهور.
< فى هذه المرحلة ينمو كذلك التعرّف وإدراك القضايا التى ينبغي الاستقرار عليها أثناء مرحلة المساومة. > أما فى مرحلة تقديم العروض والمقترحات: فيقوم أحد الأطراف أو كليهما معًا بتقديم عروضه ومقترحاته بالنسبة لكلّ قضية من القضايا فى الصفقة.
> وفى مرحلة المساومة: فإن كلّ فريق يفاوض الفريق الآخر من أجل تحقيق ميزة نسبية لصالحه. وكلّما وصلت مرحلة المساومة إلى درجة النضج تأتى لحظة يُدرك فيها كلّ طرف أن الاتفاق بينهما قد أصبح فى متناول اليد. وهنا تبدأ مهلة الاستقرار على الصفقة أو الوصول إلى اتفاق أو تسوية.
> وأخيرًا هناك مرحلة إقرار الاتفاق بشكل مكتوب عادة، وفى بعض الأحيان يشمل ذلك تحديد التفاصيل القانونية. ويجب أن يُؤخذ فى الحسبان أن الطريقة التي يتمّ بها تناول هذه المراحل فى عملية التفاوض تختلف من موقف تفاوضى لآخر.. وفى الغالب لا تسير هذه المراحل فى تتابع منطقي واضح. ونجد أن أطراف التفاوض يقومون بتحرّكات مفاجئة إلى الأمام أو إلى الخلف عبر هذه المراحل.. وأحيانًا نجد المفاوضين يتبعون هذه المراحل فى أحد جوانب الصفقة إلى النهاية.. وهكذا بالنسبة للجانب الثانى. ويمكن القول: بأن المفاوض الفعّال ينبغي أن يدرك- ولو فى عقله الباطن- هذه المراحل الخمسة من أجل الرقابة الفعّالة على عملية التفاوض.
مراحل التفاوض الناجح كالتالي: مصدر آخر
أولاً: مرحلة التحليل: وهي عملية جمع البيانات وتحديد الأهداف، وعليه أن يستعد في هذه المرحلة باتباع خطواتها المهمّة:
1- الإعداد الجيّد عن طريق كتابة نقاط من تحليل موقف التفاوض وتحليل مصالح الطرف الآخر الذي سيدخل معه في عملية التفاوض.
2– التعلّم والاجتماع بأطراف النزاع، واحترام آراء الآخرين، والأخذ بها وتحليلها بموضوعية.
3- مراجعة الذات عن طريق مراجعة مواقفه مع نفسه، وإعادة مناقشة الطرف الآخر، إذا ما ثبت خطأ هذه الافتراضات مرّة خلال مناقشاته مع الأطراف.
4- التعرّف على آليات الطرف الآخر في عملية التفاوض.
ثانيًا: مرحلة التخطيط: بناءً على التحليل يقوم المفاوض بإعداد خطّة التفاوض، وتشتمل الخطّة على:
1- تحديد المصالح الأساسية للمفاوض.
2- إعداد خطّة التعامل مع المفاوضين وأساليبهم المختلفة في التفاوض.
3- إعداد اختيارات إضافية يمكن مناقشتها.
< ومن أهمّ خطوات مرحلة التخطيط:
– إعداد تصوّر بالمطالب المرنة.
– إعداد تصوّر بالبدائل الأخرى المتاحة للمفاوض.
ثالثًا: مرحلة المناقشات (التفاوض الفعلي): وفي هذه المرحلة الهامّة على المتفاوض أن يتبع الخطوات الهامّة التالية:
1- الاستمرار في عملية تحليل الأوضاع، وتحليل التغذية الراجعة أثناء الموقف الحواري.
2- التركيز الشديد في المفاوضات، وأخذ الوقت اللازم في استيعاب ما يُقال، حتى لو تطلّب ذلك طلب فترة راحة من جلسة المفاوضات.
3- محاولة تقديم حلول إيجابية جديدة، وعدم تكرار الصيغ التفاوضية، من أجل إحراز تقدّم منشود وناجح في الموقف التفاوضي.
4- المرونة في التحاور، وحُسن الاستماع للأطراف المختلفة.
5- التعبير عن المطالب بصدق، والتأكيد عليها بدون تهديد.
6- الابتعاد عن الصراع للوصول إلى المصالح، واعتبار المفاوضات فرصة للتعاون.
7- التركيز على الموضوع وليس الأشخاص المحاورين.
8- الاستفسار المستمرّ عن كلّ شيء حول الموضوع للحصول على معلومات وحقائق وليس فرضيات أو تخمينات.
9- أن يدرك المفاوض الوقت المناسب للتوقّف عن التفاوض، حين يحقّق أهدافه، وينجح في الحصول على الفوائد، وعليه- كذلك- معرفة متى يكون عليه ترك قاعة التفاوض، أو التفكير في التفاوض مع مجموعة أخرى، أو الاعتماد على نفسه في حلّ المشكلة.
< وإذا ما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، فمن الممكن التغلّب على ذلك باتباع الآتي:-
1- يطلب المفاوض الناجح فترة من الراحة لمراجعة الأمور.
2- طلب مراجعة الأطراف لمواقفهم، والنظر في الأسباب التي جعلت كلّ طرف يتمسّك بموقفه.
3- مراجعة نقاط الاتفاق في الحلول المطروحة والتركيز عليها وإبرازها.
4- من الممكن تأجيل عنصر من العناصر لفترة لاحقة، وإعلان الاتفاق على عناصر محدّدة.
5- يتمّ اتخاذ الخطوات لتطبيق ما اتُفق عليه، وذلك يوجِدُ مناخًا من التفاهم الجيّد، ممّا يؤدّي إلى استكمال عملية التفاوض بنجاح.
6- استبدال المتفاوض المتعنّت بآخر أكثر مرونة، وعلى الجهة المتفاوضة إيقاف المفاوضات مع هذا المتعنّت، وبدء مفاوضات جديدة مع مَن يستطيع أن يتفاوض ويحقق أعلى درجات الاستفادة للطرفين.
7- تغيير أسلوب التفاوض وليس الموضوع الأصلي، وتحديد لقاء لمراجعة قواعد التفاوض قبل استكمال المفاوضات.
مبادئ التفاوض
وتتلخّص في (23) مبدأ:
1- كن على استعداد دائم للتفاوض، وفي أي وقت.
2- أن لا تتفاوض أبدًا دون أن تكون مستعدًا.
3- التمسّك بالثبات الدائم وهدوء الأعصاب.
4- عدم الاستهانة بالخصم أو بالطرف المتفاوض معه.
5- لا تتسرّع في اتخاذ قرار.. واكسب وقتًا للتفكير.
6- أن تستمع أكثر من أن تتكلّم.. وإذا تكلّمت فلا تقل شيئًا له قيمة خلال المفاوضات التمهيدية.
7- ليست هناك صداقة دائمة، ولكن هناك دائمًا مصالح دائمة.
8- الإيمان بصدق وعدالة القضية التفاوضية.
9- الحظر والحرص وعدم إفشاء ما لديك دفعة واحدة.
10- لا أحد يحفظ أسرارك سوى شفتيك.
11- ابنِ تحليلاتك ومن ثمّ قراراتك على الوقائع والأحداث الحقيقية، ولا يجب أن تبنيَها على التمنّيات.
12- أن نتفاوض من مركز قوّة.
13- الاقتناع بالرأي قبل إقناع الآخرين به.
14- استخدام الأساليب غير المباشرة في التفاوض، وكسب النقاط التفاوضية كلما أمكن ذلك.
15- ضرورة تهيئة الطرف الآخر، وإعداده نفسيًا لتقبّل الاقتناع بالرأي الذي تتبنّاه.
16- هدوء الأعصاب والابتسامة مفتاح النجاح في التفاوض.
17- التفاؤل الدائم، ومقابلة الثورات العارمة والانتقادات الظالمة برباطة الجأش والهدوء المطلق والعقلانية الرشيدة.
18- التجديد المستمرّ في طرق وأساليب تناول الموضوعات المتفاوض بشأنها وفي أسلوب عمل الفريق التفاوضي.
19- عدم البدء في الحوار التفاوضي بجملة استفزازية أو بنظرة عدوانية أو بحركة تعبّر عن الكراهية والتحدّي والعدوان.
20- التحلّي بالمظهر الأنيق المتناسق الوقور المحترم في جميع عمليات التفاوض وفي كافة جلساته الرسمية.
21- الاستمتاع بالعمل التفاوضي.
22- في التفاوض: لا هزيمة مطلقة نهائية ودائمة فيه.
23- عدم الانخداع بمظاهر الأمور والاحتياط دائمًا من عكسها.
بقلم / خالد حسين المطيري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً