دور القاضي في تطوير النص القانوني / للقاضي سالم روضان الموسوي
علم القانون مثله مثل سائر العلوم الأخرى يتطور تجاه تأمين الحاجة الإنسانية، إلا انه يختلف عن غيره لان تطوره لا ينعكس في اثر ظاهر على النص القانوني النافذ، وإنما يكون بإلغاء أو تعديل ذلك النص ويبقى النص على ما هو عليه عند تشريعه. وحيث ان فقهاء القانون أوجدوا له تعريفاً بانه مجموعة من القواعد التي تنظم حالة معينة في المجتمع لها قوة الإلزام ، ومن ذلك نجد ان التشريع بأحكامه المعدودة كما ونوعا لا تواكب السعة في الحياة اليومية للمجتمع ، لان المجتمعات ذات طبيعة متحركة غير ساكنة فيها أحداث ووقائع كثيرة تتناسب طرديا مع زيادة عدد السكان والانتقالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وسائر المظاهر التي يتصف بها كل مجتمع. والمراقب لحركة التشريع يجد ان التشريع يكون قابلاً للتعديل أو الإلغاء بين الحين والآخر من اجل مواكبة تلك الحاجة او الموائمة بينه وبين الأفكار والنظريات التي تستجد في علم القانون، لكن كيف يتطور النص النافذ والواجب التطبيق تجاه الحاجات التي تكن لها ضرورة استمرار المجتمع في مسيرته وهو يتصف بالجمود.
ارى بان المهمة ستكون موكلة حصرا للقضاء لأنه سيعمل على تطوير روح النص وليس النص بذاته لان العبرة بالأحكام التي يسعى إلى تحقيقها النص القانوني معبرا عن فلسفة المشرع، ووجود النص لا يشكل اثر تجاه المجتمع والأفراد ما لم يفعل ويطبق، وجهة تطبيقه هي المحاكم التي تتشكل منها السلطة القضائية ونجد ان مهمة تطوير النص تكون عبر القراءة المتجددة لأحكامه واستنباط الأحكام التي تنسجم وروح النص وغاية المشرع وحاجة المجتمع، وهذه مهمة كبيرة تولاها القضاء العراقي عبر العديد من أحكامه التي أصدرها تجاه حالات لم ير في ظاهر النص حكماً ينظمها إلا ان قدرة القاضي وحرفيته ومهنيته مكنته من استجلاء الغاية واستنباط الحكم وذلك عبر تاريخه منذ تشكيل المحاكم العراقية وحتى الآن، فضلا عن إلزام المشرع للقاضي العراقي بالأخذ في التفسير المتطور للنصوص القانونية على وفق حكم المادة(3) من قانون الإثبات رقم(107) لسنة 1979 المعدل التي جاء فيها(الزام القاضي باتباع التفسير المتطور للقانون ومراعاة الحكمة من التشريع عند تطبيقه) .
وفكرة تطوير النص القانوني جاءت من خلال الموروث الفقهي الكبير للأمة عندما لم يكن هناك قانون بالشكل الذي عليه الآن، حيث أن حركة التشريع الحديث في العراق ظهرت في وقت متأخر نسبيا في ظل فترة الاحتلال العثماني الذي لم يكن يشرع النصوص القانونية إلا بشكل نسبي وكان يعتمد في اغلب أحكامه على فتاوى رجال الدين عند التصدي إلى المنازعات والخصومة بين الأشخاص وتم جمعها في (مجلة الأحكام ) وكانت أشبه بالقانون لأنها لم تكن ملزمة للجميع.
وبذلك نجد إننا بحاجة إلى تحديث آليات تطوير النص القانوني، واعني به القضاء الذي يطبق النص، من خلال توفير أدوات النهوض الفكري تجاه الاجتهاد المتطور في استنباط الأحكام، لان القوانين على الرغم من وفرة وجودها إلا إنها محدودة العدد، بمعنى إنها متناهية بينما الأحداث والوقائع اليومية غير متناهية وعلى وفق قول الفيلسوف ابن رشد(إن النصوص متناهية والأحداث والوقائع غير متناهية ومن المحال ان يقابل ما يتناهى بما لا يتناهى لذلك وجب الاخذ بالقياس والاجتهاد في ما لا نص فيه خلافا لآهل الظاهر) وبما أن أهم تلك الأدوات هي شخصية القاضي الذي يطبق النص، فكان لمجلس القضاء الأعلى عمل كبير في هذا الاتجاه، إذ بادر إلى إنشاء معهد التطوير القضائي وهو يشكل وسيلة للتعليم المستمر ونظم هذا المعهد الكثير من الدورات والندوات وورش العمل في كل مجالات العمل القضائي
والتنوع القانوني ولم يقتصر العمل على القضاة فحسب بل شمل التشكيلات و الموظفين الساندة للعملية القضائية ومنهم المحققون القضائيون والمعاونون وكتاب الضبط والكوادر الادارية والحسابية وغيرهم، ويحظى هذا النشاط برعاية كبيرة من مجلس القضاء ممثلا بالحضور الدائم لرئيس مجلس القضاء الأعلى والإشراف المباشر على نشاطه من اجل توفير كل سبل النهوض، وفعلا لمسنا نتائج مهمة في الأداء والعمل القضائي، كما لا يخفى ابتعاث القضاة وإيفادهم الى البلدان العربية والأوروبية وسائر الدول الأخرى ذات الوجه المتطور في العمل القضائي من اجل فتح آفاق الإطلاع على التجارب المتطورة من اجل الاستعداد لما سيقدم عليه العراق في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية وكان الأثر واضحاً في إيجاد قضاء متخصص في العمل التجاري وفي مجال حرية الرأي والتعبير وقضايا النشر والإعلام وفي مجال الأسرة في إنشاء هيئة البحث الاجتماعي .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً