من أبلغ الاخطار او المضار التي تصيب الفرد في خصوصية معلوماته بوصفها من اهم اوجه الخصوصيه المقصوده من معنى هذا الحق عند اتصاله بالحاسب الالي ، هو ان المعلومات التي تجمع عن فرد من الافراد لغرض معين ومحدد ابتداءا تستخدم لدى تخزينها في الحاسب الالي استخدامات عديده تتجاوز الهدف الذي جمعت من اجله في الاساس(1) ، فالانحراف في مجال المعالجه الالكترونيه هو الخروج عن الغرض او الغايه الاساسيه التي من اجلها تم الفعل ، الى غرض او غايه غير مقررة قانوناً(2) ويتمثل ذلك الغرض او الغايه بالاساءه الى السمعه او بالمراقبه او بتوحيد ومحو الشخصية او بالاستغلال التجاري(3) ، او من اجل الضغط والابتزاز السياسي ونحوهما(4) ، لذلك فان جمع هذه الاستخدامات غير المتوقعه من أية جهه كانت يؤدي الى ايذاء الفرد وتقليل فرص تمتعه بحقوقه على وجهها الاكمل بل وتصبح قيدا على حريته فيما يريد القيام به من الامور ، ومما لاجدال فيه ان نوع المعلومات التي يعطيها الانسان عن نفسه وحجمها تختلف من جهه الى اخرى وذلك وفقا للهدف الذي دفع هذا الفرد الى اعطاء تلك المعلومات (5).
وبناءاً على ما تقدم ، فقد عمل المشرع اكثر من أي وقت مضى ، للتدخل من اجل تنظيم هذا الموضوع ، بما يصون حقوق الافراد وحرياتهم في مواجهة هذه التهديدات ، سواء اكان مصدرها الاجهزه الحكوميه وهو الاغلب ، ام المؤسسات والشركات الخاصه . ومما لاشك فيه ان هذه الحمايه التشريعيه انما تراعي مصلحة قررها الدستور من جهة ، ومن جهة اخرى تمكن السلطه الاداريه من الهيمنه والاشراف على الانشطه التي تمس حقوق الافراد وحرياتهم بصرف النظر عن الجهه التي تقوم بهذا النشاط(6) . وتجدر الأشاره الى أسبقية القانون الفرنسي في هذا الخصوص ، اذ جعل المشرع الفرنسي عقوبه لكل شخص حائز لبيانات شخصيه بقصد تسجيلها او تصنيفها او نقلها او معالجتها تحت أي شكل وانحراف عن الغايه او الغرض المحدد(7) . وبهذا يكون المشرع الفرنسي قد عرف مرتكب الجريمه وموضوعها على النحو السابق . ومن جانب أخر لم يكتف المشرع الفرنسي بذلك ، بل اراد في قانون العقوبات الفرنسي ان يمنع أي استخدام غير مشروع من حائز البيانات الاسميه وذلك باستخدامها في غير الغرض المخصص له بنص القانون او اللائحه المنظمه بالموافقه على المعالجه او بقرار اللجنه القوميه للمعلوماتيه والحريات بالتصريح بمعالجة البيانات لاغراض الابحاث الطبيه او بالاخطار المسبق لاجراء المعالجه (8) .
وعليه تقوم هذه الجريمه على الاركان الاتية :
أ – الركن المادي :
يتمثل بسلوك صادر عن الجاني وهو فعل الانحراف عن الغرض او الغايه من المعالجه الالكترونيه للبيانات الشخصيه ، ويستوي لدى القانون ان يكون الشخص حائزاً لهذه البيانات بغرض تصنيفها او نقلها او تسجيلها او معالجتها تحت أي شكل (9)، كما يقتضي ليعد هذا الركن متحققاً ضرورة تحديد الغايه او الغرض من المعالجه الالكترونيه للبيانات في الطلب المتقدم الى اللجنه القوميه (10) ، اذ هو المناط في تحديد الانحراف او الخروج عن الغايه او الغرض الذي من اجله تمت المعالجه الالكترونيه للبيانات الشخصيه ، والهدف من ذلك أي تحديد الغايه من المعالجه الالكترونيه ، هو تحقيق الرقابه لتجنب اساءة استخدام البيانات على النحو المتقدم ، ولكن مما يدعو للقلق في هذا الشان هو ان في اثناء مرحله الرقابه قد تستغل اجهزة الحاسوب ، وخصوصاً امكانياتها الخزنية التي تستخدمها الاجهزة الأمنية ومنظمات ومؤسسات الخدمات المعلوماتيه للتعرف على كل تحركات الافراد وحياتهم ومعظم خصوصياتهم مما يجعل الفرد اسيرا للمعلومات التي جمعت عـنه وخزنت في هذه الاّله(11) .
ب – الركن المعنوي :
ويتخذ صورة القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والارادة ، أي يجب ان يعلم الجاني بان فعله من شأنه ان يشكل انحرافاً عن الغرض او الغاية من المعالجة للبيانات الشخصية ، ومع ذلك تتجه ارادته الى تحقيق ذلك (12) فاذا استغل شخص بيانات خاصة لاخر في الكشف عن مركزه المالي او حالته الصحية او في الاستدلال عليه او في الكشف عن مصادر ثروته او تهربه من الضرائب او الكشف عن أية بيانات خاصة من هذا القبيل ، فانه يعد مرتكبا لهذه الجريمة (13) .
ج- عقوبة الجريمة :
لقد شدد المشرع الفرنسي عقوبة هذه الجريمة سواء في قانون المعالجة الالكترونية والحريات ام في قانون العقوبات الجديد لما تمثله هذه الجريمة من اعتداء جسيم على خصوصية البيانات الشخصية ، اذ جعل عقوبة هذه الجريمة في قانون المعالجة الالكترونية والحريات هي الحبس من سنة الى خمس سنوات والغرامة من ( عشرين ألفاً الى مائتي ألف فرنك )(14) . بيد أنه جعل العقوبة اشد في قانون العقوبات الفرنسي الجديد ، اذ جعل العقوبة الحبس مدة خمس سنوات والغرامة مائتي الف فرنك (15) بمعنى انه لم يضع حدا ادنى او اقصى للعقوبة ، او انه لم يترك للقاضي سلطة تقديرية للحكم بعقوبة اخف من ذلك .
________________
1- ينظر : د. محمد عبد المحسن المقاطع ، حماية الحياة الخاصة للأفراد وضماناتها في مواجهة
الحاسوب الآلي ، ذات السلاسل للطباعة والنشر ، الكويت ، 1992م ، ص96 .
2- ينظر : احمد كيلان عبد الله صكر ، الجرائم الناشئة عن اساءة استخدام الحاسوب ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون في جامعة بغداد ، 2002م ، ص112 .
3- ينظر : رافع خضر صالح، الحق في الحياة الخاصة وضماناته في مواجهة استخدام الكمبيوتر،
رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون/جامعة بغداد، 1993م ، ص92 وما بعدها.
4- ينظر : د. محمد عبد المحسن المقاطع ، حماية الحياة الخاصة للأفراد وضماناتها في مواجهة
الحاسوب الآلي ، ذات السلاسل للطباعة والنشر ، الكويت ، 1992م ، ص103 .
5- ينظر : د. نعيم مغبغب، مخاطر المعلوماتية والانترنت، بدون مكان طبع، 1998م ، ص249
6- ينظر : المصدر السابق ص97 وما بعدها . مقترحا لمنع هذا التداول للمعلومات واستخدامها لغير الغرض
الذي جمعت من اجله ، ضرورة النظر الى اجهزة الدولة بل ومعاملتها بوصفها اجهزة مستقلة عن بعضها
بعضاً في خصوص المعلومات التي تجمعها لاداء المهام والواجبات المناطة بها وظيفياً ، بما يمتنع معه
قيام أي جهاز منها باعطاء مثل هذه المعلومات لاجهزة حكومية اخرى ، لان كل جهاز يهدف الى تحقيق
اغراض معينة من المعلومات التي قام بتجميعها . في حين يرى د. مبدر الويس ان احد المبادئ التي
تهيمن على المعلومات الشخصية المخزنة في نظم الحاسبات الالكترونية هو مبدا الشرعية الذي يوجب
استخدام المعلومات الشخصية المعدة بواسطة الحاسب الالكتروني في الاغراض المشروعة فقط .
ينظر : مؤلفه ، اثر التطور التكنولوجي على الحريات العامة ، منشاة المعارف ،
الإسكندرية، 1983م ، ص131 .
7- ينظر : المادة (44) من قانون المعالجة الالكترونية والحريات الفرنسي ،وبمخالفة احكام المواد
(15،16،17) من القانون نفسه او اية احكام تشريعية اخرى .
8- ينظر : المادة (226/21) من قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1994م .
9- ينظر : المادة (44) من قانون المعالجة الالكترونية والحريات الفرنسي ، والمادة (266/21) من قانون
العقوبات الفرنسي الجديد ، والمادة (32) من قانون لوكسمبورغ والخاص بتنظيم استخدام المعلومات
الشخصية سنة 1979م .
10- ينظر : المادة (20) من قانون المعالجة الالكترونية والحريات الفرنسي .
11-Elliot L-Richardson and Casper W.Weinberger ، “ Records، Computers ، and The Rights of Citizens” Report of seceretary`s adicory committee on automated
personal data systems. U. s. department of health education and welfare ،
Cambridge، 1973، p(225) .
نقلاً عن رافع خضر صالح ، الحق في الحياة الخاصة وضماناته في مواجهة استخدام الكمبيوتر ، مصدر
سابق ، ص93 ، هامش رقم (2) . وينظر كذلك : احمد كيلان عبد الله صكر ، مصدر سابق ، ص112،
هامش رقم (2) .
12- ينظر : احمد كيلان عبد الله صكر ، المصدر السابق ، ص114 . وينظر كذلك : رامي سليمان شقير ، جرائم الاعتداء على معطيات الحاسوب ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون في جامعة الموصل ، 1997م ، ص110 .
13- ينظر : د. اسامة عبد الله قايد ، الحماية الجنائية للحياة الخاصة وبنوك المعلومات ، دراسة مقارنة ، ط(3) دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1994م ، ص99 .
14- ينظر : المادة (44) من القانون الفرنسي المذكورة انفاً .
15- ينظر : المادة ( 226/21) من قانون العقوبات الفرنسي .
المؤلف : علي احمد عبد الزعبي
الكتاب أو المصدر : حق الخصوصية
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً