إعادة نشر بواسطة محاماة نت
أثار إعلان قناةCNN الأمريكية موجة من السخرية والتهكم عند تبريرها إسقاط المقاتلة السورية بقولها إنه يأتي في سياق الدفاع عن النفس وعن القوات الأمريكية الموجودة فوق الأرض السورية؛ فهل هذا التبرير فعلاً منسجم مع أحكام القانون الدولي وأحكام الدفاع المشروع عن النفس كما زعمت القناة المشهورة؟
من خلال اطلاعنا على القواعد القانونية والمبادئ الأساسية التي تتبعها الدول في علاقاتها المتبادلة نستطيع أن نُكوَن فكرة عامة عن حقوق الدول وواجباتها؛ فالدولة تتمتع بحقوق أساسية طبيعية تثبُت لها بحكم وجودها ذاته؛ وتتمتع كذلك بحقوق ثانوية تكتسبها عن طريق العرف والاتفاق؛ ولن نهتم هنا إلا بأحد هذه الحقوق الأساسية وهو حق الدولة في البقاء والدفاع عن النفس؛ والذي لا يختلف في مفهومه عن حق الدفاع الشرعي في القانون الداخلي؛ أي يثبت للدول كنتيجة لحقها في البقاء عندما يكون هناك اعتداء مباشر وغير مشروع لا يمكن دفعه إلا باستعمال القوة.
وهذا يعني أن للدولة المعتدى عليها مطلق الصلاحية في المحافظة على وجودها واتخاذ جميع التدابير اللازمة لدفع كل خطر داخلي أو خارجي يهدد كيانها؛ ففي داخل إقليمها تستطيع أن تقوم بكل عمل تراه كفيلاً بالمحافظة على كيانها ومساعدتها في حفظ وحدة ترابها وسلامة أمنها والدفاع عن نظامها السياسي والدستوري ومنع الإرهابيين من الدخول إلى أراضيها. وفي سبيل حماية نفسها من الاعتداءات الخارجية تستطيع تجنيد شبابها وتعد العدة عسكرياً للذود عن حياضها وتعقد التحالفات الدفاعية مع الدول الصديقة، وهو ما نجده في المادة /51/ من الميثاق الأممي الذي يعتبره حقاً طبيعياً للدول.. ولكن هذا الحق لا يثبت للدول إلا إذا كان هناك اعتداء واقع غير مشروع لا يمكن دفعه إلا باستعمال القوة؛ فالدولة مثلاً لا يحق لها أن تهاجم دولة أخرى بحجة الدفاع عن نفسها كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الأزمة في سورية مع الدولة السورية والجيش العربي السوري.
والحقيقة أن التصريحات التي أدلت بها الإدارة الأمريكية عبر قناة CNN في تبرير العدوان على المقاتلة السورية، تشبه التبرير الذي استخدمته ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية لتغطية عدوانها على الاتحاد السوفييتي؛ فقد هاجمت ألمانيا في حزيران عام 1941 الاتحاد السوفيتي وزعمت لتبرير هجومها أن الأخير يستعد للاعتداء عليها، وأن هجومها لم يكن إلا بحكم الدفاع المشروع عن النفس؛ وهذا ما فعلته إسرائيل أيضاً في كافة حروبها على الدول العربية.
وعليه، فإن تبرير الولايات المتحدة اعتداءها على المقاتلة السورية يناقض نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة سالفة الذكر، حيث ربط حق الدفاع بوقوع اعتداء من قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة؛ فهل حصل أن اعتدت المقاتلة السورية على القوات الأمريكية الموجودة في الولايات المتحدة أم أنّ العكس هو ما حصل؟
بالتأكيد إن ذلك لم يحصل على الرغم من انتهاك القوات الأمريكية للقانون الدولي والدخول غير المشروع للأرض السورية، والذي يمكن فهمه في إطار نظرية المجال الحيوي التي ابتدعها الفقهاء الألمان ليجدوا مبررات قانونية مقبولة لسياسة بلدهم التوسعية الرامية إلى ابتلاع الجيران وانتزاع جزء من أقاليمهم. لكن هذه النظرية كانت محل رفض من معظم الفقهاء وهي تعني عندهم هدم القواعد الدولية لأن الدول بموجب هذه النظرية تستطيع عندئذ الاعتماد على هذا السبب ذي المظهر القانوني لخرق القواعد التي تحفظ سيادة الدول واستقلالها وتمنع تبرير العدوان عليها. كما أن هذا الحق المزعوم (المجال الحيوي) ليس له حدود ولا يقف عند ضابط يعين مداه ومفهومه، وإن تقديره أمر كيفي لا يخضع لقاعدة معينة بل يخضع للاعتبارات التي تحاول بها الدول المعتدية تبرير جرائمها ومخالفتها.
ختاماً، إن ما أدلت بهCNN ومن ورائها الإدارة الأمريكية في تبرير العدوان على المقاتلة السورية يتعارض مع القواعد الدولية التي تعتبر حق البقاء واحداً لجميع الدول على حد سواء، وليس لأقواها، وأن زمن التوسع العدواني وقلب الحقائق واختلاق الذرائع ولَى إلى غير رجعة. ويمكننا الجزم اليوم بأننا أمام عصر جديد وتوازن دولي جديد ترسم خطوطه وقواعده بالنار على الأرض السورية، والمقابلة التي أجرتها جريدة الشرق الأوسط قبل يومين مع السفير الأمريكي الأخير في سورية روبرت فورد خير دليل على ما تقدم.
اترك تعليقاً