التمويل العقاري
كان الحديث في المقال السابق عن التنمية والنهضة العقارية في دبي, وما حواه معرض سيتي سكيب من عروض مدهشة, وتجسيده للمشاريع العقارية في المنطقة, وفي هذا الإطار فقد ذكر تقرير أعدته شركة الأبحاث بروليدز – أخيرا – أن حجم مشاريع الإنشاءات العقارية في الخليج العربي تجاوز حاجز التريليون دولار. وذكر التقرير أن حجم المشاريع الجديدة في دول مجلس التعاون وصل إلى 885 مشروعا عقاريا نشطا في المنطقة تبدأ قيمة المشروع الواحد من عشرة ملايين دولار, وتتجاوز القيمة الإجمالية لهذه المشاريع تريليون دولار وتشمل جميع أنواع البناء في القطاعين التجاري والسكني متضمنة المؤسسات التعليمية والمرافق الصحية والرياضية والفنادق والحدائق والمتنزهات إضافة للمشاريع المختلطة ومشاريع التجزئة وغيرها, وفي المملكة والإمارات الحصة الأكبر من هذه المشاريع حيث يوجد في الإمارات 390 مشروعا بقيمة إجمالية تتجاوز 430 مليار دولار ويصل إجمالي عدد المشاريع في السعودية 390 مشروعا بقيمة تتجاوز 409 مليارات دولار, وأشار التقرير إلى أن أكبر خمسة مشاريع عقارية نشطة في منطقة الخليج هي: مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في المملكة بقيمة 120 مليار دولار ومشروع مدينة الحرير في الكويت بقيمة 86 مليار دولار ومشروع دبي لاند في دبي باستثمارات تصل إلى 60 مليار دولار ومدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد في حائل بالمملكة بقيمة 53مليار دولار ومشروع تطوير جزيرة ياس في أبوظبي بقيمة 39مليار دولار.
ولا جدال في أن للتخطيط دورا كبيرا في هذا النجاح, كما أن للكوادر وكفاءتها دورا كذلك, إلا أن المحور الأساس لهذه النهضة والتسارع في التشييد والبناء والإبداع في التصميم والفاعل الأكبر والعنصر الأهم يبقى من نصيب توفير المبالغ المالية التمويل , وتلك الأرقام الفلكية بالطبع غير متوافرة لدى شركات التأسيس ولا بد من توفيرها من خلال التمويل, وفي حال كان التمويل كبيرا فالأمر يتطلب اشتراك عدد من البنوك أو شركات التمويل لتوفير المبلغ, ونظرية التمويل ومعادلاته معقدة بما تتضمنه من توفير الضمانات والرهونات الكافلة لمبلغ التمويل, ومن أعقد مسائله كيفية احتساب الفائدة العائدة من التمويل وفقا لحجم المخاطرة وصيغتها, ومدى إمكانية تسنيد الرهون في الطريقة التقليدية أو تصكيك الأصول حسب الصيغة الشرعية, وفي حين يتم التمويل بالكثير من السهولة حسب الطريقة التقليدية كون الصيغة التي يتم فيها التمويل صيغة محددة ومهما تنوعت فهي ترجع إلى صيغة واحدة في الجملة لا تكون فيها السلعة عنصرا أساسيا, إلا أن الصعوبة تكمن حين يتم إدخال السلعة المراد تمويلها أو غيرها عنصرا أساسيا في المعادلة, وهو ما تنهجه الصيغ المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
وفي معرض سيتي سكيب كان هناك عرض من بعض الشركات تسوق فيه لمنتجاتها وهي تتجه إلى التمويل العقاري بصفة خاصة, ومن هذه الشركات شركة أملاك و شركة تمويل وهما تستندان إلى المرجعية الشرعية بحيث تلتزمان بتوافق منتجاتهما مع القواعد الشرعية بإقرار ومراقبة هيئة شرعية من متخصصين في الفقه والاقتصاد الإسلامي , ومن هذه المنتجات : المرابحة والتقسيط وحصص المشاع والإجارة المرنة ونحوها من المنتجات , ومما يميز المنتجات العقارية في التمويل أنها تحتاج إلى الكثير من الضمانات والتحوطات وذلك لضخامة مبالغ التمويل فيها بخلاف غيرها من المنتجات كتمويل السيارات أو البضائع ونحوها , كما أنها في الغالب تكون مركبة من أكثر من صيغة.
من التحديات القادمة للمصرفية الإسلامية القدرة على استيعاب وتأطير وتغطية الاحتياج لهذه المبالغ الفلكية والمشاريع القادمة أكبر, ولا بد أن يتم ذلك وفقا لدراسات فقهية متعمقة وفتاوى جماعية يشترك فيها إضافة للفقهاء، المختصون في الاقتصاد والتمويل والمخاطرة وغيرهم من أهل الاختصاص, و ينظر فيها لمقاصد وقواعد الشريعة الكلية واعتبار ما يحقق المصلحة, مع البعد عن صيغ التلاعب والتي تشكك في جدية هذه المنتجات وصدقيتها.
اترك تعليقاً