الابتزاز الإلكتروني: كيف يدفع المراهقين نحو الانتحار؟
دون سابق إنذار استيقظت إيمان أحمد، اسم مستعار، 22 عاماً، على يومها الأبشع؛ حينما أرسلت إليها صديقة عبر الفيسبوك تحذيراً بأن صوراً فاضحة لها منتشرة عبر أحد المواقع، مرسلة رابط هذا الموقع، لتفتحه الفتاة المفزوعة وتسجل بياناتها دون وعي أو تخوين وتبدأ أسوأ كوابيسها.
تم تهكير هاتف إيمان كما حساب صديقتها، بكل ما يحتوي عليه من صور «خاصة» وبيانات وأرقام هواتف ومحادثات شخصية، لتبدأ مرحلة «الابتزاز والتهديد».
حالات واقعية مريرة
طالب المبتز إيمان بقضاء «ليلة حمراء» بعدما شاهد صورها المختزنة على الهاتف، وأرسل الصور لحساب شقيقتها، كما «فبرك» محادثة تسيء للفتاة وظل يضغط على الشقيقتين بكل طاقته للرضوخ لتهديده والاستجابة لمطلبه.
وتقول إيمان لـ«إضاءات»:
تعرضت للضرب والسباب من أختي التي صدقت المحادثات المفتعلة من قبل هذا الشخص في البداية، كان ذكيًا للغاية ويعلم أننا بحالة نفسية تعجزنا عن التفكير، لكني أصررت أني ضحية ولست مجرمة، ولن أخضع له.
وتضيف: «قدمت عدة بلاغات لإدارة الفيسبوك، وبالفعل تم غلق الحساب بعد 20 ساعة من احتراق الأعصاب والاتهام من الأهل والخوف من استغلال حسابي للإيقاع ببقية صديقاتي، أو فضح صورهم الخاصة التي كانوا يرسلونها لي».
«أخطأت بالتأخر في الذهاب لمباحث الإنترنت، لكنهم حاولوا قدر الإمكان مساعدتي وتمكنوا من تحديد منطقة الجاني، لكن غلق الحساب لم يمكنهم من ضبطه، وحتى الآن تترك هذه الحادثة أثرها عليّ، لم أعد مجنونة بالتقاط الصور ولا أحتفظ بصور خاصة، ولا أفتح أي رابط أو أقبل صداقة غريبة»، تقول إيمان.
أما عبد الرحمن فريد، طالب جامعي، فيوضح الفارق بين تعرض الشاب والفتاة لحادثة ابتزاز؛ حيث تعرض صديقه المقرب لاختراق حسابه، وقام أحد الأشخاص بسرقة صور خاصة له ولزوجته، مع تهديده بإنشاء صفحة إباحية ونشر الصور بها.
ويروي عبد الرحمن لـ«إضاءات»:
أبدى صديقي استكانةً ورعباً من نشر الصور، ووافق على الفور على دفع المبلغ الذي طلبه المبتز،واتفقا على المقابلة في مكان عام، شرط أن يذهب صديقي بمفرده وهو ما حدث بالفعل.
ويستطرد قائلاً: «جلس صديقي رفقة هذا المجرم، وتحدثا طويلاً، وأظهر له عدم امتعاض، وطلب منه الذهاب معاً إلى سيارته لأخذ المبلغ بعيداً عن الأنظار، ليحضره صديقي لمكان بعيد اجتمع به أفراد (الشلة) للقصاص منه».
لكن القصة الأكثر بشاعة ترويها عزة علي، اسم مستعار، 38 سنة، ربة منزل، حيث تعرضت طفلتها (11 عاماً) لابتزاز عبر فيسبوك من حساب يحمل اسم صديقة لها، وعندما هرعت الطفلة لتخبر أمها، ارتدت ملابسها فوراً وتوجهت إلى مباحث الإنترنت، وهي مستمرة في الحديث مع المعتدي عوضاً عن الطفلة.
وتوضح عزة لـ«إضاءات»:
كنت أعلم أنه إذا أغلق حسابه، لن يتم القبض عليه، لذا سايرته في الحديث حتى وصلت وسلمت المسئولين الهاتف وكل بيانات حساب ابنتي، وتمكنوا بالفعل من تحديد مكانه والقبض عليه.
«تبين أنه شاب – 31 عاماً – يعمل بقطاع البترول، ويسكن في فيلا فخمة، لكنه مريض نفسي ونتيجة لتعرضه لاعتداء جنسي في الصغر أصبحت متعته الوحيدة (هتك أعراض الأطفال) بين 8 و13 عامًا»، تضيف عزة.
وتستطرد: «المرعب أن أجهزة الأمن اكتشفت أن هذا الشخص يمتلك أكثر من 30 جهازاً بين هاتف ذكي وحاسب آلي ولاب توب، وقام بابتزاز أكثر من 60 طفلة ومراهقة، وكان يستغل سذاجتهن وغياب مراقبة الأهل، ويجبرهن على فض بكارتهن وإرسال فيديو مصور لذلك».
«للأسف تم الحكم عليه بالحبس المشدد 3 سنوات في اتهامه بالتحرش الإلكتروني بطفلتي فقط، ذلك لأن أياً من أسر الضحايا الأخريات لم يقدم على اتهامه أو تقديم بلاغ ضده»، تختم عزة.
ما هو الابتزاز الإلكتروني؟
ربما تكون هذه عينة يسيرة من حالات أكثر بشاعة وخطورة من «الابتزاز الإلكتروني- Cyber Extortion».
والابتزاز هو المساومة والتهديد، أما الابتزاز الإلكتروني فيعني لغوياً «عملية مساومة تتم عبر وسيلة إلكترونية أو عبر الإنترنت»، بينما يُعرِّفه القانون الأمريكي بأنه:
أحد أشكال الجرائم الإلكترونية التي تحدث عندما يطالب شخص أو جهة ما من شخص أو مؤسسة أخرى مقابلاً مادياً أو خدمياً – مثل الجنس – عن طريق تهديده بإلحاق الضرر به أو بسمعته أو بممتلكاته.
ويعد الابتزاز الإلكتروني الشكل الأكثر تطرفاً لـ«التنمر الإلكتروني – Cyberbullying» أو «التحرش الإلكتروني – Electronic Harassment»، حيث ينطوي على تهديد نفسي ومادي يحول حياة الضحية لجحيم، ويُعد الأطفال والمراهقون الفئة الأكثر استهدافاً وتضرراً في هذه الجرائم.
وتنتشر جرائم الابتزاز بكثرة حول العالم نتيجة الفراغ الاجتماعي، والتفكك الأسري، وضعف الرقابة الأسرية على الأبناء، والفقر، وضعف الوازع الديني، والعقد النفسية، والاضطرابات لدى البعض، وشعور البعض بالاستفزاز مما ينشره الآخرون من أمور إيجابية، مع سهولة إخفاء هوية أي معتد عبر الإنترنت، وصعوبة ملاحقته قانونياً أو توقيفه، وخوف الضحايا من الفضيحة وتفضيلهم الصمت والانصياع للمجرم.
وبحسب تقارير الأمم المتحدة؛ فإن 7 من بين كل 10 مراهقين تعرضوا لحوادث تنمر في مرحلة ما من حياتهم، ويُقدم 1 من كل 3 أشخاص من ضحايا التنمر الإلكتروني على إيذاء أنفسهم، بينما يُقدم 1 من كل 10 من بين هؤلاء على الانتحار بالفعل.
أما بالوطن العربي، فترتفع معدلات جرائم الابتزاز الإلكتروني في دول الخليج بشكل خاص، فيتم تسجيل 30 ألف جريمة ابتزاز إلكتروني بدول الخليج سنوياً، 80% من ضحاياها نساء، وأغلبهن يتم استهدافهن بمحتوى جنسي. بينما لا يمكن تقديم إحصاء دقيق عن المعدلات الحقيقية للجرائم، لتفضيل الغالبية من الضحايا للصمت تجنباً للفضيحة.
كيف يهدد حياتنا؟
تتعدد أنواع الابتزاز الإلكتروني؛ وينقسم إلى:
1. ابتزاز مادي: بطلب مبالغ مالية من الضحية مقابل عدم فضحه وإفشاء أسراره.
2. ابتزاز جنسي: بإجبار الضحية على تقديم خدمات جنسية أو ارتكاب أفعال جنسية.
3. ابتزاز منفعة: بإرغام الضحية على القيام بخدمات أخرى غير مشروعة أو مشروعة مقابل عدم بث صور أو بيانات خاصة، وخاصة الأشخاص ذوي المناصب الحساسة وصانعي القرار.
لكن يبقى الانتقام الإباحي أبشع صوره المتعارف عليها عالمياً، ويعني مشاركة المحتوى الإباحي الذي يتضمن شخصاً ما دون موافقته في محاولة للتشهير به وإحراجه علناً ولدى أصدقائه وأفراد أسرته المقربين.
وقد لا يقتصر الابتزاز الإلكتروني على تهديد الأشخاص، بل أصبحت هناك كيانات منظمة للقرصنة وابتزاز الشركات والمؤسسات بكبرى دول العالم، ففي عام 2015 تعرضت 40 شركة أمريكية لسرقة بياناتها والتهديد بنشر هذه البيانات مالم تدفع ملايين الدولارات بالمقابل، وتوالت الجرائم المشابهة منذاك.
وقد لا يكون هناك علاقة سابقة بين الشخص المبتز والضحية وقد يكون أحد المقربين؛ كاستغلال زوج أو خطيب سابق لصور حميمة مع شريكته في خلاف ما، وقد يكون التهديد حقيقي، بحصول الجاني على بيانات وصور شديدة الخصوصية للضحية، أو يكون هذا الشخص قد «فبرك» صوراً مسيئة أو بيانات غير حقيقية، ويهدد ضحيته فقط بتشويه صورته حتى اكتشاف الحقيقة.
ويؤدي الابتزاز الإلكتروني إلى العديد من الأضرار الجسيمة على حياة الأفراد؛ من بينها الميل إلى العزلة، وعدم الرغبة في التعامل مع الآخرين، وتقويض الثقة بالنفس، وعدم الشعور بالأمان، والإصابة بالاضطرابات النفسية، كالقلق والتوتر والخوف، وجنون الشك والاضطهاد.
كما قد يتحول بعض الضحايا للسلوك الانحرافي وعدم المبالاة بالقيم المجتمعية والأخلاقية انتقاماً من أنفسهم والمجتمع ككل. لكن النتيجة الأخطر هي اتجاه الضحية لأذى النفس من خلال محاولة الانتحار، نتيجة للضغط الشديد والخوف من الفضيحة والتهديد الذي تقع الضحية فريسة له، خاصة وأن أغلب الضحايا من المراهقين كما سبق وأشرنا.
وبحسب دراسة أجريت عام 2007، وصدرت عن المركز الوطني لمعلومات التقنية الحيوية ncbi؛ وذلك على 1963 من طلاب المدارس المتوسطة، فقد وجدت أن أولئك الذين مروا بتجارب تتعلق بالتنمر عبر الإنترنت – سواء كانوا ضحايا أو جناة – كانوا أكثر عرضة للتفكير الانتحاري.
وتؤكد دراسة أخرى حديثة، أن هناك صلة وثيقة بين التعرض للعدوان عبر الإنترنت والميل للتفكير الانتحاري فيما يعرف بـ«cyberbullicide»، وهو انتحار يرجع بشكل مباشر أو غير مباشر بالتعرض لتنمر إلكتروني. وبينت نتائجها أن كل أشكال العدوان عبر الإنترنت تزيد فرص الانتحار لدى الضحايا بنسبة 1.9 مقابل 1.5 لدى مرتكبي هذا العدوان، وكان نشر أخبار كاذبة أكثر هذه الاعتداءات انتشاراً وتأثيراً على المراهقين. لذا يصر الخبراء على أن تضاعف معدلات انتحار المراهقين خلال السنوات القليلة الماضية يقف خلفه عمليات الابتزاز الإلكتروني بدرجة كبيرة.
وقد لجأت سلطنة عمان خلال السنوات الثلاث الأخيرة لبث عدة مقاطع توعوية ضد هذه الجريمة، تستهدف الفتيات والمراهقين والأطفال بصفة خاصة، وتُسدي النصح بما ينبغي فعله في تلك الحالات كالآتي:
1. الابتزاز الإلكتروني:
2. فيلم الابتزاز:
3. فيلم لحظة .. فيلم الابتزاز الإلكتروني للأخصائيين الإجتماعيين:
في النهاية، يبدو العالم بحاجة لمزيد من القوانين الرادعة التي تُجرم الابتزاز الإلكتروني، جنباً إلى جنب مع زيادة توعية النشء بمخاطر الأجهزة الذكية قبيل استخدامها، مع عدم إغفال دور الأسرة في مراقبة الأبناء ودعمهم وإشعارهم بالثقة والأمان في حال تعرضوا لمثل هذه الحالات من التهديد، وإلا فقدنا عدداً أكبر من المراهقين والشباب.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً