مقال عن النسخ المطابقة للأصل بين القانون العقاري والواقع المتطور بتونس.
الآنسة آمــــال الجليـــــدي : متفقد مركزي للملكية العقارية ببن عروس
ان محور وظائف ادارة الملكية العقارية وظيفة ترسيم العمليات العقارية لذا اخضع المشرع الادارة لقاعدة الشرعية و ذلك من خلال التحقيقات التي تقوم بها عند دراسة مطلب الترسيم كما نص الفصل 306 من م ح ع وهو التثبت من توفر الشروط الشكلية و الجوهرية في الصك المقدم للترسيم اولها الادلاء باصل الصك او نسخة منه مشهود بمطابقتها للاصل و ذلك تطبيقا للفصل 375 من م ح ع بمقتضى تنقيحه بالقانون عدد 35 لسنة 2001 المؤرخ في 17 اوت 2001 الذي اوجب ان تكون الصكوك المقدمة للترسيم اصولا فقط اذا كانت من صنف الحجج غير الرسمية و اصولا او نسخا اذا كانت من صنف الحجج الرسمية او الاحكام القضائية.
و لكن هل ان النسخة طبقا للاصل للصك المسلمة من القباضة المالية لاتحل محل الاصل و كيف يمكن ترسيم الحق بضياع الصك الاصلي ؟
ان شرط تقديم اصل السند او نسخة منه مشهود بمطابقتها للاصل من السلط المعنية لترسيمه طبقا لاحكام الفصل 394 م ح ع و ان اشتراط الاشهاد بالمطابقة للاصل مسألة يمليها التحفظ من ان تكون النسخ المقدمة محرفة و غير مطابقة للاصل و كذا او كل المشرع عمل الاشهاد بالمطابقة للاصل الى سلط معينة و حسب مصدر الوثيقة طبقا للقانون عدد 103 لسنة 1994 المؤرخ في غرة اوت 1994 المتعلق بالتعريف بالامضاء و الاشهار و مطابقة النسخ.
و يتبين لنا من الفصل 375 من م ح ع ان العقود المحررة بالحجة الرسمية أي المحررة من عدول الاشهاد يمكن ايداعها اصولا و في صورة ضياع الاصل يمكن استخراج نسخة قانونية من طرف عدل الاشهاد و تقبل ادارة الملكية العقارية ترسيم هذه النسخة طبقا للفصل المذكور و كذلك الاحكام الخاضعة للترسيم.
اما الكتائب المحررة لدى السادة المحامين فهي ليست من صنف الحجج الرسمية و بذلك نص الفصل 375 م ح ع صراحة على ان تكون اصولا أي لاتقبل النسخ الطبق الاصل من العقود الخطية المقدمة للترسيم رغم ان القباضة المالية عند تسجيل العقود المحررة بالكتب الخطي تحتفظ لديها بالاصل حتى تمكن من له مصلحة من نسخة طبق الاصل من هذا العقد مقابل استخلاص معاليم خاصة في حالات ضياع النسخة الاصلية.
وقد جرى العمل ان النسخ طبق الاصل من العقود الخطية المسلمة من القباضات المالية هي مبدئيا تحل محل الاصل و الدليل مذكرة العمل عدد 9 لسنة 2017 الصادرة عن حافظ الملكية العقارية بحكم الالتزام بتطبيق احكام الفصل 375 م ح ع و الذي جاء فيه ان بعض الادارات الجهوية تعتمد في الترسيم على نسخ من عقود مشهود بمطابقتها للاصل مستخرجة من القباضات المالية و تتنزل هذه المذكرة في اطار التأكيد على ضرورة الالتزام باحكام الامر 375 المذكور بتعلة كثرة الملفات المعروضة على الادارة المركزية.
ولاشك ان هذه المذكرة تكرس الشفافية و الوضوح داخل ادارة الملكية العقارية و في علاقة مع المتعاملين المنتفعين بالخدمة و توحد الاجراءات و الاهداف لكافة ادارات الملكية بالجمهورية لكن في الاصل الشفافية لايمكن لها ان تعمل على افقاد الادارة النجاعة و تطوير اساليب العمل من اجل التوصل الى اهداف منتظرة تعمل لاجلها الخطة الادارية و اهمها مشاركة الادارة طالب الخدمة في الجهد المبذول لترسيم الصك المودع فهذا هو هدف جميع الاطراف المتداخلة في عملية الترسيم.
ومن البديهي ان يستجيب الصك لكافة الشروط الشكلية و الجوهرية للترسيم عند التحقيق لكن هذا لايعني بان تمتنع الادارة عن مد يد المساعدة للمتعاملين معها.
وأن تتمسك بالتطبيق الحرفي للفصل 375 م ح ع و بحذافيره فهذا التعامل قد يضيع الحق بضياع الكتب الخطي له.
و في حالة اخرى ينسحب هذا الاشكال على الرهن صلب اصل العقد المحرر بالكتب الخطي فالبنوك تطلب التنصيص على الرهن العقاري صلب اصل العقد لضمان حقها.
واذا كان العقار غير مسجل و كان العقد محرر بحجة رسمية يمكن لعدل الاشهاد التنصيص على الرهن صلب اصل العقد أي الدفتر المحرر به ذلك العقد مع التنصيص على ذلك صلب جميع النسخ المستخرجة من العقد بينما اذا كان العقد بمقتضى كتب خطي فالتنصيص على الرهن لايكفي ان يتم على النسخة التي بحوزة الاطراف بل يجب ان يتم التنصيص على العقد الاصلي المخزن لدى القباضة المالية لضمان حق البنك.
غير ان القبضات المالية تمتنع على تسليم الاصول المحفوظة لديها من العقود الخطية للقيام بالتنصيص على الرهن فيضيع حق البنك من ضمانات التنصيص على الرهن و يقع العقار في الجمود.
و الملاحظة ان انتهاج الادارة نحو التيسير على طالب الترسيم حيث قبلت النسخ من بعض الكتائب و نخص بالذكر رفع اليد … و ذلك للقصور الذي لوحظ على الصعيدين الجهوي و المركزي الاول زمني و الثاني موضوع.
فالادارة الجهوية مقيدة بما جاء في منطوق الفصل 379 الخاص بالنسخ لذلك تعطلت تسوية الحالات الاستحقاقية و تعثرت جميع التصرفات القانونية عدا الالتجاء الى المحكمة العقارية التي لها ان تتأنى و تمحص و تقيم العدل و هذا يثقل كاهلها بملفات متراكمة بينما على الادارة المرونة و التبسيط بتقريب القانون العقاري من المواطن
وعليه استوجب اعادة النظر في التشريع المتعلق تماشيا مع السياسة التي توختها الحكومة يجعل العقار محرك للدورة الاقتصادية فلا نزيد في اعاقة المحاكم بتعلة محاربة الفساد الاداري.
و قد انعقد الرأي في كثير من الادارات الجهوية للملكية العقارية فيما مضى على التيسير على الموطن و اعطاء قيمة لسرعة الانجاز و تبسيط الاجراءات مقارنة لما عليه الامر لدى المحاكم التي ارتضت عمق التمحيص سبيلها في اقامة العدل و ذلك لخصوصيات الجديدة التي اناطها القانون بعهدة ادارة الملكية فلا يمكن ان تساعد الادارة في تقاعس المستحقين على تحيين العقار خاصة اذا لم تكن لهم مصلحة في ذلك فتضيع حقوق من يبذل مجهود للترسيم و تحيين الثروة العقارية.
لذا امامنا حلان :
يتمثل الاول في تمكين الادارة من النظر فيما قيل انه محضور بالفصل المذكور و بذلك تتخلص من القيود التي ساهمت في تعطيل سير عملية الترسيم فتنجز مهامها بالسرعة المأمولة.
وهكذا فان صيغة الفصل تحتاج الى تعديل نحو رفع الالتباس و التوضيح
الحل الثاني هو ان لا نجعل الرقابة في ادارة الملكية وسيلة تودي و باي حال من الاحوال الى رفض ترسيم حقوق مأذون بادراجها فليس لها رفض او تأجيل تنفيذ ترسيم و لكن لها عند اكتشاف النقائص ان تكاتب المحكمة العقارية قصدا اشعارها بالخلل الذي حول وظيفتها الترسيم و الاشهار الى التعطيل فضمان الشفافية و حماية المتعاملين بحفظ عقاراتهم من سائر اعمال التحيل و الاعتداء لايمكن ان يحول دون الانتفاع بهذه التروة العقارية باعتبار ان الحالة الاستحقاقية للعقارات لدى السجل العقاري مخالفة للواقع الموضوعي لها فهي في الواقع مجمدة على التحيين.
فيما هي القيمة القانونية لشهائد ملكية مطابق للرسم العقاري و موازية و مخالفة لواقع العقار المتوقف عن التعامل ومن هنا نفهم ما قال (منتسكيو) صاحب كتاب “روح القوانين” : ان القانون يجب ان يكون ملائم لحاجة الشعب الذي يصنع من اجله.
لذا فإن النصوص متناهية في حين ان الواقع الذي وضعت النصوص لمواجهته و تنظيمه غير متناهي فمن الحتمي ان تتطور القوانين وتواكب الواقع المتسحدث .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً