مبدأ سيادة القانون :
يعد مبدأ سيادة القانون عنصرا من عناصر الدولة القانونية ويتمثل في خضوع سلطات الدولة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) لحكم القانون خضوع المحكومين له ، ولا شك ان هذا المبدأ يضمن احترام حقوق الافراد وحرياتهم عن طريق التزامهم بالقوانين التي تسري عليهم والتزام سلطات الدولة باحترامها وتطبيقها(1).الا ان سيادة القانون لا تعني وجود القانون فقط أي مجرد وجوده بوصفه قانونا بغض النظر عن محتواه القانوني ، فللأنظمة الدكتاتورية قوانينها أيضا ، اذ لا يمكن التحدث عن سيادة القانون بلا مضمون قانوني يضمن احترام الحقوق والحريات ، فضلا عن ذلك ينبغي ان تتحق سيادة القانون واقعا وفعلا ، اذ لا يكفي النص في الدساتير والتشريعات على هذا المبدا . وانطلاقا من هذا المفهوم يجب مراعاة الامور الآتية :
1- نبذ أية محاولة للمساس بالدستور وقفا او تعديلا او الغاء من جانب أية سلطة في الدولة ما لم تحدد نصوص الدستور كيفية ذلك وفي الحدود التي تقررها تلك النصوص ومن ثم فأن أي خروج على قواعد الدستور ولو في الظروف الاستثنائية يمثل اهدارا لاسس الدولة القانونية وبالتالي لابد ان يواجه بالجزاء الصارم والحاسم(2).
2-على السلطة التشريعية ان تلتزم تماما باحكام الدستور والمبادئ القانونية العامة ، اذ يتعين على تلك السلطة ان تعي انها ليست مطلقة الحرية في وضع القانون ، وانما مقيدة بحدود معينة ، ومن دون ذلك ، فأن سيادة القانون تكاد تفرغ من أي مضمون ، وتصبح السلطة التشريعية سلطة غير قانونية او بالاحرى سلطة مستبدة .
3- يتعين على السلطة التنفيذية ان تلتزم بحدود وظيفتها التي تقتصر في الاصل على وضع القوانين موضع التنفيذ ، فلا تتعدى دائرة عملها الا في الحدود التي بينها الدستور .
4- واخيرا ينبغي على السلطة القضائية ايضا ان تلتزم في عملها بسيادة القانون ، فألى جانب واجبها باحترامه عند الفصل بالمنازعات المعروضة امامها ، فأنه لايجوز للقضاء ان يعطل حكم القانون لأي سبب كان ، ولعل اهم واخطر ما يشكك في التزام القضاء بهذا المبدأ اعترافه بان طائفة من اعمال السلطة التنفيذية تتمتع بحصانة ضد رقابة القضاء بجميع صورها او مظاهرها(3). وهذا يشكل بدوره مخالفة صريحة لما نصت عليه الاتفاقيات الدولية والنصوص الدستورية التي تجعل حق التقاضي مكفولا للجميع .
_____________________
1- جعفر صادق مهدي- مصدر سابق- ص34
2- سامي جمال الدين – لوائح الضرورة وضمانة الرقابة القضائية – منشأة المعارف – الاسكندرية – 1982 – ص391
3- تعرف هذه الاعمال في فرنسا باعمال الحكومة وفي انكلترا اعمال الدولة وفي العراق ومصر اعمال السيادة . سامي جمال الدين – مصدر سابق –ص56و 391
مبدأ سيادة القانون في القانون الأساسي العراقي لعام1925 :
لم ينص القانون الاساسي العراقي لعام 1925 على مبدأ سيادة القانون صراحة ، لكن يمكن ملاحظة مدى تحقق هذا المبدأ في ظل القانون الاساسي وعلى النحو الآتي : –
1- تعتبر المساواة بكافة صورها مظهرا من مظاهرا سيادة القانون ، لذلك حرصت اغلب الدساتير على التأكيد بأن الافراد متساوون في الحقوق والواجبات لاتمييز بينهم بسبب الاصل او الجنس او اللغه او الدين … ، وهذا النهج نجده في القانون الاساسي العراقي ايضاً ، فقد نصت الماده السادسة ( لا فرق بين العراقيين في الحقوق امام القانون وان اختلفوا في الدين او القومية او اللغة ) وكذلك الماده الثامنة عشرة ( العراقيون متساوون في التمتع بالحقوق المدنيه والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة … ). غير انه من المؤسف ان نشير الى ان مبدأ المساواة الذي قرره القانون الاساسي نال منه التطبيق العملي والقوانين المكملة له والمراسيم الصادرة عن السلطة التنفيذية .
2- تعديل الدستور : – خصص القانون الاساسي العراقي الباب التاسع لبيان اسلوب واجراءات التعديل ، وذلك في المادتين (118 119) ، إذ يشير محتوى المادتين الى ان الدستور العراقي من الدساتير الجامدة التي تتطلب اجراءات معقدة لتعديلها تختلف كليا عن طريقة وضع او تعديل او الغاء القوانين العادية .وقد ميز القانون الاساسي بين حالتين من حالات التعديل هما:-
النوع الأول / – التعديلات التي تتم خلال سنه من تاريخ نفاذ الدستور ، أي في الفترة بين 31/3/1925 31/3/1926 ، وقد حددت المادة (118) شروط اجراء هذا التعديل وعلى النحو الآتي : –
1- ان تكون المسائل المراد تعديلها من المسائل الفرعية .
2- ان يوافق مجلس النواب والاعيان على التعديل بأغلبية ثلثي الاراء في كلا المجلسين حتى يعتبر التعديل نافذاً .
ونلاحظ من النص ان المشرع لم يضع معيارا يستند أليه للتمييز بين المسائل الفرعية والأساسية مما يجعل العبارة الواردة في المادة (118) غامضة .
النوع الثاني / – تعديلات أساسية وتشمل : –
1- منع اجراء أي تعديل على القانون الأساسي بشأن حقوق الملك ووراثته طيلة مدة الوصاية (المادة/22) .
2- التعديلات التي نصت عليها المادة (119) من القانون الأساسي وحددت الشروط التالية لها:-
أ) لايجوز اجراء أي تعديل بأستثناء نص المادة (118) على القانون الأساسي خلال خمس سنوات.
ب)بعد مضي خمس سنوات يجوز اجراء التعديلات وعلى النحو الآتي : –
1- موافقة مجلس النواب والاعيان على التعديل بأكثرية مؤلفة من ثلثي اعضاء كلا المجلسين .
2- حل مجلس النواب القائم وانتخاب مجلس نواب جديد .
3- موافقة مجلس النواب الجديد المنتخب ومجلس الاعيان على التعديل بأكثرية مؤلفة من ثلثي عدد اعضائهما
يتضح مما تقدم ، صرامة الشروط التي وضعها الدستور لاجل تعديله ، وهذه الصرامة تفترض وضع الدستور في مأمن من الاحداث والتطورات التي تطرأ على السلطة وعلى القابضين عليها (1). لكن مع ذلك فأن هذه الشروط ليست ذات قيمة عملية ذلك ان الجهة التي تتولى تعديل الدستور مجلس الامة ، ويتكون هذا المجلس من مجلسين هما مجلس الاعيان ومجلس النواب ، ويتم تعيين رئيس واعضاء مجلس الاعيان واقالتهم من مناصبهم من قبل الملك نفسه (المادة /26 الفقرة/7) إذن فهو رهن اشارته ، اما مجلس النواب فيتكون بالانتخاب (المادة / 36) ، الا ان نظام المرشحين الحكوميين كان هو السائد، فقوائم النواب كانت تعد من قبل رئيس الوزراء ووزير الداخلية والبلاط ثم تبلغ الى الموظفين الاداريين لتنفيذها ، وقد اكد ذلك نوري السعيد رئيس الوزراء في العهد الملكي ، حيث قال ( هل في الامكان ، اناشدكم بالله ، ان يخرج احد نائبا مهما كانت منزلته في البلاد ومهما كانت خدماته في الدولة مالم تأت الحكومه وترشحه فأنا اراهن كل شخص يدعي بمركزه ووطنيته فليستقل الان ويخرج ، ونعيد الانتخاب ولا ندخله في قائمة الحكومة ، ونرى هل هذا النائب الرفيع المنزله الذي وراؤه ما وراؤ ه ، من المؤيدين يستطيع ان يخرج نائباً) (2).
3- توسعت السلطة التنفيذية التي تقتصر وظيفتها في الاصل على وضع القوانين والاوامر والتعليمات الصادرة عن السلطة التشريعية موضع التنفيذ في استخدام حقها الوارد في الفقرة (3) من المادة (26 ) والمتمثل في اصدار مراسيم لها قوة القانون بغية تقييد حقوق وحريات الافراد ، بالرغم من ان فكرة اصدار المراسيم فكرة استثنائية ومن ثم لا تمارس الا في الحالات الاستثنائية ، غير أن واقع الحال اظهر تحول هذه الوسيله الى اداة اعتيادية تمارسها السلطة التنفيذية متجاوزة حالات الضرورة الحقيقية من دون أن يكون هناك خطر حقيقي يهدد الامن العام او النظام ، وبذلك استطاعت هذه السلطة أن تمارس خلال عطلة البرلمان سلطة التشريع الكامل .
_______________________________
1- رعد ناجي الجدة – التشريعات الدستورية في العراق– ص 32 . نوري لطيف – القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق –الطبعه الثانية – مطبعة علاء –1979 ص238 .
2- ليث عبد الحسن ألزبيدي – ثورة 14 تموز 1958 في العراق – الطبعة الثانية – مكتبة اليقظة العربية – بغداد – 1981 -ص 20 .
مبدأ سيادة القانون في دستور 27 تموز 1958 المؤقت :
لم ينص دستور 1958 المؤقت على مبدأ سيادة القانون كما هو الحال بالنسبة للقانون الاساسي العراقي ، ولكن يمكن ملاحظة مدى الالتزام بهذا المبدأ على النحو التالي : –
1-نص الدستور في المادة (9) على ان ( المواطنون سواسيه امام القانون في الحقوق والواجبات العامة ولا يجوز التمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس او الاصل او اللغه او الدين او العقيدة ) ، من خلال النص المتقدم يتضح مايأتي : –
*اقرار المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق ومن ضمنها الحقوق السياسية .
* على الرغم من ان المادة (9) نصت على المساواة في الاصل واللغة ، الا ان الدستور اقر الحقوق القومية للأكراد فقط واغفل الحقوق القومية للأقليات الاخرى ، وهذا ما اكدته المادة ( 3 ) حيث جاء فيها ( … يعتبر العرب والاكراد شركاء في هذا الوطن ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية) .
2-تعديل الدستور : – لم ينص دستور 27 تموز 1958 المؤقت على اسلوب واجراءات تعديله خلافاً للقانون الاساسي العراقي الذي حدد في المادتين (118-119) اجراءات التعديل ، وقد برر الاستاذ حسين جميل ذلك كون الدستور مؤقتا ولا يوجد ما يستوجب بحث هذه المسألة التي تعالج عادة في الدساتير الدائمة (1). وبناء على ذلك فأن دستور 1958 المؤقت دستور مرن يجري تعديله باتباع اسلوب تعديل القوانين العادية نفسها بحيث لاتتميز قواعده عن القواعد القانونية العادية بأية علوية. جدير بالذكر انه خلال فترة نفاذ الدستور المؤقت لم يتم اجراء أي تعديل عليه خاصة وانه لا يوجد مايدعو الى ذلك لأن الدستور قد عطل تعطيلاً فعلياً ، فالسلطة لم تمارس بموجب احكام الدستور وانما بموجب ارادة القابضين عليها ، لذلك لم تظهر الحاجة الى تعديل الدستور ليتماشى واسلوب ممارسة السلطة (2). اما السلطتان التشريعية والتنفيذية ، فقد تم ممارستها من قبل هيئة واحدة هي مجلس الوزراء ، فالسلطة التشريعية بصفتها المشرعة للقوانين التي تنفذها وتسير على ضوئها السلطتان التنفيذية والقضائية عهدت الى مجلس الوزراء الذي يتولى في الوقت نفسه السلطة التنفيذية .
_____________________
1- رعد ناجي الجدة واخرون – النظرية العامة في القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق- مصدر سابق – ص 354
2- رعد ناجي الجدة واخرون- النظرية العامة في القانون الدستورى والنظام الدستورى في العراق – مصدر سابق – ص 355
مبدأ سيادة القانون في دستور 29 نيسان 1964 المؤقت :
أغفل دستور 1964 المؤقت النص على مبدأ سيادة القانون ، اما مدى الالتزام بهذا المبدأ يمكن ملاحظته من خلال مايأتي :-
1-نص الدستور في المادة (19) على ان (العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات العامة بلا تمييز بسبب الجنس اوالاصل او اللغة او الدين او أي سبب اخر . ويقر هذا الدستور الحقوق القومية للأكراد ضمن الشعب العراقي فـي وحدة وطنية متأخية) .
من خلال النص المتقدم ، يتضح ما يأتي : –
*حدد النص الدستوري الاسس التي يمكن الاستناد اليها لمنع التمييز بين المواطنين على سبيل المثال ( اللغة او الدين او أي سبب اخر ) وبذلك ضمن الدستور معاملة متساوية لجميع المواطنين في الحقوق والواجبات العامة .
* اقرار الحقوق القومية للأكراد فقط واغفال الحقوق القومية للأقليات الاخرى وبذلك نهج منهج دستور 1958 المؤقت .
2-تعديل الدستور : – اغفل الدستور مسألة تعديله بالرغم من كثرة مواده ( التي زادت على المائة ) ، اذ لم يتضمن مادة تنظم الاسلوب والاجراءات التي ينبغي مراعاتها عند تعديل الدستور في الوقت الذي نجد فيه دستور الجمهورية العربية المتحدة رقم (25 )لسنة 1964 والذي استمد الدستور المؤقت معظم مواده منه قد عالج مسألة تعديله بموجب المادة (165) ، الا انه من تحليل الواقع السياسي في تلك الفترة فأن امر تعديل الدستور المؤقت يعود الى رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وذلك للغياب الفعلي للمجلس الوطني لقيادة الثورة ومن ثم الالغاء الرسمي بعد ذلك في 8ايلول1965 (1).
3- تركيز السلطة التشريعية في يد السلطة التنفيذية ، فقد اناط الدستور المؤقت السلطة التشريعية بمجلس الوزراء ، وبذلك مارس مجلس الوزراء سلطة التشريع والتنفيذ في ان واحد اضافة الى ذلك خول الدستور رئيس الجمهورية في حالة خطر عام او احتمال حدوثه بشكل يهدد سلامة البلاد وامنها ان يصدر قرارات لها قوة القانون بقصد حماية كيان الجمهورية وسلامتها وامنها بعد موافقة مجلس الوزراء (المادة/51) (2). ان عبارة (بقصد حماية كيان الجمهورية وسلامتها وامنها ) عبارة واسعة وغامضة في الوقت نفسه تسوغ لرئيس الجمهورية ان يتدخل في جميع الميادين معطلا جميع حقوق الافراد والضمانات التي يتمتعون بها ، هذا من جانب ومن جانب اخر ، فأن اشتراط موافقة مجلس الوزراء لايشكل قيداً على سلطة رئيس الجمهورية ، فليس من المعقول ان يعترض مجلس الوزراء على اصدار تشريعات يرغب في اصدارها رئيس الجمهورية وهو الذي يتولى تعيين رئيسه واعضائه ويعفيهم من مناصبهم (3).
4-فيما يخص السلطة القضائية التي ينبغي ان تلتزم بسيادة القانون ، نجد ان قانون السلطة القضائية رقم ( 26 ) لسنة 1963 ينص في المادة الرابعة منه على ان ( ليس للمحاكم ان تنظر في كل ما يعتبر من اعمال سيادة الدولة ) . وفي هذا تعطيل لحكم القانون ساعد عليه الدستور والقانون معاً .
_________________________
1- رعد ناجي الجدة – التشريعات الدستورية في العراق – مصدر سابق – ص84.
2- تنص المادة (51) قبل تعديلها في 8ايلول1965 ( لرئيس الجمهورية في حالة خطر عام او احتمال حدوثه بشكل يهدد سلامة البلاد وامنها ان يصدر قرارات لها قوة القانون بقصد حماية كيان الجمهورية وسلامتها وامنها بعد موافقة المجلس الوطني لقيادة الثورة ) .
3- رعد ناجي الجدة واخرون – النظرية العامة في القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق – مصدر سابق – ص 381 و منذر الشاوي – القانون الدستوري والمؤسسات ا لدستورية في العراق – مصدر سابق – ص 200 .
مبدأ سيادة القانون في دستور21 أيلول1968 المؤقت :
اغفل دستور 21 ايلول 1968 المؤقت النص على مبدأ سيادة القانون واكتفى بالتأكيد على المساواة بين العراقيين في الحقوق والواجبات العامة ، اما مدى تحقق هذا المبدأ في ظل الدستور المؤقت يمكن ملاحظته من خلال ما يأتي :-
أ تعديل الدستور : حدد دستور 1968 المؤقت على عكس الدساتير التي صدرت خلال العهد الجمهوري الجهة التي تتولى التعديل وهي مجلس قيادة الثورة من دون بيان الاجراءات التي تتبع في هذا الخصوص (1).باستثناء ما نصت عليه المادة (92) بان ( يبقى هذا الدستور نافذ المفعول حتى نفاذ الدستور الدائم الذي يضعه المجلس الوطني ولا يعدل الا اذا اقتضت الضرورة ويتم ذلك من قبل مجلس قيادة الثورة ) . ان اشتراط النص الدستوري بالا يعدل الدستور الا اذا اقتضت الضرورة لا يشكل قيدا على سلطة مجلس قيادة الثورة لان تقدير الضرورة كان متروكا لمجلس قيادة الثورة ، وعليه كان ينبغي في الاقل تحديد حالات الضرورة التي تستوجب التعديل خاصة وان مجلس قيادة الثورة هو الجهة التي تتولى تعديل الدستور .
ب- مارست السلطة التنفيذية في ظل دستور 1968 المؤقت سلطة التشريع ايضا ، فالمادة ( 50 الفقرة/ أ ) تنص على ان يمارس رئيس الجمهورية سلطة المصادقة على القوانين والأنظمة وقرارات مجلس الوزراء ، وعلى اثر التعديل الثالث للدستور في 10 تشرين الثاني 1969 عدلت سلطته المتعلقة بتصديق القوانين والانظمة وقرارات مجلس الوزراء واصبحت تتمثل في اصدار القوانين والانظمة والقرارات اللازمة لتنفيذها الى جانب ذلك فان مجلس الوزراء كان يشارك مجلس قيادة الثورة في السلطة التشريعية استنادا الى المادة ( 64 الفقرة/ 4 ) والتي تنص على ان من اختصاصات الحكومة المصادقة على لوائح القوانين والانظمة الا انه بموجب التعديل الدستوري الاخير الغيت هذه الفقرة واصبحت مهمته تنحصر في الأعداد فقط .
___________________
1- رعد ناجي الجدة – التشريعات الدستورية في العراق – مصدر سابق – ص98
مبدأ سيادة القانون في دستور 16 تموز 1970 المؤقت :
لم ينص دستور 16 تموز 1970 المؤقت على مبدأ سيادة القانون وبذلك نهج منهج الدساتير العراقية السابقة، اما مدى الالتزام بهذا المبدأ يمكن ملاحظـته مـن خلال ما يأتي :
أ-اكد الدستور في المادة (19 – الفقرة / أ ) على المساواة ، حيث جاء فيها ( المواطنون سواسية امام القانون دون تفريق بسبب الجنس او العرق او اللغة او المنشأ الاجتماعي او الدين ). يتضح مما تقدم ان النص الدستوري حدد الاسس التي يمكن الاستناد اليها لمنع التمييز بين المواطنين على سبيل الحصر ، ومعنى ذلك ان هناك اسسا اخرى يمكن الاستناد اليها للتمييز بين المواطنين، وهذا يشكل تراجعا عما نص عليه دستور 29 نيسان 1964 المؤقت ، فقد حدد الاسس على سبيل المثال .
ب-اقر الدستور الحقوق القومية للشعب الكردي والحقوق القومية للأقليات كافة ، فالمادة (5 – الفقرة / ب ) تنص على ان ( يتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين هما القومية العربية والقومية الكردية ويقر هذا الدستور حقوق الشعب الكردي والحقوق المشروعة للأقليات كافة ضمن الوحدة العراقية ) . وبذلك تجاوز دستور 1970 النقص الذي تضمنته الدساتير الصادرة في العهد الجمهوري ، حيث اقرت الحقوق القومية للشعب الكردي فقط واغفلت الحقوق القومية للأقليات الاخرى .
جـ- تعديل الدستور : حدد دستور 16 تموز 1970 المؤقت بموجب الفقرة ( ب ) مـن المادة ( 66) الجهة التي تتولى تعديل الدستور ، فاناط هذه المهمة بمجلس قيادة الثورة وذلك بأغلبية ثلثي عدد أعضاء المجلس من دون بيان إجراءات التعديل(1). وعليه يتضح ان دستور 1970 دستور مرن وان اشتراط أغلبية ثلثي عدد أعضاء مجلس قيادة الثورة لإجراء أي تعديل فيه لا تجعل منه دستورا جامدا ، لان الدستور الجامد يتميز بتعقيد الإجراءات اللازمة لتعديله وليس الأغلبية الخاصة للتعديل فقط ، كما ان صدور الدستور من مجلس قيادة الثورة وحصر امر تعديل احكامه بالمجلس نفسه يعزز القول بان الدستور مرن رغم من أشتراطه الأغلبية الخاصة(2).
د- لم يضع الدستور الحدود الفاصلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فقد خول الدستور مجلس قيادة الثورة ( الهيئة التشريعية العليا في البلاد ) من خلال رئيسه سلطة تنفيذية تمثلت في مراقبة أعمال الوزارات والدوائر الاخرى في الدولة ودعوة الوزراء للتداول في شؤون وزاراتهم واستجوابهم عند الاقتضاء واطلاع مجلس قيادة الثورة على ذلك ( المادة/ 44- الفقرة/4 ) هذا من جانب ومن جانب اخر، خول الدستور مجلس الوزراء ( السلطة التنفيذية ) صلاحية أعداد مشروعات القوانين واحالتها الى السلطة التشريعية اضافة الى ذلك فقد خول رئيس الجمهورية بموجب المادة ( 57 ـ الفقرة / ج ) سلطة اصدار قرارات لها قوة القانون عند الاقتضاء .
هـ – اكد الدستور في المادة ( 63 ـالفقرة/ ب ) على ان حق التقاضي مكفول لجميع المواطنين لكن عند دراسة القوانين المنظمة للسلطة القضائية ، نجد انها عمدت الى تقييده ، فقانون التنظيم القضائي رقم ( 160 ) لسنة 1979 نص في المادة ( 10 ) منه بان (لا ينظر القضاء في كل ما يعد من أعمال السيادة ) ، كما نصت الفقرة ( خامسا ) من المادة ( 7) من قانون مجلس شورى الدولة رقم ( 65 ) لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم ( 106 ) لسنة 1989 والذي انشأ القضاء ألا داري بان لا تختص محكمة القضاء ألا داري بالنظر في الطعون المتعلقة بما يأتي : –
اـ أعمال السيادة وتعتبر من أعمال السيادة المراسيم والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية.
ب ـ القرارات الادارية التي تتخذ تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية وفقا لصلاحياته الدستورية.
ج ـ القرارات الادارية التي رسم القانون طريقا للتظلم منها او الاعتراض عليها او الطعن فيها.
___________________________
1- رعد ناجي الجدة ـ التشريعات الدستورية في العراق ـ مصدر سابق ـ ص112 .
2- صالح جواد الكاظم واخرون ـ النظام الدستوري في العراق ـ مصدر سابق ـ ص98 .
المؤلف : مروج هادي الجزائري
الكتاب أو المصدر : الحقوق المدنية والسياسية وموقف الدساتير العراقية منها
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً