مقال عن مصادر تفسير القانون الدولي الخاص
المصادر التفسيرية
وهي القضاء والفقه
1- القضاء :
يراد بالقضاء كمصدر للقانون الدولي الخاص , أحكام المحاكم الوطنية . أي ( مجموعة القواعد الثابتة التي درجت المحاكم الوطنية على إعمالها وتطبيقها في مسألة معينة ) .
ويعتبر القضاء مصدراً هاماً للقانون الدولي الخاص بالنسبة لموضعي تنازع القوانين والاختصاص القضائي الدولي , حيث ساهم في صقل وبلورة الحلول للكثير من المشكلات في هذه الموضوعين . فالقاضي وهو يفصل في منازعات القانون الدولي الخاص يستقي الحكم من التشريع والاتفاقات الدولية والعرف . كما أن دوره بالنسبة للتشريع هو تطبيقه بعد تفسيره , وكذلك بالنسبة للاتفاقات الدولية . أما بالنسبة للعرف فدوره بالغ الأهمية حيث أنه هو الذي يصقله ويضبطه ثم يفسره , سواء أكان عرفاً وطنياً أم دولياً . وهو الذي يكسب العرف الدولي الصورة التي تتفق مع حاجة النظم القانونية الداخلية , ولهذا يمكن أن نتصور اختلاف حدود القاعدة الصادرة عن العرف الدولي من بلد لآخر , فمثلاً قاعدة خضوع شكل العقد لقانون بلد الإبرام , نرى أن حدودها تختلف من بلد لآخر من حيث قوة إلزامية هذه القاعدة , ومن حيث ما يعتبر من الشكل وما لا يعتبر منه وكذلك تحديد المراد بالقانون المحلي .
ولهذا فإننا نجد أن أحكام المحاكم هي المرجع الذي يلجأ إليه للتعرف على العرف ونرى أن أهمية القضاء تزداد حيث تزداد أهمية العرف كمصدر للقانون الدولي الخاص . وإذا لم يجد القاضي القاعدة التي يفصل بموجبها النزاع , في التشريع أو العرف أو الاتفاقات الدولية, توجب عليه أن يرجع للمبادئ العامة في القانون الدولي الخاص .
وبالنسبة لبلادنا فالقضاء يعتبر مصدراً تفسيرياً للقانون الدولي الخاص , في حين أن القضاء يعتبر مصدراً رسمياً في البلاد التي تجعل للمسابقة القضائية قوة القانون كالبلاد الأنكلو أمريكية ((الانكلوسكسونية)).
أما بالنسبة للقضاء الدولي الذي يتجلى في أحكام المحكمة الدائمة للعدل الدولي والتي حلت محلها محكمة العدل الدولية منذ سنة 1949 ومحاكم التحكيم الدولية ومحاكم التحكيم المختلطة , فهذه المحاكم تفصل في مسائل في مسائل القانون الدولي الخاص .
وهناك العديد من الأحكام والآراء الاستشارية الصادرة عن هذه المحاكم في مسائل القانون الدولي الخاص , كالرأي الاستشاري الصادر عن المحكمة الدائمة للعدل الدولي في 7/2/1923 في النزاع بين فرنسا وإنكلترا بصدد المراسيم التي أصدرتها الحكومة الفرنسية بشأن الجنسية في تونس ومراكش , والذي ورد به مبدأ حرية الدولة في مجال الجنسية دونما قيد سوى ما تفرضه الاتفاقات الدولية . وهناك حكم 25/5/1926 الخاص بمركز الأجانب والذي قضت فيه بأن نزع ملكية الأجنبي دون تعويض عادل يخالف القانون الدولي. وهناك حكمان آخران خاصان بتنازع القوانين صدرا سنة 1929 بصدد القروض التي عقدتها في فرنسا الحكومتان اليوغسلافية والبرازيلية والذي جاء فيه أنا لقانون الذي يحكم العقد تعينه القواعد المعروفة باسم القانون الدولي الخاص , أو قواعد تنازع القوانين التي تكون جزءاً من القانون الداخلي . وكذلك أصدرت محكمة العدل الدولية بتاريخ16/4/1955 حكماً يصدد المدعو نوتبوم أقرأت فيه أنه ليس للدولة الحق في ممارسة الحماية الدبلوماسية على فرد تعده من وطنيها إلا إذا كانت هناك رابطة فعلية بينه وبين هذه الدولة . وهناك أحكام محكمة التحكيم الدولية ومحاكم التحكيم المختلطة حيث صدرت أحكام في الكثير من مسائل تنازع القوانين بشأن بعض العقود الدولية .
والسؤال الذي يثور هو هل تعده هذه الأحكام مصدراً دولياً للقانون الدولي الخاص ؟ إن الإجابة على السؤال تختلف باختلاف الفقهاء :
فالبعض يعتبر قضاء هذه المحاكم في تلك المسائل مصدراً دولياً للقانون الدولي الخاص , والبعض الآخر يعتبرها مصدراً غير مباشر يتعرف من خلالها على مبادئ القانون الدولي الخاص .
أما أستاذنا الدكتور فؤاد ديب فيذهب للقول أنه : بالإمكان الاعتماد على هذه الأحكام كمصدر احتياطي استثنائي لقواعد القانون الدولي الخاص , بحكم كونها صادرة عن جهة قضائية معتبرة مرجعاً للدول كافة ( وفي رأيه – ونحن معه -) ان هذه المحاكم الدولية تعد من مؤسسات القانون الدولي العام التي تنظر في المنازعات القانونية بين أشخاص القانون الدولي العام . وليس هناك قضاء دولي خاص للنظر في منازعات الأفراد المتعلقة بمسائل القانون الدولي الخاص .
2- الفقه :
يراد بالفقه باعتباره مصدراً للقانون الدولي الخاص , نتاج فكر رجال القانون المشتغلين بالقانون الدولي الخاص , كما أن مجهودات الفقهاء في هذا الفرع من فروع القانون ترجع إلى عهد المحشين اللاحقين وإلى أيام الفقهاء الفرنسيين القدامى والفقهاء الهولنديين والإيطاليين والألمان . كما أن الكثير من الحلول التي جاؤوا بها ما يزال معمولاً ببعضها حتى أيامنا هذه .
ولا شك أن عبء رجال الفقه يكبر في حال تغير النظم الاجتماعية والاقتصادية في الدولة , إذ سيكون لهذا التغير أثره في النظم القانونية مما يتوجب على الفقهاء مواجهته.
أما بالنسبة لدور الفقه في بلادنا فهو ضئيل إذا ما قيس بدوره في الدول الغربية وتكاد المؤلفات الفقهية في بلدنا أن تكون معدودة على أصابع اليدين . أما على الصعيد الدولي فتوجد ثروة فقهية عظيمة في القانون الدولي الخاص , ولا يزال هناك مجال للأبحاث الجديدة فيه والاجتهاد .
ويعتبر الفقه مصدراً تفسيرياً للقانون الدولي الخاص سواء الفقه الوطني الأجنبي (( إذ أن الفقه يمكن أن يسهم كثيراً في إرشاد القاضي الوطني إلى مبادئ القانون الدولي الخاص التي أحال المشرع إليها عند خلو النص في مسائل تنازع القوانين )).
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً