مقال عن قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية بالمغرب
تكتسي دراسة موضوع التحكيم و الوساطة الاتفاقية اليوم أهمية بالغة سواء على المستوى الدولي أو الوطني لما تحقق من مزايا عديدة من قبيل السرعة في فض النزاع، و الطابع السري لمسطرة المنازعة،وكذا مرونة المسطرة مقارنة مع المسطرة القضائية،وتضمن الحياد بالنسبة للأجنبي الذي يعتبر طرفا في النزاع وغيرها من المزايا التي تنعكس على الاقتصاد والسوق.
وعلى مستوى التنظيم القانوني للتحكيم، نظمه المشرع في البداية في ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بقانون المسطرة المدنية في الباب الخامس عشر من الفصل 527 إلى الفصل 543.
وفي إطار الإصلاح القضائي الذي عرفه المغرب سنة 1974، تم تعديل قانون المسطرة المدنية وثم تعديل مسطرة التحكيم، حيث نظمها المشرع في الباب الثامن من قانون المسطرة المدنية في الفصول من 306 إلى 327، وما كان يعاب على هذا التعديل آنذاك كونه لم يتعرض للوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات ، كما انه لم ينظم التحكيم الدولي.
ولمواكبة كل التحولات الاقتصادية السريعة التي شهدها المغرب، وما صاحبها من ازدهار للتجارة الدولية، خاصة بعد توقيع اتفاقية مراكش التي كانت وراء ميلاد”منظمة التجارة العالمية”هذه الاتفاقية جاءت بملحق خاص بمجال التحكيم كان تحت عنوان”تفاهم بشان القواعد والإجراءات التي تحكم تسوية المنازعات عن طريق التحكيم والتوفيق و الوساطة”.
ازداد بعد ذلك النقاش و الحديث عن التحكيم و الوساطة، وكثرت الندوات و الدراسات التي اهتمت بهذا المجال، وتعالت أصوات رجال القانون و المهتمين مطالبين بضرورة تعديل شامل لقانون التحكيم وإخراج مدونة شاملة للتحكيم،دون أن ننسى الخطاب الملكي السامي لسنة 2003 الذي أكد على ضرورة الإعداد السريع لمشروع قانون التحكيم التجاري الوطني و الدولي.
كل هذه الأسباب كان من الضروري تعديل المقتضيات القانونية المنظمة للتحكيم في قانون المسطرة المدنية بسن قواعد جديدة تنظم التحكيم الدولي و الوساطة الاتفاقية، فتم إعداد مشروع مدونة التحكيم كنص قانوني مستقل، لكن للأسف لم يخرج هذا المشروع إلى الوجود كمدونة مستقلة وإنما فضل المشرع أن يحتفظ به ضمن قانون المسطرة المدنية، فصدر القانون رقم 08.05 القاضي بنسخ و تعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية بالجريدة الرسمية عدد 5584 بتاريخ 6 ديسمبر 2007 ،وذلك في الفصول من 306 إلى 327-70 .
لكن مع التطورات الاقتصادية السريعة التي يعرفها المغرب خلال العشر سنوات الأخيرة التي تستوجب ضرورة تبسيط وتسريع المساطر الإدارية و القضائية في عملية الاستثمار، وخاصة مسطرة التحكيم و الوساطة، بدا التفكير في فصل المقتضيات القانونية المنظمة للتحكيم و الوساطة الاتفاقية عن قانون المسطرة المدنية مع تحيينها و تعديلها لتواكب التطورات الاقتصادية التي يعرفها المغرب،وخاصة المستجدات التي عرفتها التجارة الدولية.
وفعلا قامت وزارة العدل سنة 2017 بإعداد مشروع قانون رقم 95.17 متعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، يروم إلى فصل المقتضيات المنظمة للتحكيم و الوساطة الاتفاقية من قانون المسطرة المدنية، وجاء كل هذا بعدما قامت وزارة العدل بتنظيم العديد من الندوات العلمية التي ناقشت الموضوع .
وتأتي أهمية هذا المشروع من خلال المستجدات العديدة التي اقر بها مقارنة مع القانون رم 08.05 سواء على مستوى الشكل او على مستوى المضمون .
وللإحاطة بكل هذه الأمور والتي تخص مشروع القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية، نضع الإشكالية التالية: هل استطاع المشرع المغربي من خلال شكل و مضمون مشروع القانون 95.17 تجاوز النواقص الموجودة في قانون 08.05 الحالي؟
ومن اجل معالجة هذه الإشكالية سنحاول تحليل الموضوع عبر محورين :
-المحور الأول: قراءة في شكل وهيكلة مشروع قانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية.
-المحور الثاني: قراءة في أهم المستجدات التي جاء بها كشروع القانون رقم 95.17.
المحور الأول: قراءة في شكل وهيكلة مشروع قانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية
يهدف المشرع المغربي من خلال مشروع قانون 95.17 هو فصل المقتضيات القانونية المنظمة للتحكيم والوساطة الاتفاقية عن قانون المسطرة المدنية خلافا لما عليه الأمر في القانون الحالي الصادر سنة 2007 المدمج في قانون المسطرة المدنية.خلافا لما عليه الأمر في القانون الحالي الصادر في 2007 المدمج في قانون المسطرة المدنية.وهذا عيب في التشريع، إذ كيف يعقل أن ينظم التحكيم كنوع من القضاء الخاص ضمن قانون إجرائي عام ينظم التقاضي أمام المحاكم الرسمية.
فهذا المشروع تجاوز هذا العيب وفصل التحكيم والوساطة الاتفاقية عن قانون المسطرة المدنية.
وهذا المشروع جاء مخالف لقانون 08.05 الحالي على مستوى الشكل وعلى مستوى صياغة النصوص القانونية، وحتى على مستوى توزيع هذه المقتضيات.
فهذا المشروع وزعت مقتضياته على 104 مادة،وقسم إلى ثلاثة أقسام.
القسم الأول خصص للتحكيم وذلك من المواد1 إلى 85، وقسم بدوره هذا القسم إلى ثلاثة أبواب، الباب الأول تطرق فيه المشرع إلى التعريف والقواعد العامة في المواد من 1 إلى 17، والباب الثاني خصص للتحكيم الداخلي وذلك في المواد 18 إلى 68 وقسم بدوره إلى فصلين، الفصل الأول تناول فيه المشرع الحديث عن الهيئة التحكيمية في المواد من 18 إلى 48 وقسم هذا الفصل إلى ثلاثة فروع ، الفرع الأول خصص لتشكيل الهيأة التحكيمية وذلك في المواد من 18 إلى 21 ،والفرع الثاني خصص لموضوع تجريح الهيأة التحكيمية وذلك في المواد من 22 إلى 29 ، والفرع الثالث تناول فيه المشرع الإجراءات و الطلبات العارضة في المواد من 30 إلى 48، والفصل الثاني تناول فيه المشرع للتحكيم الدولي في المواد من 69 إلى 85.
وبالتالي فصياغة هذا القسم وشكله جاء أكثر دقة، وصياغة نصوصه جاءت أكثر وضوحا خلافا لما هو عليه الأمر في القانون الحالي الذي نظم التحكيم الداخلي في الفرع الأول، والتحكيم الدولي في الفرع الثاني.
أما مشروع القانون95.17 تناول فيه المشرع التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي في قسم واحد معنون ب”التحكيم”وهناك ملاحظة أخرى نود تسجيلها وتتمثل في كون أن المشرع تناول في المشروع وبتفصيل موضوع تجريح الهيأة التحكيمية وخصها بفرع خاص، في حين نظمها في القانون الحالي 08.05 في الباب المتعلق بالقواعد العامة.
والقسم الثاني من المشروع خصه المشرع للحديث عن الوساطة الاتفاقية وذلك في المواد من 86 إلى 100، والقسم الثالث تناول أحكام متفرقة في المواد من 101 إلى 104.
من النقاط الايجابية الذي نود ذكرها كذلك أن هذا المشروع جاء متضمن في المادة الأولى منه لمجموعة من التعريفات لغالب المفاهيم الخاصة بهذا القانون،والتي كانت متفرقة في مجموعة من المواد في قانون 08.05 الحالي من قبيل اتفاق التحكيم،الهيئة التحكيمية ،ونظام التحكيم والتحكيم الخاص ، والتحكيم المؤسسي،والتحكيم الداخلي، التحكيم الدولي،المحكمة المختصة و رئيس المحكمة.
وعموما يمكن القول بان صياغة مشروع قانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية سواء من حيث الشكل، ومن حيث الهيكلة ومن حيث توزيع مقتضياته جاءت متطورة ودقيقة وواضحة خلافا لما هو عليه الأمر في القانون الحالي، بالإضافة إلى ذلك فهذا المشروع له ايجابيات عديدة على مستوى المضمون من خلال المستجدات الجوهرية التي جاء به.
المحور الثاني: قراءة في أهم المستجدات التي جاء بها مشروع القانون 98.17
جاء مشروع القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية بفلسفة جديدة اخدت بعين الاعتبار المتغيرات و التطورات التي عرفتها الساحة الدولية و الوطنية في هذا المجال، وبعد تصفح مقتضيات هذا المشروع وجدنا العديد من المستجدات مست غالبيتها مجال التحكيم بنوعيه الداخلي و الدولي.
أول هذه المستجدات هو ما تم التنصيص عليه في المادة 3 من المشروع، التي أتاحت إمكانية إبرام اتفاق التحكيم بواسطة رسالة الكترونية وفقا للقواعد المنظمة للمعاملات الالكترونية، أي ستخضع لقانون 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، في حين أن القانون الحالي استنادا إلى الفصل 313 لا يتيح هذه الإمكانية .
ونصت المادة 11 من المشروع انه “يجب على الأشخاص الذاتيين الذين يقومون بمهام المحكم إما بصورة منفردة او ضمن شخص اعتباري أن يكونوا مسجلين ضمن قائمة المحكمين تحدد شروط التقييد فيها بنص تنظيمي ” ،هذه المادة جاءت بمستجد مهم يتمثل في عدم إخضاع المحكم لرقابة أي جهة قضائية، مع ترك أمر تحديد لائحة المحكمين لنص تنظيمي بخلاف ما هو منصوص عليه في الفصل 321 من القانون الحالي.
وانسجاما مع مشروع القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة الذي نص على إحداث أقسام متخصصة بالقضاء الإداري والقضاء التجاري داخل المحاكم الابتدائية، وبهدف توحيد جهة الاختصاص المانحة للصيغة التنفيذية في رئيس المحكمة بحسب اختصاصه تم التنصيص في المادة 66 من المشروع على منح الاختصاص بإضفاء الصيغة التنفيذية على المحاكم التحكيمية في المادة الإدارية لرئيس المحكمة الإدارية او رئيس القسم المتخصص في القضاء الإداري بالمحكمة الابتدائية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي الداخلي في دائرتها، او لرئيس المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم التحكيمي يشمل مجموع التراب الوطني، وحسب المادة 77 من المشروع فقد تم منح اختصاص إضفاء الصيغة التنفيذية على الأحكام التحكيمية الدولية الصادرة في المغرب لرئيس المحكمة التجارية او رئيس القسم المتخصص في القضاء التجاري بالمحكمة الابتدائية التي صدرت في دائرة نفوذها تلك الأحكام، وإذا كان الحكم التحكيمي الدولي قد صدر خارج المملكة انعقد هذا الاختصاص لرئيس المحكمة التجارية او لرئيس القسم المتخصص في القضاء التجاري بالمحكمة الابتدائية التابعة لدائرة نفوذها مكان التنفيذ.
هناك كذلك مستجد مهم متعلق بصلاحيات الهيئة التحكيمية فبحسب المادة 35 من المشروع يمكن لهيئات التحكيم مطالبة الاغيار بتقديم أصل الوثائق الموجودة بحوزتهم والتي يستند إليها احد الأطراف، وفي حالة الامتناع تعرض الهيئة التحكيمية الموضوع على رئيس المحكمة المختصة او رئيس القسم المتخصص بالمحكمة الابتدائية استصدار أمر في إطار مسطرة تواجهية يلزم الطرف المعني بتسليم المستندات والوثائق المطلوبة لهيئة التحكيم تحت طائلة غرامة تهديدية، فهذا الإجراء غير منصوص عليه في القانون الحالي
و بالضبط في الفصل 327-11، منه فهذا الإجراء الجديد المنصوص عليه في المشروع فيه حماية لحقوق الأطراف.
ونظرا للإشكالية المطروحة بخصوص التبليغ وخاصة في التحكيم الدولي تم التنصيص في المادة 60 من المشروع على إمكانية تبليغ الحكم التحكيمي الصادر بالمملكة في مادة التحكيم الدولي بجميع الوسائل بما فيها التبليغ الالكتروني الشيء الذي لا وجود له في ظل قانون 08.05 الحالي.
هذا وبالإضافة إلى العديد من المستجدات الأخرى من قبيل تخويل الرئيس الأول لمحكمة ثاني درجة اختصاص منح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي إذا كان النزاع معروضا عليها واتفق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم وتطبيق القواعد المتعلقة بالتنفيذ المعجل للأحكام القضائية على الأحكام التحكيمية التي لا تطلب فيها صيغة التنفيذ، كما تم تبني خيار توسيع المعايير الدولية في مجال التحكيم، فكل هذه المقتضبات الجديدة المنصوص عليها في مشروع القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية يهدف من خلالها المشرع تجاوز المشاكل و الاكراهات الواقعية و القانونية التي يطرحها القانون الحالي.
يبقى هذا المشروع له أهميته وايجابياته سواء على الشكل ،حيث عرف تحول كبير بالمقارنة مع القانون الحالي سواء من حيث صياغة النصوص وكذا من حيث توزيع المقتضيات ، هذا وبالإضافة إلى التعديلات الجوهرية التي أدخلت عليه كما رأينا في المحور الثاني .
يبقى الرهان والأمر كبيرا في خروج مشروع قانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية إلى الوجود ليحل العديد من المشاكل و الصعوبات التي يتخبط فيها مجال التحكيم بالمغرب.
وكل هذا سيؤدي حتما إلى توفير المناخ الملائم للاستثمار وترسيخ دعائم الأمن القانوني في ميدان الأعمال، خاصة مع اتساع العلاقات الدولية في مجال الأعمال وكذا عولمة الاقتصاد وسرعة تحرك الأموال.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً