بقلم حميد ولد البلاد
مستشار بمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط
مـقـدمـة:
لا جدال في أن الحماية القضائية للحقوق في المجال الإداري لا تكتمل بمجرد إقرار اختصاص جهة القضاء الإداري بالبت في المنازعة الإدارية (الموضوعية) وتنظيم ذلك الاختصاص ومسطرة التقاضي، بل يتوقف على توفير الحماية المستعجلة للحق؛ إذ أن كثيرا من الحقوق تتطلب مساطر سريعة، فعالة وإن كانت لا تفضي سوى إلى حماية مؤقتة؛ تلكم إذن هي الدوافع التي أدت إلى تبني اختصاص القضاء الاستعجالي في المنازعات الإدارية.
وتعتبر المنازعات الضريبية أهم مجال يستدعي تفعيل اختصاص القضاء المستعجل نظرا لمساسها بالأشخاص في أموالهم بل وفي حرياتهم (الأشخاص الطبيعيين) في بعض الحالات، لذلك تكاثر اللجوء إلى القضاء المستعجل الإداري بخصوص كل إجراء وقتي لتفادي الآثار الناتجة عن استخلاص الضرائب وذلك في ضوء شروط عمل الاجتهاد القضائي على بلورتها وتقعيدها.
ويمكن تعريف القضاء المستعجل الضريبي بأنه ذلك القضاء الذي يختص بالبت في الطلبات الوقتية بمناسبة المنازعات التي يكون محط النقاش فيها الجوانب المتعلقة بأساس ووعاء الضريبة على مستوى تأسيس الضريبة وربطها؛ وذلك وفق المسطرة الاستعجالية العامة التي أرساها المشرع من خلال المادتين 19 و7 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية والفصل 149 وما يليه من قانون المسطرة المدنية والمادة 6 من القانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية.
يلقي موضوع القضاء المستعجل الضريبي على عاتق القاضي الاستعجالي عبئا يتعلق بإقامة التوازن ما بين حماية الموارد الضريبية للدولة وحقها في الاستفادة منها في إبانها في إطار توقعات الميزانية، وبين حق الأشخاص في الحماية المستعجلة لأموالهم وحرياتهم وبين مبدأ شرعية الضريبة.
فكيف يقيم القاضي المستعجل الإداري هذا التوازن؟ وماهي الآليات والتقنيات التي يعتمدها؟
سنحاول الإجابة عن هذا السؤال من خلال نموذج طلبات إيقاف استخلاص الضرائب وفقا لمبحثين:
الشروط الشكلية الخاصة بطلبات إيقاف التنفيذ في المادة الضريبية.
الشروط الموضوعية الخاصةبطلبات إيقاف التنفيذ في المادة الضريبية.
المبحث الأول:
الشروط الشكلية الخاصة بطلبات التنفيذ في المادة الضريبية.
نشير على هذا المستوى أنه سيتم التطرق فقط للشروط الشكلية الخاصة التي تنفرد بها طلبات إيقاف التنفيذ في المادة الضريبية مقارنة بباقي الشروط الشكلية العامة التي ينبغي توافرها أيضا في هذه الطلبات (شرط كتابة المقال والاستعانة بالمحامي، صفة ومصلحة وأهلية الطالب، تعزيز الطلب بالوثائق، شرط وجود نزاع في الموضوع…).
ويخص بالذكر شرطين أساسيين هما: تمثيل المدعي عليه (مديرية الضرائب) وشرط الضمانة.
المطلب الأول – تمثيل مديرية الضرائب (المدعى عليه):
فكما هو معلوم لابد لكل دعوى – وإن كانت مستعجلة – من طرفين؛ أحدهما مدعي يطلب اقتضاء حقه وحمايته، والآخر مدعا عليه.
والطلبات المستعجلة في المادة الضريبية ينبغي أن توجه أساسا ضد مديرية الضرائب في شخص مدير الضرائب، وذلك في ضوء التعديل[1] الذي شمل الفصل 515 من قانون المسطرة المدنية الذي أضاف الفقرة الخامسة إلى ذلك الفصل بحيث أصبح ينص على مايلي:
“ترفع الدعوى ضد:
(…………)
5- مديرية الضرائب، في شخص مدير الضرائب فيما يخص النزاعات المتعلقة بالقضايا الجبائية التي تدخل ضمن اختصاصها.”
وهو نفس المقتضى الذي تم التأكيد عليه بموجب المادة 35 من كتاب المساطر الجبائية[2] وتم إعادة التنصيص عليه بموجب المادة 244 من المدونة العامة للضرائب[3] التي ورد فيها:
“بصرف النظر عن جميع المقتضيات المخالفة:
تمثل المديرية العامة للضرائب بكيفية صحيحة أمام القضاء، مطالبة كانت أو مطلوبا ضدها، بالمدير العام للضرائب أو الشخص الذي يعينه لهذا الغرض والذي يمكنه، إن اقتضى الحال، توكيل محام؛ (…)”
وانطلاقا من هذه المقتضيات، فإن جميع الدعاوى التي تستدعي تطبيق القانون الجبائي (قواعد الأساس والوعاء) ينبغي أن توجه ضد مديرية الضرائب؛ بما في ذلك الطلبات المستعجلة في المادة الضريبية؛ وهي بذلك تختلف عن الطلبات المستعجلة في مجال التحصيل التي ينبغي أن توجه ضد الخزينة العامة للمملكة في شخص الخازن العام حسب مقتضيات الفقرة 2 من الفصل 515 من قانون المسطرة المدنية،
مع التنبيه إلى أن جانبا مهما من التحصيل أصبح من اختصاص قابض إدارة الضرائب بمقتضى كتاب الوعاء والتحصيل المحدث بموجب قانون المالية رقم 05.35 للسنة المالية 2006 المشار إليه سابقا (خاصة بالنسبة للضريبة على الشركات والضريبة العامة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة ورسوم التسجيل…) ما يقتضي توجيه الطلبات المقدمة بشأنها ضد مديرية الضرائب وليس ضد الخزينة العامة، ورغم أنها منازعات التحصيل كما ورد في الأمر عدد 1076/04 الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بفاس.
( أورده محمد قصري، المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة أمام القضاء المغربي، دار أبي رقراق للطابعة والنشر، الطبعة الثانية 2009، ص197).
وفي هذا السياق، فغالبا ما يبادر قضاة المستعجلات إلى إنذار الطالب بإصلاح المسطرة بتوجيه طلبه ضد مديرية الضرائب في حالة طلبات إيقاف الأوامر الاستعجالية بعدم قبولها في حالة عدم الاستجابة لذلك الإنذار انطلاقا من مخالفة المقالات للمقتضيات القانونية المشار إليها آنفا.
(أي الفقرة 5 من الفصل 515 من قانون المسطرة المدنية، والمادة 35 من كتاب المساطر الجبائية والمادة 244 من المدونة العامة للضرائب)، كما أنه في إطار نفس القواعد لا تقبل الاستئنافات المرفوعة من طرف المديرين الجهويين للضرائب ضد الأوامر الاستعجالية الصادرة في مواجهة مديرية الضرائب لعدم إدلائهم بالتفويض المنصوص عليه في المادة 35 من كتاب المساطر الجبائية و244 من المدونة العامة للضرائب.
المطلب الثاني – شرط الضمانة في طلب إيقاف التنفيذ في المادة الضريبية:
لقد بنى العمل القضائي اجتهادات متراكمة في مجال إيقاف إجراءات تحصيل الديون العمومية سواء في ظل مقتضيات ظهير 21 غشت 1935(المادة 15) أو في ظل مقتضيات القانون 15/97 المتعلق بمدونة تحصيل الديون العمومية (المادة 117 وما يليها).
وإذا كانت التطبيقات الأولى لهذه المدونة قد عرفت عدم استقرار العمل القضائي على نهج موحد في تعامله مع مسألة الضمانة، غير أنه ما فتئت الرؤيا تتضح؛ إذ انتقل من مرحلة اللزوم المطلق للضمانة إلى مرحلة التمييز بين حالات الجدية التي تعفى منها، وحالات انعدام الجدية التي توجب توفير الضمانة.
وهكذا نقرأ في القرارات الأولى التأسيسية للقضاء المستعجل الضريبي في هذا المجال انه: “في حالة المنازعة في صفة الملزم أو في مشروعية فرض الضريبة فلا يتطلب الأمر إيداع الضمانة”[4].
وبعده، توالت الاجتهادات القضائية مكرسة الإعفاء من تقديم الضمانة كلما ثبتت جدية المنازعة في صفة الملزم أو في مشروعية الضريبة (مسطرة الفرض أو التصحيح)؛ وقد كرست محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط هذا التوجه بعدة قرارات، من بين ما جاء في إحداها:
“وحيث إن الضمانة التي يفرضها القانون للحصول على إيقاف إجراءات المتابعة المذكورة لا تكون بإلزامية في حالة المنازعة في مشروعية الضريبة بصورة جدية كما في نازلة الحال – بعد أن تبين أن المستأنف عليه ينازع في مسطرة التصحيح – فلا يتطلب من الملزم إيداع الضمانة المذكورة”[5]، وأعادت نفس المحكمة التأكيد على ذلك بموجب قرارات أخرى[6].
غير أنه عكس هذا التوجه العام، أدخل تعديل على المادة 242 من المدونة العامة للضرائب بموجب قانون المالية لسنة 2009 بإضافة الفقرة 5 التي أصبحت تنص على أنه: “بالرغم من جميع الأحكام المخالفة، لا يمكن إيقاف تنفيذ تحصيل الضرائب والرسوم المستحقة إثر مراقبة ضريبية إلا بعد وضع الضمانات الكافية كما هو منصوص عليها في المادة 118 من القانون 15/97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية السالف الذكر”.
وعلى إثر هذا التعديل وقع اختلاف في الاتجاهات القضائية حول ما إذا كانت الفقرة المذكورة قد وضعت مبدأ عاما بإلزام تقديم الضمانة في حالة المراقبة الضريبية دون مناقشة مشروعيتها.
والواقع أن العمل القضائي فيما يخص هذه المسألة افرز اتجاهين:
الاتجاه الأول: حافظ هذا الاتجاه على نفس الخط القضائي السابق؛ وذلك بالتأكيد على أن مسألة الضمانة لا تخاطب من كانت منازعته في مشروعية الضريبة جدية سواء على مستوى مبدأ الفرض أو مسطرته أو مسطرة التصحيح، ومعلوم أن التصحيح ينتج عن المراقبة الضريبية؛ وفي هذا السياق ورد في أمر قضائي[7]:
»وحيث تواتر الاجتهاد القضائي على الاستجابة لطلبات الإيقاف كلما ثبتت جدية المنازعة في صفة الملزم أو في البطلان الظاهر لمسطرة الفرض أو التصحيح أو في إجراءات التحصيل أو في تقادمه، ومتى توفر عنصر الاستعجال بمفهوم الضرر الذي يصعب تداركه لاحقا.
وحيث في النازلة، يؤخذ من ظاهر وثائق الملف جدية المنازعة في مسطرة تصحيح الضريبة سواء ما تعلق منها بالتبليغ في العنوان الجبائي أو الأشخاص المؤهلين للتوصل أو ما تعلق بمواصلة مسطرة التصحيح بالرسالة الثانية التي لم تستظهر الإدارة بما يفيد تبليغها للمدعي، كما أن الاستعجال قائم بالنظر إلى أن مواصلة تحصيل الضريبة وما قد يؤول إليه من حجز أو إكراه بدني من شأنها أن تخلق أوضاعا يصعب تداركها لاحقا.
وحيث لا مجال لمخاطبة الطالب بتقديم الضمانات كما هو منصوص عليها في المادة 242 من المدونة العامة طالما لم يثبت من ظاهر وثائق الملف أن المراقبة الجبائية كانت مشروعة”.
وقد كانت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط سباقة إلى تبني هذا الاتجاه؛؛ إذ ورد في قرار لها[8]:”وحيث يؤخذ من ظاهر الوثائق خاصة قرار اللجنة المحلية المؤرخ في 8/05/2007 ملف رقم 7/2007 وكذلك أمام عدم وجود محضر قانوني مضمن به تاريخ الشروع في الفحص جدية طلب المستأنف, مما يبقى المستأنف مستجمعا لشروط إيقاف التحصيل ويكون بالتالي في حل من تقديم الضمانة”.
وأعادت التأكيد على هذا الاتجاه بموجب قرار آخر[9] ورد فيه:
“ومن جهة أخرى، حيث يتبين من خلال الإطلاع على ظاهر وثائق الملف ومستنداته ان المدعية (المستأنف عليها) تقدمت بدعوى في الموضوع، وإنها تنازع بجدية في إعفائها بقوة القانون من الضريبة على القيمة المضافة المفروضة عليها وعن حرمانها من آثار الاستفادة من المساهمة الإبرائية، فضلا عن منازعتها في التقادم الضريبي الذي طال الضرائب المشار إليها، مما طبع منازعتها بطابع الجدية،
وهو ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية عن صواب، مما تكون معه المدعية (المستأنف عليها) اعتبارا لجدية منازعتها غير مخاطبة بمقتضيات المادة 118 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي تحيل إليها المادة 242 من المدونة العامة للضرائب التي يلزم الاعتداد بها في ظل احترام المقتضيات القانونية المرتبطة بالمراقبة الجبائية”.
كما أنها أعادت التأكيد على هذا التفسير بموجب عدة قرارات منها:
القرار عدد72الصادر بتاريخ 28/2/2011 في الملف عدد 35_11_2
والقرار عدد 17 الصادر بتاريخ 9/1/2011 في الملف عدد 248_11_2
والقرار عدد 174 الصادر بتاريخ 23/7/2012 في الملف عدد 102_12_2
فهذا الاتجاه إذن لا يلزم بتقديم الضمانة إلا إذا كانت المراقبة الضريبية مشروعة، وبمفهوم المخالفة إذا تبين ظاهريا أن المراقبة الضريبية لم تكن مشروعة فالطالب غير مخاطب بتقديم الضمانة.
فهل يعتبر ذلك تطبيقا مخالفا لمقتضيات المادة 242؟ وما هو موقف الاتجاه الثاني؟.
الاتجاه الثاني: لقد تبنى هذا الاتجاه تطبيقا حرفيا لنص تلك المادة، بحيث كلما دفعت مديرية الضرائب بأن الضرائب ناتجة عن مراقبة ضريبية إلا وألزم الطالب بتكوين الضمانة تحت طائلة عدم القبول.
ومن ذلك ما ورد في القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط :
عدد 138 بتاريخ 20/6/2011 في الملف عدد 58_11_2
عدد 80 بتاريخ 12/3/2012 في الملف عدد 32_12_2
عدد 97 بتاريخ 2/4/2012 في الملف عدد 37_12_2
عدد 135 بتاريخ 14/5/2012 في الملف عدد 82/2012/2
عدد 238 بتاريخ 8/10/2012 في الملف عدد198_12_2
إن التدقيق في هذين الاتجاهين معا يستدعي إبداء الملاحظات التالية:
أ- إن نص الفقرة 5 من المادة 242 لا يتوجه بأي حال بخطابه إلى القاضي أو المحكمة، وليس هناك ما يمكن أن يفهم منه أنه يتوجه إليهما، سيما وأن القضاء سبق أن فسر مقتضيات المادة 117 من مدونة تحصيل الديون العمومية بأنها لا تتوجه بالخطاب إلى القاضي وإنما إلى المحاسب المكلف بالتحصيل، وبالتالي ينبغي الحفاظ على نفس التفسير القضائي السابق، ما دام أنه إذا كانت إرادة المشرع تنصرف بتوجيه المنع إلى المحكمة لنص عليها صراحة كما هو الشأن بالنسبة للفصل 25 من قانون المسطرة المدنية.
ب- حتى إذا ما اعتبر أن الفقرة المذكورة جاءت عامة وبالتالي تشمل المحكمة أيضا، فلا يجب أخذها على إطلاقها؛ ذلك أن المراقبة الضريبية المقصودة فيها هي تلك التي تكون مشروعة بالنظر إلى المقتضيات التي تنظمها وهكذا ينبغي اعتماد هذا التفسير انطلاقا من أن المراقبة الضريبية المشروعة ظاهريا هي مناط تطبيق تلك الفقرة؛ وهنا لابد من استحضار مسألة هامة وهي مبدأ شرعية الضريبة باعتبارها تكليفا عاما (الفصل 17 من دستور 1996 الصادرة في نطاقه تلك المادة)،
وهذه الشرعية بالإضافة إلى ضرورة استنادها إلى نص تشريعي؛ فهي تأخذ صورتين:
شرعية شكلية: تقتضي أنه لا يمكن استخلاص الضريبة إلا إذا كانت مفروضة وفقا للإجراءات الشكلية التي حددها القانون إذ تعتبر تلك الإجراءات ضمانة للملزم في المجال الضريبي، وفي نفس الوقت هي التي تمكن من الوقوف على مدى احترام الإدارة الضريبية للقانون أثناء عملية فرض الضريبة أو تصحيحها في ضوء المبدأ العام لدولة القانون ومتطلبات الحكامة الضريبية، خاصة وأن النصوص الضريبية تركز كثيرا على الجوانب الشكلية وتوليها أهمية قصوى، كما أن الدوريات التفسيرية التي توجهها الإدارة إلى المفتشين تحثهم على مراعاة الجوانب الشكلية سواء تعلق الأمر بالآجال أو بطرق التبليغ وإنجاز المحاضر.
شرعية موضوعية: تنطوي على قواعد معيارية بخصوص قيمة الضريبة واقعيا، حفاظا على مبدأ مساواة الجميع أمام القانون وأمام التكاليف العامة.
ج- تصبح إدارة الضرائب ملزمة بإثبات أمرين أساسيين أثناء تمسكها بتطبيق الفقرة 5 من المادة 242؛ فمن جهة عليها أن تثبت أن الضريبة المطلوب إيقاف تنفيذها صادرة في إطار مراقبة ضريبية، وأن تلك المراقبة مشروعة شكلا وموضوعا؛ وذلك بتقديم الوثائق التي اعتمدتها أثناء مسطرة المراقبة والعناصر التي أسست عليها تقديراتها، وفي حالة تخلفها عن ذلك فلا مجال للتمسك بمسألة الضمانة.
د- إن المتتبع للتعديلات المتلاحقة للتشريع الضريبي يقف مندهشا أمام الكثير من المقتضيات الجديدة التي تأتي معاكسة تماما للاجتهاد القضائي؛ فعلى المستوى الفقرة التي نحن بصدد مناقشتها؛ معلوم أن الاجتهاد القضائي تواتر بشكل لا رجعة فيه على عدم إلزام تكوين الضمانة في حالة المنازعة الجدية في مسطرة فرض الضريبة أو تصحيحها، ولذلك فإن إضافة فقرة تقرن الإيقاف على إثر المراقبة الضريبية بضرورة تكوين الضمانات يؤدي إلى الانتقاص من قيمة ذلك الاجتهاد، لذلك فالقضاء مدعو إلى تفسير تلك الفقرة بالشكل الذي يجعلها منسجمة مع الاجتهادات السابقة من خلال الربط بين تطبيقها ومشروعية المراقبة الضريبية.
ويمكن إدارج حالة مقتضيات المادة 48 من الميثاق الجماعي والتفسير القضائي لها على سبيل القياس الذي يستلهم منه روح قصد المشرع خاصة بالنسبة للإجراءات الشكلية التي تضيق من اللجوء إلى القضاء في ضوء الالتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق الإنسان (الحق في التقاضي).
هـ- إذا كانت الغايات التي وجهت المشرع نحو إضافة هذه الفقرة هي الحرص على ضمان أداء الضرائب لاحقا، فإنه ينبغي الانطلاق من إحصائيات مدققة للمقارنة بين إيقاف التنفيذ الممنوح بدون ضمانة في إطار القضاء المستعجل ومآلات قضايا الموضوع للتأكد مما إذا كانت نتائجها مغايرة لما توقعه قاضي المستعجلات.
و- يجب التذكير أنه في حالة المراقبة الضريبية فإن الضريبة الأصلية يكون قد سبق أداؤها من طرف الملزم، وأن الإدارة تبادر إلى مراجعتها وفرض واجبات تكميلية، والمبدأ أن الأصل هو الأولى بالحماية وليس الواجبات التكميلية مادامت هذه الأخيرة تبنى – مع افتراض سلامة المسطرة – على تقديرات يجريها مفتش الضرائب، ألم يكن إذن أولى بالمشرع أن يحمي أداء الضريبة المفروضة تلقائيا إثر تخلف الملزم عن أدائها في إبانها؟
بدلا من حماية ضرائب تكميلية مفروضة إثر مراقبة مؤسسة على تقديرات وتخمينات مفتش الضرائب ليجعل الملزم مواجها بتكوين ضمانات لا طاقة له بها أمام التقديرات المبالغ فيها أحيانا.
ز- إن المتتبع للقضاء المستعجل الضريبي يلمس أن هذا الأخير حافظ على التوازن ما بين الشرعية الضريبة (الشكلية والموضوعية) وبين ضرورة استخلاص الموارد المالية التي تتطلبها خزينة الدولة عندما تبنى الاتجاه القائل بعدم إلزام تكوين الضمانات في حالة المنازعة الجدية.
المبحث الثاني:
الشروط الموضوعية الخاصة بإيقاف التنفيذ في المادة الضريبية
(مفهوم جدية المنازعة)
إضافة إلى شرط الاستعجال باعتبار مفهومه ينطوي على الخطر المحدق أو الضرر الذي يصعب تداركه لاحقا والذي قد ينتج عن تنفيذ الضريبة، هناك شرط آخر يتعلق بالمنازعة الجدية في الضريبة.
إذ تؤكد أغلب القرارات القضائية أن شرط جدية المنازعة يكون قائما في المادة الضريبية متى كانت هناك منازعة جدية في مبدأ فرض الضريبة أو في صفة الملزم بها أو في شرعية الضريبة (مسطرة الفرض أو التصحيح).
إذ ورد في قرار للمجلس الأعلى:” أن جدية المنازعة تتجلى إما في منازعة الملزم في وضعيته كخاضع للضريبة أو في قانونية تأسيس وفرض تلك الضريبة، وإنه بالرجوع إلى ظاهر أوراق الملف يتبين أن المستأنفة تستكثر تقديرات الإدارة الجبائية المطالب بها ولا تنازع بصورة جدية في صفتها كملزمة بالضريبة أو في مسطرة فرضها، فكان ما أثير بدون أساس[10]”.
وبذلك فإن حالات جدية المنازعة في الوعاء تتمثل في:
أولا – المنازعة في صفة الملزم:
كأن تفرض الضريبة على الشركات على موظف عمومي
أو تفرض ضريبة على المداخيل الفلاحية المعفاة
أو على جمعية الأعمال الاجتماعية بخصوص نشاط معفى.
ثانيا – المنازعة في مسطرة فرض الضريبة:
كالمنازعة في مسطرة الفرض التلقائي من خلال الطعن في الرسالة الأولى أو الثانية وما تثيرانه من إشكالات حول التبليغ.
ثالثا – المنازعة في مسطرة المراقبة:
وتشمل المنازعة في:
مسطرة الفحص (آجاله – أجل القدوم و تحرير محضر الشروع في الفحص وإنهائه).
مسطرة التصحيح (الآجال والتبليغات).
فمتى تبين لقاضي المستعجلات ومعه محكمة الاستئناف الإدارية وجود منازعات جدية بالمفهوم المذكور، فإن مسألة إيقاف تنفيذ الضريبة تصبح محسومة، غير أنه لا يعني ذلك أنه يتم الحسم بصفة نهائية في مشروعية فرض أو تصحيح الضريبة بقدر ما يتم إعمال آليات القضاء المستعجل من خلال التفحص الظاهر للوثائق واستنتاج الجدية من مواقف الإدارة بشأن الادعاء.
وهكذا قد تقوم الجدية عندما يتعلق الأمر بإلغاء الضريبة بموجب حكم نهائي (قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 179 وتاريخ 12/9/2011 في الملف عدد 12_11_2)، بل حتى مع وجود مجرد حكم ابتدائي يلغي الضريبة كليا أو جزئيا باعتباره بداية حجة على قيام الجدية، حسبما أكدته نفس المحكمة في قرارها عدد 69 وتاريخ 21/2/2011 في الملف عدد 16-11-2، وقرارها عدد 61 وتاريخ 27/2/2012 في الملف عدد 24-12-2، وقرارها عدد 62 وتاريخ 27/2/2012 في الملف عدد 25-12-2، وقرارها عدد 63 وتاريخ 27/2/2012 في الملف عدد 26-12-2، وقرارها عدد 120 وتاريخ 30/4/2012 في الملف عدد 21-12-2 ، إلى غيرها من القرارات التي نحت ذلك المنحى.
وكخلاصة عامة، يبدو أن القضاء المستعجل في المادة الضريبية بدأ يأخذ معالمه باستقلال عن باقي المنازعات الأخرى سيما في مجال التحصيل، قوامه وضع التوازن المطلوب بين حماية موارد الدولة وضمان مشروعية فرض الضريبة من خلال حماية تلك المفروضة ظاهريا وفقا للإجراءات المقررة وتعليق إيقاف تنفيذها على توفير الضمانات الضرورية وبين حقوق الملزمين في حماية مستعجلة أمام الامتيازات التي تتوفر عليها الإدارة.
[1]- القانون رقم 01-48 الصادر الأمر بتنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم 1.02.12 بتاريخ 15 من ذي القعدة 1422 (29 يناير 2002) جريدة رسمية عدد 4977 بتاريخ 11/2/2002، ص 249.
[2]- المادة 7 من قانون المالية رقم 05.35 للسنة المالية 2006.
[3]- المادة 5 من قانون المالية رقم 06.43 للسنة المالية 2007 جريدة رسمية عدد 5487 مكرر الصادرة بتاريخ 01 يناير 2007، ص3.
[4]- قرار المجلس الأعلى عدد 83 الصادر بتاريخ 28 يناير 1999 في الملف عدد 712/98.
[5]- محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، قرار عدد 3 صادر بتاريخ 13 نونبر 2006 ملف عدد 14/06/02 المضمون إليه ملف عدد 3/06/02.
[6]- أنظر القرارات : عدد 19 بتاريخ 18/12/2006 ملف عدد 13/06/2.
عدد 24 بتاريخ 25/12/2006 ملف عدد 22/06/2.
عدد 20 بتاريخ 19/12/2006 ملف عدد 34/06/2.
عدد 54 بتاريخ 12/12/2006 ملف عدد 85/06/2.
عدد 512 بتاريخ 05/12/2006 ملف عدد 62/07/2.
عدد 36 بتاريخ 07/12/2006 ملف عدد 175/07/2.
[7]- أمر عدد 124 صادر عن قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 3 مارس 2010 في الملف عدد 42/1/2010.
[8]- قرار عدد 1031 بتاريخ 18/5/2009 ملف عدد 70/09/02
[9]- قرار عدد 266 بتاريخ 15/02/2010 في الملف عدد 261/09/02.
[10]- قرار عدد10 وتاريخ 13/1/2002 في الملف عدد 1528_4_1_2001
اترك تعليقاً