مقال عن فيروس كرونا وأثره على تنفيذ التعاقدات بالمغرب
يعيش العالم منذ فترة أحداثا أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها عصيبة، أدت إلى وفاة مئات الأشخاص وإصابة الآلاف، بحيث لم يستطع لحد الساعة أي كان إيقاف انتشار هذا الوباء، الذي تسبب فيه فيروس يسمى كورونا الجديد( covid-19) ظهر ـ بحسب ما يقال ـ في مدينة ووهان الصينية بمنطقة تسمى هوبي. وقد أدى هذا الفيروس إلى إصابة ما يزيد عن 100 ألف و647 حالة في العالم، من بينها ما يقارب 4 آلاف حالة وفاة حيث تصدرت الصين أعلى معدلات الوفاة في العالم نتيجة الإصابة بالمرض، بـحوالي 3000 حالة وفاة،
بإلقاء نظرة على هذه الأرقام المهولة التي تسبب فيها هذا الوباء ـ إن صح القول ـ ندرك مدى أثره على العديد من الدول في كافة أرجاء العالم ،أمر جعل منظمة الصحة العالمية تخرج بتصريح تعتبر فيه هذه المأساة ” حالة طوارئ صحية عالمية ذات نطاق واسع”، هذا التصريح وإن كان صحيحا في جانب منه، فإنه لا يصف مدى خطورة هذا المرض على الحياة بصفة عامة وليس على الصحة وحدها. إن آثار فيروس كورونا لا تقتصر على الجانب الصحي بل تتعداه إلى جوانب أخرى لها أهميتها أيضا في الحياة العامة للفرد والدولة على حد سواء، لها تأثير على الجانب الاجتماعي وأيضا الاقتصادي، أمر أكدته الإجراءات التي اتخذتها سلطات الدول التي تعرف إصابات بهذا الفيروس،حينما قررت وقف كل الأنشطة العامة والاقتصادية داخل البلد ، بل وحتى خارجه وفي هذا الصدد قامت العديد من الدول بإقفال وإغلاق مصانعها وشركاتها خاصة في الصين بؤرة الفيروس. ظرف من هذا القبيل قد يكون دفعا مناسبا للاعتداد به بالنسبة لهذه الشركات والمؤسسات كسبب و مبرر من أجل الإفلات من تحمل المسؤولية تجاه المتعاملين معها وكدا تجاه المستخدمين والأجراء لديها.
وكغيره من الدول،عرف المغرب بعض الإصابات والتي قد يتزايد عددها مع مرور الوقت، الأمر الذي دفع ببعض المسؤولين إلى إصدار العديد من المراسيم والقرارات الوزارية يقررون من خلالها إلغاء أو منع كافة أنواع التجمعات و التظاهرات كانت رياضية أو ثقافية أو علمية وحتى اقتصادية ( إلغاء الدورة 15 للمعرض الدولي للفلاحة الذي كان مرتقبا تنظيمه من 14 إلى 19 أبريل 2020، قرار منع السفر من وإلى باقي دول العالم والبداية كانت بالدول التي عرفت تفشي هذا المرض)، هذه القرارات ـ التي تؤكد مدى خطورة هذا الفيروس ـ ستؤثر لا محالة على العديد من القطاعات : الصناعي، والنقل بكافة أنواعه، السياحة، قطاع الخدمات، دون أن ننسى مجال المعاملات التجارية وخصوصا الدولية منها .
وعليه نطرح السؤال التالي: إلى أي حد يمكن اعتبار فيروس كورونا covid 19قوة قاهرة يبرر انتفاء مسؤولية المقاولات والشركات والمتعاقدين عموما لتبرير عدم تنفيذ التزاماتهم تجاه الغير؟. هل تتوفر فيه خصائص وشروط القوة القاهرة؟، أم أنه لا يعدو أن يكون ظرفا طارئا بحيث يكون سببا في تراخي تنفيذ العقد وليس سببا لتبرير فسخه؟. بتعبير آخر،ما مآل العقود المبرمة والمتوقفة التنفيذ تحت تأثير هذا الفيروس؟.
قبل الجواب ، وجبت الإشارة إلى ان إبرام العقود ـ عملا بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ـ يعطي أطراف هذا العقد الحق في الاتفاق على كيفية تنفيذه من خلال إدراج بنود تقضي أحيانا بعدم اعتبار القوة القاهرة سببا في انتفاء المسؤولية،أو بتحديد الصور والحالات التي يمكن أن تشكل حادث قوة قاهرة خصوصا في مجال المعاملات الدولية ؛ وعليه، فتوجهنا في هذه المقالة يتعلق بالحالات التي لا يتم فيها الاتفاق أو إدراج بند يرجع إليه المتعاقدون في الحالات التي يصعب أو يستحيل فيها تنفيذ العقد، بحيث لا مجال لفض النزاع متى حصل إلا بالرجوع للنص القانوني إن وجد.
هكذا، وجوابا على الأسئلة أعلاه ـ والتي تسير في اتجاه تحليل الإشكال القانوني الذي يعرفه تنفيذ العقد غير المتضمن لبنذ يحدد مفهوم القوة القاهرة أو يعطي صورها ـ سنتوقف ،من خلال نقطتين، لأخذ فكرة عن موقف القانون المغربي من القوة القاهرة وكذا الظروف الطارئة وكيف تولى تنظيمهما، مع الإشارة إلى موقف اتفاقية فيينا المتعلقة بالبيع الدولي للبضائع لسنة 1980 في نقطة أولى، وفي نقطة ثانية نتوقف عند مدى توفر أو انعدام توفر صفة القوة القاهرة أو الظروف الطارئة بالنسبة لفيروس كورونا covid19 حتى يكون سببا مبررا لانتفاء المسؤولية عند عدم تنفيذ الالتزامات تجاه الغير والمتعاقدين.
أولا: القوة القاهرة والظروف الطارئة في القانون المغربي واتفاقية فيينا
1 ـ تعريف القوة القاهرة في القانون المغربي
تقضي القاعدة العامة بأن انتفاء المسؤولية كانت تعاقدية أو تقصيرية يكون بسبب أحد الأسباب المعفية منها، ومن بينها القوة القاهرة التي عرفها المشرع المغربي في الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود بقوله:
” القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية، (الفياضانات والجفاف ،والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو، وفعل السلطة ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.
ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.
وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين”.
فالقوة القاهرة حسب التعريف أعلاه حدث يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط ينتج عنه استحالة مطلقة في التنفيذ. وبالتالي فالشروط اللازم توفرها لكي تتحقق، تتمثل في ضرورة:
أــــ أن يكون الحادث مما لا يمكن توقعه بمعنى أن يكون حادثا ناذر الوقوع، مما يعني أن هذا الشرط لا يعني ضرورة أن نتواجد أمام حدث لم يقع من قبل أو لم يقع أبدا؛ فحالات القوة القاهرة عموما تكون أحداثا طبيعية.
ب ــ أن يكون مما لا يمكن رده، بمعنى عدم القدرة على دفع الحدث، فالأحداث والأفعال التي قد تحصل ولا يمكن مقاومتها تعني انعدام توفر الإمكانيات اللازمة لصدها . وهو شرط مهم بالنسبة للقوة القاهرة بحيث يجعل الحدث متميزا بعدم قدرة المدين أو المتعاقد على اتقائه أو تجاوزه ومواجهته وإن كان بإمكانه توقعه لأنه يترجم مدى قوة وتعالي هذا الحدث على قوة الإنسان عموما.
بتعبير آخر، فالحادث الذي يشكل قوة قاهرة يجب أن يجعل تنفيذ المدين لالتزامه مستحيلا استحالة مطلقة، ولا يمكن دفعه بأي وسيلة كيفما كانت. وهذا ما أكده القضاء الذي ذهب على اعتبار الحادث الذي يجعل تنفيذ الالتزام مرهقا لا يعتبر قوة قاهرة.
ت ـ. أن يكون الحادث عنصرا خارجيا، بمعنى أن لا يكون للفعل المتسبب في الأضرار علاقة بنشاط المدين أو المتعاقد ، بحيث لم يكن لإرادته دخل في حصوله ولا في الأضرار الناجمة عن حصوله.
إذا فالقوة القاهرة عبارة عن حدث ينتج عنه إخلال بوضعية معينة، والذي باستجماعه للشروط والعناصر السالفة الذكر يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا أو قد يؤدي إلى الإخلال بتنفيذه فيعفي بالتالي من المسؤولية.
ومع أن النص القانوني كان واضحا في تعريفه للقوة القاهرة من خلال إدراجه لبعض صورها وذلك على سبيل المثال ،باعتبارها سببا معفيا من المسؤولية ، فإنه يمكن لأطراف العقد الاتفاق على اعتبار أحداث أخرى صورة من صور القوة القاهرة أو الاتفاق على عدم اعتبارها كذلك وإن كان القانون قد أشار إليها.
2 ــ مفهوم الظروف الطارئة:
خلافا للقوة القاهرة التي عرفها القانون، لم يتول المشرع المغربي تنظيم ولا تعريف الظروف الطارئة، عكس العديد من التشريعات المقارنة التي خصتها بمقتضات قانونية صريحة. ومع ذلك يمكن اعتبار الظروف الطارئة محققة ،متى طرأت على العقد أثناء تنفيذه، حوادث استثنائية عامة وغير متوقعة،وكان من نتيجتها أن أصبح تنفيذ الالتزام مرهقا بالنسبة للمدين و يهدده بخسارة فادحة متى أجبر على تنفيذه حالا و بالكيفية التي تم الاتفاق عليها عند ابرام العقد .لذلك يجوز للقاضي التدخل من أجل موازنة العقد وتعديل الالتزام المرهق الى الحد المعقول بحيث يزيل الضرر الذي لحق بالمدين قدر الإمكان من أجل إعادة التوازن الاقتصادي للعقد.
فرفع الضرر عن أحد المتعاقدين والذي حصل بسبب تغير ظروف تنفيذ العقد التي أصبحت تختلف عن ظروف تكوينه، يكون ممكنا بالاعتماد على نظرية الظروف الطارئة والخروج عن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
ويمكن إجمال خصائص الظروف الطارئة فيما يلي:
– أنها ظروف استثنائية غيرعادية ينذر وقوعها كالحرب والزلازل و الأوبئة.
– أنها ظروف عامة لا تختص بمدين واحد دون غيره وذلك عكس القوة القاهرة التي قد تخص المدين وحده أو عدد معين من المدينين بالذات يعملون في نفس المجال أو نفس القطاع مثلا، بل يشمل الناس جميعا، فالحوادث الخاصة بالمدين كما لو تمت تصفية مقاولته أو عرف اضطرابات مالية أو حصل فيضان أو حريق قضى على تجارته أو محصوله فلا يعد ظرفا عاما.
– أنها ظروف غير متوقعة بحيث لا يستطيع الشخص توقع حدوثه وقت إبرام العقد.
– أنها ظروف لا يمكن دفعها، ويكون المدين عاجزا عن الوفاء بالتزاماته نحو الدائنين بسببها، فلو كان الحادث عارضا وأدى إلى توقف المدين عن تنفيذ التزامه مؤقتا فلا يعتبر ظرفا طارئا.
على مستوى المعاملات الدولية:
جاء في الفقرة الأولى من المادة 79 من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع أنه :
” لا يسأل أحد الطرفين عن عدم تنفيذ أي من التزاماته إذا أثبت أن عدم التنفيذ كان بسبب عائق يعود إلى ظروف خارجة عن إرادته وأنه لم يكن من المتوقع بصورة معقولة أن يأخذ العائق في الاعتبار وقت انعقاد العقد أو أن يكون بإمكانه تجنبه أو تجنب عواقبه أو التغلُّب عليه أو على عواقبه ”
مقتضيات الفقرة أعلاه تقر بإمكانية الإعفاء من تنفيذ الالتزامات متى كان السبب راجعا إلى حادث أو عائق غير متوقع وخارج عن إرادة المتعاقد المدين وهي نفسها صفات وخصائص القوة القاهرة المشار إليها في الفصل 269 من ق ل ع. وعليه يمكننا القول أنه وبموجب هذه المادة يمكن إعفاء الطرف المدين والقول بعدم تحمله المسؤولية عن عدم تنفيذه للعقد المبرم بالشروط وفي الوقت المتفق عليه، شريطة أن يكون عدم توقع واستحالة رد هذا العائق معقولا.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن مفهوم القوة القاهرة في مجال المعاملات التجارية الدولية يختلف عما هو مضمن في النصوص القانونية، فهو مفهوم أكثر مرونة يعطي لأطراف العقد الحق في تنظيمه اتفاقيا. فنظرا للأهمية الاقتصادية للعقود الدولية و الحاجة لتجنب آثار القوة القاهرة، يتجه أطراف مثل هذه العقود إلى تبني مفهوم أكثر استجابة لمتطلبات هذا النوع من المعاملات وذلك من خلال إضفاء نوع من المرونة على الشروط الواجب توفرها في القوة القاهرة، من خلال مراجعة أحكام العقد وإعادة صياغته بشكل يضمن الاستمرار في تنفيذه دونما حاجة إلى انتظار زوال حدث القوة القاهرة حتى يتسنى لهم الوفاء بالتزاماتهم تجاه بعضهم البعض.
لذلك، فإن اعتبار الحدث قوة قاهرة أم لا، يرجع فيه إلى العقد المبرم بين الطرفين للتأكد من وجود بند يقضي بذلك أو يحدد طرق بديلة لتنفيذ هذا العقد. أما في حالة ما لم يكن هنالك بند يعتد به، كانت للقاضي أو المحكم السلطة التقديرية للبث في هذا الأمر.
إذا هل يمكن اعتبار الأوبئة ومنها فيروس كورونا Covid – 19 قوة قاهرة يعفي المدين من المسؤولية،أم أنه ظرف طارئ يتراخى معه العقد إلى حين انتهاء فترة الوباء حيث يبقى المدين ملتزما تجاه المتعاقد الآخر؟.
ثانيا: كورونا فيروس Covid – 19 قوة قاهرة أم ظرف طارئ؟.
الأصل أن اعتبار الأمراض والأوبئة قوة قاهرة وبالتالي سببا معفيا من المسؤولية عرف إجماعا فقهيا حول عدم اتصافها بهذه الصفة، اتجاه تبناه القضاء الفرنسي حينما رفض لسنة 2009 اعتبار فيروس H1N1 قوة قاهرة ، حيث تم الإعلان عنه والتعريف به ، وتوفر الوقت من أجل اتخاذ الاحتياطات اللازمة مسبقا للتصدي له ، وهو نفس التوجه الذي تبناه من خلال محكمة الاستيناف Basse – Terre في قرارها عدد 00739/ 17 بتاريخ 17 دجنبر 2018 جاء فيه: “فيما يتعلق بفيروس الشيكونغونيا Chikungunya، ورغم توفره على الخصائص التالية ( آلام المفاصل، الحمى، والصداع، والتعب، وما إلى ذلك)، وانتشاره في جزر الهند الغربية، خاصة في جزيرة سانت بارتيليمي ما بين 2013 و 2014 ، فإن هذا الحدث لا يمكن اعتباره قوة قاهرة بالمعنى المقصود في المادة 1148 من القانون المدني، بحيث لا يمكن اعتباره وباءا غير متوقع، ولا يمكن مقاومته ، مادام أنه مرض يمكن التخفيف من حدته بالمسكنات، وفي كل الأحول مقاومته….”.
لكن الملاحظ أن القضاء الفرنسي اعتد في إصدار هذه القرارات على الظروف الخاصة بكل حالة على حدة، بحيث لا يمكن القياس عليها فيما يتعلق بفيروس كورونا، وهو وباء يمكن القول بأنه لم يكن متوقعا، مما جعل الحكومات ـ في جميع أنحاء العالم ـ تتخذ قرارات حاسمة رغم النتائج والآثار السلبية التي قد تلحقها بالعديد من القطاعات الحيوية داخل البلد والتي صعبت على العديد من الشركات الصناعية والتجارية مواصلة أنشطتها الاقتصادية .
هذه المعطيات تجعلنا أمام وباء يشكل حدثا غير متوقع ولا يمكن رده ولا علاقة للمدين به، بحيث لم يكن له دخل في حصوله، وهي مواصفات قد تدفع بنا إلى اعتباره قوة قاهرة. لكن وجب الانتباه إلى أمر أساسي وهو أننا اعتدنا ظهور هذه الاوبئة والفيروسات طوال السنوات الماضية من قبيل انفلونزا الخنازير ، افنلونزا الطيور وغيرها وهي أمراض خلفت آثارا وخيمة أصبحنا معها معتادين ومتوقعين حصولها مادام الأمر لا يعدو أن يكون فيروس الإنفلونزا الذي يتطور كلما تهيأت له الظروف المناسبة وهو الأمر الذي حدث بالنسبة لوباء كورونا covid 19 وإن كان ليس بنفس الحدة.
وعليه ، ما يمكن قوله في هذه الحالة ،هو أن هذا الفيروس إلى حدود فترة معينة لم يجعل تنفيذ الالتزامات مستحيلا ـ قد يكون مرهقا نوعا ما لكن ليس مستحيلا ـ بحيث ظلت المقاولات والمصانع وباقي المؤسسات تعمل وتترقب الأوضاع، وبالتالي يمكن القول بأن شرط عدم التوقع قد اختل بشكل نسبي، فالوباء كان متوقعا لكن حدوده ونسبة تطوره هي التي لم يكن من الممكن توقعها.
هذا الأمر أكده القضاء المغربي حينما اعتبر أنه:
“…بخصوص الشرط الأول أي عدم التوقع، فسواء تعلق الأمر بقوة قاهرة أو بحادث فجائي فإن هذه الخاصية تبقى نسبية، إذ لا يوجد هناك أي فعل أو حدث يستجيب لشرط عدم التوقع بصفة مطلقة، فيمكن أن نتصور أي شيء فالحادث غير متوقع ليس هو الحادث غير المتصور أي الذي لا يمكن تخيله أو تصوره، ولكن الحادث الذي لا يمكن مواجهته أو الذي لا يمكن توقعه. ومن هذا المنطلق لا شيء يعد غير متوقع بصفة مطلقة.في حين هناك قوة قاهرة إذا لم يكن للكارثة سابقة، فالحال يكون معاكسا إذا كانت الظاهرة مهما كانت جسامتها قد سبق وحدثت في نفس الظروف وهي اقل من قوة وهذا الاتجاه هو الذي تبناه القضاء المغربي”.
هذا من جهة، من جهة أخرى فقولنا بأن التنفيذ سيكون مرهقا لا يعني بأن الخلافات القانونية لن تكون، بل إن هذا التنفيذ سيتطلب إمكانيات أكبر مما يكون عليه الأمر في الأحوال العادية سواء على مستوى التصنيع أو النقل أو التسليم؛ وهو أمر يقتضي تبرير المسؤولية من جهة أو نفيها بالاعتماد على الدفوع القانونية المقنعة و من بينها إما الدفع بالقوة القاهرة وهو أمر نستبعده، أو الدفع بالظروف الطارئة التي أدت إلى تراخي تنفيذ العقد كما تم الاتفاق ،والتي نعتقد بوجاهتها في هذه الحالة وذلك للاعتبارات التالية:
أ ـ أن وباء كورونا حدث عام، بل يمكن القول بأنه وباء عالمي، وهذه صفة تختص بها الظروف الطارئة عكس القوة القاهرة التي من الممكن أن تخص مدينا واحدا أوعدة مدينين في نفس القطاع أو المجال.
ب ـ أنه حدث حصل بعد إبرام العقد ـ وهو ما نحبذه بالنسبة لغالبية العقود والمعاملات القانونية، بحيث لم يكن ممكنا توقعه أثناء التعاقد، ذلك أن وقت تقدير شرط عدم التوقع يكون عند إبرام العقد والاتفاق على كيفية تنفيذ الالتزامات الناتجة عنه؛ وقتها يكون المدين في موقف يسمح له بتقدير ظروف تنفيذ العقد ومدى إمكانية ذلك، فيأخذ بعين الاعتبار كل العوائق والصعوبات التي يمكن أن تنشا خلال سريان هذا العقد.
وهكذا، فإذا أقدم المدين على التعاقد مع علمه باحتمال وقوع أحداث قد تجعل تنفيذ التزاماته صعبة أو مستحيلة في المستقبل فلا يجوز له الاحتجاج بالقوة القاهرة. .
ت ـ أنه حدث جعل تنفيذ الالتزام صعبا ومرهقا وليس مستحيلا لا يمكن للمدين منعه أو التخفيف من حدته والتغلب عليه بأي وسيلة متاحة لديه.
أمر أقره القضاء بقوله:
” لكن حيث إن من بين شروط استحالة التنفيذ التي ينقضي بها الالتزام، أن يصبح مستحيل التنفيذ استحالة مطلقة، أما إن كانت هناك إمكانية لتنفيذه ولو ببذل جهد مرهق للمدين، فلا نكون أمام استحالة التنفيذ المبررة لانقضاء الالتزام …..”
نفس الأمر أكدته محكمة النقض عند تأييها لقرار محكمة الاستيناف بقولها:
” لكن حيث أن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه عللته بقولها:”أن مجرد تمسك الطاعنة باستحالة التنفيذ لا أثر له على الدعوى في غياب إثبات الاستحالة ونوعيتها….” فتكون وخلافا لما جاء بالوسيلة ……بعدما لم تثبت لها الطالبة وجود قوة قاهرة تحول دون تنفيذ العقد في الزمان والمكان المتفق عليهما، وبذلك جاء قرارها معللا بما يكفي ومرتكزا على أساس…”.
وفي كل الأحوال، فإن تحديد ما إذا كان الأمر يتعلق بقوة قاهرة أو بظروف طارئة، يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع أو المحكم الذي له الصلاحية لاعتبار فيروس كورونا covid19كذلك أم لا، فيقضي إما بالإعفاء من المسؤولية أو بثبوتها.
خلاصة القول، أن آثار فيروس كورونا المباشرة والتي ستثير الكثير من النقاش نظرا لتوقف العديد من المتعاقدين عن الوفاء بالتزاماتهم من وجهة نظرنا، لا تعتبر قوة قاهرة بحسب مفهوم النص القانوني.، إلا أن ذلك لا يعني أنه يستحيل انتفاء المسؤولية في الظروف التي نعيشها جراء انتشار هذا الفيروس. وهكذا، فإن بعض الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها السلطات المعنية تشكل في حد ذاتها صورة من صور القوة القاهرة وذلك بصريح النص القانوني ،يتعلق الأمر بفعل السلطة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً