عقود المخاطرة
عقود المخاطرة aleatory contracts وتسمى أيضاً بالعقود الاحتمالية وعقود الغرر، وهذه التسمية الأخيرة هي التي اختارها التقنين المدني السوري في الباب الرابع، المواد (705- 737). والعقد الاحتمالي هو العقد الذي يتوقف فيه تحديد قدر التزامات أحد المتعاقدين على خطر حدوث حادثة غير محققة، من شأنها أن تزيد أو تنقص من قدر هذه الالتزامات، مثل عقد التأمين على الحياة، لا يستطيع فيه المؤمن والمؤمن له تحديد مقدار الأقساط التي ستستحق في ذمة هذا الأخير، فقد تطول حياة المؤمن له فيزيد عدد ما يدفعه من أقساط التأمين، وقد تقصر فلا يدفع إلا قسطاً أو أقساطاً قليلة، وفي الفرض الأول يكون المؤمن هو الرابح، وفي الفرض الثاني تكون شركة التأمين هي الرابحة.
ويعد احتمال الكسب والخسارة في عقود المخاطرة هو عنصر السبب فيها، فإذا غلط أحد الطرفين فاعتقد وجود هذا الاحتمال مع أنه منعدم فإن ذلك يبطل العقد؛ لأن الغرض من هذه العقود هو تحمل نتائج المخاطرة، فإذا باع شخص داراً بإيراد مرتب مدى حياة شخص ثالث تبين وفاته قبل العقد، فالعقد باطل لانعدام سببه.
أنواع عقود المخاطرة
عقود المخاطرة على أربعة أنواع:
ـ المقامرة: هي عقد يتعهد بموجبه كل مقامر أن يدفع – إذا خسر المقامرة – للمقامر الذي كسبها مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر يتفق عليه، كأن يتفق المتبارون في إحدى الألعاب الرياضية أو غيرها كالشطرنج أن من يكسب اللعبة يأخذ من الفريق الخاسر مقداراً محدداً من المال.
ـ الرهان: هو عقد يتعهد بموجبه كل من المتراهنين أن يدفع إذا لم يصدق قوله في واقعة غير محققة للمتراهن الذي يصدق قوله فيها مبلغاً من النقود أو أي شيء آخر يتفق عليه، كأن يتراهن عدد من الأشخاص يشاهدون إحدى الألعاب على من يكون الرابح من المتبارين. والفرق واضح بين المقامرة والرهان أن المتعاقدين في المقامرة يقوم كل منهم بدور إيجابي في تحقيق الواقعة غير المحققة، بخلاف المتعاقدين في الرهان فدورهم سلبي محض.
ـ المرتب مدى الحياة: هو مبلغ من المال يعطى لشخص على أقساط، إيراداً دورياً، مدى حياته أو مدى حياة شخص ثالث.
ـ التأمين[ر]: هو عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لمصلحته مبلغاً من المال أو إيراداً مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد، وذلك مقابل قسط أو أي دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن.
حكم عقود المخاطرة وآثارها
حرم التشريع السوري المقامرة والرهان وقرر بطلان هذين العقدين بطلاناً مطلقاً لمخالفتهما النظام العام والآداب، ومظهر مخالفتهما الآداب أن المقامر والمتراهن يقوى في نفسه الإثراء لاعن طريق العمل والكد، بل عن طريق المصادفة، ومظهر مخالفتهما النظام العام أن الأموال التي يتداولها المقامرون أو المتراهنون كثيراً ما ينتج من تداولها خراب بيوت عامرة وأسر آمنة، فهما مضيعة للأموال؛ فلو أن مجتمعاً انصرف أبناؤه إلى الكسب عن طريق المقامرة والرهان لما زادت ثروة هذا المجتمع شيئاً، ولاقتصر الأمر على انتقالها من يد إلى أخرى من دون أن تزيد. لكن المشرع أباح استثناء المقامرة في الألعاب الرياضية لأنها نافعة للصحة وتقتضي حذقاً ومهارة، فأجاز لمن كسب في المباراة أن يجبر من خسر على أداء مقدار ما التزمه، على أن يكون للقاضي سلطة تخفيض هذا الالتزام إذا كان مبالغاً فيه، كما استثنى أيضاً ما رخص فيه القانون من أوراق اليانصيب. ويترتب على بطلان عقد المقامرة أو الرهان أن من خسر لا يلتزم فيهما شيئاً، وإن أدى طواعية كان له أن يسترد ما دفع بدعوى استرداد غير المستحق. وقد قرر تقنين العقوبات السوري جزاء جنائياً لألعاب القمار في المواد (618/620).
وفي الفقه الإسلامي فإنه إذا كان التزام المعروف على وجه المخاطرة والغرر كان التزاماً باطلاً ليس ملزماً للملتزم، إذ ليس فيه شيء من المعروف بل هو نوع من المقامرة، ومن أمثلة ذلك ما إذا قال أحد الخصمين: إن لم آت ببينة أو بمستند في وقت كذا فدعواي باطلة، أو دعوى خصمي حق، فمثل ذلك لا يلزمه لأنه ضرب من المخاطرة والمقامرة.
أما المرتب مدى الحياة فقد أجازه التقنين السوري سواء أكان مصدره واقعة قانونية كالعمل غير المشروع إذا حكم القاضي للمضرور من الفعل الضار غير المشروع بتعويض في صورة إيراد مرتب مدى حياة المضرور، أم كان مصدره التصرف القانوني أي العقد بين الملتزم بالمرتب والمستفيد منه، أو بين الملتزم بالمرتب وبين من اشترطه لمصلحة شخص ثالث، وهو عقد شكلي لا ينعقد إلا بالكتابة، وإذا كان على سبيل التبرع فلابد من الكتابة الرسمية. وبكل الأحوال لا يكون لمن يستحق المرتب حق فيه إلا عن الأيام التي عاشها من قرر المرتب مدى حياته، ويجوز اشتراط عدم قابلية المرتب للحجز عليه أو التحويل متى كان الإيراد قد تقرر على سبيل التبرع، فإن لم يشترط ذلك كان المرتب قابلاً للحجز عليه من قبل دائني المستفيد للمرتب، وقابلاً للتحويل، ويكون قابلاً لذلك حتى مع وجود الشرط بعدم قابليته للتحويل والحجز إذا كان قد تقرر على سبيل المعاوضة، ويكون شرط عدم قابلية المرتب للحجز أو التحويل باطلاً لمخالفته النظام العام؛ لأن المستحق للمرتب قد أخرج من ذمته مالاً كان جزءاً من الضمان العام لدائنيه مقابل المرتب، فإذا حل المرتب محله وجب أن يكون مثله قابلاً للحجز والتحويل.
ويخضع الوفاء بالمرتب للقاعدة العامة في تنفيذ العقود، فإذا لم يقم الملتزم بالمرتب بالوفاء به جاز للمستحق أن يطالب إما بالتنفيذ العيني، وإما بالفسخ مع التعويض إن كان عقد المرتب من المعاوضات المالية.
وأما التأمين فهو جائز بصفة مطلقة، متى كان محله في التأمين من الأضرار مصلحة اقتصادية مشروعة تعود على الشخص من عدم وقوع خطر معين؛ فالتأمين من المسؤولية عن الأضرار التي تصيب الغير بفعل المؤمن له العمدي هو تأمين غير مشروع وباطل لأنه يشجع على الجريمة (المادة 734 مدني سوري).
وفي التأمين على الأشخاص تكون مصلحة المؤمن له مصلحة أدبية، ومع ذلك لم يشترط التقنين المدني أن يكون للمؤمن له مصلحة في بقاء حياة المؤمن على حياته إذا كان المؤمن على حياته هو شخص آخر غير المؤمن له، وقد يغري هذا المستفيد من التأمين بأن يعجل بموت المؤمن على حياته عندئذٍ، وقد قرر المشرع تلافياً لذلك براءة ذمة شركة التأمين من التزامها متى تسبب المؤمن له أو المستفيد عمداً في وفاة ذلك الشخص، أو إذا وقعت الوفاة بناء على تحريض منه. وإضافة إلى عنصر المصلحة الاقتصادية المشروعة في التأمين من الأضرار، هناك عناصر أخرى للتأمين وهي الخطر المؤمن منه والذي يسمى عند حدوثه كارثة، وقد يكون الحادث المؤمن منه حادثاً سعيداً كأن يتقاضى مبلغ التأمين كلما رزق المؤمن له ولداً جديداً. وأيضاً قسط التأمين وهو المقابل المالي الذي يدفعه المؤمن له للمؤمن لتغطية الخطر المؤمن منه والذي يحسب عادة على أساس احتمالات حدوث هذا الخطر، وهناك أخيراً مبلغ التأمين الذي يتعهد المؤمن بدفعه للمؤمن له أو للمستفيد عند تحقق الخطر المؤمن منه كموت المؤمن على حياته، وكاحتراق المنزل المؤمن عليه، وكإصابة مال الغير أو نفسه في التأمين من المسؤولية عن الأضرار.
وفي التأمين على الأشخاص لا حدود للمبلغ الذي تتعهد شركة التأمين (المؤمن) بدفعه إلا ما حدده اتفاق الطرفين سواء أكان مساوياً للضرر الذي أصاب المؤمن له أو ورثته أم أقل أم أكثر أم لم يكن هناك ضرر أصلاً، فليس لمبلغ التأمين على الأشخاص صفة التعويض؛ ولذلك يجوز الجمع بينه وبين مبلغ التعويض الذي قد يستحقه المصاب تجاه المسؤول، أما في التأمين من الأضرار فلمبلغ التأمين صفة التعويض؛ ولذلك لا تلتزم شركة التأمين في حدود مبلغ التأمين المتفق عليه إلا بمقدار الضرر الذي لحق فعلاً بالمؤمن له، فمن أمن على منزله ضد الحريق بمئة ألف ليرة سورية لم يستحق عند حريق منزله أكثر من هذا المبلغ، ولكن إذا كانت قيمة المنزل وقت الحريق ثمانين ألفاً لم يستحق أكثر من هذا المبلغ ،كما لا يجوز الجمع بين مبلغ التأمين ومبلغ التعويض الذي قد يستحقه المؤمن له تجاه المسؤول، عن الحريق بل إن شركة التأمين تحل محله في حقه بهذا التعويض تجاه المسؤول، كل ذلك حتى لا يكون التأمين مدعاة لإتلاف الأموال أو التفريط في حفظها.
اترك تعليقاً