مقال عن مستقبل الحراك الشعبي بدولة البحرين
يثار حول الحراك الشعبي في البحرين العديد من التساؤلات بشأن قدرة المحتجين على تحقيق مطالبهم حيث يرى كثير من المهتمين بالوضع البحريني عدم مقدرتهم على تحقيق هذه المطالب ، بينما يرى آخرون أمكانية تحقيق هذه المطالب المشروعة ، فيما يعد النظام الحاكم هذه المطالب على أنها حركة احتجاجية غير شرعية ومن يقودها أفراد خارجون عن القانون. لقد بدأ الحراك البحريني بالدعوة إلى أصلاح النظام السياسي الحاكم عن طريق مجموعة من الخطوات التي تعبر عن الديمقراطية التي ينادي بها النظام الحاكم وهذا ما نصت عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها ، ونظرا لعدم استجابة النظام لهذه المطالب الإصلاحية واستخدامه للقوة والعنف في تعامله مع أصحابها أدى ذلك إلى تحول سقف المطالب من الإصلاح إلى التغيير والإسقاط .
وبات واضحا أن من بين الأمور التي أدت إلى تأزم الوضع السياسي في البحرين هو لجوء النظام الحاكم إلى استخدام القبضة الأمنية في تعامله مع الحراك واستعانته بقوات درع الجزيرة السعودية وذلك لسببين هما :-
1- السيطرة على الوضع السياسي المتردي رغبة من قبل الأسرة الحاكمة في الإبقاء على سلطتها مهما كلف ذلك وإضفاء نوع من الشرعية على ممارستها للحكم وعدم التنازل عنه لأي سبب من الأسباب .
2- خوف المملكة العربية السعودية نفسها من انتقال الحراك الشعبي البحريني إلى أراضيها مما يؤدي إلى تهديد سلطتها وأمنها الداخلي الذي تسعى إلى إبقائه على ما هو علية دون تغيير أو أصلاح .
أن البحرين وما تعيشه اليوم من أحداث تتصف بالسلمية النابعة من عقلانية قادة المعارضة ، ورغبتهم في الإبقاء على سلمية حراكهم قد لا يدوم طويلا ، بسبب السلوك المتعالي الفض لنظام الحكم . لكن الحديث عن مستقبل النظام السياسي البحريني يدفع إلى القول بأن عملية تغيير أي نظام سياسي ، سواء كان هذا التغيير سلميا أم عسكريا يجب أن تتوفر له عدد من المقومات والعناصر الدافعة لنجاحه ومن هذه المقومات الأتي :-
1- وجود فئة مطالبة بالتغيير .
2- وجود عوامل دافعة للتغيير ( فقر ، قمع ،… ) .
3- توفر وامتلاك القدرات المادية والبشرية التي تقوم بعملية التغيير .
ويظهر من خلال قراءة الوضع السياسي البحريني، أن النظام الحاكم فيه لا يستطيع الصمود أمام التحديات التي تواجهه على ارض الواقع ، نظرا” لتمسك معارضيه بمطالبهم وعدم الرضوخ للسلطة إلى حين تحقيق هذه المطالب ، من هنا يمكن وضع عدد من السيناريوهات التي تبين ما قد يؤول إليه النظام البحريني مستقبلا، وإمكانية تطبيقها عمليا ، وهي تتمثل بما يلي :-
– السيناريو الأول // استمرار لجوء النظام إلى استخدام القوة في تعامله مع المطالب الشعبية المطالبة بالإصلاح ، ورغبته في تخويف وإرهاب المعارضين من اجل إجهاض حراكهم الشعبي ، وهذا ما يفسر لنا استعانته بقوات درع الجزيرة ، حتى وصل الحد إلى استخدام الأسلحة المحرمة دوليا بمساعدة بعض الدول الغربية التي تنادي بالديمقراطية ذات المصالح المتبادلة مع النظام .
– السيناريو الثاني // خضوع النظام لمطالب معارضيه وقيامه بالإصلاحات السياسية المطالب بها من اجل امتصاص غضبهم وكسبهم إلى جانبه ، وهذه العملية الإصلاحية ستشكل حجر الزاوية في عملية أصلاح النظام ، وجوهرته التي يستند عليها لتأسيس عقد اجتماعي ما بين الدولة ومواطنيها ، مما يجعل المواطنة بما تحويه من معنى سياسي وقانوني محور الرابطة المعنوية بين الحاكم والمحكوم من خلال أتباع ما يأتي :-
1- احترام حقوق الإنسان .
2- أقرار التعددية السياسية والحزبية .
3- مساعدة القوى السياسية والاجتماعية من التعبير عن مصالحها وتوصيل مطالبها عن طريق قنوات مؤسسية وشرعية .
4- توفير كافة الضمانات للقوى الاجتماعية في هياكل الدولة ومؤسساتها بشكل متوازن وعادل .
5- إفساح المجال لنمو منظمات المجتمع المدني وتطويرها مع الأخذ بنظر الاعتبار أن تكون مستقلة عن الدولة .
وفي حالة اخذ النظام الحاكم بمبدأ الإصلاح ، وجديته في ذلك سيكون لزاما عليه أتباع الخطوات الآتية لإنجاح العملية الإصلاحية في البلاد :-
(1) أطلاق سراح جميع المعتقلين في السجون البحرينية وتعويضهم ماديا ومعنويا عن الإضرار التي سببها لهم .
(2) حل الدستور وتعديل اغلب المواد الدستورية التي هي محل صراع ونزاع بين السلطة والمعارضة .
(3) حل البرلمان والدعوة إلى تغيير نظام التصويت المعتمد على أن يكون لكل مواطن صوت واحد بدلا من النظام المتبع والمعروف ب ( 1-11) ، أي صوت واحد للمواطن السني يقابله إحدى عشر صوت من الشيعــة .
(4) حل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة إلى حين عقد المجلس الوطني وانتخاب رئيس وزراء جديد .
(5) تأليف لجنة لتقصي الحقائق من اجل حصر الأضرار وتعويض ضحايا النظام .
(6) محاكمة جميع الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان ضد أبناء الشعب البحريني ومعاقبتهم بصورة تتلائم وحجم الانتهاكات التي ارتكبوها .
– السيناريو الثالث // تغيير النظام الحاكم عن طريق إسقاطه بالقوة وبناء نظام سياسي جديد ، نتيجة عجز السلطة الحاكمة عن تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتفادي الأزمة التي يعيشها البلد منذ 14 / شباط / 2011م – ومما تجدر الإشارة إليه أن انطلاق الحراك الشعبي البحريني بهذا التاريخ بالذات كان لغاية وهو موعد وضع الدستور البحريني المعدل لعام 2002م من قبل حمد بن عيسى آل خليفة – وحتى قبل هذا التاريخ فان ألازمة موجودة في البحرين مسبقا والواقع يسهل عملية الإسقاط ، لأن في هذه الحالة سوف تعجز السلطة الحاكمة عن أطالة أمد المواجهة ، لأسباب موضوعية تتعلق بتدهور الاقتصاد الوطني من جهة ، وتصاعد الضغط الدولي على السلطة الحاكمة – وان كان هذا يختلف بعض الشيء بالنسبة للحالة البحرينية – من جهة أخرى .
إن استمرار الحراك الشعبي البحريني إلى يومنا هذا ، يدل على ترسخ جذوره ، وقوة وجدية مطالبه ، والكرة اليوم في ملعب النظام الحاكم لاختيار أي مستقبل يصبو إليه من السيناريوهات الثلاثة أعلاه ، لكن عليه الحذر والتحلي بالحكمة لاختيار مستقبل آمن يخرج البحرين وشعبها من عنق الزجاجة ، وليكتب لنفسه نهاية مشرفة في ظل بيئة دولية وإقليمية قلقة وسريعة التحولات.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً