مقال عن نظرية لومبروزو والإنسان المجرم بالولادة
عمل الاستاذ سيزاري لومبروزو ( 1835ـ1909 ) في بداية حياته طبيباً في الجيش الايطالي ثم عين بعدها استاذاً للطب الشرعي والعقلي في جامعة بافيا ثم في جامعة تورينو . وبحكم امتلاك لومبروزو الروح التأملية وعمله في الجيش ومراقبته للسلوك الاجرامي للجنود قام بوضع اساس فكرته عن السلوك الاجرامي من خلال دراسته للظاهرة العضوية للمجرمين ، ووضع خلاصة بحوثه العلميه في مؤلفه الشهير ( الانسان المجرم ) .
حيث ابتدأ رحلته العلمية بالتأمل في سلوك الجنود المنحرفين عن طريق فحصهم ودراسة تكوينهم الجسماني . وكان لومبوزرو يهدف من وراء ذلك ايجاد الخصائص المشتركة بين الجنود المنحرفين ومن ثم مقارنتها مع الخصائص المشتركة للجنود الاسوياء .
وقد لاحظ لومبروزو ان الجنود المنحرفين يتميزون بعدة مميزات جسدية لم تكن موجودة في الجنود الاسوياء، حيث لاحظ ابتداءا ومن الناحية الظاهرية ان الجنود المنحرفين يميلون الى احداث الوشم والرسوم القبيحة على اجسادهم كما وتبين له عند تشريحه لجثث عدد من المجرمين الذين ارتكبوا جرائم تتسم بالعنف والقسوة وجود عيوب خلقية في تكوينهم الجسماني وشذوذ في الجمجمة .
واثباتاً لدور الصفات العضوية قام لومبروزو بتشريح مايقرب من 383 جمجمة لمجرمين متوفين كما فحص حوالي 5907 من المجرمين الاحياء ، ومن ابرز الحالات التي درسها حالة لص وقاطع طريق خطر يدعى فيللا ، حيث فحصه اثناء حياته وشرح جثته بعد وفاته . وقد وجد تجويفاً في قاع جمجمته مشابهاً لما هو موجود لدى بعض الحيوانات الدنيا كالقرود والطيور ، كما وتوصل الى نتائج مشابهة عند دراسته حالة مجرم خطر اخر يدعى فرسيني الذي اعترف بقتل عشرين امرأة بطريقة وحشية وشرب دمائهن ، حيث تبين له اتصاف هذا المجرم ببعض الخصائص الجثمانية والتشريحية .
وقد ولد ذلك القناعة لدى لومبروزو بوجود نموذج للانسان المجرم بطبيعته ، وهو الشخص الذي ترشحه منذ ولادته خائص بيولوجية معينة لان يصبح مجرماً .
وحسب لومبروزو فأن المجرم نمط من البشر يتميز بخصائص عضوية ومظاهر جسمانية شاذة تنتقل بالوراثة ، اطلق عليها وصف علامات الرجعة ، يرتد بها المجرم إلى عصور ما قبل التاريخ حيث تتطابق الخصائص البيولوجية للانسان المجرم مع خصائص الانسان البدائي الاول .
بمعنى اخر ان الإنسان المجرم بنظر لومبروزو ما هو الا انسان بدائي يحتفظ عن طريق الوراثة بالصفات البيولوجية والخصائص الخلقية الخاصة بانسان ما قبل التاريخ .
وبالنظر لتعرض نظرية لومبروزو للنقد فقد قام بتعديل بعض ارائه في هذا الشأن ، فذهب بشأن الطبيعة الوراثية للاجرام الى ان العلامات الارتدادية لا تحدث لوحدها السلوك الاجرامي وانما يجب ان تتفاعل مع شخصية من يحملها اذا تهيأت الظروف لانتاج السلوك الاجرامي . وانتهى الى القول الى ان العلامات الارتدادية تكون موجودة لدى اغلب المجرمين ولكن ليس كلهم ، كما انها يمكن ان توجد لدى غير المجرمين . كما لا يمكن لعامل الوراثة بمفرده ان يرشح السلوك الاجرامي وانما ينبغي ان تتظافر معه عوامل اخرى يكتسبها الفرد بعد الميلاد .
وفي نهاية الامر توصل لومبروزو الى تقسيم المجرمين الى خمس فئات هي : المجرم بالولادة ، المجرم المجنون ، المجرم بالعاطفة ، المجرم بالصدفة والمجرم بالعادة .
وبالنسبة للانسان المجرم بالولادة ، وهو محور نظرية لومبروزو ، فانه يتميز عن الانسان العادي بخصائص ومظاهر شذوذ جسمانية من اهمها :
صغر حجم الجمجمة وعدم انتظامها، بروز عظام الوجنتين وضخامة ابعاد الفك والشذوذ في تركيب الأسنان ، شذوذ في حجم الاذنين ، وكثرة غضون الوجه ، عدم انتظام وتشابه نصفي الوجه ، ضخامة الشفتين وبروزهما ، غزارة شعر الرأس والجسم ،والطول المفرط للذراعين، ، واستعمال اليد اليسرى وضخامة الكفين .
كما يتميز المجرم بصفات نفسية مختلفة عما هو موجود لدى الانسان لعادي ومنها : القسوة البالغة وعنف المزاج وحب الشر ، انعدام الاحساس بالالم والميل الى الوشم ، اللامبالاة وعدم الشعور بتأنيب الضمير وعدم الحياء .
وبالاضافة إلى تلك الصفات العامة وقف لومبروزو على بعض الملامح العضوية التي تميز بين المجرمين.
فالمجرم القاتل يتميز بضيق الجبهة، وبالنظرة العابسة الباردة، وطول الفكين وبروز الوجنتين، بينما يتميز المجرم السارق بحركة غير عادية لعينيه ، وصغر غير عادي لحجمهما مع انخفاض الحاجبين وكثافة شعرهما وضخامة الانف وغالباً ما يكون أشولاً .
ومع الانتقادات الكثيرة التي وجهت لنظرية لومبروزو فانه سيبقى المؤسس والرائد الأول لعلم الانتروبولوجيا الجنائي.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً