مقال عن المساعدات الخارجية نظام قانوني واقعي في إطار العلاقات الدولية
يمكن تعريف المساعدات الاقتصادية كشكل من أشكال المساعدات الخارجية بأنها دعم اقتصادي تقدمة جهة مانحة، غالباً ما تكون دولة إلى جهة أخرى غالباً ما تكون من البلدان النامية لمساعدتها على القيام بأعباء عملية التنمية ومواجهة العوائق التي تعترضها. وتتعدد أشكال المساعدات الاقتصادية فقد تكون عبارة عن دعم نقدي أو سلعي أو مساعدة فنية أو علمية وغيرها، كما يندرج تحت كل من المفاهيم السابقة صور متعددة، ما دام الهدف من المساعدة ينصب لتحقيق التنمية.
في السياق التاريخي، وخاصة خلال فترة الحرب الباردة، كانت المساعدات بالنسبة للدول المانحة مجرد أداة من أدوات سياستها الخارجية بغرض التأثير في السلوك السياسي الخارجي للدولة المتلقية التي كانت المساعدات بالنسبة لها مجرد ثمن سياسي لمواقف سياستها الخارجية، ولم تكن طريقة استخدام المساعدة ومدى تحقيقها لأهدافها إلا نواحي ثانوية في عملية تقديم المساعدة، وبالفعل استطاعت بعض الدول النامية ذي الأهمية الإستراتيجية الحصول على قدر كبير من المساعدات من القطبين الكبيرين. بيد إن انتهاء الحرب الباردة وتحول الصراع الايدولوجي بين الشرق الغرب إلى نمط جديد من الصراع بين دول الشمال والجنوب، أدى إلى تغيّر كلي في مفهوم المساعدات، حيث باتت المساعدات أداة تهدف للتأثير على السياسة الداخلية للدولة المتلقية، ولا سيما أن انتهاء الحرب الباردة نزع الصفة الإستراتيجية عن الدول النامية في وقت باتت فيه هذه الدول في حاجة إلى المساعدات بزخم أكبر من أي وقت مضى نتيجة لإخفاقات عملية التنمية فيها، ولوطأة أزمة القروض الخارجية على اقتصادياتها، وهو ما لم يعد متاحاً كثمن سياسي وإنما نظير إتباع سياسات أخرى ولخدمة غايات أخرى
خضعت المساعدات الاقتصادية الخارجية لتطور كبير خلال السنوات الماضية من عمر النظام العالمي الجديد، بل إن مفهوم المساعدات وأهدافها ومعايير تقديمها وتقويمها، اتجهت نحو التبلور على شكل نظام قانوني واقعي في طور التكامل، إلى درجة يرى فيها البعض “ضريبة مفروضة بحكم القوانين الدولية والإجماع الدولي الذي تقوده أحادية النظام العالمي”، وأصبحت الشروط المرافقة للتمويل الدولي علنية وواضحة لجميع البلدان النامية بصورة تسبغها بالشرعية، إلا أن هذه الشرعية تستند إلى قوة رأس المال لا إلى سيادة القانون ونصه. وتبرز أهم هذه التغيرات في الجوانب والأصعدة الآتية:
• أهداف المساعدات: اتسع نطاق الأهداف المنوطة بالمساعدات الخارجية، فإلى جانب الهدف السياسي الخارجي باتت المساعدة تستهدف تحقيق التنمية الشاملة بجميع أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمستدامة، على ان يرتكز الجانب السياسي في عملية التنمية إلى مفاهيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، أما الجانب الاقتصادي فيرتكز على التحول إلى اقتصاد السوق والعودة بالدولة إلى دورها الحمائي التقليدي. وقد جسّد الرئيس الأمريكي جورج بوش هذه المطالب في خطابه أمام مؤتمر الأمم المتحدة لتمويل التنمية الذي عقد في المكسيك في الفترة 18–22 آذار 2002، حيث اكد ان “تدفق رؤوس الأموال إلى البلدان النامية والفقيرة سيتوقف على احترام هذه البلدان لحقوق الإنسان، واتخاذها إجراءات فعّالة لاقتلاع جذور الإرهاب والفساد فضلاً عن فتح أسواقها … وإن الولايات المتحدة ستتعامل بشكل صارم مع ذلك”.
أطراف تقديم وتلقي المساعدة: يلاحظ اتساع نطاق الجهات التي تقدم المساعدات كالمنظمات الدولية غير الحكومية وصناديق التنمية الإقليمية، وبالمقابل لم تعد الحكومات الجهة الوحيدة لتلقي المساعدات، بل أن قدراً كبيراً من المساعدات باتت تقدم مباشرة إلى هيئات خاصة في الدولة ومنظمات المجتمع المدني.
• الجهات المشرفة على تقديم المساعدة: يعد صندوق النقد الجهاز الرسمي الرئيس للاشرف على تقديم المساعدة، ولاسيما أن الصندوق قد انضم إلى عضوية سائر الاتحادات المالية والمجموعات الاستشارية ويحضر اجتماعها بصفة مراقب لإبداء النصح والمساعدة الفنية، كما أنه يقوم بمهمة التحري عن الوضع الاقتصادي للبلدان الراغبة في الحصول على التمويل الخارجي، وبناء على تقويمه للسياسات الاقتصادية لأي بلد تتخذ الجهات المقرضة والمانحة قراراتها بمنح التمويل، فالصندوق وإن لم يكن في عداد الجهات المانحة، إلا انه صاحب الكلمة الأخيرة في منح التمويل الدولي لبلد ما.
• إجراءات تقديم المساعدات والشروط المرفقة: لم تعد المساعدات تقدم بناء على تعهدات من الدولة المتلقية باستخدامها في مجال معين، وإنما وفق أسس ومعايير متكاملة دولياً، مع إرفاقها بما يلائم من شروط تنصب لضمان تحقيق الهدف من المساعدة، وهي شروط واسعة ومتكاملة وتفصيلية تمتد إلى حد المطالبة بالرقابة على طريقة استخدام الأموال المقدمة للبلد وضرورة الإشراف عليها، وحتى فرض طريقة إرساء المناقصات والشروط التي يجب أن تتضمنها. وهو ما يفقد البلد المتلقي سيادته وقراره المستقل بإحلال سيادة محل سيادة أخرى وإن كان ذلك يتم تحت مسميات أخرى.
معايير تقويم المساعدة: وهنا يكمن الدور الأكبر الذي تمارسه المنظمات الاقتصادية الدولية، حيث تتضمن المساعدات معايير أداء معينة وفق تقسيم زمني محدد تمكن من متابعة كيفية استخدام المساعدة، وصولاً إلى الجزاءات المترتبة على مخالفة أهداف المساعدة أو تقصير الدولة في الاستجابة للشروط المرفقة وتحقيق المعايير المطلوبة.
ويبدو جليا ان تطور نظام المساعدات الاقتصادية الخارجية بشكله السابق حولها الى اداة محكمة للتبعية السياسية، تمس بسيادة الدولة المتلقية والتدخل في شؤونها الداخلية، وتتعدد الشواهد على ذلك في ضوء الممارسات الدولية ولاسيما على صعيد التصويت في المنظمات الدولية، فعلى سبيل المثال عندما صوّت مندوب اليمن في الأمم المتحدة ضد تشكيل ائتلاف تقوده الولايات المتحدة لاستخدام القوة ضد العراق عام 1990، قام مندوب الولايات المتحدة توماس بيكيرينغ ومشى حتى مقعد المندوب اليمني وأعلمه أن تلك كانت أغلى “لا تصويت”، وترتب على الرفض اليمني توقف التمويل الذي تقدمه الوكالة الامريكية للتنمية لليمن. وفي الأول من أيار 2013، أعلن رئيس بوليفيا إيفو موراليس عن طرد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “USAID” من بلاده، متهماً إياها بالتآمر والتدخل في الشؤون البوليفية الداخلية. وكذلك التبعية الاقتصادية فالبرغم من ان الشروط المرافقة للمساعدات قد ساعدت على تقليل حجم الفساد في استخدامها على خلاف ما كان عليه الامر سابقا، الا ان سياسة الدول المانحة تكرس خدمة شركاتها عبر منح العقود المرتبطة بالمساعدات لهذه الشركات على حساب أسس التنافسية والموضوعية، وهو ما اشارت اليه العديد من المنظمات غير الحكومية بصدد عقود اعادة الاعمار في كل من افغانستان والعراق.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً