المساعدة الفنية
المساعدة الفنية technical assistance، هي المعونة والخدمة ذات الطابع الفني، التي تقدمها المنظمات الدولية المتخصصة[ر] أو المنظمات الإقليمية أو الدول المتقدمة الى البلدان والمجتمعات الفقيرة والنامية. وتكون هذه المعونات عادة من دون مقابل وتحمل طابع المساعدة بغرض التنمية والتطوير.
تقدم هذه المساعدات بطرق مختلفة، منها توفير الخبرات الفنية وإرسال خبراء لمساعدة البلدان المتخلفة والنامية في تطوير مشروعاتها وخططها التنموية وتقديم بعض التجهيزات أو وضع برامج بحوث فنية والتعاون مع خبراء البلد النامي من أجل تنفيذ أهداف محددة، كما تستهدف إجراء التدريب وتأهيل «الكوادر» الفنية لهذه البلدان.
كذلك فإن هذه المساعدات بكل أشكالها، تأتي في إطار الهدف المعلن، لتطوير البلدان التي تُقدم إليها وتنميتها وتقدمها وبهدف إنساني محض.
وعلى العموم فان فاعلية هذه المساعدات تبقى محدودة في سياق الأهداف المتوخاة، ما لم تتخذ صيغة برامج تأهيل وتطوير طويلة الأمد وتخدم خطة محدودة مرسومة بين الطرفين، أو صيغة برنامج تنفيذي لتحقيق غرض محدد وعاجل؛ كوجود حدث طارئ يقتضي مساعدات ذات طابع فني لخدمة غرض إنساني، ففي مثل هذه المساعدات يتداخل الغرض الفني مع الهدف الإنساني، ولاسيما حين تكون المساعدة عن طريق الوكالات المتخصصة الدولية.
وتتخذ الجهات التي تقدم المساعدات أساليب مختلفة؛ فإما أن تقدمها بأسلوب الاتفاق الثنائي مع البلد النامي، أو على صيغة برامج تعدها وتقدمها تكتلات اقتصادية إقليمية، أو برامج على مستوى عالمي تقوم بها الهيئات الدولية بحكم مهامها.
وفي عالم اليوم تعد مسألة التخلف التقني والفني أحد معايير الانقسام العالمي بين بلدان متطورة متقدمة تمتلك التقدم التقني ووسائله ومنتجاته، ينعكس في وفرة اقتصادية ورفاه اجتماعي، وبين بلدان متخلفة تسعى في طريق النمو وتؤلف الغالبية العظمى من مجتمعات فقيرة اقتصادياً ومنهكة اجتماعياً.
ولذلك فإن هذه المشكلة ذات طابع عالمي، لم تستطع الهيئات الدولية والأمم المتحدة والتكتلات الاقتصادية تجاهلها، ولاسيما أن البلدان النامية قد بدأت تدرك أهمية التقدم التقني والفني في تحقيق النمو الذي تطمح إليه، وفي هذا الإطار أصبحت مسألة المساعدات الفنية مطلباً من مطالب الدول النامية تجاه الدول المتقدمة في المؤتمرات الدولية والأمم المتحدة وهيئاتها ووكالاتها المتخصصة.
وفي هذا السياق أكدت مؤتمرات التجارة والتنمية الدولية UNCTAD توصيات تتعلق بضرورة حصول البلدان النامية على المساعدات الفنية من الدول المتقدمة لتطوير نفسها في مجالات اجتماعية واقتصادية وثقافية وتقنية بحتة.
غير أن البلدان الصناعية كانت تقف موقفاً سلبياً ازاء هذا المطلب لأن تقدمها التقني والعلمي هو أحد وسائل سيطرتها على الاقتصاد العالمي وهيمنتها على البلدان النامية، ولذلك فقد عارضت هذا المطلب في مؤتمر ليما للتنمية الصناعية المنعقد عام 1975م بغرض تنمية اقتصاد البلدان النامية. وسجَّلت اعتراضها على توصية تقضي بتقديم المساعدات الفنية؛ ونقل التكنولوجيا بوصفها وسيلة للتنمية؛ والحدّ من سيطرة الشركات الدولية، وأيدّت فقط تقديم هذه المساعدات من أجل تنمية صناعية مرتبطة بالزراعة.
وقد اتخذت الدورة الاستثنائية السابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً تضمن توصية تقضي بمطالبة الدول المتطورة بالعمل الجدي على مساعدة البلدان النامية في تطور البنية العلمية والتقنية، وفي دعم برامجها العلمية والفنية والتقنية، وفي الحصول على المعلومات الضرورية لرفع مستواها العلمي والتقني. كما طالبت بضرورة مساعدة البلاد النامية في مختلف مجالات التصنيع وبإعطاء هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها دوراً مهماً في قيادة عمليات التصنيع في البلدان النامية.
وتضمنت توصيات مؤتمر الحوار بين الشمال والجنوب (1975) ضرورة إقامة التعاون المثمر بين البلاد المتطورة والبلاد النامية في مجال المساعدة الفنية ونقل التقانة، ويتطلب ذلك تسهيل نقل التقانة من الدول المتطورة إلى البلاد النامية، ومساعدتها في برامجها وتشجيع مؤسساتها الخاصة والعامة لنقل التقانة وفق أنسب الشروط. كما طالبت توصيات المؤتمر بتقديم المساعدات الفنية اللازمة لمراكز الأبحاث وبرامج التنمية وتطوير المنتجات غير الغذائية، ودعم أنشطة البحوث التي تقوم بها المؤسسات الدولية والمحلية.
وأكد مؤتمر الأمم المتحدة بين البلدان النامية في بونس آيرس (1978)، أهمية التعاون الفني ونقل التقانة بالنسبة إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية على مستوى كل دولة على حدة أو على مستوى مجموعة معينة من الدول. كما أكد أن التعاون بين البلدان النامية يساعد على تطوير العلاقات فيما بينها ويسهم في الكفاح ضد احتكار الدول الصناعية للمعرفة والتقانة.
وعلى العموم، فإن واقع المساعدات الفنية بصرف النظر عن رغبات البلدان النامية ومطالباتها يفيد بأن موقف الدول الصناعية المتقدمة من مسألة المساعدات الفنية يتصف بالآتي:
1ـ أن المساعدات الفنية التي تقدمها على صورة اتفاقات ثنائية مع البلد النامي تأتي بغرض محدد وفي مجال معين يخدمان أغراضها سواء منها الاقتصادية أم الاجتماعية أم السياسية.
2ـ أن المساعدات الفنية المقصورة على تقديم معلومات أو وسائل تقنية باتت متخلفة عن الحد المتطور الذي وصلته بحيث تحافظ على المسافة التي تشكل الهوة مع البلدان النامية في مجال التطور التقني.
3ـ قد تكون المساعدات الفنية التي تقدمها في مجال البحوث فرصة لاجتذاب الخبرات والعلماء من البلدان النامية لأنها منطقة جذب لهؤلاء، في حين أن البلدان النامية في معظمها منطقة طرد لهم لأسباب مختلفة تتعلق بظروف عدة.
تقدَّم المساعدات الفنية من البلدان الصناعية ولاسيما الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة[ر] واليابان[ر] إما عن طريق الحكومات أو عن طريق وكالات وهيئات متخصصة في هذه البلدان، كما في هيئات الاتحاد الأوربي أو وكالة التنمية الدولية الأمريكية واليابانية أو منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الدولية التي أنشئت في عام 1961، وضمت 24 دولة صناعية بقيادة الولايات المتحدة، وحددت ضمن أهدافها سياسة مساعدة البلاد النامية ومنها المساعدات الفنية.
على الجانب الآخر، فإن الأمم المتحدة[ر] تعدُّ مركزاً لمواجهة التحديات التي تعانيها البشرية جمعاء، ويتعاون في هذا الجهد ما يقرب من 30 منظمة، تؤدي برامجها الهادفة من أجل أغراض التنمية البشرية تحت سلطة الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي في 174 بلداً وإقليماً لتيسير التعاون الفني والقضاء على الفقر. وقد حدد عقد التنمية الرابع من عام 1991- 2000 أربعة مجالات ذات أولوية وهي: الفقر والجوع وتنمية الموارد البشرية والتنمية المؤسسية للسكان والبيئة. وعُقدت لهذه الغاية سلسلة من المؤتمرات العالمية تخص: مجالات التعليم (1990)، البيئة والتنمية (1992)، حقوق الإنسان (1993)، السكان والتنمية والحد من الكوارث (1994)، التنمية الاجتماعية (1995)، النهوض بالمرأة (1995)، الأمن الغذائي (1996).
هناك برامج عديدة تابعة للأمم المتحدة تعمل مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية[ر] non- governmental organizations على تحقيق التنمية عن طريق تقديم مساعدات فنية ذات طابع إنساني منها:
1ًـ برنامج الغذاء العالمي: وهو أكبر مؤسسة دولية في العالم لتقديم المساعدات الغذائية والمساعدات الفنية في حالات الطوارئ، كما في حالة زلزال جنوب شرقي آسيا (تسونامي).
2ًـ برنامج صندوق الأمم المتحدة للسكان: وهو أكبر جهة دولية لتقديم المساعدات الفنية في مجال السكان.
3ًـ برنامج الأمم المتحدة في مجال البيئة: وهو يعمل على تشجيع الممارسات البيئية السليمة وتقديم المساعدات الفنية والخبرات اللازمة لهذه الغاية.
4ًـ برنامج مكافحة الإيدز: ويجمع خبرات ست وكالات دولية لمكافحة الإيدز في جميع أنحاء العالم ويشمل 45 دولة.
5ًـ برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة UNDP: وهو بمنزلة هيئة تنسق تخطيط برامج المساعدة الفنية التي تقترحها الوكالات المتخصصة، وتهدف إلى تقديم المساعدات الفنية إلى البلدان النامية في مجال الاستخدام الأكمل للثروات الطبيعية والمصادر البشرية، ويعمل البرنامج مع أكثر من 150حكومة، ويعمل تحت رعايته أكثر من 16700 فني ومستشار، ويضم أكثر من 650 مركزاً للدراسات والمعاهد العلمية.
6ًـ مبادرة الأمم المتحدة الخاصة من أجل إفريقيا: وهو مشروع مدته 10 سنوات وتكلفته 25 مليار دولار عن طريق إشراك جميع الوكالات المتخصصة ويسعى إلى كفالة التعليم الأساسي والخدمات الصحية والأمن الغذائي، وتوفير المساعدات الفنية والبرامج الإنمائية بهذا الصدد.
فضلاً عن البرامج، تتولى الوكالات الدولية المتخصصة مهمات المساعدات الفنية سواء جاءت في صورة تقديم خبرات وخبراء أم في إطار تمويل برامج للتنمية تشمل المساعدات الفنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وهذه الوكالات هي:
ـ اليونسكو UNESCO (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة)[ر]: ويشمل نشاطها مكافحة الأمية وتخطيط التعليم وبناء مراكز لإعداد «كوادر» هندسية وفنية في البلدان النامية والقيام بتدابير لتطوير التعاون الدولي واستخدام الاتصالات الفضائية لأغراض التعليم، ويتمثل هذا النشاط بمؤتمرات وجلسات وندوات وإصدار نشرات دورية أو غير دورية بعدة لغات.
ـ اليونيدو (منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية)[ر]: وهدفها المساعدة على التنمية الصناعية وتعجيل التنمية وتمويل بعض المشروعات في البلدان النامية وتقديم المساعدة الفنية في هذا المجال.
ـ الوكالة الدولية للطاقة الذرية[ر] IAEA: وتقع مهامها في نطاق تبادل الأنباء العلمية ونشرها، وتقديم المساعدة الفنية إلى البلدان النامية وتقديم الخبرات الفنية والقيام بأعمال البحث والدراسات الفنية والنووية لأغراض سلمية.
ـ منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)[ر] FAO: مهمتها المساعدة على تحسين الغذاء ورفع مستوى البشر وزيادة إنتاجية الزراعة وصيد السمك والغابات وتقديم المساعدات الفنية في مجال البحوث العلمية والتقنية الزراعية.
ـ المنظمة الدولية للطيران المدني[ر] ICAO: يهتم بمسائل التعاون بين الدول في مجال الطيران الآمن، وتقديم المساعدات الفنية إلى البلدان النامية في مجال بناء طيران مدني خاص بها.
ـ اتحاد البريد العالمي[ر] UPU: يقدم المساعدات الفنية للبلدان النامية في مجال تنظيم الخدمات البريدية وتحسينها ومتابعة تطوراتها التقنية.
ـ منظمة الصحة العالمية[ر] WHO: تتولى تقديم المساعدات الفنية في إطار برامج صحية تستهدف التحصين والتثقيف الصحي في البلدان النامية بغرض رفع المستوى الصحي.
وهناك إلى جانب ذلك عدة منظمات فنية متخصصة أخرى في إطار الأمم المتحدة، منها المنظمة البحرية الدولية IMO، والاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية[ر] ITU، والأرصاد الجوية وجميعها تعمل على تقديم المساعدات الفنية في مجال أغراضها واختصاصاتها إلى البلدان النامية على شكل خبرات وبحوث ومعلومات وتنسيق ونظم فنية.
وقد قدمت وكالات الأمم المتحدة إلى سورية ـ بوصفها بلداً نامياً ـ بعض المساعدات الفنية في مجال اختصاصاتها جاءت على صورة برامج أو خبرات أو بحوث. فمنظمة الأغذية والزراعة (FAO) قدمت منذ عام 1964 المساعدات الفنية والمادية بغرض تمويل برنامج إعادة التشجير وإدارة أراضي الرعي وأنشطة استصلاح الأراضي.
كما قدمت منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع وزارة الصحة برنامجاً يشمل خمسة مجالات وهي: سياسة وإدارة الصحة ـ تطوير النظم والخدمات ـ تشجيع وحماية الصحة ـ المكافحة المتكاملة للأمراض ـ التوثيق الصحي والبحوث.
وقام الصندوق الدولي للتنمية الزراعية بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي[ر] والحكومة السورية بتمويل المساعدات الفنية وتقديمها لتنفيذ مشروع تنمية زراعية في المنطقة الجنوبية (درعا- السويداء). وتؤدي الوكالات الدولية دوراً نشطاً في سورية من خلال المكاتب القطرية الممثلة فيها، كمنظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة اليونسيف وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية، وذلك بتقديم المساعدات الفنية للتنمية في مجالاتها سواء عن طريق خبرائها أم بحوثها العلمية. وقد استهدفت برامج المساعدات الفنية دعم مشروعات إنمائية في مجالات الزراعة والصناعة والصحة ونقل التقانة.
ويظهر التعاون العربي في مجال المساعدات الفنية، وضع العلاقات العربية بين الحكومات من جهة، ووضع الجامعة العربية بوصفها منظمة إقليمية راعية للتنسيق والتعاون بين الدول العربية وتفعيل نشاطاتها من جهة أخرى، ويتجلى التعاون العربي عن طريق المنظمات العربية المتخصصة التي تعمل جنباً إلى جنب مع جامعة الدول العربية[ر] والدول الأعضاء.
اترك تعليقاً