فقد اعترف القانون المصري بأهمية دور الخطورة الإجرامية في هذا المجال وهذا ما يتضح لنا من خلال النصوص التي اوردها المشرع المصري والمتضمنة بعض الأنظمة العقابية التي يقوم أساسها بالكامل على الخطورة الإجرامية . فقد تطرقت المادة (17) من قانون العقوبات المصري المتضمنة تفريد العقاب في النوع والمقدار حسب درجة الخطورة الإجرامية ، حيث أجازت تبديل العقوبة المقررة للجنايات الشديدة بعقوبة خفيفة ، وذلك في الاحوال التي تستدعي رأفة القاضي فيها . في حين بينت المادة (18) في الفقرة الثانية منها أسلوب تنفيذ الجزاء اعتماداً على تقدير مدى الخطورة الإجرامية بنصها ((كل محكوم عليه بالحبس البسيط لمدة لاتتجاوز الثلاثة شهور أن يطلب بدلاً من تنفيذ عقوبة الحبس عليه تشغيله خارج السجن طبقاً لما تقرر من قيود بقانون تحقيق الجنايات إلا اذا نص الحكم على حرمانه من هذا الخيار)) .
كما أشارت المادة (49) من قانون العقوبات الى العود وما يمثله من مصدر من مصادر تشديد العقوبة وذلك كونه يمثل قرينة على خطورة المجرم العائد مما يتطلب مع وجودها تشديد العقوبة . في حين أجازت المادة (55) منه للقاضي الحكم بوقف تنفيذ العقوبة لمن توحي ظروفه بعدم خطورته ، كما لو أن المحكمة قد رأت من أخلاق المحكوم عليه وماضيه وسنه أو ظروف ارتكاب الجريمة ما يبعث على الاعتقاد انه لن يعود الى مخالفة القانون ، ومن القوانين الأخرى التي اقرت بالدور الذي تضطلع به الخطورة الإجرامية في تحديد الجزاء الجنائي تخفيفاً أو تشديداً ، قانون العقوبات الليبي الصـادر في العام 1959 ، والذي … يعتبر من افضل القوانين معالجة لموضوع الخطورة الإجرامية ، وهذا يتضح لنا من خلال استقراء بعض النصوص التي وردت فيه ، في ما يتعلق بموضوع العود فقد أفرد القانون الليبي المادتين (96 – 97) واللتين يتضح من خلالهما أن العود هو احد أسباب تشديد العقوبة ، حيث نصت المادة (97) على ((تزداد العقوبة بمقدار لا يتجاوز الثلث في احوال العود المنصوص عليها في المادة السابقة . وإذا تكرر العود المتماثل وجبت زيادة العقوبة بمقدار لا يقل عن الربع ولا يزيد على النصف ، ومع هذا لا يجوز أن تزيد مدة السجن عن عشرين سنه))(1) .
ويتضح من خلال هذا النص مدى الترابط الطردي بين فكرة الخطورة الإجرامية والجزاء الجنائي الذي يتم تشديده مع العود الذي يعتبر أحد القرائن الاساسية الدالة على خطورة المجرم العائد . ويمكن ملاحظة ارتباط فكرة الخطورة الإجرامية مع الجزاء الجنائي في ظل قانون العقوبات الليبي من خلال الوقوف على ما أشارت اليه المادة (141) منه والتي أشارت الى جواز الغاء التدابير الوقائية ، عن الشخص المتخذ في حقه مثل هذه التدابير إذا تم التحقق من زوال خطورة هذا الشخص فنصت على (… ومع ذلك إذا زالت خطورة الشخص المتخذة في شأنه تدابير وقائية جاز الامر بالغائها مثل انقضاء الحد الادنى للمدة التي يفرضها القانون أو قبل انقضاء المدة الاضافية التي امر بها القاضي ، وذلك حتى في الحالة التي يفترض فيها خطورة الشخص) . ومن قبيل هذه القوانين أيضاً ، قانون العقوبات السوري الذي أشار الى (المجرم المعتاد) ، وهو شخص تكون نسبة الخطورة الإجرامية عادة عالية في شخصيته حيث أشار اليه في المواد من (252 – 257) واوضح أن المجرم المعتاد (هو الذي ينم عمله الاجرامي على استعداد نفسي دائم فطرياً كان أو مكتسباً لارتكاب الجنايات والجنح) وتأكيداً على مبدأ أن الجزاء الجنائي يتشدد كلما ازدادت نسبة الخطورة الإجرامية في الشخص ، فقد جاءت نصوص المواد (253 – 254) من قانون العقوبات السوري للتأكيد على هذا المبدأ أيضاً ، فقد نصت المادة (253) منه على (من حكم عليه بعقوبة غير الغرامة بجناية أو جنحة مقصودة وحكم عليه قبـل انقضـاء خمـس سنوات على انتهاء مدة عقوبته أو سقوطها بالتقادم بعقوبة مانعه للحرية لمدة سنه على الاقل في جناية أو جنحه مقصودة أخرى يحكم عليه بالعزله اذا ثبت اعتياده للاجرام وانه خطر على السلامة العامة) .
وهو المبدأ الذي سارت عليه ايضاً المادة (254/1) التي أشارت الى أن (كل مجرم معتاد محكوم عليه بعقوبة غير الغرامة عملاً بالمادتين 248 – 249 يعتبر حكماً انه خطر على السلامة العامة ويقضى عليه بالغرامة اذا حكم عليه بعقوبة مانعة للحرية من اجل تكرار قانوني آخر) . كما تبدو العلاقة واضحة بين الخطورة الإجرامية والجزاء الجنائي في طيات قانون العقوبات السوري من خلال الأسباب (الظروف) المخففه والمشددة التي يستعين بها القاضي لأجل ملاءمة العقوبة المناسبة للمجرم . ولا يخفى أن نظام الظروف قد وجد لمواجهة خطورة الشخص الإجرامية ، وذلك بتخفيف العقوبة اذا ما وجد القاضي من ظروف المجرم وطريقة ارتكابه الجريمة والسلاح المستعمل في الجريمة والباعث على ارتكابها ، وجد من كل ذلك أن العقوبة يجب أن تخفف وطأتها استناداً الى ضآلة حجم الخطورة الإجرامية ، وهو ما يسمى بـ (التفريد العقابي) فنصت المادة (243) من قانون العقوبات السوري على (… اذا وجدت في قضية أسباب مخففة ، قضت المحكمة بدلاً من الإعدام بالاشغال الشاقة المؤبدة ، أو بالاشغال الشاقة المؤقتة من اثنتي عشرة سنة وبدلاً من الاشغال الشاقة المؤبدة بالاشغال الشاقة المؤقتة لأقل من عشر سنين ، وبدلاً من الاعتقال المؤبد بالاعتقال المؤقت لأقل من عشر سنين ولها أن تخفض الى النصف كل عقوبة جنائية أخـرى …) .
وفي الاتجاه نفسه فقد آقر المشرع السوري نظام الاعذار المعفية والتي اطلق عليها اسم (الاعذار المحلة) وتمثل المادة (242) المثل الواضح الذي يدلل على أن مثل هذا النظام انما هو تطبيق لمبدأ أن الجزاء يتناسب مع الخطورة كماً ونوعاً فنصت هذه المادة على (يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجنى عليه) . وبالاتجاه نفسه نجد أن قانون العقوبات اللبناني قد أكد هو الآخر على أهمية الخطورة الإجرامية في تحديد الجزاء الجنائي ، فقد عرف هذا القانون المجرم المعتاد في المادة (262) بقوله (المجرم المعتاد هو الذي ينم عمله الاجرامي على استعداد نفسي دائم فطرياً كان أو مكتسباً لارتكاب الجنايات أو الجنح) . فالمجرم المعتاد هو اذاً وفقاً للمفهوم السابق مجرم ذو خطورة إجرامية عالية ، لذلك فأن المعاملة الجزائية ستتجه نحو تشديد الجزاء عليه وهو ما أخذ به قانون العقوبات اللبناني فعلاً وبشكل واضح في المادة (266)(2) منه التي ذكرت (يمكن الحكم بمنع الحقوق المدنية ومنع الأقامة والاخراج من البلاد على من ثبت إعتياده للأجرام ومن حكم عليه كمكرر بعقوبة جناحية مانعة للحرية)(3)
فقانون العقوبات اللبناني قد أخذ بمبدأ تشديد العقاب لأجل مواجهة الخطورة الإجرامية ، وفي الجانب الآخر من المعادلة ، فأن القانون اللبناني قد أخذ أيضاً بفكرة تخفيف العقوبة تماشياً مع انخفاض مستوى الخطورة الإجرامية ، ومن ذلك أن المشرع اللبناني قد أقر فكرة وقف تنفيذ العقوبة اذا ما كان مستوى الخطورة منخفضة أو معدومة ، فقد نص في المادة (169) منه (للقاضي عند القضاء بعقوبة جناحية أو تكديرية أن يأمر بوقف تنفيذها اذا لم يسبق أن قضى على المحكوم عليه بعقوبة من نوعها أو أشد) ، واضافة الى ذلك فأن المشرع اللبناني قد أخذ بالاسباب المخففة للعقوبة(4) .حيث نص في المادة (252) منه على (اذا وجدت في قضية أسباب مخففة قضت المحكمة بدلاً من الإعدام بالاشغال الشاقة المؤبدة أو الاشغال الشاقة المؤقته من سبع سنين الى عشرين سنة ، وبدلاً من الاشغال الشاقة المؤبدة بالاشغال الشاقة المؤقته ، لاقل من خمس سنوات ، وبدلاً من الاعتقال المؤبد بالاعتقال المؤقت لأقل من خمس سنوات ، ولها أن تخفض كل عقوبة جنائية أخرى حتى ثلاث سنوات …)(5) . ومن كل ذلك يتضح لنا أن الخطورة الإجرامية قد اضطلعت وفي ظل التشريعات الجنائية بدور خطير في تحديد الجزاء الجنائي فهي تمثل أحد الاسس الرئيسية في تقدير الجزاء الجنائي .
_____________
1- بينت المادة (96) من قانون العقوبات الليبي مفهوم العود بقولها :
((يعتبر عائداً :
أولاً : من حكم عليه بعقوبة جناية وتثبت ارتكابه بعد ذلك لجناية أو جنحة .
ثانياً : من حكم عليه بالحبس مدة سنة أو اكثر وثبت انه ارتكب جنحة قبل مضي خمس سنين من تاريخ انقضاء هذه العقوبة أو من تاريخ سقوطها بمضي المدة .
ثالثاً : من حكم عليه لجناية أو جنحة بالحبس مدة أقل من سنه واحدة أو بالغرامة وثبت أنه ارتكب جريمة مماثلة للجريمة الأولى قبل مضي خمس سنين من تاريخ الحكم المذكور )) .
2- كما نصت المادة (267) من قانون العقوبات اللبناني في هذا السياق أيضاً على (ينزل بالمعتاد على الأجرام والمكرر المحكوم عليه بالاقامة الجبرية أو بالحبس أو بعقوبة أشد عند الافراج عنه تدبير الحرية المراقبة لمدة خمس سنوات الى أن يقرر القاضي زيادة مدتها أو تخفيضها أو أبدال الأقامة الجبرية بها أو اعفاء المحكوم عليه منها …) .
3- يعتبر الاعتياد على الأجرام والتكرار بالنسبة لقانون العقوبات اللبناني من قبيل الأسباب (الظروف) المشددة للعقوبة التي نص عليها في المواد من (257-268) .
4- أسباب التخفيف هي حالات يجب فيها على القاضي – أو يجوز له – أن يحكم من اجل الجريمة بعقوبة أخف في نوعها من المقرر لها في القانون أو ادنى في مقدارها من الحد الادنى الذي يضعه القانون ، وعلتها تقدير الشارع أن العقوبة التي يقررها عند حالات خاصة ( منها إنحسار حجم الخطورة الأجرامية ) أشد مما ينبغي ، ثم أنه لا يكفي لجعلها ملائمة لها الهبوط بها الى حدها الادنى .
انظر في ذلك : د- محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات اللبناني – القسم العام -، الطبعة الثانية، دار النقري للطباعة، بيروت، 1975، ص 752 .
5- أبدلت هذه المادة بموجب القانون الصادر في 5 شباط سنة 1948 .
المؤلف : صلاح هادي صالح الفتلاوي
الكتاب أو المصدر : الخطورة الاجرامية واثرها في تحديد الجزاء الجنائي
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً