الشريعة وحماية البيئة في الحروب
نتيجة للتقدم العلمي الهائل في العصر الحديث، ونتيجة لرغبة الغرب في تطوير أسلحته لتصبح لديها قدرة أكثر على القتل والفتك الذي وصل إلى حد اختراع واستخدام القنبلة النووية لتقتل مئات الآلاف في اليابان، والتي تم تطويرها فيما بعد لتقتل الملايين في ضربة واحدة، نتيجة لذلك كله أصبحت الحروب وما يستخدم فيها من أسلحة سببًا مباشرًا في تدمير البيئة وتلويثها.
ولعلنا نتذكر جميعًا ما حدث في الكويت بعد تحريرها من الغزو العراقي حيث تم تلويث البيئة على نطاق واسع نتيجة الأدخنة الكثيفة التي استمرت لشهور والناتجة عن إحراق آبار البترول، ثم تدمير البيئة البحرية عن طريق البترول المتسرب في الخليج العربي.
ونحن نتذكر أيضًا ما حدث في العراق من ارتفاع رهيب في حالات الوفاة وتشوه الأجنة نتيجة استخدام اليورانيوم المنضب من قبل القوات الأمريكية ضد الجيش العراقي، وكذلك التزايد الكبير في الإصابة بالأورام السرطانية.
لهذا كله جاءت الشريعة الإسلامية لتحافظ على البيئة حتى في حال الحرب، فتمنع إهلاك الحرث، وتبتعد عن المدنيين، ولا يقاتل إلاّ من حمل السلاح معتديا، ولا يقطع فيها زرع، ولا تباد فيها مقدرات الشعوب، وجاءت القوانين الدولية الحديثة لتنص على ذلك، فتحظر الإبادة وتحفظ للشعوب مقدراتها، وللبيئة حمايتها، وما حدث في العراق جرائم حرب لا تقرها شريعة، ويجرمها القانون الدولي، ويعاقب عليها.
الحرب الإسلامية حرب حماية ووقاية، وحرب فضيلة وتعمير، فالشريعة الغراء لم تتخذ من الحرب وسيلة للقهر والإعنات والإبادة، وإنما أباحتها – عند الضرورة – علاجاً لمرض لم يُجْدِ معه توجيه ونصح وإرشاد، ولم تنفع معه محاولات المودة والسلام فكان لا مفر من مواجهة الباطل بقوة الحق، ليدمغ الحق الباطل، وتظل كلمة الله هي العليا.
ومادامت الحرب في الإسلام حرب حماية للإنسان وغيره من الكائنات التي سخرت له فإن البيئة في هذه الحرب يحرم أن تتعرض لكل ما يلوثها.
الشريعة تعمل على تضييق دائرة المعارك الحربية، وقصرها على الأهداف العسكرية بشكل يحول دون أن تتعرض البيئة بعناصرها المختلفة، وكذلك البيئة المشيدة وبخاصة ما يتعلق منها بوسائل الحياة كالمزارع والحيوانات والمياه والمصانع التي تنتج الغذاء والكساء والدواء وما إلى ذلك – لأسباب التخريب أو التلوث والإفساد، فهي بمنأى عن أن توجه إليها أسلحة تحدث بها ضرراً أو دماراً.
وإذا اقتضت الضرورة الدفاعية أن يلحق بالبيئة بعض الأضرار فإن ذلك يكون محدوداً ومقيداً بالضرورة فلا يترتب عليه غالباً إفساد عام أو تدمير شامل.
تؤكد الشريعة أيضًا على عدم اللجوء إلى القتل إلا إذا فرضت الضرورة ذلك، والنهي عن الإسراف في إزهاق الأرواح، ومراعاة حرمة الميت فلا مثلة ولو بالحيوان، والأمر بسرعة دفن القتلى وعدم ترك الجثث في العراء دون مواراة لها في الثرى نتيجة لكل هذا تحمي الشريعة البيئة من بعض مصادر التلوث، لأن تقليل القتلى وعدم المثلة أو التشوية ودفن من يقتل دون إبطاء يمنع من أن تصبح الجثث إذا لم تدفن مرتعاً للجراثيم، حيث تصاب بالتعفن، وتنبعث منها الروائح الكريهة التي تلوث الهواء وتفسد التربة.
وانطلاقًا من تعليمات وأوامر الشريعة جاءت وصية أبو بكر رضي الله عنه لجيش أسامة بن زيد الذي هو أول بعثة حربية في عهده وهو أسامة بن زيد: “لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ولا تقطعوا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة وسوف تمرون على قوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له”.
وذهب الإمام الأوزاعي مستدلاً بما ورد في وصية أبي بكر إلى أنه لا يحل للمسلمين أن يفعلوا شيئاً مما يرجع إلى التخريب في دار الحرب أي في بلاد الأعداء، لأن ذلك فساد، والله لا يحب الفساد، واستدل أيضاً بقول الله تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) البقرة.
وقد أدركت البشرية أخيراً أن الحرب تمثل خطراً على البيئة، وأن على المحاربين ألا يتعرضوا بأذى للمدنيين وكل وسائل الحياة، وأن يتحاشوا في حربهم التخريب والتدمير، فقد نصت اتفاقية جنيف المؤرخة في 21 أغسطس سنة 1949م في بعض موادها على حماية الأشخاص المدنيين والجرحى والمرضى من المحاربين وغيرهم، وكذلك الأطفال والنساء والمسنين، والمرافق الصحية كالمستشفيات ونحوها.
وجاء في المادة (54) من ملحق هذه الاتفاقية بشأن حماية البيئة بأنه يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وكذلك تحظر مهاجمة أو تدمير أو تعطيل الأعيان المهمة مثل المواد الغذائية والمناطق الزراعية والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وأشغال الري.
وتشير المادة (55) إلى أنه يجب أن يراعى أثناء القتال حماية البيئة الطبيعية من الأضرار البالغة وواسعة الانتشار وطويلة الأمد، وقد حظر بموجب هذه المادة استخدام أساليب أو وسائل القتال التي يقصد بها أو يتوقع منها أن تسبب أضراراً بالبيئة، ومن ثم تضر بصحة أو بقاء السكان المدنيين، كما حظر أيضاً القيام بهجمات الردع التي قد تشن ضد البيئة.
ويحظر كذلك الهجوم على الأشغال الهندسية أو المنشآت التي تحتوي على قوة خطرة كالسدود والجسور والمحطات النووية لتوليد الكهرباء.
هذا طرف مما دعت إليه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بخصوص حماية البيئة في وقت الحرب، وهو ينبئ عن إدراك بما آلت إليه الحروب الحديثة بأسلحتها التدميرية من خطر على البيئة وخطر على السكان المدنيين.
ولكن مثل هذه الاتفاقيات على جدواها من الناحية النظرية لا تلقي الاحترام أو الالتزام من الناحية العملية، ومازالت الأصوات تحذر من المخالفات التي ترتكبها الجيوش في صراعها العسكري، لأنه لا يوجد وازع نفسي يفرض الالتزام بمثل هذه الاتفاقيات، ومازالت الأطماع الإقليمية تسوق المحاربين إلى ميادين القتال غير عابئين بقيم إنسانية أو معاهدات دولية.
وهكذا، فإن الشريعة السمحة بتعاليمها الخالدة سبقت القوانين الوضعية في حماية البيئة وقت الحرب، وجعلت هذه الحماية جزءاً من عقيدة المسلم، وفريضة مكتوبة عليه، فهو بهذا يلتزم بما دعت إليه الشريعة وأمرت به التزاماً صادقاً ويطبقه تطبيقاً كاملاً، لأنه يعي أنه محاسب إن فرط أو قصر.
ويرى علماء الأخلاق المسلمون الكون (البيئة) على أنه آية من آيات الله تستوجب من الإنسان التفكر فيها، وأنه نعمة تستوجب الشكر والمحافظة عليه والاستمتاع بعنصر الجمال فيه وتنمية هذا الجمال؛ لأن كل شيء في البيئة من الضروري أن يظهر فيه بديع صنع الخالق سبحانه.
والشريعة تعتبر المحافظة على البيئة داخلة في مقاصد الشريعة الخمسة وهي حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال، فإفساد البيئة إضاعة لمقاصد الشريعة الإسلامية.
وهناك آيات وأحاديث كثيرة تحض على الغرس والزرع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم “من نصب شجرة، فصبر على حفظها والقيام عليها حتى تثمر، فإن له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله عز وجل” (رواه أحمد).
والشريعة أيضًا تهتم بالعمارة والتثمير، ويأتي في مقدمة ذلك إحياء الأرض الموات وتثمير الثروات وتنمية الموارد.
وحضت الشريعة على النظافة والتطهير، على اعتبار أن الطهارة من شروط بعض العبادات خاصة الصلاة، ولذا شاعت بين المسلمين مقولة “النظافة من الإيمان” وأوردت السنة النبوية آدابا كثيرة في النظافة والاغتسال والتطيب وحسن الهندام خاصة في المناسبات العامة كصلاة الجمعة والعيدين، وحثت على إماطة الأذى عن الطريق.
وأمرت الشريعة المسلمين بالمحافظة على الموارد، يقول تعالى: [ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها](الأعراف :56) والإفساد يكون بالإتلاف وتفويت المنافع أو التلويث والإسراف.
وأمرت الشريعة كذلك بالإحسان إلى البيئة، والإحسان كلمة تتضمن الإتقان والشفقة والإكرام، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُميل للقطة الإناء حتى تشرب ثم يتوضأ بفضلها، وكان بعض الخلفاء مثل عمر بن عبد العزيز يكتب إلى عماله ألا يُحمّلوا الإبل فوق ما لا تطيق وألا يضربوها بالحديد.
ووضع المشرع المصري قانونًا خاصًا للبيئة خصص الباب الرابع منه للعقوبات.
ففي المادة 84 ، يعاقب كل من خالف أحكام المادة 28 من هذا القانون بغرامة لا تقل عن مائتي جنيه و لا تزيد علي خمسة آلاف جنيه مع مصادرة الطيور و الحيوانات المضبوطة و كذلك الآلات التي استخدمت في المخالفة.
وفي المادة 85، يعاقب بالحبس مدة سنة و بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه و لا تزيد علي عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المواد 30 ، 31 ،33.
وفي المادة 86، يعاقب بغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد علي ثلاثمائة جنيه كل من خالف حكم المادة ( 36 ) من هذا القانون ، كما يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد علي ألف جنيه كل من خالف حكم المادة ( 39 ) من هذا القانون. وللمحكمة أن تقضي بوقف الترخيص لمدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد علي ستة أشهر ، وفي حالة العود يجوز لها الحكم بإلغاء الترخيص.
وفي المادة 87، يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة جنيه و لا تزيد علي خمسمائة جنيه مع مصادرة الأجهزة و المعدات المستخدمة كل من خالف أحكام المادة 42 من هذا القانون باستخدام مكبرات الصوت و تجاوز الصوت الحدود المسموح بها لشدة الصوت. و يعاقب بغرامة لا تقل عن مائتي جنيه و لا تزيد علي عشرين ألف جنيه كل من يخالف أحكام المواد 38 و 41 و69 و70 من هذا القانون.
وتكون العقوبة الغرامة التي لا تقل عن ألف جنيه و لا تزيد علي عشرين ألف جنيه لكل من خالف المواد 35 و 37 و40 و43 و44 و45 من هذا القانون ، وكذلك عدم التزام المدير المسئول عن المنشاة بمنع التدخين في الأماكن العامة المغلقة بالمخالفة لحكم الفقرة الولي من المادة 46 من هذا القانون 0 و يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تزيد عن خمسين جنيها كل من يدخن في وسائل النقل العام بالمخالفة لحكم الفقرة الثانية من المادة المشار إليها. وفي حالة العود تكون القوبة الحبس و الغرامة المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
وفي المادة 88، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات و غرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد علي أربعين ألف جنيه كل من خالف أحكام المواد (29) ، (32) ، (47) من هذا القانون كما يلزم كل من خالف أحكام المادة (32) بإعادة تصدير النفايات الخطرة محل الجريمة علي نفقته الخاصة.
وفي المادة، 89، يعاقب بغرامة لا تقل عن مائتي جنيه و لا تزيد علي عشرين ألف جنيه كل من خالف أحكام المواد 2و3 فقرة أخيرة و4 و5 و7 من القانون رقم 48 لسنة 1982 في شأن حماية نهر النيل و المجاري المائية من التلوث والقرارات المنفذة له. وفي حالة العود تكون العقوبة الحبس والغرامة المنصوص عليها في الفقرة السابقة. وفي جميع الأحوال يلتزم المخالف بإزالة الأعمال المخالفة أو تصحيحها في الموعد الذي تحدده وزارة الأشغال العامة و الموارد المائية فإذا لم يقم بذلك في الموعد المحدد ، يكون لوزارة الأشغال العامة و الموارد المائية اتخاذ إجراءات الإزالة أو التصحيح بالطريق الإداري علي نفقة المخالف و ذلك دون إخلال بحق الوزارة في إلغاء الترخيص.
اترك تعليقاً