مقال عن امتياز المصاريف القضائية
النص القانوني :
نصت المادة 1113/2 من القانون المدني على أنه : ” تعفى من التسجيل حقوق الامتياز العامة الآتية …. ب- الرسوم و النفقات القضائية الناشئة عن بيع العقار و توزيع ثمنه ” .
كذلك نصت المادة 1117 من القانون المدني على أنه :
” 1- المصروفات القضائية التي أنفقت لمصلحة جميع الدائنين في حفظ أموال المدين و بيعها لها امتياز على ثمن هذه الأموال .
2- و تستوفى هذه المصروفات قبل أي حق آخر , ولو كان ممتازاً أو مضموناً برهن , بما في ذلك حقوق الدائنين الذين أنفقت المصروفات في مصلحتهم , وتتقدم المصروفات التي أنفقت في بيع الأموال على تلك التي أنفقت في إجراءات التوزيع ” .
في الواقع لدى مناقشة نص هذه المادة كان يفضل استكمال النص باشتراط أن تتقدم المصروفات القضائية على الرهن الحيازي والتأمين العقاري وعلى حقوق الامتياز الأخرى إذا كانت قد أنفقت لمصلحة الدائنين المرتهنين وغيرهم من أصحاب التأمينات الأخرى , لأنه ليس صحيحاً أن المصروفات القضائية تستوفي قبل أي حق آخر , ولو كان ممتازاً أو مضموناً برهن .
فامتياز المصروفات القضائية لا يتقدم على التأمين العقاري إلا إذا أنفقت هذه المصروفات لمصلحة الدائن المرتهن صاحب التأمين العقاري أيضاً . أما إذا كانت المصروفات لا تفيده – كما في مصروفات دعوى الإفلاس التي لا يستفيد منها الدائن المرتهن – فلا تتقدم هذه المصروفات على حق الدائن المرتهن الذي يستوفي حقه حسب مرتبته وقبل جميع الدائنين العاديين .
مبنى الامتياز و الغرض منه :
يبنى امتياز المصروفات القضائية على فكرة العدالة , حيث يكون من العدل أن يتقدم من ينفق هذه المصروفات على كل من استفاد منها .
والمصروفات القضائية المضمونة بالامتياز هي تلك التي أنفقت لمصلحة جميع الدائنين وليس فقط لمصلحة من أنفقها .
وقد قرر الامتياز بغرض تشجيع الدائنين على دفع نفقات المصروفات القضائية , لأنه لولا هذه النفقات لما تمكن مجموع الدائنين من استيفاء حقوقهم .
الديون التي يضمنها الامتياز
يضمن امتياز المصروفات القضائية كافة المبالغ التي أنفقت في سبيل حفظ أموال المدين أو تصفيتها أو توزيع ثمنها على الدائنين.
ويبدو أن الهدف من إنفاق هذه المبالغ هو تحويل أموال المدين المنقولة أو العقارية إلى مبالغ نقدية ليتمكن الدائنون من الاستفادة منها لاستيفاء ديونهم .
والمصروفات القضائية منها ما يتم إنفاقه أثناء قيام الدعوى القضائية , ومنها ما يتم إنفاقه قبل قيام هذه الدعوى .
ومن المصروفات التي يضمنها امتياز المصروفات القضائية نلحظ :
مصروفات الحجز , سواء أكان الحجز احتياطياً أو تنفيذياً ,
ومصروفات البيع بالمزاد العلني ,
ومصروفات شهر إفلاس التاجر ,
ومصروفات إدارة أموال المدين المفلس وأتعاب وكيل التفليسة ,
وكذلك مصروفات تصفية التركة وأتعاب المصفي ,
ومصروفات وضع الأختام على أموال المدين وجرد هذه الأموال ,
ومصروفات دعوى الحراسة و التوزيع ,
ونفقات الدعوى غير المباشرة , والدعوى البوليصية .
ولا بد من التنويه إلى أن المصروفات التي أنفقت في حفظ عقار المدين يشملها امتياز المادة 1117/1 من القانون المدني , والتي نصت على أن :
” المصروفات القضائية التي أنفقت لمصلحة الدائنين في حفظ أموال المدين وبيعها لها امتياز على ثمن هذه الأموال ” .
وذلك بالرغم من إغفال المادة 1113 من القانون المدني ذكر هذه المصروفات في متنها , وفي هذا إخراج لهذا الامتياز من الامتيازات العامة المعفاة من التسجيل , مما يؤدي إلى اعتبار الامتياز الضامن للمبالغ المنفقة على حفظ عقار المدين امتيازاً خاصاً واجب التسجيل .
وعاء الامتياز :
كان رأي المشرع السوري من امتياز المصروفات القضائية في ظل القرار رقم 3339 لعام 1930 أنه من الامتيازات الخاصة العقارية .
بينما في القانون المدني فيعد الامتياز من الامتيازات العامة , وفقاً لما جاء في نص المادة 1113 من القانون المدني .
وبحسب المادة 1113 من القانون المدني , فإن امتياز المصروفات القضائية التي أنفقت في سبيل بيع العقار وتوزيع ثمنه يرد على جميع أموال المدين , سواء أكانت عقارية أو منقولة , فالامتياز كما هو واضح من نص هذه المادة هو امتياز عام .
لكن يلاحظ أن المشرع السوري اقتصر على النفقات القضائية الناشئة عن بيع العقار وتوزيع ثمنه وخصها بامتياز عام , في حين أنه لم يقرر ذات الامتياز للنفقات القضائية التي تنشأ عن بيع المنقول و توزيع ثمنه .
وهذا التمييز بين النوعين من المصروفات غير مفهوم ومنتقد , بحيث أن المبرر والهدف من منح الامتياز يتوفران في المصروفات القضائية الناشئة عن بيع المنقول وفي تلك المصروفات الناشئة عن بيع العقار على حد سواء .
خلاف فقهي :
هناك خلاف فقهي حول تحديد الوعاء الذي يمكن أن يثقله امتياز المصروفات القضائية :
ـ الرأي الأول :
فالبعض يعتبر أن امتياز المصروفات القضائية يقع على ثمن الأموال المبيعة بشكل دائم .
وأصحاب هذا الرأي تارة يعتبرون الامتياز خاصاً على منقول , وهو الثمن الذي بيع به العقار أو المنقول الذي اتخذ الإجراء بشأنه .
وتارة يعتبرون الامتياز عاماً على كافة أموال المدين إذا اتخذ الإجراء بشأن كافة هذه الأموال .
ـ الرأي الثاني :
والبعض الآخر يعتبر أن امتياز المصروفات القضائية لا يقع سوى على مال المدين الذي اتخذت الإجراءات في مواجهته .
وبحسب هؤلاء , فالامتياز تارة يرد على مال معين فيكون امتيازاً خاصاً , وتارة يرد على كل أموال المدين فيكون امتيازاً عاماً . وأصحاب هذا الرأي يعتبرون أن الامتياز يقع على مال أو أموال المدين وليس على أثمان هذه الأموال .
شروط الامتياز :
كي تتمتع المصروفات القضائية بحق الامتياز الذي قرره لها المشرع , لابد من أن تتوافر فيها عدة شروط :
1- يجب أن تكون المصروفات قضائية :
يجب أن تكون المصروفات القضائية قد أنفقت في سبيل إجراءات يفرضها القانون , سواء من أجل حفظ أموال المدين أو بيعها أو توزيع ثمنها .
ولذلك يمكن الحديث في هذا الصدد عن المصروفات القضائية التي أنفقت في إجراءات الحجز ووضع الأختام على أموال المدين , ومصروفات الخبرة والخبراء , وتلك التي أنفقت من أجل تصفية الأموال الشائعة تصفية قضائية .
في حين لا يثبت امتياز المصروفات القضائية للمصروفات التي يتم إنفاقها خارج نطاق الإجراءات القضائية , كما في المصروفات التي أنفقها الشركاء لتصفية الأموال الشائعة بينهم بشكل رضائي .
2- يجب أن تكون المصروفات قد أنفقت لمصلحة جميع الدائنين :
يجب أن تكون المصروفات القضائية قد أنفقت لمصلحة جميع الدائنين , وليس لمصلحة من أنفقها وحده , لأن استفادة جميع الدائنين من المصروفات هو الذي يبرر وجود الامتياز لمن أنفقها .
بينما لو أنفقت هذه المصروفات لمصلحة من أنفقها وحده , فقد استفاد وحده منها , ولا يجوز أن يتقدم على بقية الدائنين الذين لم يستفيدوا منها .
وعليه فإن :
نفقات الدعوى التي يرفعها الدائن لإثبات حقه تجاه المدين ويحكم له بها لا يستفيد منها سواه , وبالتالي فلا تتمتع هذه النفقات بأي امتياز .
بينما نفقات الدعوى غير المباشرة أو نفقات الدعوى البوليصية فيثبت لها امتياز المصروفات القضائية , لأن الحكم الصادر فيها يستفيد منه جميع الدائنين , وذلك من خلال استعادة المال الذي تصرف فيه المدين , أو إبطال تصرفه بشكل عام وعودة المال إلى ذمته المالية وشموله بحق الضمان العام لصالح مجموع دائنيه .
ـ حكم المصروفات القضائية التي قد يستفيد منها قسم من الدائنين فقط :
هناك بعض المصروفات القضائية التي قد يسـتفيد منها قسم من الدائنين , وليس جميع الدائنين , وفي هذه الحالة تكون هذه المصروفات ممتازة بالنسبة للمستفيدين منها دون غيرهم , كما هي عليه الحال بالنسبة للمصروفات التي يتم إنفاقها في دعوى شهر الإفلاس , فتكون ممتازة بالنسبة للدائنين العاديين , وليس بالنسبة للدائنين المرتهنين الذين لا يفيدون من إنفاقها .
لكن لا يشترط لثبوت امتياز المصروفات القضائية أن تكون الإجراءات التي أنفقت هذه المصروفات في سبيلها قد اتخذت بناءً على طلب أحد الدائنين , وإنما يمكن أن تكون قد اتخذت بناءً على طلب أحد شركاء المدين , ما دام أنها عادت بالفائدة على جميع الدائنين .
وعلى العموم , فإن تقدير ما إذا كانت المصروفات قضائية أم لا , وتقدير ما إذا كانت قد عادت بالفائدة على مجموع الدائنين أو على قسم منهم أو أحدهم , يعد من المسائل الواقعية والموضوعية التي يعود الفصل فيها لقاضي الموضوع , ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض .
ـ امتياز أتعاب المحامي :
لامتياز أتعاب المحامي أحكامه الخاصة .
فالمحامي يستفيد من امتياز خاص به يقع على الأموال التي تعود لموكله , سواء أكانت هذه الأموال منقولة أو عقارية .
وتكون رتبة امتياز المحامي هي ذات الرتبة الممنوحة لامتياز المصروفات القضائية , وإن كان امتياز المحامي ليس هو ذاته امتياز المصروفات القضائية .
والامتياز المقصود في هذه الحالة هو ذلك الامتياز المقرر للمحامي الوكيل عن المدين في حالة تزاحم دينه مع بقية دائني موكله , فيتقدم على هؤلاء بامتيازه على أموال الموكل المدين التي آلت إليه نتيجة عمل المحامي .
بينما لو كان المحامي وكيلاً لأحد دائني المدين , وأدى بعمله إلى إفادة مجموع الدائنين , كما في حالة دعوى عدم نفاذ التصرفات أو الدعوى غير المباشرة , فإن أتعابه في هذه الحالة تعد من مصروفات الدعوى أو المصروفات القضائية , ويثبت لهذه الأتعاب امتياز المصروفات القضائية .
– رتبة الامتياز :
لتحديد رتبة امتياز المصروفات القضائية يجب التمييز بين وعاء الامتياز عندما يكون عقاراً ووعاؤه عندما يكون منقولاً .
1- وعاء الامتياز عقار :
إذا كان وعاء امتياز المصروفات القضائية عقاراً , وبالتالي معفى من التسجيل وفقاً للمادة 1113 من القانون المدني , يتقدم الامتياز على كافة الامتيازات الأخرى , بما فيها ديون الخزانة العامة , ويتقدم الامتياز أيضاً على الرهون الحيازية والتأمينات العقارية المسجلة على العقار محل الامتياز .وبهذا قضت محكمة النقض .
2- وعاء الامتياز منقول :
إذا كان وعاء امتياز المصروفات القضائية منقولاً , فإن رتبته تكون الأولى .
لكن عندما تكون المصروفات القضائية قد أنفقت في سبيل حفظ أموال المدين وفي بيعها وفي إجراء توزيع ثمنها , فإن الأولوية تكون مختلفة في هذه الحالات :
فالأولوية تكون للمصروفات التي تم إنفاقها من أجل حفظ أموال المدين وبيعها , قبل تلك التي تم إنفاقها على توزيع أثمانها .
بحيث يتساوى الدائنون بنفقات الحفظ والبيع فيما بينهم , في حين يتساوى الدائنون بنفقات التوزيع فيما بينهم .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً