مقال عن ماهية السلطة التقديرية للقاضي
ا.د. عباس علي محمد الحسيني
كلية القانون – جامعة كربلاء
أولاً // تعريف السلطة التقديرية ان مصطلح السلطة التقديرية هو ذات معنى واسع في مختلف فروع القانون .
يقوم على أساس من التحليل الذهني أو الفكري للقاضي فهو نشاط ذهني وعقلي يضطلع به القاضي في فهم الواقع المطروح عليه وأستنباط عناصر هذا الواقع في نطاق قاعدة قانونية يعتقد انها تحكم النزاع المعروض . وهي بذلك تتألف من عنصرين شخصي وهو القاضي وموضوعي وهو القانون .
وتعرف أيضاً بأنها مجموعة النصوص تخول القاضي حرية التقدير أو الأختيار وفي المجال الجنائي عرفت بأنها رخصة منحها المشرع للقاضي أثناء توقيع العقاب على الجاني وفق مالايزيد عن حد العقوبة الأقصى ولايقل عن حد العقوبة الأدنى وتتمثل هذه السلطة بما يتركه المشرع للقاضي من حرية بمقتضى بعض التعابير التي يتضمنها النص القانوني مثل ( يمكن ) أو (يحق ) أو ( للقاضي أن …. ) وتختلف السلطة التقديرية عن التكييف الذي يقوم على تحديد طبيعة العلاقة القانونية المتنازع بشأنها وردها الى نظام قانوني معين . والقاضي عندما يقوم بالتكييف يقوم بعمل هو اعطاء الوصف القانوني للواقعة اما السلطة التقديرية فهي عملية عقلية ومن ثم يخضع القاضي في التكييف لرقابة المحكمة العليا بخلاف السلطة التقديرية .
وتتميز السلطة التقديرية بخصائص عدة أهمها ، انها سلطة قانونية تستمد أساسها من نص في القانون وأنها ذات مضمون واحد في مختلف فروع القانون وأن اختلفت مداها بينها .
كما انها تشمل القوانين الاجرائية والموضوعية على حد سواء . كما أنها ملزمة للقاضي فلا يجوز التحلل منها بحجة عدم وجود نص قانوني أو كون هذا النص غامضاً .
ثانياً // أهمية السلطة التقديرية لاشك في ان القاضي ملزم بالفصل بالنزاع خاصة اذا كانت الدعوى مدنية ،والقاضي في سبيل وصوله الى الحكم العادل لابد من أن يستوعب الدعوى المعروضة امامه ، وقد يجد أمامه نصوصاً قانونية مرنة وغير جامدة يستخدم فيها المشرع عبارات مطلقة وغير محددة . ومن هنا تكتسب هذه السلطة التقديرية أهمية من الناحية العملية ويلجأ إليها القاضي بموجب نص صريح من قبل المشرع للوصول الى الحكم العادل في القضية المعروضة أمامه .
فمن المعروف ان تطبق النص القانوني ليس مجرد عمل آلي يحدث تلقائياً ، خصوصاً اذا كانت القاعدة التي يتضمنها النص لاتحتوي على حل قاطع وواضح وحاسم للموضوع المعروض أمام القاضي. وفي المجال الجنائي بدأت منذ النصف الأخير من القرن التاسع عشر محاولات عديدة للأهتمام بشخص الجاني بأعتباره مصدر الجريمة الذي قد يرتكب الجريمة تحت تأثير مجموعة من العوامل داخلية متصلة بتكوينه العضوي والنفسي والعقلي وخارجيه تتصل بالبيئة المحيطة به وهذه العوامل جميعاً تؤثر في الجانب الشخصي لمسؤولية الجاني وبالتالي في سلوكه الاجرامي لذلك كان ينبغي على المجتمع ان يغير من نظرته تجاه العقوبة فيخرجها من جهودها ويجعلها مرنة تسمح بتخفيف العقاب أو تشديده حسب مقتضيات الظروف .
ويبقى خضوع السلطة التقديرية لرقابة محكمة التمييز ( النقض ) محل جدال ونقاش ، فالمعروف ان القاضي وهو يمارس هذه السلطة يجب ان يظل متحرراً من رقابة المحكمة العليا ولكن نجد النصوص القانونية كالمادة (203) مرافعات عراقي تجيز الطعن في الحكم اذا كان فيه خطأ جوهري عندما يكون هذا الخطأ في فهم الوقائع . وبدون شك ان ذلك مدعاة للتساؤل عن مدى تمنع القاضي بالسلطة التقديرية .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً