إعادة نشر بواسطة محاماة نت
من إعداد : الزكراوي محمد متصرف بوزارة الداخلية و أستاذ باحث في الشؤون الادارية و القانونية.
عنوان المقال : مقاربة الإذن الخاص بالتقاضي لفائدة جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة على ضوء القرار الوزاري المشترك لوزارة العدل و وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي رقم 895.18
نوطئة :
في سياق الجدل القائم حول شرط الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي لفائدة جمعيات المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة و في إطار مجهودات الدولة في إرساء معالم الأمن القضائي والقانوني،ودعوة وزارة العدل لملاءمة التشريعات والقوانين مع المبادئ الدولية و القواعد التي رسخها العمل القضائي،خصوصا في ظل دستور فاتح يوليوز 2011، أتناول اليوم،ورفعا لكل لبس وغموض يعتري مناقشة القواعد المعمول بها في ميدان الأمن القانوني المتعلق بممارسة حق التقاضي.
فلا شك أن حق التقاضي مبدأ دستوري أصيل مكسو بالحماية القانونية و القضائية ترديدا لما أقرته الدساتير السابقة من كفالة حق التقاضي للأفراد،باعتباره من الحقوق العامة التي كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها،فحق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون،فحقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم وعلى أساسها افرد الدستور بابه السابع للقواعد التي صاغها في مجال سيادة القانون والتي تتكامل فيما بينها ويندرج تحتها كفالة حق التقاضي للناس كافة،
و دلالته في ذلك أن التزام الدولة بضمان هذا الحق هو فرع من واجبها في الخضوع للقانون،فضمان الحق في الخصومة القضائية لا يكون إلا بوصفها طريقاً وحيداً لمباشرة حق التقاضي فلكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي،و هو حق مشاع بين للمواطبين كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية لا يجوز إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته أو قصر مباشرته على فئة دون أخرى أو إجازته في حالة بذاتها دون سواها،
والحقيقة،انه لما كان الحق في التقاضي مشمول لكافة الأشخاص الطبيعية و الاعتبارية ومحمي درعا بقواعد الدستور، فإن سلطة المشرع في تنظيم الحقوق وفق سلطاته التقديرية و إعمال قواعد ،تنظيمية وإجرائية في موضوع التقاضي،لا تتنافى وحماية تلك الحقوق،فالمشرع له الحق في اختيار الإجراءات المناسبة لطبيعة المنازعة،شريطه عدم الإخلال بالضمانات الرئيسية لإيصال الحقوق لأصحابها،فالشخص الطبيعي و الاعتباري،حق لكل منهما في التقاضي أمام الجهات القضائية على حد سواء إلا أن اختلافهما في التنظيم القانوني لمباشرة هذا الحق،أساسه وحدة إرادة الشخص الطبيعي وتعدد إرادات الشخص الاعتباري.
فحق التقاضي حق للجميع،ولكل إنسان حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أي أعمال تنال من الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور أو القانون.
وفي هذا الصدد،و تزامنا مع صدور القرار الوزاري المشترك لوزارة العدل و وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي رقم 895.18 وفي إطار التفاعل القائم بين رجال القانون حول إشكالية شرط الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي لفائدة جمعيات المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة وما شابه من جدل بين مؤيد ورافض لكل شرط مقيد لحرية التقاضي،سنحاول بيان موضوع الاختلاف الذي شاب قراءة القرار وأبعاده،دونما تحيز لجهة ما على أخرى،على أساس قاعدة الاختلاف في الود لا يفسد قضية .
الفقرة الأولى : السند القانوني في شرط الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي لفائدة جمعيات المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة على ضوء التشريعات المنظمة و القرار المشترك لوزير العدل ووزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي رقم 895.18
لا يجادل أحدا في كون حق التقاضي حق من الحقوق العامة التي كفلت الدساتير المغربية المساواة بين المواطنين فيها،كما لا انه لا مجال للنقاش على أن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه، ينطوي عليه إهدار لمبدأ المساواة،كما انه ليس ثمة تناقض بين حق التقاضي كحق دستوري أصيل وبين تنظيمه تشريعياً بشرط -على أساس أن ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة إلى حظر هذا الحق أو إهداره،
وحتى لا نتيه بعيدا عن مضمون مقالنا وبيان مقاصده،استجلاء ورفعا للبس الذي شاب موضوع القرار الوزاري المشار إليه أعلاه حول شرط الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي لفائدة جمعيات المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة،نشير بداية ولتعميم الفائدة أن التشريع المغربي المنظم للقوانين في مجال الجمعيات اعتبر قوانين الحريات العامة التي سنت في مطلع الاستقلال والمتعلقة بقوانين الجمعيات مكسبا كبيرا سجل تطلع المغرب لإرساء نظام ديموقراطي تعددي،كما أن مواكبة و مراجعة الترسانة القانونية المنظمة لعمل الجمعيات شكلت فضاء أفقيا للنقاش العمومي حول أنجع السبل لإقرار إصلاح شامل في مجال الحياة الجمعوية،انطلقا من التشخيص الدقيق للواقع الراهن،مرورا بمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378 (15 نوفمبر 1958) المتعلق بتنظيم حق تأسيس الجمعيات إلى حدود أحكام الظهير الشريف رقم 1.02.206 صادر في 12 من جمادى الأولى 1423 (23 يوليو 2002)بتنفيذ القانون رقم 75.00 المغير والمتمم لبعض مقتضيات ظهير تأسيس الجمعيات السالف الذكر،حيث أشار في فصله 9 على انه يحق لكل جمعية باستثناء الأحزاب السياسية والجمعيات ذات الصبغة السياسية المشار إليها في الجزء الرابع من هذا القانون أن يعترف لها بصفة المنفعة العامة بمقتضى مرسوم بعد أن تقدم طلبا في الموضوع-هذا فيما يخص السند المنظم لقاعدة الاعتراف بصفة المنفعة العامة لفائدة الجمعيات- ،أما فيما يخص ضمان حقها في حرية التقاضي فقد نص الفصل السادس من نفس الظهير على انه يحق لكل جمعية صرح بتأسيسها بصفة قانونية أن تترافع أمام المحاكم.
و بالرجوع إلى إعمال قواعد وأحكام الإجراءات القضائية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية جاء فيها ما مفاده انه لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة، والأهلية، والمصلحة،لإثبات حقوقه،وللمحكمة أن تثير تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة أو الإذن بالتقاضي إن كان ضروريا وتنذر الطرف بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده فإذا تم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة،وإلا صرح القاضي بعدم قبول الدعوى.فما المقصود بالإذن في التقاضي المشار إليه بالمادة الأولى من قانون المسطرة المدنية ؟و ما علاقة اشتراط الإذن بالتقاضي وربطه بشرط الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي لفائدة جمعيات المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة على ضوء التشريعات المنظمة و القرار المشترك لوزير العدل ووزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي رقم 895.18 ؟
إن الخوض في الإجابة عن رابطة الإذن في التقاضي لفائدة جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لهم بصفة المنفعة العامة يجد ملاذه فيما تضمنته قواعد المسطرة المدنية المنظمة لقواعد التقاضي أمام محاكم الموضوع باعتبارها الشريعة العامة قي تأسيس الإجراءات المسطرية للتقاضي من جهة ومن جهة أخرى إعمال و تطبيق ما ورد بنص خاص. ذلك وكما سبق آنا اشرنا إليه ذكرا أن حرية المشرع في تنظيم واختيار القواعد المنظمة لحق التقاضي هي حرية اختيارية تجيز له ولايته في إعمال ما يراه مناسبا وأجدر بالحماية القضائية و القانونية لفائدة مواطنيه بشرط عدم المساس والحرمان من حرياتهم في ولوج ردهات المحاكم لاقتضاء حقوقهم.
وفي هذا الإطار ولا سيما في يخص جمعيات حماية المستهلك جاء في الظهير الشريف رقم 1.11.03 صادر في 14 من ربيع الأول 1432 (18 فبراير 2011) بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك وتحديدا في مادته 157،على انه يمكن للجامعة الوطنية ولجمعيات حماية المستهلك المعترف لها بصفة المنفعة العامة طبقا لأحكام المادة 154 أن ترفع دعاوى قضائية،أو أن تتدخل في دعاوى جارية، أو أن تنصب نفسها طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق،للدفاع عن مصالح المستهلك، وتمارس كل الحقوق المخولة للطرف المدني والمتعلقة بالأفعال والتصرفات التي تلحق ضررا بالمصلحة الجماعية للمستهلكين، غير أن جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة والتي يكون غرضها حصريا هو حماية المستهلك،لا يمكن أن تمارس الحقوق المخولة لها بمقتضى الفقرة الأولى أعلاه إلا بعد حصولها على إذن خاص بالتقاضي من الجهة المختصة وحسب الشروط التي يحددها نص تنظيمي.
و هي الشروط الني نظمها المرسوم رقم 2.12.503،في المادة 3 منه حيث جاء فيها على انه يسلم الإذن الخاص بالتقاضي المذكور في المادة 157 من القانون رقم 31.08 المذكور أعلاه،لجمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالعدل بعد أخذ رأي السلطات الحكومية الوصية على قطاع النشاط المعني بطلب الإذن الخاص بالتقاضي،كما يجب على جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة والمشار إليها في الفقرة 2 من المادة 157 من القانون رقم 31.08 المذكور أعلاه،من اجل الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي أن تستجيب للشروط المحددة في المادة 153 من القانون رقم 31.08 .
وبالرجوع إلى مقتضيات القانون والتشريع المنظم لحماية المستهلك فيما يخص تحديد تلك الاشتراطات فيجب على جمعيات حماية المستهلك وأن تتوفر على الموارد البشرية والمادية والمالية التي تمكنها من القيام بمهام الإعلام والدفاع والنهوض بمصالح المستهلك؛كما يجب عليها أن تثبت عند إيداع طلب الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي،مرور سنتين على الأقل على إحداثها وذلك ابتداء من تاريخ تصريحها للسلطات؛بالإضافة وعلاوة على ذلك يجب ثبوت إقرارها خلال السنتين الأخيرتين،قيامها بنشاط فعلي للدفاع عن مصالح المستهلك بحيث يتم تقييم هذا النشاط بالنظر إلى الأنشطة التي أنجزتها في مجال الإعلام والتحسيس ووضع شباك المستهلك لتوجيه ومساعدة المستهلكين.
هذا وقد ألزمها القانون بقيامها بالتعاقد مع محام أو مكتب للمحاماة لتمثيلها أمام القضاء؛والتنصيص في أنظمتها الأساسية على قواعد الحكامة الجيدة التي تضمن لجميع أعضاء الجمعية مشاركتهم في تحديد توجهات الجمعية وأنشطتها وكذا مراقبتها،ويجب إيداع طلب الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي مقابل وصل،لدى المصلحة المعينة لهذا الغرض من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالعدل،حيث يجب أن يكون هذا الطلب مرفقا بالأوراق والوثائق اللازمة للتعريف بصاحب الطلب والتحقق من كون الجمعية المعنية تستجيب للشروط أعلاه،على انه يمنح الإذن المشار إليه في المادة 35 أعلاه،لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لنفس المدة وحسب نفس الشروط،وفي حالة رفض منح الإذن المذكور،يجب أن يتضمن التبليغ الموجه إلى صاحب الطلب أسباب الرفض،ويمنح الإذن للجمعية داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ إيداع الطلب عندما تستجيب هذه الجمعية للشروط المحددة في المادة 35 أعلاه،كما يمكن سحبه بعد مراقبة المطابقة التي قامت بها المصالح المختصة والتي تثبت عدم استجابة الجمعية المستفيدة للشروط المحددة في المادة 35 من نص القانون،
و في هذا الصدد و لأجل تكريس و تنظيم عمل جمعيات حماية المستهلك،صدر بالجريدة الرسمية عدد 6670 بتاريخ 3 ماي 2018 القرار المشترك لوزير العدل ووزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي رقم 895.18 يتعلق بتحديد كيفيات إيداع جمعيات حماية المستهلك،غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة،لطلبات الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي ودراستها وكذا شكليات وكيفيات منح هذا الإذن وسحبه حيت أصبح من المتعين على كل جمعية لحماية المستهلك غير معترف لها بصفة المنفعة العامة،ترغب في الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي ويكون غرضها حصريا هو حماية المستهلك،أن تودع طلبها لدى مكتب الضبط المركزي لوزارة العدل،مرفقا بنسخة من وصل إيداع ملف تأسيس الجمعية،وعند الاقتضاء،نسخة من آخر وصل يتعلق بتجديد أجهزتها،طبقا لقانونها الأساسي.”
ونحن بصدد دراسة مضمون القرار الوزاري المشترك من حيث نطاقه و أبعاده ومقاصده سوف نخوض في فقرتنا الموالية البحث في عمق إشكالية شرط الحصول على الإذن بالتقاضي لفائدة جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة.
فإذا كان لا ينازع احد في أن جمعيات حماية المستهلك تحوز قانونا الشخصية الاعتبارية المعنوية,وأنها بمناسبة مباشرة أعمالها يمكن أن يلحقها ضرر شخصي من جراء جريمة ما,فيجوز لها آنذاك أن تطالب بتعويض عن الضرر الذي لحقها شخصيا من جراء تلك الجريمة،فما الوضع إذا أصاب الضرر المصلحة الجماعية التي تمثلها الجمعية و تحميها و تدافع عنها,و هل يجوز لها حق الإدعاء المدني لحماية المصالح الفردية لأعضائها ؟ تلكم أسئلة سنحاول الإجابة عنها في الفقرة التالية.
الفقرة الثانية : قراءة في القرار المشترك لوزير العدل و وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي رقم 895.18 المتعلق بتحديد كيفيات إيداع جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة لطلبات الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي ودراستها وكذا شكليات وكيفيات منح هذا الإذن وسحبه .
في إطار تفعيل عمل الجمعيات التي تعنى بمجال حماية المستهلك،صدر مؤخرا بالجريدة الرسمية عدد 6670 بتاريخ 3 ماي 2018 القرار المشترك لوزير العدل ووزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي رقم 895.18 يتعلق بتحديد كيفيات إيداع جمعيات حماية المستهلك،غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة،لطلبات الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي ودراستها وكذا شكليات وكيفيات منح هذا الإذن وسحبه،ومن ابرز ما جاء به من مستجدات تنظيمية حول أحقية جمعيات المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة في مباشرة مسطرة التقاضي أمام القضاء إقرار هذا الأخير إمكانية التقاضي لفائدة جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة وفق شروط حددها الفرار المشترك أعلاه،حيث أصبح من المتعين على كل جمعية لحماية المستهلك غير معترف لها بصفة المنفعة العامة،ترغب في الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي ويكون غرضها حصريا هو حماية المستهلك،أن تودع طلبها لدى مكتب الضبط المركزي لوزارة العدل،مرفقا بنسخة من وصل إيداع ملف تأسيس الجمعية،وعند الاقتضاء،نسخة من آخر وصل يتعلق بتجديد أجهزتها،طبقا لقانونها الأساسي.
ومن أجل فهم مقاصد القرار وأبعاده،لاسيما في موضوع الاشتراط الوارد في مقتضيات القرار المشترك فيما يخص الإذن في التقاضي بالنسبة لجمعيات حماية المستهلك غير المعترف،نرى انه من المفيد الرجوع إلى مضامين القوانين المنظمة لحماية المستهلك وحماية حرية الأسعار والمنافسة رفعا لكل لبس في الموضوع ,وفي هذا السياق نصت المادة 158 من القانون رقم 31.08 على انه استثناء من أحكام الباب الثالث من القسم الثاني والفقرة الثالثة من الفصل 33 من قانون المسطرة المدنية، القاضية بعدم إمكانية من لا يتمتع بحق تمثيل الأطراف أمام القضاء أن يرافع نيابة عن الغير إلا إذا كان زوجا أو قريبا أو صهرا من الأصول أو الفروع أو الحواشي إلى الدرجة الثالثة بإدخال الغاية .
وعليه يجوز للجامعة ولكل جمعية لحماية المستهلك المشار إليهما في المادة 157 في حالة ما إذا تعرض عدة مستهلكين وكانوا أشخاصا طبيعيين معروفة هويتهم،لأضرار فردية تسبب فيها نفس المورد وكان مصدرها واحدا،أن تقيم دعوى المطالبة بالتعويض أمام أي محكمة باسم المستهلكين المذكورين عندما تكون موكلة من قبل مستهلكين اثنين على الأقل من المستهلكين المعنيين بالأمر كما يمكنها أن تطلب من المحكمة التي تنظر في الدعوى أو الدعوى التابعة أن تأمر المدعى عليه أو الظنين،بإيقاف التصرفات غير المشروعة،أو حذف شرط غير مشروع،أو تعسفي في العقد ،أو في نموذج العقد المقترح أو الموجه إلى المستهلك،وبالرجوع إلى أحكام المادة 158 نجدها تشمل جمعيات حماية المستهلك بما فيها تلك الغير المعترف لها بصفة المنفعة العمومية،فهل ذلك يعني أن لها الحق في التقاضي المباشر دونما أي قيد شكلي ؟
إن جوابنا على ذلك لن يخرج عن الإطار المنظم لحماية المستهلك،والذي أشارت إليه مقتضيات المادة 157 في فقرتها الأخير بقولها -غير أن جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة والتي يكون غرضها حصريا هو حماية المستهلك،لا يمكن أن تمارس الحقوق المخولة لها إلا بعد حصولها على إذن خاص بالتقاضي من الجهة المختصة وحسب الشروط التي يحددها نص تنظيمي،وهي الشروط الني نظمها المرسوم رقم 2.12.503،في المادة 3″ منه،كما أن الظهير الشريف رقم 1.14.116 صادر في 2 رمضان 1435 (30يونيو 2014)بتنفيذ القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة نص في مادته 106 على انه يمكن أن تنتصب جمعيات المستهلكين المعترف لها بصفة المنفعة العامة طرفا مدنيا أو أن تحصل على تعويضات عن الضرر اللاحق بالمستهلكين بناء على دعوى مدنية مستقلة،كما يمكنها رفع دعوى جماعية دفاعا عن المصلحة الذاتية لأعضائه،ويجب على الجمعية عند ممارستها لهذه الدعوى أن تثبت كشرط لقبول دعواها وجود ضرر لحق بأعضائها،مما يفهم منه عن طريق إعمال مفهوم المخالفة أن جمعيات حماية المستهلك التي لا تتوفر على صبغة المنفعة العامة لا يمكن تنتصب طرفا مدنيا أو أن تحصل على تعويضات عن الضرر اللاحق بالمستهلكين بناء على دعوى مدنية مستقلة،كما لا يمكنها رفع دعوى جماعية دفاعا عن المصلحة الذاتية لأعضائه لان القانون خص بها فقط جمعيات حماية المستهلك المعترف لها بصفة المنفعة العامة.
فهل ذلك يعني تضيقا وتعسفا و قيدا لأهلية تقاضي جمعيات حماية المستهلك العير المعترف لهم بصفة المنفعة العامة ؟
إن التزام الدولة بضمان حق التقاضي هو فرع من واجبها في الخضوع للقانون،ومؤكدا بمضمونه جانبا من أبعاد سيادة القانون التي جعلها أساسا للحكم في الدولة،
و إذ كان الدستور قد أقام من استقلال القضاء وحصانته ضمانين أساسيين لحماية الحقوق والحريات، فقد أضحى لازما – وحق التقاضي هو المدخل إلى هذه الحماية – أن يكون هذا الحق مكفولا بنص صريح في الدستور كي لا تكون الحقوق والحريات التي نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها،بل معززة بها لضمان فعاليتها.
فلئن نصت مقتضيات المادة 157 من قانون حماية المستهلك إلى جانب مقتضيات المادة 162 من قانون مراقبة حرية الأسعار والمنافسة على خصوصية التقاضي بالنسبة لجمعيات حماية المستهلك بشكل عام وتنظيمها بمقتضيات الفرار الوزاري المشترك رقم 895.18 بشكل خاص،باشتراطه الإذن بالتقاضي لفائدة جمعيات حماية المستهلك الغير الحاصلة على اعتراف بصفة المنفعة العامة في الدعوى تحت طائلة عدم القبول،كلما أقيمت دعوى قضائية بغرض حماية المستهلك،فان ذلك يتعلق فقط بدعاوي الحماية الجماعية للمستهلك بما فيها حماية الأفراد دون شمولها التقاضي في الدعاوي ذات الصيغة التعاقدية و دعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها لها جهات معينة،ومن بينها دعاوي التعويض عن الاعتداء المادي على ممتلكات تلك الجمعيات،و ان إشعار الجهات المعنية الواردة في القرار الغاية منه هو مجرد وسيلة لإيجاد فرصة لحل النزاع عن طريق الصلح وانه لا يسوغ أن يتوقف حق اللجوء إلى القضاء على إنذار او إخبار،وبالتالي،ذلك أن ما يمز عمل جمعيات حماية المستهلك المعترف لها بصفة المنفعة العمومية عن تلك الغير الحائزة منها،هو أن الاعتراف لها بصفة المنفعة العمومية بمرسوم ملكي لفائدة جمعيات حماية المستهلك،وكذا سهرها على حماية المستهلك في المجتمع،يخول لها استعمالها في ذلك وسائل القانون العام وامتيازات السلطة العامة و يجعل من القرارات التي تتخذها قرارات إدارية يمكن الطعن فيها أمام قاضي الإلغاء.
لكل هذه الأسباب، فإنه من اللازم التنبيه إلى أن صفة المنفعة العامة لا ينبغي أن تمنح إلا للجمعيات التي تهدف بصفة فعلية إلى تحقيق مصلحة عامة سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد المحلي، و هو ما يفرض مقابل الامتيازات السالفة الذكر خضوع كل جمعية اعترف لها بهذه الصفة لمراقبة تهدف إلى التأكد من كونها تسعى إلى تحقيق الأهداف المنصوص عليها في أنظمتها الأساسية،وأنها تستجيب للالتزامات المفروضة بموجب القانون.
و عودة بنا إلى دراسة و قراءة مقتضيات القرار الوزاري المشترك،فإننا لا نجد ما مفاده أن وزارة العدل قد قيدت حق اللجوء إلى القضاء من طرف جمعيات حماية المستهلك بشرطها الإذن في التقاضي وآية ذلك،أن القرار صريح في عبارته بقوله (كل جمعية لحماية المستهلك غير معترف لها بصفة المنفعة العامة،ترغب في الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي ويكون غرضها حصريا هو حماية المستهلك)،بمعنى أخر أن،وبمفهوم المخالفة في قراءة النص،انه إذا كان غرضها لا يشمل نطاق حماية المستهلك حصربا فلا مجال لإعمال الإذن الخاص بالتقاضي،وسندنا في ذلك أن المصالح الذاتية لا يكفلها إلا أصحابها من خلال ضمان حقهم في اللجوء إلى القضاء،والنفاذ إليه نفاذا ميسرا لا تثقله أعباء مادية،ولا تحول دونه عوائق إجرائية جوهرية.ولا شكلية،كما إن نطاق الإذن الخاص المنصوص عليه في القرار المشترك لا يطال الدعاوي الاستعجالية التي تقتصر على السرعة في البت و فصر الآجال،ذلك إن طبيعة القضايا الاستعجالية تتنافى من حية طبيعتها مع كل إجراء قد يطيل النزاع والبت فيه،ولذلك يحق لجمعيات حماية المستهلك طلب استصدار أوامر استعجالية من طرف قاضي المستعجلات في إطار الأوامر المبنية على طلب( المادة 148 من قانون م م) او في إطار العمل القضائي المستعجل (المادة 149 من قانون م م)،كما يخرج عن نطاق تدابير الإذن الخاص بتقاضي جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العمومية كل الأنشطة الخارجة عن عبارة (أن يكون غرضها الخاص حصريا الدفاع عن حماية المستهلك ) الواردة في القرار المشترك.
إن القرار المشترك لوزير العدل و وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي رقم 895.18 المتعلق بتحديد كيفيات إيداع جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة لطلبات الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي ودراستها وكذا شكليات وكيفيات منح هذا الإذن وسحبه،لم يتضمن أي إخلال بحرية التقاضي لفائدة جمعيات حماية المستهلك وأهليتها في مجاراة ذلك أمام المحاكم،ولم يغل امتداد وبسط يدها في مباشرة ذلك بقدر ما هو قرار تنظيمي يسعى إلى التوفيق بين القوانين المنظمة لحماية المستهلك ولم شتاتها من جهة.
و من جهة أخرى ضمان التناسق القانوني للمقتضيات المنظمة لحرية التقاضي الواردة بنصوص خاصة التي تستدعي خصوصيات مفردة في إتباع مساطر التقاضي،وهو ما نجده في مقتضيات كثيرة نظمت حق اللجوء إلى القضاء وفق مساطر خاصة،كما هو الشأن في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بخصوص شروط التقاضي ضدها المتمثل في إدخال الوكيل القضائي للجماعات الترابية،او شرط الإذن في رفع الدعوى في مواجهتها عن طريق إشعار الجهات المعني بهذا العرض،او شرط الحصول الإذن الخاص بالتقاضي لقائدة الجماعات السلالية من طرف مجلس الوصاية من اجل مباشرة ردهات المحاكم،فهي إجراءات شكلية هادفة إلى امتداد مفهوم الأمن القانوني والقضائي في الإعمال السديد للمساطر المتبعة،وان الأمر لا يحتاج إلى مزايدة في الموضوع بين مؤيد ومعارض.
اترك تعليقاً