مقال عن نقاط إلتقاء السياسة والأخلاق.
تقوم العملية الديمقراطية في الدول سواء النامية أو المتقدمة وتقوّم على أساس مدى جدية مساهمة السلطة في خلق أقطاب سياسية مستقلة بضمانات مختلفة تروم تحقيق طفرة نوعية تساهم في بناء دولة حديثة بمقومات عصرية، تعمل هذه الأقطاب بحرية تحت سيادة القانون على تأطير المواطنات والمواطنين وتوعيتهم وتمثيلهم في مؤسسات الدولة، والدفاع عن مصالحهم وضمان العيش الكريم لهم من خلال إدراج مشاريع قوانين تهدف إلى رفاهيتهم وتأطير علاقاتهم والمساهمة في إدماجهم كقوة إقتراحية لها مكانتها في تنمية النطاق الترابي الذي ينتمون إليه، هذا يبقى على الأقل دورها الروتيني المخطوط في القوانين المنظمة لعملها والذي جمعت أصوات الناخبين على أساس القيام بها.
إن هذا الدور الحيوي الذي رسمت حدوده هذه القوانين يصطدم مع واقع قد يكون متأثرا بمظاهر فساد وتجاوزات تربك حسابات المواطنين أمام ضعف الوازع الأخلاقي لدى السياسيين وعدم تقيدهم بالبرامج والوعود التي قد تكون تتجاوز ما يمكن تصديقه من طرف متخصصين وباحثين بإعتبار الوضع الإقتصادي والإجتماعي الهاش، لكن الفئة المستهدفة بالوعود لا تعير أدنى إهتمام للجانب المنطقي لها أو ليس لها قدرة على دراسة المؤشرات والوضع القائم ومقارنتها بسقف هذه الوعود والبرامج التي في غالبيتها ترسم مستقبل ينعم فيه الجميع بمقومات العيش الكريم، لكن سرعان ما تندثر تلك الرؤية التفاؤلية بمستقبل ينعم فيه السياسي بمنصب المسؤولية الذي قد يكون دخل صراعات أخلاقية وغير أخلاقية للوصول إليه.
إذ في الوقت الذي تعتبر الدول المتقدمة تحمل المسؤولية تكليفا يرعب متقلديه ويهدد مستقبلهم السياسي بالخصوص إن إرتكبوا ما من شأنه التنكر للبرامج والوعود التي رددوها في مؤتمراتهم الخطابية بكثير من الحماسة والنظرة الإستشرافية للمستقبل، فإن السياسيين في الدول النامية يعتبرون تحمل المسؤولية تشريفا وإمتيازا لا نظير له في ضمان مكانة مرموقة في المجتمع والاستفادة من ما يخوله المنصب الجديد من قوة الرأي وتأثير في مراكز القرار وخلق فرص لأتباعهم والمتعاطفين معهم في التنظيم الحزبي، وهو ما يؤثر في مستقبل العملية الديمقراطية التي أصبحت مطبوعة بالعزوف السياسي للمواطنين وخصوصا فئة الشباب والمثقفين.
لذلك يعتبر أغلب الدارسين أن إجتماع الأخلاق بالسياسة قد يكون فقط على مستوى الصياغة اللغوية، في حين في الواقع يرفض بعضهما البعض بل يصلان لدرجة التنافر والتضاد، وإن كان من تأثير فهو للسياسة على أخلاق ممارسيها، وهذا تصور تصدقه حالات من سياسيين كانوا يجعلون من الأخلاق مرتكزا لتعاملاتهم أو كانوا يتظاهرون بذلك، فلما فتحت لهم السياسة أحضانها تراموا عليها فكانت تلك بداية لسياسة تتجرد فيها الأخلاق، ويصبح كل شيء مستبحا ومبررا، قد يتحجج السياسي فيها بتحقيق مصلحة او دفع مضرة، لكنها فقط تبريرات تقوم عليها الممارسة السياسية في الدول النامية ليسهل إستقطاب كل من يتصور أن الاخلاق والسياسة قد يجتمعان لمصلحة واحدة، لكن درجة التأثير تختلف بين إستعداد المكون الجديد للاندماج السلبي والإنصهار في الوضع الجديد وبين من يقاوم وقد تدفعه هذه المقاومة إلى التخلي عن مركز المسؤولية لأنه يرفض التلون بأبعاد السياسة التي يصطدم فيها السياسي في أحيان كثيرة مع مصالح المواطنين الذي يمثلهم.
إن السياسة والأخلاق في الدول المتقدمة قد يجتمعان في جانب وفي سياسي يفرض بتكوينه ومركزه العلمي أخلاقه في السياسة ويدمج تصوره بتجرد عن تأثيرات وإغراءات هذه السياسة، ويبقى له المجال من طرف السلطة السياسية في الدولة مادام أنه يستهدف الرقي بمستوى عيش المواطنين والمساهمة في بناء دولة قوية على جميع المستويات، لكن السياسة والأخلاق قد لا تقوم لهما قائمة مع بعض في الدول النامية لأن لكل منهما الزاوية التي تنظر منها والتصور الذي تنطلق منه، بل وحتى المرتكز الذي تقوم عليه، لذلك من يحمل المبادئ والأخلاق لا يستطيع تحمل قواعد اللعبة السياسية، فلا يحاول من البداية الإندماج فيها أو يبني تصور لإدماج الاخلاق في السياسة، فتغريه السياسة ويندمج بشروطها أو ينسحب قبل أن تفرض شروطها ويفقد أخلاقه…
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً