التظهير الشيك – بقلم عبد الفتاح سليمان
الفرق بين الشيك الذي يظهّر والذي لا يظهّر
بقلم : عبد الفتاح سليمان
حينما يصدر شخص شيكاً ويسلمه للمستفيد منه, فإن هذا المستفيد ربما يقوم بصرف الشيك نقداً من البنك المسحوب عليه أو يقوم بإيداعه في حسابه لدى بنكه, وقد يرغب المستفيد من الشيك في نقل ملكيته إلى الغير فيقوم بتظهيره إلى ذلك الغير وتسليمه له.والشيك قد يكون قابلاً للتظهير وربما لا يكون, ويخلط البعض, ومنهم ـ مع الأسف ـ بنوك ومحاكم (أجنبية) بين الشيك الذي يمكن تظهيره والشيك الذي لا يظهّر.
وأحكام الشيك في مصر ينظمها القانون رقم 17 لسنة 1999 الصادر بتاريخ 17/5/1999 بإصدار قانون التجارة, وذلك في المواد من 472 إلى 539 المعمول بها اعتباراً من أول تشرين الأول (أكتوبر) 2005 (عدا المادتين 535 و536 اللتين عمل بهما اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون).
وفي الدول العربية والأجنبية ينظم أحكام الشيك القوانين الصادرة فيها, ومن ذلك نظام (قانون) الأوراق التجارية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم 37 بتاريخ 11/10/1383هـ وقانون المواد المدنية والتجارية القطري, وقانون التجارة الأردني رقم 12 لسنة 1966, وقانون التجارة الكويتي الصادر بالمرسوم بقانون رقم 68 لسنة 1980.
تـــداول الشيــك
تداول الشيك يعني انتقاله بعد إصداره من شخص إلى شخص, وهذا التداول يتم بإحدى طرق ثلاث حسب طبيعة الشيك, ومدى قابليته للتداول, وهذه الطرق هي التظهير في الشيك لأمر, وحوالة الحق في الشيك الاسمي, والتسليم في الشيك لحامله.
تداول الشيك للأمر بالتظهير: التظهير تصرف قانوني ينتقل بموجبه الشيك والحق الذي يمثله من شخص يسمى المظهر (المستفيد الأول أو الحامل) إلى شخص آخر يسمى المظهر إليه (المستفيد الثاني) نقلاً تاماً, وقد يكون التظهير على سبيل التوكيل حينما يظهّر الشيك المستفيد منه إلى بنكـه ويودعه لديه ليقوم بتحصيل قيمته وإيداعها في حساب ذلك المستفيد لدى البنك.
ويتم التظهير عادة على ظهر الشيك, ولذا سمي تظهيراً.
ويشترط في تظهير الشيك عدة شروط موضوعية, هي أن يكون مُظهر الشيك حاملاً شرعياً له بأن يكون هو المستفيد الأول منه أو من آل إليه الشيك بسلسلة متصلة من التظهيرات, وأن يكون المظهر أهلاً للتوقيع على الشيك, بأن يكون بالغاً سن الرشد المدني, وأن يصدر التظهير من شخص ذي صفة وسلطة في التظهير بأن يكون المظهر هو المالك نفسه أو وكيله أو نائبه المفوض, وأن يكون التظهير خالياً من عيوب الرضا بألا يقع المظهر تحت تأثير الغلط أو الإكراه أو التدليس, وأن يكون التظهير خالياً من أي شرط ( وكل شرط يعلق عليه التظهير يعتبر كأن لم يكن ويبقى التظهير صحيحاً), وأن يرد التظهير على كامل مبلغ الشيك وبالتالي لا يجوز صرف الشيك المظهر تظهيراً جزئياً.
ويشترط لصحة التظهير شرط شكلي واحد هو صيغة التظهير, بأن يتضمن تظهير الشيك إعلاناً عن إرادة المظهر نقل الحق الثابت في الشيك من المظهر إلى المظهر إليه نقلاً تاماً, أي تظهير ناقل للملكية (وهذا هو الأصل), أو على سبيل التوكيل للتحصيل (من المستفيد إلى بنكه), وذلك بذكر عبارة تفيد التوكيل كعبارة ( القيمة للتحصيل) أو (القيمة للقبض), أو أي بيان آخر يفيد التوكيل كعبارة ( يودع في حسابنا رقم… ).
وبيانات التظهير عادة هي اسم المظهر إليه, وتاريخ التظهير, وتوقيع المظهر (وهذا هو التظهير الكامل), ويجوز أن يتم التظهير على بياض بتوقيع المستفيد خلف الشيك دون أي بيانات أخرى (وهو التظهير على بياض). ويرد التظهير إذا كان كاملاً على وجه الشيك أو على ظهره, أما إذا كان التظهير على بياض, فيشترط لصحته أن يتم على ظهر الشيك وليس على وجهه, حتى لا يتم الخلط بينه وبين الضمان الاحتياطي الذي يرد على وجه الشيك.
تداول الشيك الاسمي بحوالة الحق: إذا كان الشيك غير قابل للتظهير فيكون شيكاً اسمياً, أي لا يجوز تظهيره وبالتالي لا يصرف إلا للمستفيد الأول منه, ويتم تداوله (أي انتقال ملكيته من المستفيد الأول إلى الغير) بطريق حوالة الحق, أي بتنازل المستفيد كتابه عن الشيك إلى الغير.
تداول الشيك لحامله: بالتسليم من يد إلى يد, والشيك لحامله هو الشيك المحرر للحامل, أو لشخص مسمى ومنصوص فيه على عبارة ”أو لحامله” أو أي عبارة أخرى تفيد هذا المعنى, أو الشيك الذي لم يذكر فيه اسم المستفيد.
الشيـك الذي يظهّر
الشيك الذي يظهّر هو الشيك المشروط دفعه إلى شخص مسمى سواء نص فيه على شرط الأمر أو لم ينص (المادة 486/2 من قانون التجارة, والمادة 98 من نظام الأوراق التجارية السعودي), ومثال ذلك أن يرد بالشيك عبارة (ادفعوا لأمر السيد/ فلان), أو عبارة ( ادفعوا للسيد/ فلان ) دون ذكر كلمة لأمر, ففي الحالتين يجوز للمستفيد من الشيك تظهيره (أي نقل ملكية) إلى شخص آخر.
الشيـك الذي لا يظهّر
والشيك الذي لا يظهّر هو الشيك المشروط دفعه لشخص مسمى والمكتوبة فيه عبارة (ليس لأمر) أو أي عبارة أخرى بهذا المعنى (المادة 486/3 من قانون التجارة المصري), أو أي عبارة أخرى مماثلة (المادة 98 من نظام الأوراق التجارية السعودي).
ومعنى ذلك أن الشيك الذي لا يظهّر لـه حالتان:
الحالة الأولى: أن يكتب في الشيك عبارة (ادفعوا ليس لأمر…).
والحالة الثانية: وفيها أدرك القانون مدى ثقل عبارة ( ادفعوا ليس لأمر… ), خاصة أن العرف المصرفي وما عليه العمل في طباعة أوراق دفاتر الشيكات قد جرى على طباعة عبارة ( ادفعوا لأمر… ) في ورقة الشيك, ولذا نص القانون على جواز وضع عبارة أخرى تحل محل عبارة ( ادفعوا ليس لأمر… ) بالشيك بهذا المعنى ( كما تنص عليه المادة 486/3 من قانون التجارة المصري) أو أي عبارة أخرى مماثلة ( كما تنص عليه المادة 98 من نظام الأوراق التجارية السعودي). لكن ما العبارة الأخرى بهذا المعنى ( الواردة في القانون المصري), أو العبارة الأخرى المماثلة ( الواردة في نظام الأوراق التجارية السعودي).
المعروف أن المقصود بعبارة ( ادفعوا ليس لأمر ) أنه لا يجوز للمستفيد الأول من الشيك تظهيره إلى الغير, ولذا فإن وضع أي عبارة أخرى في الشيك بهذا المعنى أو مماثلة لها تعني أن الشيك لا يتم تظهيره, والذي يملك كتابة بيانات الشيك بما فيها وضع عبارة (ادفعوا لأمر), أو عبارة (ادفعوا ليس لأمر), أو أي عبارة بهذا المعنى أو مماثلة لها هو ساحب الشيك نفسه (أو حامله), حتى ولو كانت نماذج الشيكات تطبع بمعرفة البنك المسحوب عليه, فساحب الشيك له مطلق الحرية في وضع العبارة التي يراها على صدر الشيك تفيد معنى, أو مماثلة لعبارة (ادفعوا ليس لأمر) لتجعل الشيك لا يظهّر.
وجرى العرف المصرفي واستقرت أحكام القضاء على أن العبارة التي تعني عبارة (ادفعوا ليس لأمر) أو المماثلة لها, التي يترتب عليها اعتبار الشيك اسمياً لا يجوز تظهيره يمكن أن ترد في الصور التالية :
(1) شطب كلمة (لأمر) : بأن يقوم ساحب الشيك أو حامله بشطب كلمة (لأمر) الواردة في نموذج الشيك, لأن شطب كلمة لأمر يعنى إعلان عن إدارة المستفيد الأول أو حامل الشيك بأن يكون هذا الشيك غير قابل للتظهير, وفى هذه الحالة يتحول الشيك للأمر إلى شيك اسمى غير قابل للتظهير.
ولا يمكن لأحد إهدار إدارة المستفيد الأول أو حامل الشيك في هذا الصدد, وإلا كان شطبه لكلمة (لأمر) عبثا, والعبث منهي عنه شرعاً وقانوناً. وفي هذا قضت محكمة النقض المصرية بأنه: إذا كان الشيك اسمياً بأن تضمن شرط الأمر وتم شطبه, فإن تداوله يكون طبقاً للأوضاع المقررة لحوالة الحق في القانون المدني (الطعن رقم 570 لسنة 70 ق- جلسة 22/5/2001), أي أن هذا الشيك يتحول من شيك للأمر يجوز تظهيره إلى شيك اسمي لا يجوز تظهيره, وبالتالي تنتقل ملكيته بحوالة الحق.
ورغم وضوح ما تقدم, فإن بنك مصر قد خالفه وجرت تعليمات جهاز تفتيشه على أن شطب كلمة (لأمر) في الشيك لا تمنع تظهيره (تعليمات جهاز التفتيش بتاريخ 29/5/2005).
ولا يجوز للبعض القول إن حكم محكمة النقض بعاليه صادر عام 2001 قبل تطبيق قانون التجارة المصري, وبالتالي لا يسري على ما تقدم, لأن حكم محكمة النقض المذكور كان تقنيناً لما جرى عليه العرف المصرفي قبل إصدار قانون التجارة, ولا يخالف القانون الحالي, بل هو مفسر للعبارة التي تعني (ليس لأمر).
(2) وضع خاتم (يصرف للمستفيد الأول فقط), وأحياناً يضع ساحب الشيك أو حامله عبارة أو خاتم (يصرف للمستفيد الأول فقط) على صدر الشيك المتضمن كلمة (لأمر), أو يضع عبارة أو خاتم (غير قابل للتداول) أو (غير قابل للتظهير), وكلها عبارات تكشف عن إرادة ساحب الشيك أو حامله في أن يكون الشيك غير قابل للتداول.
يؤيد ما تقدم ما تنص عليه المادة 477/4 من قانون التجارة (وهو ما تنص عليه أيضا المادة 95/ج من نظام الأوراق التجارية السعودي) من أن: (الشيك المستحق الوفاء في مصر والمشتمل على شرط غير قابل للتداول لا يدفع إلا للمستفيد الذي تسلمه مقترناً بهذا الشرط), حيث يصبح هذا الشيك اسمياً, ولا يتم تظهيره, وينتقل الحق الثابت فيه بطريق حوالة الحق, وشرط غير قابل للتداول مماثل لشرط يصرف للمستفيد الأول فقط وشرط غير قابل للتظهير, وكلها تلغي كلمة (لأمر) الموجودة في الشيك.
القضاء السعودي
ورغم ما تقدم, قضت لجنة تسوية المنازعات المصرفية في المملكة (وهي محكمة مصرفية متخصصة) في حكمين لها بالمخالفة لنظام الأوراق التجارية السعودية, حيث قضت في الحكم الأول بعدم جواز الاحتجاج بأن الشيكات الحكومية لا تصرف إلا للمستفيد الأول فقط, لأن احتواء الشيك على كلمة (لأمر) تجعله قابلاً للتظهير ما لم يقيد صرفه لشخص معين بالذات (القرار رقم 98/1425 – المنشور بالمنازعات المصرفية, المبدأ رقم 512, ص 339), والحكم الثاني قضى بأن إضافة عبارة يصرفه للمستفيد الأول فقط على الشيك المحتوي على كلمة (لأمر) لا تلغى تلقائياً كلمة لأمر. مؤدى ذلك لا يسري أثر هذه العبارة إلا إذا شطبت كلمة لأمر.
لا يعتبر البنك مخالفاً في حالة قبول تظهيره (القرار رقم 153/1426, المنشور في المنازعات المصرفية, المبدأ رقم 761/ ص 413 ).ويترتب على الحكمين بعاليه القاضيين بأن وضع عبارة (يصرف للمستفيد الأول فقط) على صدر الشيك لا يحول دون تظهيره طالما وجدت كلمة (لأمر) في الشيك ولم تشطب.
وهذان الحكمان يتجاوزان نص المادتين 98 و95 من نظام الأوراق التجارية ويهدرها, حيث تنص المادة الأولى على أنه: ”… والشيك المشروط دفعه إلى شخص معين والمكتوب فيه عبارة ليس لأمر أو أي عبارة أخرى مماثلة لا يجوز تداوله إلا باتباع أحكام حوالة الحق, أي أنه شيك اسمى لا يظهّر”, وتنص المادة الثانية على أنه: ”.. والشيك المشتمل على شرط (غير قابل للتداول) لا يدفع إلا لحامله الذي تسلمه مقترناً بهذا الشرط”.
وأي عبارة أخرى مماثلة لعبارة (ليس لأمر) مثل عبارة (يصرف للمستفيد الأول فقط) أو عبارة (غير قابل للتداول) أو عبارة ( غير قابل للتظهير), تعني انصراف إدارة ساحب الشيك أو حامله إلى عدم جواز تظهيره, وهي إدارة يجب احترامها من قبل القضاء ومن قبل البنوك, لأن نص (أو أي عبارة أخرى مماثلة) الواردة في المادة 98 من نظام الأوراق التجارية السعودي لم يوضع عبثاً, وإنما وضعه النظام احتراماً لإرادة أطراف الشيك, كما أن وضع عبارة (يصرف للمستفيد الأول فقط) هو تعديل لكلمة (لأمر) الواردة في نموذج الشيك المطبوع باعتبار تلك العبارة لاحقة في وضعها لتاريخ وضع كلمة (لأمر).
والحقيقة أن الحكمين بعاليه وضعـا البنوك السعودية في مأزق باعتبارهما مخالفين النظام, ومخالفين لما جرى عليه العمل والعرف المصرفي, مما تضطر معه البنوك إلى إما إصدار نموذجين للشيكات أحدهما فيه شرط الأمر هكذا (ادفعوا لأمر… ) والآخر فيه عبارة (ادفعوا ليس لأمر… ), أو إصدار نموذجين للشيك أحدهما فيه كلمة (لأمر) والآخر فيه الكلمة نفسها لكنها مشطوبة.
ولذا, ندعو لجنة تسوية المنازعات المصرفية إلى العدول عن حكميها المشار إليهما التزاما بما ورد في النظام وما استقر عليه العرف والعمل المصرفي, ولا غضاضة في ذلك العدول, إذ هو خير من الإصرار عليه.
اترك تعليقاً