مقالة قانونية هامة حول العلاقات الدولية
استخدمت كلمة دولية (International) لأول مرة من قبل جرمي بنثام في الجزء الأخيرة من القرن الثامن عشر بالرغم ان ما يناظرها في اللغة اللاتينية قد استخدم من قبل ريجاد زوك قبل قرن من ذلك.
وقد استخدم الناس هذه الكلمة لتعريف فرع القانون الذي أخذ يطلق عليه “قانون الأمم” أو “قانون الشعوب” وهو اصطلاح للقانون الروماني يشير إلى المبادئ التي كان يطبقها الرومان في القضايا التي تتضمن علاقات مع أجانب.. ثم استخدم المصطلح بعد ذلك من قبل أولئك الذين درسوا الروابط الدولية تحت الإطار القانوني فقط، وكان رجال القانون يسعون إلى تحديد مضمون القواعد الواجبة التطبيق بين اللاعبين في المسرح الدولي والعمل على ترجمتها إلى الواقع والتحقق من تطبيقها.
إن مصطلح (International) استخدم بوصفه حاجة حقيقية لتعريف العلاقات الرسمية بين الملوك، وربما تعد كلمة بين الدول (Interstates) أكثر دقة في تعبير الدولية لأن مصطلح الدولة في العلوم السياسية هو المصطلح الذي ينطبق على مثل هذه المجتمعات.
إن الدراسة العلمية للعلاقات الدولية تنطوي على دراسة الظواهر الدولية بشكل موضوعي وشامل وإلقاء الضوء على الأسباب والعوامل المحددة لتطورها والعمل على تطوير نظرية منها. انها تعني ايجاد “انتظام” أو “ثوابت” أو “قوانين” بالمعنى الذي ذهب إليه مونتسكيو، أي ايجاد روابط ضرورية تشتق من طبيعة الأشياء.. ولفترة طويلة استخدم مصطلح الدولية للاشارة إلى العلاقات بين الدول فقط، في وقت لم تكن العلاقات الدولية تعني سوى العلاقات بين الدول. ولا شك انها نظرة قاصرة لجوهر العلاقات الدولية الذي يعكس اليوم ساحة واسعة ومتشابكة من التفاعلات بين كيانات عديدة ومختلفة الطبيعة.
– تعريف العلاقات الدولية:
يعرف جون بورتون العلاقات الدولية بأنها “علم يهتم بالملاحظة والتحليل والتنظير من أجل التفسير والتنبؤ”، ويعرفها رينولدز “انها تهتم بدراسة طبيعة وادارة والتأثير على العلاقات بين الأفراد والجماعات العاملة في ميدان تنافس خاص ضمن اطار من الفوضى وتهتم بطبيعة التفاعلات بينهم والعوامل المتغيرة المؤثرة في هذا التفاعل”، ويعرفها ماكيلاند بأنها “دراسة التفاعلات بين أنواع معينة من الكيانات الاجتماعية بما في ذلك دراسة الظروف الملائمة المحيطة بالتفاعلات”.. أمّا كوينسي رايت، فيقدم تعريفاً واسعاً للعلاقات الدولية، وينبع من نظرته إلى العلاقات الدولية بأنها “علاقات شاملة تشمل مختلف الجماعات في العلاقات الدولية سواء كانت علاقات رسمية أم غير رسمية”، ويرى فيريدرك هارتمان بأن مصطلح العلاقات الدولية “يشمل على كل الاتصالات بين الدول وكل حركات الشعوب والسلع والأفكار عبر الحدود الوطنية”، ويعرفها مارسيل ميرل بأنها “كل التدفقات التي تعبر الحدود، أو حتى تتطلع نحو عبورها، هي تدفقات يمكن وصفها بالعلاقات الدولية، وتشمل هذه التدفقات بالطبع على العلاقات بين حكومات هذه الدول ولكن أيضاً على العلاقات بين الأفراد والمجموعات العامة أو الخاصة، التي تقع على جانبي الحدود، كما تشمل على جميع الأنشطة التقليدية للحكومات: الدبلوماسية، المفاوضات، الحرب… إلخ، ولكنها تشتمل أيضاً وفي الوقت نفسه على تدفقات من طبيعة أخرى: اقتصادية، ايديولوجية، سكانية، رياضية، ثقافية، سياحية… إلخ”، ويرى دانيال كولارد بأن دراسة العلاقات الدولية تضم “العلاقات السلمية والحربية بين الدول ودور المنظمات الدولية وتأثير القوى الوطنية ومجموع المبادلات والنشاطات التي تعبر الحدود الوطنية”.
وعلى الرغم من عدم وجود تعريف شامل وجامع للعلاقات الدولية يتفق حوله جميع الباحثين والمختصين، فان الاطلاع على هذه التعاريف يوضح لنا أن العلاقات الدولية ظاهرة واسعة من المبادلات المتداخلة التي تجري عبر الحدود الوطنية، إذ استخدم معظم المختصين عبارات مطلقة وشاملة لتعريفها مثل كيانات اجتماعية بالنسبة لماكيلاند، وجماعات عامة وخاصة بالنسبة لكل من كوينسي رايت وميرل ورينولدز.
وهي لا تشتمل على العلاقات الرسمية بين الدول، وإنما تشتمل على العلاقات غير الرسمية أيضاً. فالتجارة والمال هي أشياء تساهم في تطوير الروابط بين الدول، وحركة السياحة وطلب العلم خارج البلاد وهجرات الشعوب وتطوير العلاقات الثقافية والفنية عبر مختلف وسائل الإعلام عملت هي الأخرى على تطوير العلاقات الدولية.. وبدون شك تتفوق النشاطات الخاصة أو حتى تتجاوز التعامل الرسمي بين الحكومات وتعد جزءاً مهماً من نتاج الحضارة الحديثة، فضلاً عن ان مستويات المعيشة قد ازدادت بزيادة السلع والخدمات والتي يلعب النشاط التجاري الخارجي دوراً فيها. كما أسهم التقدّم في العلوم والتكنولوجيا المدعوم بواسطة تبادل المعرفة بين العلماء وزيادة كثافة نشاط الاتصالات الدولية في تطوير العلاقات بين الدول.
وحينما نتحدث عن العلاقات الدولية، فاننا غالباً ما نقصد العلاقات بين الدول لأنها هي التي تصنع القرارات المؤثرة على الحرب والسلام وان حكوماتها لها سلطة تنظيم الأعمال والتجارة والسفر واستغلال الثروات واستخدام الأفكار السياسية والقضاء والجنسية والاتصالات والقوات المسلحة وممارسة الأمور الأخرى المتعلقة بالشؤون الدولية، ولكن العلاقات الدولية هي انعكاس لعدد غفير من الاتصالات بين الأفراد ونشاطات المنظمات الدولية والمؤسسات الثقافية. فحينما يسافر مواطن دولة إلى خارج حدود بلاده، أو حينما تتعلق النشاطات بين الدول بالصادرات والصراعات، وحينما تسعى دولة ما لتطوير تجارتها مع دولة أخرى، فان العلاقات الدولية تصبح قائمة. ويشمل ذلك أيضاً إرسال الدول لبعثاتها الدينية للعمل في دول أخرى، أو حينما ترسل وكالة دولية انسانية مثل منظمة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر مساعدات إلى بلد يعاني من كوارث.
وهكذا فالعلاقات الدولية لا تشمل العلاقات بين الدول فقط وإنما تشمل الكيانات الأخرى مثل المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية والاتصالات والنقل والتجارة والمال والزراعة والعمل والصحة والعلوم والفلسفة والثقافة مما قد أرسى العديد من العلاقات الاجتماعية الدولية، وساعد ذلك على ظهور مصطلح “الدولية” لإضفاء نشاط واسع على العلاقات بين الدول. والدول مهما بلغ حجم سكانها، سواء كان صغيراً مبعثراً في قرى أو كبيراً يصل تعداده إلى عشرات الملايين، لن تقيم علاقات دولية إذا ما انعدم الاتصال فيما بينها. فلا يمكن أن تؤثر قيام علاقات دولية إلا بعد ظهور الاتصالات بين الدول، والعزلة طبقاً لذلك لا تسهم بتاتاً في قيام العلاقات الدولية.
ان هدف العلاقات الدولية هو السعي للحصول على معرفة عامة حول سلوك الجماعات السياسية وسلوك الأفراد والمساعدة على فهم الأحداث أو القضايا السياسية. وتشتمل العلاقات الدولية على وسائل وطرائق تحليل الافتراضات والوقائع السياسية عن طريق اجراء الاستنباط وتصنيف الأهداف القيمية واختيار البدائل وبيان نتائجها المحتملة واختيار الطريقة الأكثر ملائمة للوصول إلى الغاية المطلوبة.
وبما ان العلاقات الدولية تهتم بالملاحظة والتحليل والتنظير في دراسة وتفسير الأحداث في العلاقات بين الدول، فانّ الساسة وصُنّاع القرار ربما يصبحون في موقف يقدرون من خلاله تحديد السياسات التي يمكن أن تحقق بثقة أهدافهم الوطنية وبما يؤدي إلى حل المشكلات الدولية والمساهمة في تطوير العلاقات بين الدول وتحقيق نتائج أفضل للاستقرار والسلام.
لذا يظل تحقيق السلام الهدف الأسمى للعلاقات الدولية نظراً لما يعتقده البعض بأن الدول تسعى لكي تتصرف في علاقاتها الخارجية طبقاً لنفس المبادئ الأخلاقية التي تدفع الأفراد في التصرف، فان ذلك يجعلها تقتنع بأن لها مصلحة مشتركة وشاملة تقوم على أساس اقامة السلام بواسطة مؤسسات دولية.
إن العلاقات الدولية تساعدنا في الكشف عن أفضل السبل التي تساهم في معرفة ماذا تريد الشعوب؟ ولماذا انتظمت في مجموعات خاصة؟ ولماذا سلكت هذه الطريقة في التصرف؟ وبوسعنا تعريف العلاقات الدولية بأنها “ظاهرة من التفاعلات المتبادلة المتداخلة السياسية وغير السياسية بين مختلف وحدات المجتمع الدولي”.
اترك تعليقاً