مقال عن حق وامتياز المؤجر في استيفاء الإيجار من المستأجر
أولاً: حبس المنقولات في العين
تنص المادة 556 ق.م على ما يلي :
« 1 ـ يكون للمؤجر ، ضماناً لكل حق يثبت له بمقتضى عقد الإيجار ، أن يحبــس جميع المنقولات القابلة للحجز الموجودة في العين المؤجرة ، باعتبارها مثقلة بامتياز المؤجر ، ولو لم تكن مملوكة للمستأجر .
وللمؤجر الحق في أن يمانع في نقلها ، فإذا نقلت رغم معارضته ، أو دون علمه ، كان له الحق في استردادها من الحائز لها ، و لو كان حسن النية ، مع عدم الإخلال بما يكون لهذا الحائز من حقوق .
2 ـو ليس للمؤجر أن يستعمل حقه في الحبس أو في الاسترداد إذا كان نقل هذه الأشياء أمراً اقتضته حرفة المستأجر أو المألوف من شؤون الحياة ، أو كانت المنقولات التي تركت في العين المؤجرة أو التي تم استردادها تفي بضمان الأجرة وفاءً تاماً» .
ـ ملاحظة : هذه المادة تنص على حق المؤجر في حبس جميع المنقولات القابلة للحجز الموجودة في العين المؤجرة ، ضماناً لكل حق يثبت له بمقتضى عقد الإيجار .
و إنه يتبين من الأعمال التحضيرية لهذه المادة ، أن هذا الحق في الحبس يخضع في تحديد مداه لأحكام المادة 1122 من القانون المدني التي تقضي بأن أجرة المباني والأراضي الزراعية لها امتياز على ما يكون في العين المؤجرة لمدة سنتين ، أو لمدة الإيجار إن قلّت عن ذلك .
فالمادة 1122 جاءت معتبرة المادة 556 قاصرة على حق الامتياز لدين الأجرة بالنسبة للمباني و الأراضي الزراعية على السواء ، و لمدة سنتين ، أو لمدة الإيجار إن قلت عـن سـنتين ، أخذاً بالقاعدة الأصولية القائلة بأن المطلق يجري على إطلاقه ، ما لم يوجد ما يقيده .
إذاً : إطلاق المادة 556 /1قُيِّد بالمادة 1122 /1 .
ـ التقاء الحق في الحبس مع حق الامتياز :
يلتقي حق المؤجر في الحبس مع حق الامتياز المقرر له من حيث نطاق الحق ، و من حيث وعاؤه :
أ ـ فمن حيث نطاق الحق :
يلاحظ أن الحق الممتاز هو نفس الحق المضمون بالحبس ، فأجرة المباني والأراضي الزراعية وفوائدها والمصروفات , وكل ما يستحق للمؤجر بمقتضى عقد الإيجار , مضمون بالامتياز و الحبس معاً .
ب ـ ومن حيث وعاء الحق :
يلاحظ أنه نفسه في الامتياز وفي الحبس ، فالمنقولات المثقلة بامتياز المؤجر هي نفسها المنقولات التي يجوز للمؤجر حبسها .
ـ استثناءان لا يمارس فيهما حق الحبس :
القاعدة هي أن للمؤجر أن يحبس جميع المنقولات و المحصولات الموجودة في العين ، و المثقلة بالامتياز .
بيد أنه يرد على هذه القاعدة استثناءان مهمان نصت عليهما الفقرة الثانية من المادة 556 ، و هذان الاستثناءان هما :
1 ـ ليـس للمؤجر حبس بعض المنقولات إذا بقي في العين المؤجرة منقولات أخرى تكفي لضمان الوفاء بحقوق المؤجر وفاء تاماً .
2 ـ ليس للمؤجر أن يباشر حقه في الحبس على المنقولات التي تستلزم حرفة المستأجر نقلها من العين ، كما هو الحال بالنسبة للبضائع الموجودة في المتجر .
و كذا ليس له أن يحبس المنقولات التي تقتضي شؤون الحياة المألوفة نقلها من العين المؤجرة ، كما هي الحال بالنسبة للسيارة التي يضطر المستأجر إلى إخراجها حين استعمالها .
و لقد ذهب القضاء الفرنسي إلى أنه ليس للمؤجر أن يحبس المنقولات إذا قدم المستأجر تأمنياً كافياً .
ونشير إلى أن تخويل المؤجر حق الحبس لا يعني السماح له باستعمال القوة لمنع المستأجر من نقل المنقولات أو استردادها إذا نقلت ، لأنه ليس للشخص أن يقرر العدل لنفسه بنفسه ، بل يتعين عليه أن يلجأ إلى الحجز الاحتياطي .
وإذا استعمل القوة لمنع المستأجر من نقل المنقولات أو استردادها إذا نقلت ، كان مسؤولاً عن تعويض الضرر المعنوي والضرر المادي اللذين يلحقان بالمستأجر .
ثانياً : الـحـجز الاحـتياطي
لم يكتفِ المشـرع بمنح المؤجر حق امتياز على منقولات المسـتأجر ، و حقاً في حبـس هذه المنقولات ، بل عزز هذين الحقين بحق ثالث يخوله توقيع الحجز الاحتياطي على هذه المنقولات .
ويعد الحجز الاحتياطي إجراء قانوني يستطيع المؤجر بمقتضاه أن يجعل حقه في الحبس منتجاً ، إذ هو الذي يمكنه من منع المستأجر من إخراج منقولاته من العين المؤجرة ، و هو الذي يمكنه من استردادها إذا أخرجت .
إذاً : يعد الحجز الاحتياطي إجراء قانونياً يستطيع المؤجر بمقتضاه أن يجعل حقه في الحبس منتجاً ، إذ :
هو الذي يمكن المؤجر من منع المستأجر من إخراج منقولاته من العين المؤجرة .
وهو الذي يمكنه من استرداد هذه المنقولات إذا أخرجت .
و يستفاد مما تقدم أن الحجز الاحتياطي نوعان :
أ- نوع يمارس قبل خروج المنقولات من العين ، و يدعى حجز الرهن .
ب- و نوع يمارس بعد خروج المنقولات من العين ، و في ظرف ثلاثين يوماً من نقلها ، و يدعى بالحجز الاستحقاقي أو الحجز الاستردادي .
و بفضل الحجز الاحتياطي ( حجز الرهن ) يغدو امتياز المؤجر منتجاً ، إذ لولاه لأمكن للمستأجر أن يتصرف بالمنقولات ( أي بوعاء الامتياز ) إلى الغير فيتملكها ، و يفقد المؤجر بالتالي حق امتيازه ، أما بعد الحجز فلا يجوز للمتصرف إليه أن يحتج بحقه على المؤجر .
و لا يشترط لتوقيع الحجز الاحتياطي أن يكون بيد المؤجر سند تنفيذي ، و في هذا تتبدى أيضاً فائدته ، إذ حسب المؤجر ( أي يكفي المؤجر ) أن يقدم عقد الإيجار إلى قاضي الأمور المستعجلة ليحصل منه على قرار الحجز .
فإذا وقع الحجز عُيِّن حارس قضائي على المنقولات ، و امتنع بذلك أن تنتقل إلى يد الغير .
ولو لم يخول المشرع المؤجر توقيع الحجز الاحتياطي ، لاستحال عليه الحجز حتى يحصل على سند تنفيذي ، و قد يستلزم الحصول عليه وقتاً طويلاً ، الأمر الذي يتيح للمستأجر فرصة تهريب منقولاته ، و بالتالي تهديد امتياز المؤجر بالضياع .
إن الحجز الاحتياطي ( حجز الرهن ) يرد إذاً بالنسبة للأجور الحالة إذا كانت لمدة سنتين فما دون .
أما بالنسبة للأجور التي لم تستحق بعد ، فإنه لا يجوز إيقاع الحجز الاحتياطي بشأنها ، حتى ولو أعسر المستأجر ، لأن المشرع ذهب بالنسبة لإعسار المستأجر إلى أنه :« لا يترتب على إعسار المستأجر أن تحل أجرة لم تستحق» . ( م 570 /1 مدني ) .
و ذلك خلافاً للمبدأ العام في الإعسار القائل بحلول الديون المؤجلة في ذمة المدين الذي أشهر إعساره .
غير أن المشرع أجاز للمؤجر المطالبة بفسخ عقد الإيجار إذا لم تقدم له في ميعاد مناسب تأمينات تكفل الوفاء بالأجرة التي لم تحل ( م 570 / 2 مدني ) .
ثالثاً : الـحجز الاستحقاقي أو الاستردادي
يقصد بالحجز الاستحقاقي ، الحجز الذي يوقعه مالك المنقول أو العقار ، أو صاحب الحق العيني عليه ، أو صاحب حق الحبس فيه ، في يد حائزه , تمهيداً لتسلمه منه .
فقد أجاز المشرع لكل من يدعي حقاً عينياً على عقار أو منقول أن يحجز المال ، و لو كان في يد الغير.
و كما قلنا ، يجوز للمؤجر توقيع الحجز الاستحقاقي على المنقولات المثقلة بالامتياز بعد خروجها من العين المؤجرة .
ويدعى هذا الحجز حجزاً استحقاقياً , مع أن المؤجر لا يدعي استحقاق المنقولات التي يوقع الحجز عليها ، و ذلك باعتبار أن المؤجر إنما يطالب بإقرار امتيازه على تلك المنقولات .
وقد أخذ المشرع الفرنسي بهذه التسمية صراحةً في قانون المرافعات . كما أخذ بها المشرع السوري في القانون المدني ( م 1122 / 5 ) .
بيد أن المادة 313 من قانون أصول المحاكمات السوري قد تحاشت هذه التسمية ، و يبدو من مقارنة فقرتيها أنها تعد الحجز الاستحقاقي نوعاً من الحجز الاحتياطي .
إذاً : يدخل هذا الحجز في مفهوم الحجز الاحتياطي ، لأنه يرمي إلى وضع المال تحت يد القضاء و منع صاحبه من التصرف به بما يضر مصلحة الحاجز ، غير أنه يختلف عنه في أنه لا يهدف إلى بيع المال لأجل وفاء دين الحاجز ، بل إلى إعادته إلى صاحب الحق فيه ( باستثناء حالة صاحب حق الحبس ، إذ في هذه الحالة يصار إلى بيع المال لاقتضاء حقه من قيمته ) .
و لقد سبق أن رأينا أن الامتياز ينقضي إذا أخرجت المنقولات و المحصولات من العين المؤجرة ( المأجور ) برضاء المؤجر ، أو بعلمه و دون اعتراض منه …
و كذا ينقضي في حق المنقولات التي تنقل من العين دون علم المؤجر ، أو بالرغم من اعتراضه ، إذا بقيت في العين المؤجرة منقولات أخرى تكفي لضمان الوفاء بحقوق المؤجر وفاءً تاماً .
أما المنقولات التي تنقل من العين في غير هاتين الحالتين ، فيظل الامتياز عليها قائماً ، ما دامت قد نقلت دون رضاء المؤجر ، أو بالرغم من معارضته .
و يترتب على ذلك أن يكون للمؤجر تتبع هذه المنقولات في أي مكان وجدت ( كما لو أودع المستأجر بضائعه أو محصولاته في مخزن يملكه ) ، و في أي يد وجدت ( كما لو كانت يد مستأجر ، أو مستعير ، أو مودع لديه ، أو مشترٍ ) ….
ولا يحد من سلطانه هذا إلا قاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز ، كما لو بيعت المنقولات إلى حائز حسن النية ، أي يجهل تحملها بالامتياز ، ففي هذه الحال يكون له أن يتمسك بعدم سريان الامتياز في مواجهته , ما لم تكن هذه المنقولات مسروقة أو ضائعة ، إذ يجوز للمؤجر في هذه الحال أن يستردها أصالة أو نيابة عن المستأجر .
تلك هي القاعدة العامة ، ولقد نصت عليها الفقرة الخامسة من المادة 1122 حين قضت بأنه :
« إذا نقلت الأموال المثقلة بالامتياز من العين المؤجرة على الرغم من معارضة المؤجر ، أو على غير علم منه ، و لم يبقَ في العين أموال كافية لضمان الحقوق الممتازة ، بقي الامتياز قائماً على الأموال التي نقلت ، دون أن يضر ذلك بالحق الذي كسبه الغير حسن النية على هذه الأموال» .
ولكن المشرع خرج على تلك القاعدة ، و خول المستأجر حق التمسك بامتيازه ، حتى في مواجهة الحائز حسن النية ، حين قرر في الشق الثاني من الفقرة السابقة أنه :
« يبقى الامتياز قائماً ، ولـو أضر بحق الغير ، لمدة ثلاث سنوات من يوم نقلها ، إذا أوقع المؤجر حجزاً استحقاقياً في الميعاد القانوني» .
ولكن : إلى متى يستطيع المؤجر ممارسة حق الامتياز عليها ؟ …
وبعبارة أخرى : ما هو مدى ذاك الميعاد القانوني الذي أشارت إليه المادة 1122 / 5 ق.م ؟ و ما هو وقت بدئه ؟
تكفلت بالإجابة عن ذلك المادة 249 ق.م ، و المادة 313 من قانون أصول المحاكمات :
فقد نصت المادة 249 ق.م على ما يلي :
« 1 ـ الحق في الحبس ينقضي بخروج الشيء من يد حائزه أو محرزه .
2 ـ و مع ذلك يجوز لحابس الشيء ، إذا خرج من يده خفية أو بالرغم من معارضته ، أن يطلب استرداده ، إذا هو قام بهذا الطلب خلال ثلاثين يوماً من الوقت الذي علم فيه بخروج الشيء من يده ، و قبل انقضاء سنة من خروجه » .
و نصت المادة 313 من قانون أصول المحاكمات في فقرتها الثانية على أنه :
« يجوز له ( أي للمؤجر ) أن يوقع هذا الحجز إذا كانت المنقولات و الثمرات و المحصولات المنصوص عليها في الفقرة السابقة ، قد نقلت بدون رضائه من العين المؤجرة ، ما لم يكن قد مضى على نقلها ثلاثون يوماً» .
و يلاحظ أن هذين النصين متعارضان من حيث بدء الميعاد المقرر لتوقيع الحجز الاستحقاقي :
إذ بينما يسري هذا الميعاد في القانون المدني من الوقت الذي علم فيه المؤجر بخروج المنقولات من العين المؤجرة ،
يسري في قانون أصول المحاكمات من اليوم الذي أخرجت فيه المنقولات من العين المؤجرة .
و يرى الفقهاء أنه يجب في هذه الحالة تطبيق المادة 313 من قانون أصول المحاكمات ، لأنها نص خاص ، أما المادة 249 ق.م فهي نص عام يسري على كل حائز يطلب استرداد الشيء الذي خرج من يده ، و الخاص يقيد العام .
هذا بالإضافة إلى أن نص قانون أصول المحاكمات قد صدر بعد القانون المدني ، و التشريع اللاحق ينسخ التشريع السابق .
و واضحٌ أن الاستثناء السابق ينطوي على إهدار حقوق الحائز حسن النية ، و هو يستند على أن نقل المنقولات أو المحصولات من العين بغير رضاء المؤجر يعد ضرباً من السرقة ، هو سرقة الضمان .
فالعبرة فيه ليست بحسن نية الحائز أو عدمها ، بل بخروج المنقولات من العين دون رضاء المؤجر صراحة أو ضمناً . و تطبق في هذه الحالة قواعد المنقولات المسروقة أو الضائعة .
فكما أن من سُرق منه منقول ، أو ضاع منه ، يكون له حق استرداده ممن يكون حائزاً له ، خلال ثلاث سنوات من تاريخ الضياع أو السرقة ، ولو كان الحائز حسن النية …
فكذلك المؤجر الذي سرق ضمانه ـ بإخراج الأموال المثقلة بالامتياز من العين المؤجرة بدون رضائه ـ له أن يباشر امتيازه على تلك الأموال خلال ثلاث سنوات من تاريخ نقلها ، إذا أوقع حجزاً استحقاقياً خلال ثلاثين يوماً من تاريخ نقلها .
وإذا بيعت هذه الأموال إلى مشترٍ حسن النية في سوق عام ، أو في مزاد علني ، أو ممن يتجر في مثلها ، وجب على المؤجر أن يرد الثمن إلى هذا المشتري ( م 1122 / 5 الشق الأخير ) .
إذاً : مدى الميعاد القانوني الذي أشارت إليه المادة 1122 / 5 هو ثلاثون يوماً . و يبدأ هذا الميعاد من تاريخ نقل ( إخراج ) المنقولات من المأجور .
إذاً : يبقى امتياز المؤجر قائماً ، ولو أضر بحق الغير ، لمدة ثلاث سنوات من تاريخ ( يوم ) نقل الأموال المثقلة بالامتياز من العين المؤجرة بدون رضا المؤجر ، إذا أوقع المؤجر عليها حجزاً استحقاقياً خلال ثلاثين يوماً من تاريخ ( يوم ) نقلها .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً