مقال عن مصادر القانون
لكل مجال من مجالات العلوم مصادره التي يستقي منها قواعده العلمية، والقانون شأنه شأن باقي العلوم له مصادره التي يولد منها قواعده التي تطبق على الأرض في الحياة اليومية.
بشكل عام للقانون عدة مصادر تختلف باختلاف كل فرع من فروعه، فمصادر القانون المدني تختلف عن مصادر القانون الجنائي وتختلف عن مصادر القانون الإداري وهكذا، غير أنَّ عددا من المصادر تتشابه في معناها العام وإن اختلفت بمعناها الدقيق، فالتشريع يشكل مصدراً لكل فروع القانون لكن معناه يختلف من فرع لآخر، ومصادر القانون تنقسم الى رسمية وغير رسمية نشرحها تباعاً.
“المصادر الرسمية”
أولاً. التشريع: يعتبر المصدر الأهم لكافة فروع القانون كما أسلفنا، فما من قانونٍ إلّا وكان التشريع المصدر الأساس لهُ، ويعني التشريع القواعد القانونية المُصاغة في نصوص مكتوبة تصدر من السلطة المختصة بها، والتشريع يعتبر المصدر الأول فلا يجوز ترك أحد نصوصه وتطبيق قاعدة من مصدر آخر، والتشريع على ثلاثة مراتب هي:
1. التشريع الدستوري (الدستور) : الدستور أعلى وثيقة مكتوبة صادرة من سلطة تأسيسية بموافقة الشعب ولا يجوز أن تتعارض مع نصوصها باقي المصادر القانونية الأخر، يتولى الدستور تحديد شكل الدولة ونظام الحكم وسلطات الدولة الثلاثة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ، وتنظيم علاقة سلطات الدولة مع بعضها وعلاقتها مع الشعب، كما يرسم الإطار العام لسياسة الدولة التي تتبعها السلطات المذكورة في تشريع القوانين وتنفيذها وتطبيقها.
2. التشريع العادي (القانون) : يأتي القانون في المرتبة الثانية من مراتب السُلَّم التشريعي بعد الدستور، وهو عبارة عن نصوص مكتوبة صادرة من السلطة التشريعية (مجلس النواب أو البرلمان أو أي اسم آخر) ، تنظم القوانين الحياة العامة في البلاد من معاملات مالية وإدارية وعقوبات كما تنظم حياة الأفراد وحقوقهم وحرياتهم، ولا يجوز أن يخالف التشريع العادي (القانون) الدستور لأنه أدنى من الأخير.
3. التشريع الفرعي (اللوائح والأنظمة والتعليمات) : وهذه تشريعات تصدرها السلطة التنفيذية لتسهيل تنفيذ القوانين أو تفسيرها أو إكمال النقص فيها، وقد أُعطيَت السلطة التنفيذية صلاحية إصدار تشريعات نظراً للحاجة الى نصوص سريعة الصدور من حيث الإجراءات وتتناول تفاصيل لا يمكن ادراجها في القانون، والتشريعات الفرعية خمسة أنواع هي:
أ. اللوائح التنظيمية (الأنظمة) : وهي لوائح تشريعية تصدرها السلطة التنفيذية حينما تُنشئ مرافق عامة فتتولى اللوائح التنظيمية تنظيم سير المرفق العام.
ب. لوائح الضرورة: وهذه تصدرها السلطة التنفيذية في أحوال استثنائية كالحروب والكوارث الطبيعية وفي حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية، بحيث لا يمكن اجتماع السلطة التشريعية، وتملك لوائح الضرورة امكانية تعطيل وإلغاء التشريعات الفرعية الأخرى وربما مخالفة بعض أحكام القانون.
ج. لوائح الضبط الإداري: تصدرها السلطة التنفيذية بهدف الحفاظ على النظام العام والآداب العامة وجمال المدينة ومنع تلوث البيئة.
د. لوائح التفسير: تصدر بهدف تفسير القوانين أو الأنظمة وإزالة الغموض الذي قد يشوب بعض نصوصها.
ه. اللوائح التنفيذية (التعليمات) : تصدر لتسهيل تنفيذ القانون أو اللائحة التنظيمية، حيث تحوي تفاصيلاً واسعةً تبيّن كيفية العمل بها.
ثانياً. العُرف: هو المصدر الثاني للقانون ويعني اتباع سلوك معين بصورة متكررة ومستمرة والشعور بإلزامية هذا السلوك، ويجب أن تمضي مدة طويلة على هذا السلوك حتى يصبح ثابتاً ومستقرأً لدى الكافة، وللعرف ركنان الأول مادي يتمثل بسلوك متكرر مستمر والثاني معنوي يتمثل بالشعور بإلزامية ذلك السلوك، وللعرف أنواع هي:
1. العرف العام وهو الذي يسود كافة البلاد أو معظمها كالعادات والتقاليد التي تسود الدول.
2. العرف الخاص وهو الذي يسود في جزء معين من البلد أو منطقة محددة منه كالأعراف العشائرية.
3. العرف المهني الذي يسود مهنة معينة كالعرف التجاري وأعراف مهن الحدادة والنجارة وغيرها.
تختلف منزلة العرف ودوره باختلاف فروع القانون، فهو لا يشكل مصدر بالنسبة للقانون الجنائي، بينما نراه مصدراً من مصادر القانون المدني والتجاري وقانون الأحوال الشخصية، ويلعب العرف دوراً بالغ الأهمية في القانون الدولي والإداري.
ثالثاً. الدين / الشريعة الإسلامية: يأتي الدين في المرتبة الثالثة بعد التشريع والعرف في فروع التي يكون مصدر من مصادرها، ويختلف دور الدين من بلد لآخر ومن فرع لآخر من فروع القانون، فبالنسبة للدول التي تفصل الدين عن الدولة لا يشكل الدين مصدر لقوانينها، أما الدول التي تربط الدين بالدولة فتتراوح منزلته من مصدر مكمل للقانون في أغلب الدول كالعراق ومصر وغيرها ومصدر أساس يوازي التشريع في الدول التي تحكم بنظام اسلامي بحت كالسعودية وإيران، أما بالنسبة لفروع القانون فالقانون الجنائي في معظم دول العالم (باستثناء المحكومة بأنظمة اسلامية) لا تشكل الشريعة الإسلامية أي مصدر للقانون المذكور بينما تعتبر مصدر يحل في المرتبة الثالثة بعد التشريع والعرف في القانون المدني ولا تلعب أي دور بالنسبة للقانونين الدولي والإداري لأنها ليست مصدر لهما.
رابعاً. قواعد العدالة: هي قواعد تنبع من ضمير الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان، فهي تسمو على القيم الضيقة وتهدف الى تحقيق العدالة والمساواة، وتعتبر المصدر الرابع للقانون في بعض فروعه كالقانون المدني والقانون التجاري بينما لا تشكل مصدر للقانون الجنائي وتعتبر المصدر الثالث من المصادر غير الرسمية للقانون الدولي.
“المصادر غير الرسمية”
1. القضاء: يعني القضاء بالمفهوم العام المحاكم والدوائر التي تتولى تطبيق القانون، أمّا بالمفهوم الخاص فهو مجموعة الأحكام والقرارات التي تصدرها المحاكم أثناء نظرها للدعاوى المعروضة عليها، ويشكل القضاء مصدر غير رسمي من مصادر القانون يمكن للمشرع الاسترشاد بأحكامه عندما يريد تشريع قانون أو تعديل، ولقد ساهم القضاء في اكتشاف المساوئ والصعوبات التي تواجه تطبيق نصوص القانون وحل بعض منها.
2. الفقه: الفقه يعني كتابات علماء القانون وأساتذته التي تتضمن آراءهم ووجهات نظرهم حول قواعد معينة، يعتبر الفقه مصدراً غير رسمياً للقانون يسترشد به المشرع حينما يسن قانون أو يعدله كذلك يستأنس به القاضي عند نظره للدعوى المعروضة أمامه، وقد لعب الفقه دوراً مُهِمّاً في الكشف عن النقص في نصوص القانون وتفسير غموضها ووضع نظريات لم تكن موجودة سابقاً، بَل أنَّ النصوص التشريعية في حقيقتها ما هي إلّا ترجمة لكتابات فقهاء القانون ووجهات نظرهم.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً