الإجـرام ظـاهـرة اجـتـمـاعـيـة كـونـيـة
ان تكون الجريمة منبثقة من المجتمع و لازمة له ذلك ما توصل إلى إثباته الباحثين في علم الإجرام . لكن الجانب الذي يوقظ فينا حب التطلع
هو ان نعرف كيف أن الجريمة في بالفعل ظاهرة طبيعية في كل المجتمعات و بالتالي نسلم بصفتها كونية لا تقتصر على مجتمع دون آخر و لا تستلزم
زمانا و لا مكانا ؟ يمكن دراسة هذه المرحلة في نقطتين ، الأولى تهم ملازمة الجريمة للمجتمع و الثانية تتعلق باستقرارها فيه لتصبح كونية.
بالنسبة للنقطة الولى ، تساءل بعض علماء الإجرام عما إذا كانت الجريمة ظاهرة اجتماعية ملازمة للإنسان أن انها مجرد حدث عارض له أسبابه
الخاصة ، فلم يتمكن منهم حتى المتفائلون إلا أن يلاحظ أن الجريمة صاحبت بل لازمت الإنسان منذ القدم وربطت وجودها بوجوده.
و لهذا يذهب “دوركـيهـم” إلى ان الجريمة ظاهرة طبيعية سوية تشيع في كل المجتمعات على اختلاف درجة تطورها ، و يعلل ذلك بأن التنظيم
الإجتماعي و تفاعل العوامل الحية فيه يحتم وجودها ، بل هو يرى فوق هذا أن الجريمة ضرورة اجتماعية ذات فائدة كبيرة للجماعات الإنسانية لأنها تساعد
على تحقيق بعض انسجام في عمـلية التطور الإجتماعـي و خاصـة المتعلق بالأخـلاق و القانون .
و ذهب العالم الإيطالي فيري ( FERRI ) إلى القول بملازمة الجريمة للمجتمع و اعتبر الإجرام ظاهرة اجتماعية وليدة العوامل و العناصر الطبيعية التي تقوم
عليها الحياة الإجتماعية . و استقرار الجريمة في المجتمع عبلا عنه فيري ( FERRI ) بقانون التشبع الإجرامي الذي يفيد أن نسبة الإجرام ترتفع في مجتمع
معين حتى تصل إلى درجة نعلومة لا تتعداها ، و تثأتر هذه النسبة إيجابا أو سلبا عندما يطرأ تغيير على الأسباب غير المنظورة التي تؤثر في العناصر الطبيعية
الفاعلة بـدورها فـي حياة الإنسان.
وكون الجريمة تعتبر ظاهرة طبيعية بل ضرورية في المجتمع لا يعني أن المجرم شخص سوي و لا يعاني من أي نقص و إنما يجب قبول هذه الحقيقة في حدودها
الطبيعية التي تجعل من الجريمة وظيف اجتماعية اعتيادية يل و حتمية عند البعض ، لكن حينما تتجاوز معدلات الجريمة و خاصة بعض أنماطها كالقتل ……
مستوياتها المألوفة ، تصبح الجريمة ظاهرة شاذة و علامة على مرض اجتماعي يجب الإستعداد و التصدي له لمعالجته و استئصال جذوره.
اما بالنسبة للنقطة الثانية فإن استمرار الجريمة و استقرارها في كل المجتمعات على اختلاف درجة تطورها ، جعل المهتمين بعلم الإجرام يجزمون بان الجريمة ليست
ظاهرة اجتماعية فقط و إنما ظاهرة كونية تلازم المجتمع البشري بصورة دائمة و بغض النظر عن ظروف الزمان و المكان ، و كون الجريمة طبيعية في المجتمعات
يـأتي مـن ضرورة طبيعية فـي الكائـنات الـحـيـة التـي تفـيـد ان الجريمة تـتلازم مـع الحـيـاة حيـثمـا وجـدت .
و الظاهرة الإجرامية رغم كونيتها فإنها تخضع لترتيب زمني متسلسل و متلاحق تعرفه كل المجتمعات ذات تنظيم اجتماعي معين ، هذا التنظيم الإجتماعي
يسمح بملاحظة دائرة حلقية للظاهرة الإجرامية .
اترك تعليقاً