التعويض عن إعلان نزع الملكية
الدكتورة نصيرة الحيوني
لقد خضعت إجراءات نزع الملكية لقد خضعت لمجموعة من النصوص القانونية حيث صدر أول ظهير بتاريخ 31 غشت 1914 كأول نص عام يشمل منطقة الحماية الفرنسية حيث استمر العمل به إلى حين صدور ظهير 3 أبريل 1951 الذي اتضح مع مرور الوقت ضرورة مراجعته وإيجاد نص جديد متكيف مع ضروريات التخطيط والسياسة السكنية، وبصفة عامة خدمة السياسة الجديدة على مستوى الدولة والجماعات المحلية وهو ما تأتى من خلال القانون 7.81[1] مرفوقا بمرسوم تطبيقي مؤرخ في 16 أبريل 1983 يشكل القانون العام لمنتزع الملكية الذي بدأ العمل به بتاريخ 15 يونيو 1983.
كما أن التعديلات المتعددة لقانون نزع الملكية ترجع أسبابها إلى البحث عن مسطرة مثالية تضمن على السواء السرعة والمحافظة على المداخيل العمومية وكذلك ضمان احترام حق الملكية والتعويض العادل للمواطنين الذين تم نزع ملكيتهم.
إن أهمية هذا الموضوع المتعلق بالحقوق الخاصة بالمواطنين والتي تتعلق بعقاراتهم التي تقوم الدولة بنزع ملكيتها بمقابل تعويض يتناسب مع درجة الضرر الواقع عليه يظهر من خلال خطاب جلالة الملك”… فالعديد من المواطنين يشتكون من قضايا نزع الملكية ، لأن الدولة لم تقم بتعويضهم عن أملاكهم، أو لتأخير عملية التعويض لسنوات طويلة تضر بمصالحهم، أو لأن مبلغ التعويض أقل من ثمن البيع المعمول به، وغيرها من الأسباب.
إن نزع الملكية يجب أن يتم لضرورة المصلحة العامة القصوى، وأن يتم التعويض طبقا للأسعار المعمول بها، في نفس تاريخ القيام بهذه العملية مع تبسيط مساطر الحصول عليه.
ولا ينبغي أن يتم تغيير وضعية الأرض التي تم نزعها، وتحويلها لأغراض تجارية، أو تفويتها من أجل المضاربات العقارية.
كما أن المواطن يشتكي بكثرة، من طول وتعقيد المسا طر القضائية، ومن عدم تنفيذ الأحكام، وخاصة في مواجهة الإدارة”[2].
إن التعويض عن إعلان نزع الملكية يحدد بحسب قيمة العقار يوم صدور قرار نزع الملكية دون أن تراعي في تحديد هذه القيمة البناءات أو الأغراس أو التحسينات المنجزة دون الموافقة على نزع الملكية منذ نشر أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة إذا اتبعت الإجراءات الضرورية، أما في حالة عدم اتباع هذه الإجراءات اعتبر اعتداءا ماديا يستطيع المتضرر منه التقدم بطلب تعويض عن الضرر الحاصل أمام القاضي الإداري، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن التعويض المستحق في الحالتين معا ؟
الفقرة الأولى: استحقاق التعويض عن إعلان نزع الملكية
إن القاضي المختص بالحكم بنقل الملكية هو أيضا المختص بتحديد مبلغ التعويضات، حيث يحدد في الحكم الصادر بنقل الملكية التعويض، بعد التذكير وجوبا بمبلغ التعويض الذي اقترحه نازع الملكية، إنما هذا القاضي ليس حرا في تحديد هذا المبلغ ولكن يحدده وفقا لعدد من القواعد التي نص عليها الفصل 20 من الظهير المتعلق بنزع الملكية ومنها:
لا يجب أن يشمل التعويض إلا الضرر الحالي والمحقق الناشئ مباشرة عن نزع الملكية، ولا يمكن أن يمتد إلى ضرر غيره محقق أو محتمل أو غير مباشر وقد قضت الغرفة الإدارية في هذا المجال في قرارها[3] بأن ” الضرر الذي يمكن لمن نزعت منه الملكية للمنفعة العامة أن يطالب به هو المبني على العناصر الناتجة عن الاستعمال الحالي والمقرر للأرض المنزوعة ملكيتها، فلا يحق للمالك أن يطلب تعويضه عن أرضه التي تستعمل للفلاحة بالتمسك بأنها ستخصص للبناء”.
كما يحدد قاضي نزع الملكية في حالة وجود حقوق الانتفاع أو الاستعمال أو السكنى أو غيرها من الحقوق المماثلة تعويضا واحدا بالنظر إلى قيمة مجموع العقار.
إن حيازة نازع الملكية للعقارات أو الحقوق العينية المنزوعة ملكيتها لا يمكن أن تتم إلا بعد استيفاء إجراءات التبليغ أو النشر المنصوص عليها ودفع التعويض الاحتياطي أو إيداعه، كما يدفع التعويض المؤقت والتعويض المحدد في الحكم بمجرد استيفاء الإجراءات المنصوص عليها، وإذا لم يتم دفع المبالغ الواجب إيداعها خلال أجل شهر ابتداء من يوم تبليغ أو نشر الحكم الصادر بالأمر بالحيازة أو نقل الملكية ترتب على ذلك بحكم القانون لصالح المعنيين بالأمر بمجرد انتهاء هذا الأجل، فوائد تحدد حسب السعر القانوني المعمول به.
ونشير كذلك إلا أنه لا يمكن التعرض على الأمر بالحيازة أو انتقال الملكية ولا يمكن استئناف الحكم الصادر بنقل الملكية وتحديد التعويض، وهناك مسطرة خاصة تكتسي طابعا استعجاليا شديدا في حالة نزع الملكية لأغراض تتعلق بالأعمال العسكرية “ظهير 14 أبريل 1940” وتسمح بحيازة العقار بمجرد إعلان المنفعة العامة، إلا أن الإدارة مع ذلك عليها أن تحاول الوصول إلى حل بالتراضي وفي حالة فشلها تقترح دفع التعويض الذي تراه مناسبا في أجل أربعة أشهر من تاريخ المحضر الذي يثبت فشل المحاولة[4].
وفي فرنسا فإنه لم يكن ممكنا تحديد التعويض إلا بعد انتهاء المرحلة السابقة، ومن جهة أخرى فإن هذا التعويض يتم عن طريق جهاز متميز (خارج) الجهاز القضائي المكلف بإصدار قرار نزع الملكية، بعد أن كان ولمدة طويلة اختصاص تحديد التعويض ممنوحا تتألف من ملاك عقاريين إلا أنه وبعد سنة 1935 أصبح هذا الاختصاص يمارس من لدن هيئة تحكيمية يترأسها قاض وأعضاؤها موظفون وموثق ومكلف (الذي يدفع الضرائب).
إن قرار لسنة 1958 قد غير كليا هذا النظام حيث أصبحت محكمة نزع الملكية تختص بنزع الملكية بتحديد التعويض مع إمكانية الاستئناف أمام غرفة خاصة في محكمة الاستئناف.
ومن جهة أخرى ومن أجل تسريع المسطرة يمكن للإدارة أن تلجأ للقضاء وذلك عند بداية المرحلة الإدارية من أجل البدء في عملية تحديد التعويض، وإذن هذه العملية يمكن أن تتزامن مع باقي العمليات، وقرار تحديد التعويض يمكنه أن يكون قبل قرار نزع الملكية بعينها.
فمنذ عهد طويل شكل نزع الملكية صفقة رابحة للذين شملهم النزع في حين أن اليوم يشكل هذا الأمر كارثة بالنسبة لهؤلاء، وللزيادة في ضمانات أولئك المنزوعة ملكتيهم فإن الاجتهاد القضائي المغربي في قرار المجلس الأعلى[5] نص على أن: ” الاتجاه الحديث في القضاء الإداري لا يكتفي بالنظر إلى المنفعة العامة المتوخاة من نزع الملكية نظرة مجردة، بل يتجاوز ذلك إلى النظر فيما يعود به القرار من فائدة تحقق أكبر قدر من المصلحة العامة”. ويمكن للقاضي الإداري في هذا المجال أن يوازن بين الفوائد التي سيحققها المشروع المزمع إنشاؤه والمصالح الخاصة التي يمس بها، ويمكن تقييم قرار نزع الملكية على ضوء مزاياه وسلبياته والمقارنة بين المصالح المتعارضة للإدارة والخواص في نطاق المشروعية المخولة لقاضي الإلغاء عن طريق إجراء من إجراءات تحقيق الخبرة مثلا.
وفي قرار آخر للمحكمة الإدارية بفاس[6] عدد 730 في شقها المتعلق بالتعويض عن نزع الملكية جاء فيه “إن وضع اليد على العقار المنزوعة ملكيته بمقتضى مرسوم التهيئة دون سلوك الإجراءات القانونية الموالية لإصدار قرار التخلي كما هو منصوص عليها بالقانون أعلاه، يعتبر غصبا يرتب الحق في التعويض”[7]. وبخصوص مباشرة بعض الأعمال الناتجة عن تصاميم التهيئة دون استئذان القضاء المختص ومن غير تحديد التعويض المستحق من طرف الجهة المختصة قضت المحكمة الإدارية بوجدة[8] أن حيازة جزء من عقار المدعي من طرف الإدارة لتوسيع طريق عمومي في إطار تصميم التهيئة دون استئذان القضاء في ذلك ومن غير تحديد التعويض المستحق من طرف الجهة المختصة يجعل عملها يستوجب التعويض ـ نعم ـ [9].
وقد اعتبر الدكتور محمد أمين بن عبد الله هذا الاتجاه يتماشى مع التوجه الحديث للمنازعات الإدارية كما أضاف أن لهذا القضاء الجديد أثر وقائي، كون الإدارة ستردد أكثر من مرة وستدرس قراراتها دراسة معمقة ومتأنية قبل إصدارها.
وبفضل هذا الإبداع والامتداد، أصبح القاضي يفحص ليس فقط أن يكون تدبير نزع الملكية ضروريا، وإنما أن يكون كذلك مكيفا مع حاجيات النظام العام وإمكانيات المجتمع[10].
ففي قرار للمحكمة الإدارية بفاس[11] بين الجماعة الحضرية للمنزل في شخص رئيسها وبين المدعية قضى بعدم قبول طلبها وذلك بنقل ملكية القطعتين الأرضيتين رقم 38 و42 في جدول والقاضي بإعلان أن المنفعة العامة تقضي بتخطيط حدود الطرق العامة وفتح طريق عمومية وذلك مقابل تعويض
وحيث ينص الفصل 17 من القانون رقم 81.7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت على أنه ” يحدد الأجل الذي يمكن ان تبقى خلاله الأملاك المعينة في ” مقرر التخلي” خاضعة لنزع الملكية في سنتين ابتداء من تاريخ نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية أو عند الاقتضاء من تاريخ تبليغه.
وإذا لم يودع نازع الملكية خلال هذا الأجل المقال المنصوص عليه في المقطع الأول من الفصل 18 (أي الطلب الرامي إلى الحكم بنقل الملكية وتحديد التعويضات) فإنه لا يمكن الحكم بنزع الملكية إلا موجب إعلان جديد للمنفعة العامة.
وبما أن الثابت من أوراق الملف أن المقرر المصرح بالمنفعة العامة صدر بتاريخ 11/04/2012 وتم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 9/5/2012 فالمدعية لم تتقدم بطلبها الحالي إلا بتاريخ 14/5/2014 خارج أجل السنتين المشار إليه في المقتضى السالف ذكره. الأمر الذي جعل المحكمة الإدارية تقضي بعدم قبوله.
وقد ذهبت المحكمة الإدارية بفاس في نفس الاتجاه في قرارها “وحيث إن الثابت من أوراق الملف أن المقرر المصرح بالمنفعة العامة صدر بتاريخ 11/11/2012 وتم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 09/05/2012 والمدعية لم تتقدم بطلبها إلا بتاريخ 2014/05/14 خارج أجل السنتين المشار إليه في مقتضى السالف ذكره استنادا إلى الأمر الذي يتعين معه التصريح بعدم قبوله[12]
الفقرة الثانية: التعويض عن عدم إتباع الإجراءات القانونية المتعلقة بمسطرة نزع الملكية
غالبا ما تلجأ الإدارة النازعة للملكية إلى أخذ الأراضي من ملاكها دون سلوك الإجراءات القانونية المتعلقة بنزع الملكية تحت ذريعة المنفعة العامة[13] وطول مسطرة نزع الملكية وضغط الاستعجال[14]، فتقوم بإحداث منشآت المقامة عليها دون سابق إنذار.
لكن وكما هو معلوم، فمن الخطورة بمكان إزالة المنشآت المقامة بمقتضى التصاميم العمرانية لما لذلك من تأثير على الصالح العام وتعطيل لمرفق عام يعمل على إشباع منفعة عامة، وهذا ما يجعل الإدارة تدفع بعدم جواز هدم المنشآت العامة، مما يبقى أمام مالكي الأراضي المنزوعة عن طريق الاعتداء المادي إلا طرق باب المطالبة بالتعويض.
فالاعتداء المادي يمكن أن ننظر إليه من زاوية ضيقة وهي المتمثلة في عدم احترام الإجراءات القانونية عن نزع ملكية الأراضي لأول مرة، حيث أنه حتى ولو تم احترام الإجراءات المسطرية إلا أن الواقع العملي أبان على أن الإدارة النازعة للملكية رغم مرور عشر سنوات على سريان آثار التصاميم وعدم تفعيل المشاريع المضمنة بها، لا تقوم برفع اليد مباشرة كما جاء ذلك في المادة28 من قانون التعمير[15] مما يشكل حيفا وغصبا على حقوق المالكين.
إن قيام الإدارة بإنشاء المنشآت العامة بمقتضى التصاميم بدون سند شرعي يستوجب إيقافها والقيام بهدمها، لكن ومراعاة للمصلحة العامة وعدم هدر المال العام ونظرا لكون التصاميم العمرانية تعتبر بمثابة قانون لا يمكن إلغاء ما جاء فيها إلا بمقتضى مرسوم معدل لها، فهذا كله يجعلنا أمام صعوبة رفع الاعتداء المادي عند إنشاءها للمنشآت، لكن في المقابل فهذا ليس مبررا لحرمان المالكين من التعويض عن غصب ملكية عقاراتهم.
وهذا ما جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى [16] مؤيدا فيه الحكم المستأنف حيث جاء فيه ” … حيث يستفاد من وثائق الملف ومن محتوى الحكم المستأنف انه بتاريخ 16 مارس 2001، قدم الأستاذ (ن.ب) عن السيد ( ب.م) مقالا إلى المحكمة الإدارية بوجدة عرض فيه بان المدعى يملك قطعة أرضية صالحة للفلاحة تقع بالمدار الحضري بوجدة ” كعدة الجرف الأخضر” استولت المجموعة الحضرية بوجدة على جزء منها بلغت مساحته هكتارا و4000 م2 لإنشاء المدار الحضري بوجدة من غير سلوك مسطرة نزع الملكية ملتمسا الحكم له بتعويض مسبق قدره عشرة آلاف درهم وانتداب خبير لتقدير القيمة الحقيقية العقارات.
ففي حالة المطالبة بالتعويض عن الاعتداء المادي على الملكية قد تتمسك الإدارة إذا ما تعلق الأمر بإنشاء الطرق الجماعية بمقتضيات المساهمة المجانية المنصوص عليها في الفصل 37 من قانون التعمير.
والمحكمة الإدارية وهي تبت في نزاع مماثل، طبقت مقتضيات المادة 37 بشأن المساهمة المجانية وجاء فيها: “.. وبعد الأخذ بعين الاعتبار كلا من العنصر الثابت والمتغير المتعلقين باحتساب مساحة المساهمة المجانية في حدود الربع المحدد في 37.736 متر مربع والتي تعتبر مستثناة من التعويض بحكم تطبيق مقتضيات المادة 37 من القانون 12/90 المتعلق بالتعمير لما يترتب على إحداث الطريق من رفع لقيمة متبقى أرضه مما يكون معه المدعي في ضوء ذلك محقا في تعويضه عن مساحته التي ظلت مغتصبة من طرف جهة الإدارة المدعى عليها حيادا على قانون نزع الملكية”[17].
وفي نفس الاتجاه اعتبرت المحكمة الإدارية بمكناس أن الإدارة لا تستفيد من مقتضيات المساهمة المجانية إذا استولت على العقار بالاعتداء[18]. الأمر الذي سارت في اتجاهه محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عندما اعتبرت: إنه مادامت الجماعة لم تدلي بأي وثيقة من شأنها أن تفيد سلوكها لمسطرة نزع الملكية المنصوص عليها في قانون 07/81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت واعتبارا للمبادئ التي استقر عليها الفقه والاجتهاد القضائي، فإن مسؤولية الجماعة عن الاعتداء المادي قائمة[19].
ويرى الأستاذ عبد العزيز يعكوبي أن الإدارة في حالة الاعتداء المادي، لا يحق لها التمسك بإعمال مقتضيات المساهمة المجانية الواردة بالمادة 37، لأن التمسك بهذه المقتضيات لا يكون مستساغا إلا إذا كان تصرف الإدارة منسجما مع القواعد المنصوص عليها في قانون التعمير والتي تحيل بدورها على قانون نزع الملكية[20].
يتضح أن القضاء الإداري في تطبيقه لمقتضيات المساهمة المجانية، يسير في اتجاه تضييقها، وذلك مراعاة لمبدأ الأصل الذي هو حق الملاك في التعويض الكامل عن تجريدهم من أملاكهم الخاصة، وتبقى المساهمة المجاني استثناء لا ينبغي التوسع فيه.
بل أبعد من ذلك، نجد قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط جاء فيه “وحيث أمام عدم استظهار الإدارة أمام المحكمة الإدارية وأمام محكمة الاستئناف الإدارية بما يفيد مشروعية مدخلها للعقار فإنها تكون في وضعية اعتداء مادي تسأل عنه خارج قواعد نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، مما يبقى عنه السبب المثار بشأنها مردود”[21].
غير أن العمل القضائي يتجه إلى عدم هدم المنشآت القائمة على الأراضي التي لم يتم سلوك المسطرة القانونية لنزع ملكيتها لكون الأمر يتعلق بالدرجة الأولى بالمصلحة العامة وعدم هدر المال العام، وتكتفي بالحكم بتعويض يمكن القول عنه عادلا.
الاعتداء المادي في ظل هاته المعطيات، والعمل القضائي يجبر ضرر الاعتداء المادي في التعويض التنفيذي دون الحكم بهدم المنشأة العامة وإرجاع الأراضي إلى أصحابها وهذا ما ينعكس سلبا على مضمون النظرية مما سيجعلها أمام شكل من أشكال نزع الملكية غير المباشر، مما يؤدي إلى تهديد خطير على مبدأ الحماية القضائية للحقوق[22]
ولعل هذا ما جعل القضاء الفرنسي[23] يعدل ولو بشكل نسبي عن مبدأ عدم المساس بالمنشأة ، إذا أصدرت الغرفة المدنية الثالثة بحكمة النقض قرارا أقرت فيه باختصاص القاضي العادي في حالة الاعتداء المادي بإصدار أمر بهدم المنشأة العامة مع ضرورة توفر شرط غياب أي التزام من طرف الإدارة بإجراء مسطرة التصحيح الملائمة.
كما أن القضاء المستعجل في مصر[24] سبق له أن أصدر في أحد أحكامه أمره بوقف الأعمال الجديدة التي شرعت الإدارة في إنجازها على الأرض استولت عليها تعود ملكيتها للخواص، فسارعت الإدارة بعد ذلك إلى استصدار قرار إداري بنزع ملكية تلك الأرض وهو ما جعل محكمة الاستئناف تقضي بإلغاء الأمر المستعجل باعتبار أن القرار اللاحق قد صحح العملية منذ بدايتها.
إضافة إلى ما سبق، فالاعتداء المادي لا يتجسد في عدم سلوك الإجراءات القانونية المتعلقة بمسطرة نزع الملكية فقط، بل أن الواقع العلمي أبان على أن الإدارة النازعة للملكية رغم مرور أجل سريا التصاميم العمرانية والمحدد في عشر سنوات وعدم تفعيلها فلا تقوم برفع اليد عن الأراضي التي لم يتم تفعيل المشروع بها، مما يشكل إجحافا واعتداء ماديا على حقوق المالكين، رغم أن رفع اليد يقع بقوة القانون حسب المادة 28 من قانون 12.90.
غير أننا نجد أن القضاء المغربي سمح للإدارة المعتدية ماديا على عقارات الأغيار من تصحيح وضعيتها من مجرد معتد إلى نازع الملكية، وذلك عن طريق استصدار مرسوم بذلك النزاع ولجوءها إلى مسطرة نقل الملكية أمام المحكمة الإدارية المختصة لتصبح المالك الشرعي للعقار الذي كانت مجرد معتدية عليه،كما انه لم يهدر حقوق المعتدى عليه عندما عمل على تحديد قيمة العقار ليس من تاريخ نزع الملكية الذي يسبق تقديم الدعوى بكثير، وإنما من تاريخ رفع دعوى نقل الملكية خلافا لما هو منصوص عليه في قانون نزع الملكية[25].
وهذا ما جاء في حكم صادر عن إدارية الرباط[26] جاء فيه أن: ” مرور مدة عشر سنوات على نشر تصميم التهيئة وعدم قيام الإدارة بالإجراءات لموالية لإصدار قرار التخلي كما هي منصوص عليها بالقانون رقم 7/81 المتعلق بنزع الملكية من اجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت وحرمان المالك من عقراه طيلة هاته الفترة، يجعلها في وضعية محتلة بدون حق ولا سند، ويكون القرار القاضي برفض رفع اليد عن القطعة الأرضية التي يملكها المدعي غير مشروع ومشوبا بعيب مخالفة القانون يبرر الحكم بإلغائه مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية”.
وفي هذا الصدد، قضى القسم الإداري بالمجلس الأعلى رفع المنع من التصريف قي عقار بعدما انصرم اجل نفاذ تصميم التهيئة الذي تغل خلاله يد المالك قانونا، حيث استجاب لطلب المالك برفع المنع عنه من التصرف في أرض له بعدما استمر ذلك المنع لأزيد من عشر سنوات، وبعدما عجزت الإدارة عن الإدلاء بتصميم التهيئة المتعلق بالمنطقة الواقع بها العقار أو بما يفيد المصادقة عليه، واكتفت بدل ما ذكر بالإدلاء بتصميم هندسي فقط[27].
لكن الغرفة الإدارية اعتبرت في نازلة مماثلة، أن الطعن في القرار الضمني بالمنع ليس من شأنه أن يؤدي إلى وضع حد للمنع، بل يجب رفع الدعوى في إطار المادة 28 من قانون التعمير[28]، وفي قرار آخر أيد فيه المجلس الأعلى حكما ابتدائيا قضى بعدم قبول دعوى التعويض لعدم لجوء رافعها أولا إلى طلب إلغاء مقرر الإدارة المنشئ لتصميم التهيئة.
لكن والرأي فيما نعتقد وكما ذهب إلى ذلك أحد الباحثين[29] فكلا المقترحين- المتعارضين- أعلاه زمنية لن يضفيا أي حماية على الملكية العقارية، بل سيجعل أيادي المالكين مغلولة لمدة زمنية غير محدودة، وكان بإمكانهم بالمقابل الوصول إلى حل أكثر حماية من خلال تطبيق نظرية الاعتداء المادي، أي اعتبار انصرام المدة القانونية المخولة لغل يد المالك لكي لا يتصرف في أرضه واستمرار الإدارة في وضع يدها عليها بمثابة اعتداء مادي كفيل باسترداد الأرض مع استحقاق التعويض عن الاعتداء.
إضافة إلى ذلك، وفي اعتقادي أن التعويض لن يكون كافيا لجبر الضرر لكون الإدارة ستماطل تحت ذريعة الصالح العام ، مما يوجب ضرورة تدخل تشريعي صارم بهذا الخصوص يفرض مسؤولية الإدارة عن الاعتداء المادي لحيازتها للعقارات دون مبرر جديدة وإذا لم يتضمن هذا الأخير تلك الأراضي يكمن استرجاعها من قبل مالكيها.
وحتى وإن أردنا أن نسلم بمشروعية هذا المبرر المتعمد من قبل الإدارة، إلا أنه يجب أن نحتسب المدة التي ستبقى بين يدها تلك الأملاك العقارية، ومن خلال تحديد مدة محددة وبشكل دقيق يسمح لها بالإبقاء على تلك الأملاك لتحدد مدى لزومها من عدمها لكون المتضرر الأول و الأخير هو المنزوع ملكيته.
نخلص أنه في المغرب يحكمه مبدأ عدم التعويض، وأن الاستثناءات التي ترد عليه تتحدد بحالتي المساس بحقوق مكتسبة أو التغيير المدخل على حالة الأمكنة والناتج عنه ضرر مباشر مادي ومحقق.
واعتبارا لما تفرضه هذه التكاليف من متاعب على الأفراد، فإننا نأمل أن يسير الاجتهاد القضائي نحو التوسع في مفهومي الحق المكتسب والتغيير المدخل على حالة الأمكنة، وذلك حتى يستوعب مختلف الحالات التي يتعرض فيها الأفراد لضرر من جراء تحملهم لهذه الارتفاقات وذلك في إطار التوازن بين وجوب المشاركة في التكاليف العامة والمساواة بين المواطنين في تحمل تبعاتها.
لائحة المراجع:
إبراهيم زعيم الماسي، تقدير التعويض عن الاعتداء المادي على الملكية العقارية، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، طبعة 2010.
عبد الرحمان البكريوي، التعمير بين المركزية واللامركزية، الشركة المغربية للطباعة، الطبعة الأولى، سنة 1993.
عبد العزيز اليعقوبي: موضوع “قانون التعمير ومسألة التعويض: قراءة في بعض الإشكالات” ندوة تداول العقار بين المساطر الإدارية ومسطرة الحكم (ولاية تطوان نموذجا: يوم الجمعة 26 دجنبر بمحكمة الاستئناف بتطوان”.
محمد الأعرج، مسؤولية الدولة والجماعات الترابية في تطبيقات القضاء الإداري المغربي، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية عدد 99، سلسلة مؤلفات جامعية سنة 2013.
محمد أيت المكي، محاضرة في النشاط الإداري لمكتبة المعارف الجامعية، مكتبة المعارف الجامعية، فاس السنة الجامعية 2004-2005.
مصطفى بن عثمان- محمد حناج: النتائج المترتبة على الاعتداء المادي، بحث نهاية التكوين للفوج الأول لسك المنازعات الإدارية والمساعدة القضائية للجماعات المحلية، جامعة الأخوين إفران، 16 مارس 2011.
مولاي إدريس الحلابي الكتاني: ” إجراءات الدعوة الإدارية دعوة الإلغاء بسبب تجاوز السلطة”، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 2002.
ناهد بومفتاح، دعوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية الخاصة بين واقع حماية حقوق الأفراد ومصالح الإدارة- رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار شعبة القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الأول وجدة، السنة الجامعية 2010-2011.
هناء بنطامة، نزع الملكية كإجراء لتنفيذ وثائق التعمير، دبلوم الماستر، جامعة وجدة، سنة 2012-2013.
[1] – ظهير شريف رقم 254.81.1 الصادر في 6 ماي 1982 (11 رجب 1402) بتنفيذ القانون 07.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت.
[2] – مقتطف من خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة 14 اكتوبر 2016.
[3] – المحكمة الإدارية بالرباط، حكم رقم 58/15 الصادر بتاريخ فاتح يوليوز 1958.
[4] – محمد أيت المكي، محاضرة في النشاط الإداري لمكتبة المعارف الجامعية، مكتبة المعارف الجامعية، فاس السنة الجامعية 2004-2005، ص 98.
[5] – قرار المجلس الأعلى محكمة النقض حاليا، حكم رقم 500 بتاريخ 07 ماي 1997.
[6] – حكم المحكمة الإدارية بفاس، قرار ملف عدد 27/2001 بتاريخ 21/02/201 قرار غير منشور.
[7]- عبد الرحمان البكريوي، مرجع سابق، ص: 129.
[8]- ملف عدد 27/2001 بتاريخ 21/2/2001. قرار غير منشور.
[9]- محمد الأعرج، نفس المرجع، ص 196.
[10] – راجع مولاي إدريس الحلابي الكتاني: ” إجراءات الدعوة الإدارية دعوة الإلغاء بسبب تجاوز السلطة”، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 2002، ص 233.
[11] – ففي قرار عدد 843 المحكمة الإدارية لفاس الصادر بتاريخ 11.04.2012، قرار غير منشور.
[12]- حكم المحكمة الإدارية بفاس عدد 843 الملف الإداري عدد 27/7108/2014.
[13]- ناهد بومفتاح: دعوى الاعتماد المادي على الملكية العقارية الخاصة بين واقع حماية حقوق الأفراد ومصالح الإدارة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، شعبة القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول ، وجدة، السنة الجامعية: 2010-2011 ص: 60
[14]- مصطفى بن عثمان- محمد حناج: النتائج المترتبة على الاعتداء المادي، بحث نهاية التكوين للفوج الأول لسك المنازعات الإدارية والمساعدة القضائية للجماعات المحلية، جامعة الأخوين إفران، 16 مارس 2011، ص: 42-43
[15]- السبب في ذلك يرجع لعدم صرامة المادة 28 من قانون 12.90 مما جعل الإدارة تتماطل في رفع اليد على العقارات وهذا ما جعل الوكالات الحضرية ترفع طلبا إلى وزارة السكنى والتعمير بارباط تطالب فيه بتوضيح وتفسير المادة 28 بشكل أدق لا يدع مجالا للغموض
[16]- قرار صادر عن المجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا – رقم 18 المؤرخ بتاريخ 24/01/2007، ملف إداري عدد 217- 4-3-2006، غير منشور
[17] – حكم المحكمة الإدارية بوجدة عدد 87/2000 بتاريخ 7/6/2000.
[18] – حكم المحكمة الإدارية بمكناس، عدد 82/2002 بتاريخ 17/10/2002.
[19] – حكم محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، قرار عدد 654 بتاريخ 13/02/2014 ملف عدد 371/13/6.
[20]- عبد العزيز اليعقوبي: موضوع “قانون التعمير ومسألة التعويض: قراءة في بعض الإشكالات” ندوة تداول العقار بين المساطر الإدارية ومسطرة الحكم (ولاية تطوان نموذجا: يوم الجمعة 26 دجنبر بمحكمة الاستئناف بتطوان” ، ص 238.
[21] – قرار صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط عدد 437/11/6 بتاريخ 16 مارس 2010 قرار غير منشور.
[22]- ناهد بومفتاح، دعوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية الخاصة بين واقع حماية حقوق الأفراد ومصالح الإدارة- رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار شعبة القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الأول وجدة، السنة الجامعية 2010-2011 ص: 65
[23]- قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 30/4/2003، أورده إبراهيم زعيم الماسي، م س ص: 107
[24] – هناء بنطامة، نزع الملكية كإجراء لتنفيذ وثائق التعمير، دبلوم الماستر، جامعة وجدة، سنة 2012-2013 ص: 50
[25]- إبراهيم زعيم الماسي، تقدير التعويض عن الاعتداء المادي على الملكية العقارية، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، طبعة 2010، ص: 114.
[26]- حكم صادر عن إدارية الرباط رقم 837 بتاريخ 8/3/2012، ملف رقم 277/5/2009 منشور بمجلة الأملاك، عدد مزدوج 11-12، سنة 2012-2013، المطبعة والوراقة الوطنية، ص: 437 وما بعدها
[27]- قرار للمجلس الأعلى، محكمة النقض حاليا، عدد 54، بتاريخ 20/02/2008، ملف عدد 2183/4/3/2006، قرار غير منشور.
[28]- قرار عدد 596 بتاريخ 19/7/2007، ملف عدد 1673/4/1/2004، المرجع نفسه، ص: 104.
[29]- ومما جاء في قرار : ” حيث ثبت المجلس من وثائق الملف أن العقار لازال على حالته، إذ اكتفت الإدارة بفل يد العارض لمدة عشر سنوات، مما يعطيه الحق في التوجه إلى القضاء الإداري لإلغاء المرسوم المذكور، وبالتالي الحكم في محله ويتعين رد الاستئناف” المرجع نفسه،ص: 104-105.
اترك تعليقاً