مقال عن جولة في قانون الانتخابات العراقي
أتسم العراق هذه الأيام في كلّ إرجائه بظروف خاصّة وغير اعتيادية جرّاء اقتراب موعد الانتخابات في آخر يوم من هذا الشهر. وكلّما اقتربنا إلى ذلك الموعد كلّما كثرت التساؤلات والاحتمالات والتوقّعات حول هذه الانتخابات وما تصحبه من أحداث ووقائع وما تفرزه صناديقها من نتائج.
إذ يلاحظ أنّ الاهتمام البالغ الّذي يبذله غالبية المجتمع بالجوانب السياسيّة المحيطة بهذه الانتخابات هو ما ساهم في جعل المباحث القانونية المرتبطة بهذا الموضوع والّتي تتّسم بموضوعيّة و رزانة ورصانة أكثر ممّا يوجد في المباحث السياسيّة. وذلك لأنّ هذه الانتخابات تجري في ظروف تختلف في مواضع عديدة عن مثيلاتها الّتي أجريت في السنوات الماضية ومن أهمّها هي المواضع القانونيّة والجانب القانوني لهذه الانتخابات هو من أهم ّ الجوانب الّذي يجب الالتفات إليه ودراسته عن كثب وبشكل جدّي وموضوعي وذلك يعود لعدّة أسباب أهمّها:
أولاً: القانون هو الأساس والمعيار الّذي يوضع على أساسه بناء كلّ مشروع من الانتخابات أم من غيرها ويقيّم على أساسه مسار هذا المشروع ومدى انحراف من عدمه عن جادّة الصواب والصلاح.
ثانياً: أنّ الاقتراع هو عبارة عن آليّة يمارس فيها الناخب حرّيته في الاختيار وهي من أبرز سبل ممارسة العمليّة الديمقراطيّة ومشاركة المجتمع في تحديد مصيره فالقانون يلعب بشكل رئيسي في رسم خارطة هذه الممارسة الديمقراطيّة وتعيين مدى حريّة الناخب في ممارسته بحق الانتخاب.
ثالثاً: أنّ بعض الإجراءات القانونيّة الّتي يعتمد عليها في الانتخابات المقبلة تختلف عمّا اتخذت في الانتخابات السابقة من عدّة جوانب لاسيّما بالنسبة إلى موضوع تحديد نطاق دائرة حريّة الناخب الّتي تمّ الإشارة إليها في النقطة السابقة.
صحيح أنّ قانون الانتخابات في العراق كان ولازال يعتمد على نظام التمثيل النسبي وهو يعني إعطاء كلّ حزب أو تجمّع يمثّل رأيا أو اتجاها معيّنا عددا من المقاعد بحيث تتناسب مع قوّته العددّية خلافا لنظام الأغلبية الّذي يؤخذ به في بعض البلدان كبريطانيا وتونس والّذي يعتمد على أغلبيّة الأصوات فحسب ولو انفرد بها كيان أو حزب واحد فقط. ولكن الاختلاف الّذي حصل في قانون انتخابات مجالس المحافظات الجديد الرقم 36 الصادر في تشرين الأول عام 2008 هو في آليّة تطبيق هذا النظام حيث أنّ القوانين الّتي طبّقت على الانتخابات الّتي أجريت في السنوات الماضية كانتخاب الجمعيّة الوطنيّة ومجالس المحافظات عام 2004 وانتخاب مجلس النوّاب عام 2005 كانت تأخذ بآليّة القوائم المغلقة ولكن القانون الجديد وحسب التمحيص والتدقيق في نصوصه نهج طريقة ((التصويت التفضيلي )) وهذا ممّا يحتاج إلى شيء من التوضيح والبيان.
إنّ آليّة القوائم المغلقة كانت ممّا تكبّل يدا الناخب وتجعله مقيّدا بانتخاب قائمة ما فحسب من دون أن يكون له دور مباشر في انتخاب أعضائها فكان صوته يذهب إلى القائمة خاصّة ومن ثم يحتسب هذا الصوت لأعضائها حسب تسلسلهم الذي رتبتهم القائمة فيه. والنتيجة تكون أن يفوز بعض المرشحين مما قد لا يعرفهم الناخب أو لم ينتخبهم لعدم قناعته بهم.
وهذا يعني إن الحزب والكيان السياسي كان يتمتع بدور اكبر من الناخب نفسه في إيصال من يريد من مرشحيه إلى مقاعد مجلس النواب أو المحافظات وهذه هي من أهم الثغرات والمؤاخذات التي تؤخذ على نظام القوائم المغلقة. وتداركا لهذه الإشكاليات. يلاحظ إن الأنظمة السياسية طرحت آليتين بديلتين, احدهما ما يسمى بطريقة القوائم المفتوحة وهو النظام الذي يسمح للناخب بان ينتخب عدد من المرشحين ولو من عدة قوائم مختلفة على أن لا يتجاوز العدد المقرر لتمثيل منطقته الانتخابية. وبعبارة أخرى للناخب أن يشكل قائمة جديدة لنفسه وان يجعل فيها ما يشاء من المرشحين من هذه القائمة وتلك القائمة وهكذا. والآلية الثانية هي ما تسمى بطريقة (التصويت التفضيلي) وهي تعد حلقة وسطى بين آلية القوائم المغلقة وآليّة القوائم المفتوحة.
وتعني هذه الطريقة (التصويت التفضيلي) إن الناخب له أن ينتخب ضمن القائمة الواحدة فحسب عدة مرشحين أو واحد منهم، فهذه الآليّة تأخذ بأوسط الأمور فلا تضيّق الخناق على الناخب كما في القوائم المغلقة حيث تحتّم عليه أن يتقيّد بانتخاب رقم وعنوان القائمة فحسب ولا تمنح له الحريّة التامّة كما في آلية القوائم المفتوحة في اختيار من يشاء من هذا الكيان وذاك الكيان ولا يخفى أنّ طريقة القوائم المفتوحة هي أفضل وأسمى وسيلة للممارسة الديمقراطيّة وإيصال صوت ورأي المواطن حيث تزيل كلّ العقبات الّتي تضعها الكيانات السياسيّة أمامه وتمنح له نطاقاً واسعا من الحريّة لاختيار من يريدهم من المرشّحين.
فكان يؤمل من واضعي قانون الانتخابات الجديد في العراق وهو في طريقه نحو تجسيد قيم الديمقراطيّة شيئا فشيئا وقد قطع منها شوطا كبيرا أن يأخذوا في المرحلة الراهنة بهذه ألآليّة ولكن لأسباب عديدة لم يتم تطبيق نظام القوائم المفتوحة بل تمّ إتّباع نظام (التصويت التفضيلي) وهو بحدّ ذاته يعدّ خطوة إيجابيّة إلى ألأمام ومبادرة جيّدة تستحق الثناء والتمجيد حيث يعدّ هذا النظام أفضل من نظام القوائم المغلقة المعمول به سابقا فلقد ورد في البند الثالث من المادة 12 من قانون انتخابات مجالس المحافظات رقم 36 الصادر في التشرين ألأوّل عام 2008مايلي:
(يسمح للناخب بالتصويت للقائمة ألمفتوحة أو لأحد المرشّحين من القوائم المفتوحة المطروحة ضمن دائرته الانتخابية) ولكن مع ذلك يمكن أن يورد إشكال مهمّ على المشرّع حيث أنّه أعطى للناخب الحقّ في انتخاب مرشّح واحد ضمن القائمة الواحدة فحسب وكان بإمكانه وفقا لآليّة التصويت التفضيلي نفسها الّتي تسمح للناخب بانتخاب عدّة مرشّحين من القائمة الواحدة أن يمنح هذا الحقّ للمواطن شريطة أن لا يتجاوز الأشخاص الذين ينتخبهم العدد المقرّر لمنطقته الانتخابية إذ أنّ تحديد حقّ الناخب بشخص واحد فحسب هو أيضا ممّا يكبّل يداه ويحرمه من انتخاب عدّة أشخاص (وإن كانوا من نفس القائمة ) يرى فيهم الكفاءة والنزاهة والجدارة بالمسئوليّة .
هنا ينبغي التنويه على مسألة مهمّة جدّا وهي أنّه عند قراءة نصوص قانون الانتخابات الجديد وملاحظة عبارة (القوائم المفتوحة ) الواردة فيه قد يتوهّم أنّ القانون أخذ بآليّة القوائم المفتوحة ولكن الصحيح كما تبيّن أنّه أخذ بطريقة (التصويت التفضيلي ) ليس إلّا.فعند ملاحظة نصّ البند الثالث من المادّة 12 من هذا القانون والّتي مرّ الإشارة عليها نجد أنّ المشرّع حدّد حقّ المواطن بانتخاب شخص واحد فحسب ضمن إحدى القوائم .(يسمح للناخب بالتصويت للقائمة المفتوحة أو لأحد المرشّحين من القوائم المفتوحة المطروحة ضمن دائرته الانتخابية) أي أنّ المشرّع لا يسمح بانتخاب مرشّح إلّا بعد التأشير على رقم قائمته ولهذا تعدّ الورقة الانتخابية الّتي أنتخب فيها على رقم أحد المرشّحين من دون أن يؤشّر فيها أيضا على رقم إحدى القوائم تعدّ هذه الورقة باطلة وهذا ليس إلا طريقة (التصويت ألتفضيلي) آنفة الذكر.
هنا قد يطرح هذا السؤال, إذن ما المقصود من عبارة (القوائم المفتوحة) الواردة في نصّ المادّة 12؟
والجواب على ذلك أنّ هذه العبارة هي من الكلمات المشتركة الّتي تحمل أكثر من معنى والمقصود منها في هذا القانون هي تلك القوائم الّتي تحتوي على عدّة مرشّحين وتكون في مقابل القوائم المنفردة الّتي تتكوّن من مرشّح واحد فحسب وليست بالمعنى الّتي مرشحها (والّتي تكون في مقابل القوائم المغلقة) وبعبارة أخرى أنّ هذه الكلمة تشير إلى آليّة تكوين القوائم لا إلى ذلك النظام الّذي يسمح للناخب بانتخاب ما يشاء من المرشّحين من عدّة قوائم وإلّا لما كانت المادّة 12 من القانون نفسه تحدّد حقّ المواطن بانتخاب مرشّح واحد ضمن قائمة واحدة فحسب !!!هذا من جهة ومن جهة أخرى يلاحظ أنّه وردفي المادّة الأولى من القانون نفسه ما يدفع هذا التوهّم حيث جاء فيها :
– القائمة المفتوحة: وهي القائمة الّتي تحوي على أسماء المرشّحين المعلنة على أن لا تتجاوز عدد المقاعد المخصّصة للدائرة.
– القائمة المنفردة: وهي القائمة الّتي يحقّ لفرد واحد أن يرشّح بها للانتخابات على أن يكون مسجّلا لدى المفوّضيّة).
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً