القاضي الإداري و مسطرة الإشعار لدى الغير : تعليق على حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 2068 بتاريخ 30 ماي 2013
الدكــتـور محمد الأعرج : أستاذ التعليم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.
قضت المحكمة الإدارية بالرباط في حكم لها ما يلي:
“مباشرة مسطرة الإشعار لدى الغير الحائز في مواجهة شخص غير معني بالضريبة، كان السبب المباشر في حجز واقتطاع من الحساب البنكي للمدعي، مما ألحق به ضررا ماديا ومعنويا تمثل في حرمانه من التصرف في ماله، مما تكون معه العلاقة السببية بين الخطأ والضرر قائمة، ويستوجب معه الحكم بإرجاع مبلغ الاقتطاع استردادا لما دفع بغير وجه حق، والحكم بتعويض المدعى عن الضرر اللاحق به“.
يثير حكم المحكمة الإدارية بالرباط إشكالية مباشرة مسطرة الإشعار لدى الغير الحائز في مواجهة شخص غير معني بالضريبة. وللتعليق عليه لا بد من استعراض وقائعه وحيثياته ومنطوقه.
1- الوقــائـع:
بناء على المقال الافتتاحي للدعوى المقدم إلى كتابة ضبط هذه المحكمة من طرف المدعي بواسطة نائبته والمؤدى عنه الرسوم القضائية، والذي يعرض فيه أنه بتاريخ 08/12/2011 تم الحجز والاقتطاع من حسابه البنكي ما مجموعه 18.793.29 درهم من طرف قباضة مرتيل رغم كونه غير ملزم بالضريبة وهو الخطأ الذي أكدته الإدارة الجهوية للضرائب، ملتمسا الحكم بإلزام قباضة مرتيل بإرجاع المبلغ المقتطع مشمولا بالفوائد القانونية وفوائد التأخير من تاريخ الحجز والاقتطاع التعسفي إلى تاريخ التنفيذ مع تعويض عن الضرر قدره 10 آلاف درهم، مع النفاذ المعجل وتحميل الصائر، مرفقا مقاله بشهادة الحجز على الحساب البنكي وشهادة عدم التسجيل في السجل التجاري وشهادة القابض تفيد وقوع الخطأ والجدول الضريبي للمدعي ونسخة من التظلم.
وبناء على المذكرة الجوابية لقابض مرتيل بطنجة بتاريخ 2013/05/15 يدفع فيها بعدم القبول لعدم إدخال الخزينة العامة في شخص الخازن العام طبقا للفصل 515 من قانون المسطرة المدنية، وملتمسا رفض الطلب لأن المدعي لا يوجد ضمن لائحة الملزمين لدى قباضة مرتيل نافيا واقعة الاقتطاع.
2- الحيثيات:
حيث يهدف الطلب إلى استرجاع مبلغ 18.793.29 درهم المحجوز والمقتطع بشكل خاطئ من الحساب البنكي للمدعي، مشمولا بالفوائد القانونية وفوائد التأخير من تاريخ الحجز والاقتطاع من حسابه البنكي.
وحيث أكدت المدعى عليها أن المدعي لا يوجد ضمن لائحة مدينها.
لكن بالرجوع للوثائق المدلى بها من طرف المدعي يتبين أن قابض مرتيل توصل برسالة عدد 12/309 بتاريخ 21/05/2012 تفيد بوجود خطأ في اسم الملزم، كما أن الشهادة البنكية الصادرة عن البنك المغربي للتجارة الخاجية-وكالة مرتيل بتاريخ 09/02/2011 تتضمن إعلاما للمدعي بوقوع الحجز على حسابه البنكي بتاريخ 20/08/2011 في إطار الإشعار للغير الحائز، إضافة إلى أن بيان وضعية الملزم مؤشر عليها بملاحظة تغيير اسم المدعي باسم عمرتي سلام مراد، مما يكون معه ثابتا أن الحجز والاقتطاع تما بشكل خاطئ.
وحيث إن الخطأ الذي وقعت فيه الإدارة الضريبية المدعى عليها بمباشرة مسطرة الإشعار لدى الغير الحائز في مواجهة شخص غير معني بالضريبة، كان السبب المباشر في حجز واقتطاع مبلغ 18.793.29 درهم من الحساب البنكي للمدعي، مما ألحق به ضررا ماديا ومعنويا تمثل في حرمانه من استثمار المبلغ والتصرف فيه، مما تكون معه العلاقة السببية بين الخطأ والضرر قائمة، ويستوجب معه الحكم بإرجاع مبلغ الاقتطاع استردادا لما دفع بغير وجه حق، والحكم بتعويض المدعي عن الضرر اللاحق به.
وحيث إن طلب الفوائد القانونية كتعويض عن التأخير في الأداء مستحق من تاريخ الحكم ويتعين الاستجابة له.
3- المنطوق:
حكمت المحكمة الإدارية علنيا، ابتدائيا وحضوريا:
في الشكل: بقبول الطلب
في الموضوع: بإرجاع قابض مرتيل لفائدة المدعي مبلغ 18.793.29 درهم مع الفوائد القانونية المترتبة عنه من 20/08/2011 إلى تاريخ الحكم مع تعويض عن الضرر قدره 3000 درهم مع الصائر ورفض باقي الطلب.
4- التعليق :
يعتبر الإشعار للغير الحائز من بين الإجراءات التي لها أهمية متميزة في ميدان التحصيل، حيث يشكل اللجوء إليه مسلكا ناجعا في الاستغناء عن حجز وبيع منقولات المدين، والتي لها وقع سلبي عليه.
وهذا الإجراء، وإن كان منصوصا عليه من قبل في ظهير 21/8/1935، إلا أنه في إطار المدونة الجديدة تم توسيع مجالات استعماله.
والإشعار للغير الحائز هو وسيلة قانونية تمكن المحاسب المكلف بالتحصيل بصفة مباشرة من استخلاص الديون العمومية المتمتعة بامتياز الخزينة بين يدي الأغيار الحائزين لها، بعد استنفاد مرحلة التحصيل الرضائي التي منحها المشرع للمدين من أجل تسوية وضعيته وبشكل حبي، مما جعلها المسطرة الجبرية الأكثر الإجراءات استعمالا من قبل المحاسبين المكلفين بالتحصيل وعموما يهدف الإشعار للغير الحائز إلى تمكين الخزينة العامة في الحال من المبالغ المودعة، ويعتبر الأثر الفوري لمسطرة الإشعار للغير الحائز، من أبرز المميزات التي تميز هذه المسطرة عن باقي إجراءات التحصيل.
إلا أن القاضي الإداري وسعيا إلى حماية المدين عمل على تقييدها بمجموعة من الإجراءات والقيود، وفي هذا الإطار قضى حكم للمحكمة الإدارية بالرباط بخصوص الأداء من خلال مسطرة الإشعار للغير الحائز واعتباره أداء جبريا يتم كرها ودون موافقة الملزم خصوصا إذا تحقق سريان أجل التقادم ما يلي: “تحقق سريان أجل التقادم من شأنه أن يجعل الملزم في حل من سلوك مقتضيات الفصل 120 من مدونة التحصيل، ولئن كان الأداء الطوعي للضرائب المتقادمة يسقط الحق في التمسك بالتقادم بصريح الفصل 73 من ق ل ع فإن الأداء من خلال مسطرة الإشعار للغير الحائز يعتبر أداء جبريا يتم كرها ودون موافقة الملزم مما يتعين معه رد الدفع بانقطاع التقادم”[1].
وقضى حكم للمحكمة الإدارية بالرباط تحت رقم 4384 بتاريخ 28/11/2012: “أن اللجوء إلى مسطرة الإشعار للغير الحائز يقتضي احترام المقتضيات القانونية المنصوص عليها في مدونة التحصيل، ومشروطة بأن لا تتجاوز المبالغ المحجوز عليها حدود المبالغ الواجبة على الملزمين وعدم التوسع في تطبيق هذه المسطرة حماية للأموال المودعة بالأبناك بالنظر لخطورة الإجراء على الثقة في المؤسسات الائتمانية، وتأثير تبعات ذلك على الاقتصاد الوطني، مما يفرض على القائمين على هذه المسطرة في جميع الأحوال عدم التعسف في استعمال الحق المخول لهم.
واللجوء إلى مسطرة الإشعار للغير الحائز يقتضي احترام المقتضيات القانونية، ومشروطة بأن لا تتجاوز المبالغ المحجوز عليها حدود المبالغ الواجبة على الملزمين وعدم التوسع في تطبيق هذه المسطرة حماية للأموال المودعة بالأبناك بالنظر لخطورة الإجراء على الثقة في المؤسسات الائتمانية[2]، قضى حكم للمحكمة- الابتدائية بالرباط:
“إن القابض وفي إطار مباشرته لإجراءات التحصيل المترتبة بذمة المدعي قد قام بإجراء إشعارين للغير الحائز لدى الشركة المغربية للأبناك، فإن الإجراء المذكور، وإن كان يتسبب للمدعي في ضرر مادي، فإنه لا يمكن أن يتسبب له في ضرر معنوي من خلال المس بسمعته لدى البنكين، طالما أنه لم يدل بما يثبت عدم خضوعه لضرائب موضوع تلك الإشعارات، كما أن القيام بإجراء إشعار للغير الحائز يتم بعد استنفاد مساطر أولية لاستخلاص الدين المذكور، وأنه كان بإمكان الطرف المدعي تجنب الإشعار المذكور، فضلا على أنه لا مجال للحديث عن الضرر المعنوي المترتب عن مباشرة إجراء إشعار الغير الحائز إلا إذا كان المعني به معفى من أداء الدين الضريبي بصفة كلية”[3].
وبخصوص مباشرة مسطرة إشعار الغير والتي لا يجوز تفعيلها إلا بعد سلوك إجراءات التبليغ والإعذار كما هي محددة قانونا، فما دامت مسطرة إشعار الغير الحائز تعتبر إجراء من إجراءات التحصيل الجبري، فإنه لا يمكن مباشرته إلا بعد سلوك إجراء التبليغ والإعذار كما هي محددة قانونا، وبالتالي مباشرة مسطرة إشعار الغير الحائز دون احترام قاعدة تسلسل المتابعات يجعل مسطرة التحصيل باطلة”[4].
مسؤولية القابض تبقى قائمة ما دام أن يقر بقيامه بالاقتطاع بحجة عدم الأداء، دون الاستناد إلى ما يدعم موقفه، أو يدفع عنه المسؤولية، ببيان سبب الاقتطاع والجهة المسؤولة عنه، وتوضيح ذلك للمحكمة، أو الجهة المعنية بالاقتطاع التي ينبغي أن تكون بينة من مضمون الاقتطاع وسببه، ولا تفاجأ باقتطاع مع حسابها دون إشعار سابق أو لاحق يبين مبرراته حتى يتمكن للمعني اتخاذ الإجراءات القانونية والدفاع عن حقوقه في مواجهة الجهة المسؤولة عن الأمر بهذا الاقتطاع.
وبالتالي فإن ما قضت به المحكمة الإدارية بالرباط بالحكم بالتعويض عن الضرر اللاحق بالمدعي كان صائبا في ظل وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر.
الهوامش :
حكم رقم 1975 صادر بتاريخ 24/5/2012 في الملف رقم 1400/7/2009، غير منشور.
حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 4384 صادر بتاريخ 28 دجنبر 2012، غير منشور.
حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 4602 صادر بتاريخ 13 دجنبر 2012 في الملف عدد 342-12-2012، غير منشور.
حكم عدد 1892 صادر بتاريخ 11 أكتوبر 2011، غير منشور.
اترك تعليقاً