الموظف العمومي بالمغرب بين القانونين الإداري والجنائي
مقدمة:
تشهد المجتمعات المعاصرة على اختلاف مشاربها السياسية وأنظمتها الاقتصادية تزايدا ملحوظا في الدور الذي تلعبه الدولة قصد تحقيق رفاهية شعوبها.
فبعدما كان دور الدول يقتصر على ما يسمى بالدولة الدر كية أو الحارسة التي تقوم بتأمين خدمات الأمن والدفاع عن حوزة التراب والسهر على صحة المواطنين الشئ الذي جعل دور الموظف آنذاك بسيطا ومحتشما.
أصبحت فضلا عن ذلك تتحمل على عاتقها مسؤولية تحقيق أهداف التنمية وذلك من خلال تدخلاتها في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية….
استجابة لوصفات توصيات صندوق النقد الدولي الذي اعتبر أن الأنشطة الإدارية التي يقوم بها موظفو هذه الدول تسودها ظاهرة البيروقراطية و يطالها الفساد في مفهومه الواسع.
وتبعا لذلك أصبح العصر الحديث يشهد دورا جديدا ورائدا لأجهزة الإدارة يتسم بالتشعب والتغلغل في مختلف أوجه النشاط داخل الدولة التي أصبح من اللازم عليها إدخال ثقافة جديدة في تدبير الشأن العام للخروج من الأزمات التي تعيشها.
ولا غرو أن معظم الدول في الوقت الحاضر تهتم بدراسة وتقييم المشاكل الإدارية التي تواجهها أجهزتها الحكومية وذلك قصد الدفع بكفاءتها الإنتاجية إلى مواكبة قاطرة التطور.
فلجأت إلى إصلاحات إدارية تهتم بالدرجة الأولى إلى تنظيم إدارة الأشخاص العاملين في قطاع الوظيفة العمومية.
بحيث شرعت في تحديث أسلوب ومضمون تكوينهم والرفع من قدرتهم على أداء مهامهم استجابة لمتطلبات العصر.
هذا وحتى يكون المغرب في الموعد مع تحديث إدارته فانه نهج نفس المسار ذلك أنه من أهم القضايا التي تشغل باله في الوقت الحاضر تلك التي تتعلق بحسن الأداء الإداري.
وفي هذا المجال لابد من الإشارة إلى ما عبرت عنه حكومة التناوب منذ تـأسيسها سنة 1997 فيما يخص «ميثاق حسن التدبير» للرفع من مرد ودية الأداء الحكومي وبالتالي مرد ودية قطاع الوظيفة العمومية.
وأيضا المذكرة رقم 46 بتاريخ 26 مايو 2004 المتعلقة بشأن ميثاق «حسن سلوك الموظف العمومي » التي هي مجموعة من القواعد القانونية العامة الملزمة والمجردة والجاري بها العمل تتوخى إلمام الموظف بواجباته والتزاماته تجاه الرؤساء والمرؤوسين والزملاء وفي علاقة بمرتفقي الإدارة وما يتطلبه ذلك من التزام بمواقيت العمل ولباقة في تواصله مع محيطه ومع المتعاملين معه بتفتح ورحابة صدر واتزان ومسؤولية.
ويتخذ هذا الميثاق كآلية مرجعية لإرساء أسس إدارة حديثة ومسئولة ومواطنة وقريبة من انشغالات المواطنين في جو يسوده التعاون والتآزر والانضباط لقواعد الأخلاقيات المهنية.
ومما لاشك فيه أن موضوع تحديث الوظيفة العمومية أخذ باهتمام الفقهاء الإداريين الذين لم يبخلوا بإبداء آرائهم وتحليلاتهم لواقع الوظيفة العمومية مبينين العراقيل التي تقيد تطورها والحلول التي تسمح لها بالانفتاح على عصرها وذلك في مؤلفات عديدة.
والملاحظ في هذه المؤلفات أن منها ما ركز على الطابع القانوني ومنها ما اعتمد على الطابع السلوكي والإداري وهذا الأخير هو الاتجاه الحديث لعلم الوظيفة العمومية.
ورغم هذا الاختلاف فان جميع هده المؤلفات تتفق على ضرورة تطوير الوظيفة العمومية بما يتلاءم وطبيعة أهداف المجتمعات الحديثة وبالتالي رفع مستوى أداء الخدمات العامة والقضاء على مظاهر الروتين والتعقيد والإسراف في استغلال الموارد العامة للدولة.
كل هذا من أجل الرفع من مرد ودية الوظيفة العمومية والتي يجب أن يتضمن نظامها القانوني القواعد التي تكفل حسن اختيار الموظفين عند التعين وأثناء العمل وأن تضمن لهم مستوى معيشة جيدة يحفظ لهم كرامتهم آدميتهم وأن تعطى لهم الضمانات اللازمة لذلك كما يجب أن تنظم رقابة فعالة تسمح بمعاقبة الموظف المهمل أو المقصر بسرعة حزم وأن يكون كل ما يتعلق بالوظائف والموظفين بمنأى عن السياسة والاعتبارات الحزبية.
والحديث عن الوظيفة والموظف في المغرب يكشف لنا تطور مفهوم هذا الأخير تطورا متتاليا تبعا لمسيرة المهام التي تولتها الوظيفة العمومية عبر التاريخ.
من هذا المنطلق سنعمل على توضيح مفهوم الموظف العمومي بالمغرب بين آختلالات الماضي وتعديلات الحاضر في (الفصل الأول) والقيام بدراسة نقدية للتعديلات الجديدة علىالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية بالمغرب.
الفصل الأول : الموظف العمومي بالمغرب بين اختلالات الماضي وتعديلات الحاضر
إن الدولة باعتبارها شخصا معنويا عاما لا تستطيع أن تقوم برسالتها وأن تؤدي دورها إلا عن طريق شخص طبيعي يقوم بالتعبير عن إرادتها والذي يضطلع بدور هام باعتباره منفذ سياسة الدولة و المسؤول عن تحقيق أهدافها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
هذا الشخص يتمثل في الموظف العمومي الذي يطرح إشكالية تتمثل في وضع مقاربة تعريفية له ومن ثم تحديد الإطار القانوني الضابط والمنظم لنشاطه المهني سواء في بعده الضيق المتمثل في القانون الإداري المغربي الذي يجد سنده في الظهير الشريف رقم 1.58.008 بتاريخ 4 شعبان 1377 (24 فبراير1958) بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية أو في بعده الواسع والشامل المستلهم من الظهير الشريف رقم 1.59.413 بتاريخ 1962.11.26.
هدا الموظف وبغض النظر عن أساسه القانوني. فانه يدخل في علاقة إدارية مع الجهاز الإداري الذي يتبع له.
هذه العلاقة تترتب عنها حقوق يكتسبها الموظف طيلة مساره الوظيفي مقابل قيامه بواجباته والتزاماته التي تقع على عاتقه وكل إخلال بها ينتج عنها قيام علاقة أخرى مع الجهاز الإداري.
علاقة قائمة على عنصر التأديب والزجر والتي تقتضي توفير كل الضمانات المقررة عند هذا التأديب حماية للموظف من تعسف الإدارة.
وانطلاقا من كل هذا فإننا سنقوم بمقاربة كل هذه المعطيات في هذا الفصل وفق ثلاثة مباحث
سنتناول في المبحث الأول : تعريف الموظف العمومي في القانون المغربي سواء الإداري أو الجنائي وفي المبحث الثاني سنتعرض لعلاقة الموظف بالجهاز الإداري وفق التعديلات الجديدة والمرتبطة بحقوق وواجبات الموظف قبل أن نعرج في المبحث الثالث إلى تأديب الموظف في القانونين الإداري والجنائي.
المبحث الأول: تعـريف المـوظف العـمومي فـي القـانون المغربي
عرف مفهوم الموظف العمومي عدة صعوبات في تحديد النظام القانوني الذي يحكم قواعد استخدامه، فهل يخضع لأحكام قانون الشغل؟ أم يخضع لأحكام قانون الوظيفة العمومية؟ أم يخضع لقوانين أخرى خاصة ؟
الواقع أن تحديد مـدلول الموظف العمومي، يستلزم استحضار مفهومين أساســين: مفهوم ضيق (المفهوم الإداري:المطلب الأول) ومفهوم موسع (المفهوم الجنائي:المطلب الثاني).
المطلب الأول: مفـهوم الـموظـف العمـومي فـي القـانـون الإداري.
لم يكن المغرب يتوفر قبل الحماية الفرنسية المفروضة عليه سنة1912 على أية إدارة متطورة وحديثة بمفهومها الغربي، ولا على أي نظام أساسي خاص بالوظيفة العمومــية ،وبالتالي كانت جل المفاهيم المعاصرة في المجالين السياسي والإداري غائبة ولا تحظى بالاهتمام المطلوب، ومن بين هده المفاهيم نجد مفهوم الموظف العمومي، الذي كان موجودا بالفعل خلال تلك المرحلة، لكن في إطار تقليدي غير مقنن وفقا لما تضمنته التشريعات الحديثة، فإلى جانب الحكومة المخزنية، كان النظام المخزني في المغرب يتوفر على طاقم إداري تقليدي متكون من العمال والباشاوات والقياد والولاة والشيوخ والمقدمين يقومون بخدمة العرش والمحافظة عليه ويقومون كذلك بتدبير الشؤون المخزنية المختلفة، فكان*المخزني* كمفهوم تقليدي لفكرة الموظف العمومي، خادما للدولة والأعتاب الشريفة ،والسلطان يمثله و ينوب عنه ويجسده ويذوب في ذاته وكيان الدولة الشريفة حتى صار الأمر أهم مسالة خصوصية في النظـام السياسـي والإداري المغربـــي([1]).
وفي فترة الحماية، شهد المغرب إصلاحات إدارية عميقة وفقا لمعاهدة الحماية على جميع المستويات، فنال الحقل القانوني والإداري نصيبه من هده الإصلاحات الجوهرية المهمة، وبدأ العاملون في الإدارة الشريفة يتمتعون ببعض الامتيازات ولو على المستوى النظري على غرار زملائهم الموظفين العموميين الفرنسيين‘ وعرف المغرب حركة تشريعية مهمة في بداية هده المرحلة، حيث جاء ظهير الالتزامات والعقود بتاريخ12 غشت،1912 لينص لأول مرة في المغرب على مفهوم الموظف وذلك عند تأسيسه للأحكام مسؤوليات الدولة والبلديات عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير مختلف إداراتها وعن الأخطاء المصلحية لأحد موظفيها أو مستخدميها إن كان هذا الخطأ غير مطبوع بالطابع الشخصي للموظف (الفصل79 من ظهير الالتزامات والعقود) أما ا ذا كان هذا الخطأ شخصيا فإن الموظف يكون هو المسئول ولا تطالب الدولة بالتعويض إلا في حالة إعساره (الفصل80 من ظهير الالتزامات والعقود) . لكن هذا التوظيف لمفهوم الموظف العمومي كانت إشارة بسيطة لم ترقى إلى مستوى تعريف هذا المفهوم.
وبعد الاستقلال شهد المغرب حركة تشريعية أخرى واسعة كان من بينها الظهير الشريف رقم 1.58.008الصادر بتاريخ24 فبراير1958 بمثابة نظام أساسي عام للوظيفة العمومية .
وقد جاء في الفصل الثاني من هذا القانون ما يلي: «يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم قي إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة».
ويلاحظ أن هذا الفصل يخص فقط الموظفين المرتبين بأسلاك الإدارة التابعة للدولة ،لهذا جاء مرسوم شتنبر المتعلق بالنظام الأساسي لموظفي الجماعات ليؤكد على نفس التعريف بالنسبة لهؤلاء الموظفين الجماعيين إذ ينص في فصله الأول على ما يلي :« يخول صفة موظفا في الجماعة كل شخص يعين في منصب دائم ويرسم بإحدى درجات تسلسل أسلاك الجماعات»([2]).
يظهر إذن من هذا التعريف أن المشرع المغربي يشترط ثلاثة عناصر أساسية باعتبار الشخص موظفا عموميا وهي كالتالي:
التعيين في وظيفة عمومية: يشترط لكي يعد الشخص موظفا عموميا أن يعين في وظيفة عمومية من قبل السلطة التي تملك تعيينه قانونا([3])، وهي سلطة مختصة ومؤهلة للإصدار قرار التعيين وأن يتخذ طبقا لما يستلزمه القانون من إجراءات إدارية وإلا سيعتبر القرار معيبا،وبالتالي لن نكون أمام موظفا عمومي شرعي عادي بل نكون أمام أحد حالات الموظف الفعلي أوالوا قعي([4]) بالنسبة للغير وقد لا يعتبر موظفا عموميا الشخص المعين في وظيفة من قبل سلطة غير مختصة زمنيا أو مكانيا أو موضوعيا فالسلطة المفوض إليها اختصاص التعين في حالات معينة لا يمكن لها أن تتجاوز هذه الحالات أو السلطة المختصة بالتعين في زمان محدد لا يمكن أن تعينه خارج هده المدة وأخيرا السلطة المختصة بالتعين في حدود جغرافية معينة لا يمكن أن تعينه خارج هده الحدود فكل هذه التعيينات الخارجة عن مختلف تلك الاختصاصات تعتبر تعيينات غير قانونية وبالتالي لا يعتبر الأشخاص المعينون اتجاه الإدارة موظفين عموميون ولو أنهم يعتبرون موظفون فعليون تجاه الغير بحكم الظاهر([5]).
ومن جهة أخرى، وارتباطا مع قرار التعين، هناك من يعتبر ضرورة أن يقبل المعني بالأمر قرار التعين، وبالتالي لا يعتبر موظفا عموميا الأشخاص المجندون في الخدمة العسكرية أو الملزمون بتقديم خدمات في نطاق عمليات التسخير التي تضطر الإدارة إلى اللجوء إليها.
كما أن الوظيفة التي يتم التعين فيها يجب أن تكون وظيفة إدارية وبالتالي نقول يجب أن يكون المرفق إداريا أو يغلب عليه الطابع الإداري سواء كان يدار بطريقة الاستغلال المباشر أو بصفة غير مباشرة في نطاق المؤسسة العامة الإدارية وهكذا يعتبر مختلف الأشخاص العاملين في المرافق العامة الإدارية موظفين عموميين ولو كانت هذه المرافق تسير من قبل أشخاص معنوية عامة كالجامعات مثلا أو المركز السينمائي المغربي أو وكالة المغرب العربي للأنباء…الخ.
لكن بالنسبة للمرافق الاقتصادية التي تدار بطريق غير مباشر فلا يعتبر العاملين فيها موظفين عموميين بل يعتبرون مستخدمين تطبق عليهم قواعد خاصة ترتبط أكثر بالقانون الخاصة ولو كنا نجد فيها بعض مظاهر القواعد المطبقة على الموظفين العموميين([6]).
– دوام هذه الوظيفة: ويعني أن يمارس الشخص وظيفة عمومية بصفة قارة وثابتة وبذلك لا يدخل في زمرة الموظفين العموميين الأعوان الذين يتم توظيفهم للقيام بأعمال استثنائية كالأعوان المؤقتين و المياومين والمتمرنين([7]).
كذلك لا يعتبر المجندون في نطاق الخدمة العسكرية والخدمة المدنية موظفين لأن مدة كل من هاتين الخدمتين هي محدودة ومؤقتة إذ لا يعتبرون موظفين عموميين في القوات الملكية المسلحة أو في الإدارة العمومية إلا بعد إدماجهم بصفة دائمة في صفوف تلك القوات أو في أسلاك الإدارة العمومية بصفة نهائية.
كذلك يستبعد من فئة الموظفين العموميين لعدم شغل المنصب بصفة مستمرة بعض الأشخاص المعينين في بعض المناصب السياسية والمشار إليهم في الفصل السادس من النظام الأساسي للوظيفة العمومية (ظهير24 فبراير1958) إذ تنص الفقرة الأخيرة منه صراحة على أنه لا ينتج عن تعينه« في حال من الأحوال حق الترسيم في هذه الوظائف داخل أسلاك الإدارة ».
وكذلك المتعاقدون مع الإدارة ولو في إطار القانون العام إذ لا يعتبرون موظفين عموميين لأنهم يقومون بهذه الوظيفة بصفة مؤقتة ترتبط بالمدة المحددة في العقد وبالتالي لا يستفيدون من الامتيازات المقدمة للموظفين العموميين.
الترسيم داخل الوظيفة بأسلاك الإدارية:لا يكفي لاعتبار الشخص موظفا عموميا أن يعين في وظيفة عمومية و أن يشغل وظيفة قارة بل يجب أيضا أن يرسم « في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة ».
ويقصد بالترسيم الوضعية القارة التي يكتسبها الموظف بصفة نهائية بعد مدة معينة بموجبها يصبح الموظف رسميا في أسلاك الوظيفة العمومية([8]).
وبالتالي تحديد مكانه داخل الهرم الإداري واستفادته من كل النتائج القانونية والمادية والمعنوية المترتبة عن الترسيم([9]).
وهكذا نلاحظ أن هده العناصر الثلاثة المعروفة في القانون المقارن بصفة ضمنية ودلك عن طريق التأكيد على شغل الوظيفة ودوامها بالإضافة غالى عنصر العمل بمرفق عمومي معين.
فالوظيفة هنا هي وظيفة عمومية كما أن الموظف هو موظف عمومي ولو لم ترد كلمة عمومي أو عمومية في التعين.
إن عنصر التعين من قبل السلطة المختصة هو العنصر الثاني المعروف في القانون الإداري المقارن وهو ضمني عن طريق تشغيل الشخص في الوظيفة أما العنصر الثالث وهو ديمومة الوظيفة فهو وارد بصراحة أما عنصر الترسيم فيعتبر عنصرا إضافيا بتصنيف المشرع المغربي([10]) كما أن هدا العنصر غير مشترط في القانون الإداري المقارن.
بناء على دلك فان الفصل الثاني من ظهير 1958 أعطى للموظفين العموميين تعريفا إداريا مهما بكونه يتميز بالدقة من حيث صياغته اللغوية ومن حيث مواكبته بل وتقدمه على مجموعة من القوانين المقارنة الأخرى بما فيها القانونيين الفرنسي والمصري فهو ادن ومقارنة بالتعريف الجنائي الذي يعتبر بشكل كبير يبدو وبأنه قد حدد تعريفا ضيقا ومضبوطا للموظف العمومي مادام قد عمل على تناول النقط الأساسية لاكتساب صفة موظف عمومي وهي التعين شغل وظيفة قارة الترسيم والعمل في خدمة مرفق إداري تابع للدولة([11]).
وبدلك فان المشرع المغربي حسم الأمر نهائيا في مسألة تحديد صفة الموظف العمومي وهو بدلك قد أغلق باب الاجتهاد نسبيا أمام الفقه والقضاء المغربيين ونشير إلى أن هناك بعض الموظفين العموميين الدين ينطبق عليهم تعريف الفصل الثاني من قانون الوظيفة العمومية قد استبعدهم القانون صراحة من تطبيق أحكام النظام العام للوظيفة العمومية ودلك وفقا لما نص عليه المشرع في الفصل الرابع من قانون الوظيفة العمومية فأخضعهم لنصوص قانونية خاصة بهم وهم : رجال القضاء العسكريون التابعون للقوات المسلحة الملكية ثم هيئة المتصرفين بوزارة الداخلية.
وهناك نوع ثالث من الأشخاص يخضعون للأحكام قانون الو ضيفة العمومية بصفة أساسية وقد يعفون من بعض أحكامه بمقتضى قوانين أساسية خصوصية إذا كانت تلك الأحكام لا تتفق والالتزامات الملقاة على عاتق الهيئات والمصالح التي يعملون فيها وهؤلاء الأشخاص كما جاء في نص الفقرة الثانية من الفصل الرابع هم :أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي والهيئات المكلفة بالتفتيش العام للمالية ورجال التعليم وأعوان الشرطة وإدارة السجون ورجال المطافئ وأعوان المصلحة بإدارة الجمارك الغير المباشرة المفتشون والمراقبون والحراس بالبحرية التجارية وضباط الموانئ وموظفو المنارات وأخيرا موظفو المياه والغابات([12]).
المطلب الثاني:مفهوم الموظف العمومي في القانون الجنائي
لم تتبنى اغلب التشريعات الجنائية المفهوم الإداري للموظف العمومي دلك أن القانون الإداري يأخذ بمعايير ثابتة ومستقرة وهو بدلك يضيق من حلقة الموظفين العموميين عكس القانون الجنائي الذي يأخذ بتعريف واسع وشامل يتفق وسياسة التجريم.
ولكن كل من يعتبر موظفا عموميا في القانون الإداري هو كذلك في القانون الجنائي على أن بعض الأشخاص لا يعتبرون موظفين عموميين في القانون الإداري ولكن من وجهة نظر القانون الجنائي يعتبرون موظفين.
فالنظرية الجنائية لتعريف الموظف تشمل النظرية الإدارية ولكن دون أن تقف عندها أي تتعداها([13]).
ومن ثم يعمد التشريع الجنائي إلى التوسع في تحديد من يمارس سلطة عامة أو يكلف بوظيفة مرفق عام أو يتولى نيابة عمومية ومن ثم يظهر أن الموظف العمومي في القانون الجنائي فكرة أصيلة إن كانت تعبر عن تصور جد ممتد للوظيفة العمومية فهي توضح في نفس الوقت استقلال القانون المذكور عن القانون الإداري.
في هدا الصدد يذهب الأستاذ الكشبور إلى أن الذي بهمنا في القانون الجنائي هو المفهوم الذي أعطاه للموظف العمومي والدي يختلف كثيرا عن المفهوم الذي أتى به قانون الوظيفة العمومية فبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 224 من القانون الجنائي المغربي يلاحظ نفس الأستاذ أن مشروع القانون المذكور قد تجاهل تماما التعريف الذي أورده ظهير24 فبراير 1958 انف الذكر حيث جاء بمفهوم موسع يستطيع القاضي الزجري بواسطته أن يلبس صفة موظف عمومي للأغلبية أو كل من يمارسون عملا تابعا في المؤسسات الخاصة التي من الممكن تكييف نشاطها بأنه نشاط دو نفع عام على الرغم من خضوعها سواء من حيث النشاط الذي تقوم به أو من حيث علاقتها بمستخدميها في مختلف أجهزة الدولة وفي المؤسسات العمومية وفي الشركات التي تقدم رأسمالها أو جزءا منه الدولة وكذلك الجماعات المحلية سواء كانت بلدية أو قروية([14]).
ونجد الفصل 244 من القانون الجنائي المغربي واضحا في هده الشمولية اد ينص على أنه «يعد موظفا عموميا في تطبيق أحكام التشريع الجنائي كل شخص كيفما كانت صفته يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة باجر أو بدون أجر ويساهم بدلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام ».
وهدا يبين أن المادة الثانية من ظهير24 فبراير 1958 تحول دون تطبيق أحكام التشريع الجنائي في غالب الأحيان مع أن كثيرا من الأشخاص يساهمون عمليا في إدارة الشؤون العامة ومع دلك ليسوا موظفين بالمفهوم الإداري.
ولقد أحسن المشرع صنعا بعدم اعتداده في الميدان الجنائي بالمعايير المتفق عليها في عرف القانون الإداري وهو بدلك يسعى إلى تعميم تطبيق التشريع الجنائي على كل شخص يعمل باسم الدولة ولحسابها أو يساهم بعمله في خدمتها حتى لا يسلم الجناة من العقاب الجنائي فالمشرع الجنائي بناء على دلك لا يعتد بنوعية العمل أو الوظيفة أي أنها كانت دائمة أم مؤقتة ثبت فيها أم لم يثبت.
على انه يشترط أن يكون الشخص موظفا لدى الإدارة الوطنية المغربي فان كان غير دلك. أي كان تابعا لإدارة أجنبية ولو كان يعمل في المغرب كرجال السلك السياسي الأجنبي العاملين في المغرب فانه لا يعتبر موظفا عموميا بمفهوم المادة 224 من القانون الجنائي أيضا الشرع لم يشترط في الشخص كي يعتبر موظفا عموميا توافره على صفة معينة وأيضا أورد في سياق النص عبارة عامة(كيفما كانت صفته)الشيء الذي يفهم منه انه لا عبرة بصفة الشخص و الصفة تنصرف إلى عدة معان فهو إما يكون رسميا أو متدربا أو مؤقتا أو مستخدما يرتبط بالدولة بصفة نظامية أو تعاقدية.
وهو من جهة ثانية قد يكون موظفا سياسيا كالوزراء و كتاب الدولة و سائر الموظفين السياسيين بالدولة على اختلاف درجاتهم و أصنافهم حتى اقل الموظفين درجة في السلم الإداري و لو كانوا يؤدون ابسط أنواع الخدمات كحارس في مدرسة ابتدائية أو بستاني البلدية و تجدر الإشارة إلى انه لا عبرة بطبيعة الوظيفة أو المهمة فيستوي أن تكون قارة أي ثابتة أو تكون عارضة أو مؤقتة([15]).
و عليه فان القاضي الجنائي و هو يبحث عن مفهوم الموظف العمومي عليه أن يرجع إلى مقتضيات الفصل 224 من القانون الجنائي و ليس إلى نصوص القانون الإداري و إلا عرض حكمة النقض([16]) و بالفعل فان هدا المفهوم الموسع للموظف سمح لمحكمة العدل الخاصة السابقة (تم إلغاؤها) بإدانة العديد من الأشخاص الدين يمارسون عملا تابعا ومأجورا تحكمه قواعد القانون الخاص ولذلك نشير إلى أن هذه المحكمة اعتبرت كموظفين عموميين الأشخاص الآتي ذكرهم:
– الوزراء السابقين المتهمين بالارتشاء.
– المعينين من طرف وزير الفلاحة المسؤولين عن التعاونيات الفلاحية.
– مستخدمي الخطوط الملكية المغربية التي تحقق مصلحة ذات نفع عام.
– مستخدمي الأبناك الشعبية الجهوية وهي مؤسسات أعفاها المشرع من بعض الضرائب وتولى مراقبة سيرها بصفة مباشرة وأصبح يعتبرها في الواقع كمصالح ذات نفع عام بصرف النظر عن صفتها كشركات مجهولة الاسم.
– مستخدمي المكتب الوطني للشاي والسكر.
– أعوان الجماعات المحلية.
– العدول القباض لدى محاكم التوثيق.
– مستخدمي البنك المغربي للتجارة الخارجية الذين يمارسون عمليات الصرف بمطارات المملكة حيث أن البنك في هذه الحالة بالذات يلعب دور وسيط مقبول في مكتب الصرف الذي هو من المؤسسات العمومية ويحقق مصلحة ذات نفع عام([17]).
لكنه مع ذلك نجد محكمة العدل الخاصة حريصة أيضا على عدم تطبيق مدلول الموظف العمومي على الأشخاص العاملين في القطاع الخاص إذ رفضت تطبيق مدلول الفصل 224 من القانون الجنائي على الأشخاص العاملين في مؤسسة بنكية خاصة كالاتحاد المغربي لأبناك أو البنك المغربي للتجارة وذلك في حكمها بتاريخ2 فبراير1977([18]).
على أي و بالرغم من الاختلاف الجوهري بين كل من القانونين الإداري والجنائي بخصوص تحديد صفة موظف تبقى مسألة التعريف المعتمد عليها غير حاسمة في تصور المفهوم بحيث وحسب الفقه الإداري كثيرة هي التعريفات التي أعطيت حسب العصور لفكرة الموظف إن تشريعا فقها أو قضاء ومع ذلك لم تنته من الناحية القانونية إلى تعريف شامل إذ بقي معنى العبارة مختلفا بحسب النصوص المنظمة للقانون الأساسي للمعنيين بها أو بحسب المجالات التي تستدعي تدخلهم.
هذه الحقيقة التي يكشف عنها الفقه الإداري بخصوص تحديد مفهوم الموظف وان كان يصح القول بها أيضا في المجال الجنائي إلا أن هناك مجموعة من الإشكاليات الدقيقة التي يطرحها تحديد مفهوم الموظف في القانون الجنائي:
أولا: لعل أول المشاكل التي يطرحها تحديد مفهوم الموظف في القانون الجنائي تتمثل في المقتضيات الخاصة بهذا الأخير والتي تهم الموظفين والأعوان العموميين ليس لها مجال تطبيق متماثل وأن تفسيرها يختلف حسب الآثار القانونية المتوخاة بحيث تبقى طبيعة الجريمة هي التي وراء اختلاف الأشخاص المعنيين بها وبالنتيجة لا يمكن تحديد المعنى الدقيق لهذه الجريمة أو تلك إلا بالاعتماد وبشكل أساسي على الاجتهاد القضائي الخاص بها هذا الأمر يدعو كذلك إلى المراعاة الدقيقة في كل نازلة للمغزى الذي يستهدفه التشريع أيضا.
وبالرغم من اعتماد القانون الجنائي المغربي لتقنية التعريف إلا أنه وحسب الفقيه المشيشي يحسم في الاتجاه الغالب في القانون المقارن والذي يركز في تعريف للموظف على ضوء كل جريمة أو عند الاقتضاء بحسب كل صنف الجرائم و إذا كان من حسنات هذه المنهجية تنسجم ومكافحة ظاهرة الإجرام في الحياة العامة بالنظر للقصور الذي يتسم به مفهوم الموظف في القانون الإداري فهي مع ذلك تطرح مشكلا حادا على مستوى تحديد الفئات المعنية بنصوص التجريم وعليه إذا كان المشرع المغربي بمقتضى الفصل 224 من القانون الجنائي السابق الذكر قد اجتهد في تعريف الموظف العمومي فانه في فصول كثيرة ومتنوعة([19]) يذكر إلى جانب هذه التسمية العامة بغض أنواع الوظائف بتسميتها الخاصة بل وداخل الوظيفة الواحدة قد يلجأ إلى أسلوب التعميم([20]).
وهذا ما يدفع إلى التساؤل عن موضع هذا كله في التعريف المشار إليه خصوصا إذا ما نظرنا إلى هذه التسميات منفصلة عن عبارة « موظف عمومي » في نفس الفصول المذكورة واحتكاما كذلك المبدأ الشرعية الذي يفرض على المشرع الجنائي الالتزام بالوضوح في التجريم.
ثانيا: أيضا صفة موظف في القانون الجنائي قد تشكل عنصرا تأسيسيا في بعض الجرائم فنكون حينئذ أمام جرائم الوظيفة الصرفة أو بحصر المعنى كما قد تعمل بالنسبة لبعض الجرائم العادية كظرف من ظروف التشديد وهنا لا جدال في هذه التقنية التي قد يعتمدها المشرع الجنائي في بعض الحالات الخاصة التي غالبا ما تبررها خطورة الوضعية الإجرامية سواء على مستوى الأفعال المرتكبة أو على مستوى الأشخاص مقترفي هذه الأفعال فإنها بالنسبة للموظف تلعب دورا مزدوجا لا يخلو من تعقيد إذ تقوم حينا لتشديد العقوبة عليه كما قد تكرس أيضا مظهرا من مظاهر دعم حمايته جنائيا وهنا يصبح أعمال تقنية الظروف المشددة من ضمن إحدى السمات المميزة لتحديد مفهوم الموظف في القانون الجنائي إن كنا لا نشك في أن معرفة السباب الداعية لأعمالها ستساهم بشكل كبير في تبرير التطبيقات المتعددة التي يوظف بها المشرع الجنائي فكرة الموظف فإننا سنراهن من خلالها كذلك على تلمس الفلسفة التي يوظف بها المشرع المذكور لإخضاع المجال العام لهذا التوجه المتشدد.
ثالثا: في نفس السياق ورغبة من المشرع المغربي في تعميق البعد الزجري لمفهوم الموظف نجده يعهد ببعض الجرائم التي يرتكبها الموظف إلى محكمة متميزة وهي محكمة العدل الخاصة التي لم يمكنها فقط من حق النطق بعقوبات اشد من تلك التي حددها للمحاكم العادية بل امتد التشديد ليشمل الجانب الإجرائي أيضا.
هذه الإشكاليات التي يطرحها مفهوم الموظف في القانون الجنائي إنما تخلص بنا إلى استنتاجين:
أولهما أن المشرع المغربي رغبة منه في إضفاء الشرعية الجنائية على المفهوم الموسع لصفة «موظف» أتى تعريف يخالف تماما التحديد الضيق الذي وردت به ذات الصفة في القانون الإداري.
أما الاستنتاج التالي في الإمكان أن يستشف من خلال مقابلة بعض نصوص المدونة الجنائية المغربية و هو يتمثل في أن مفهوم الموظف في المجال الذي يهمنا ليس مفهوما أحاديا بل يتميز بالتعدد أي يختلف تحديده بحسب كل جريمة على حدة و بحسب مدى اعتبار الصفة ركنا تأسيسيا في جريمة أو مجرد ظرف من ظروف تشديدها الشيء الذي يؤكد مرة أخرى أن تحديد المفهوم في موضوعنا لابد و أن تتحكم فيه معطيات كثيرة و متنوعة من بينها التطبيقات المتعددة التي يعرفها بحسب نصوص التجريم و هي مسالة تحتاج إلى التريث في اعتبار المفهوم الموسع للموظف في القانون الجنائي. إنما هو تجسيد منطقي لاختلاف المفهوم المذكور عن نظرة القانون الإداري([21]).
المبحث الثاني : علاقة الموظف بالجهاز الإداري وفق التعديلات الجديدة
إن علاقة الموظف بالجهاز الإداري منظمة بموجب القانون الأساسي للوظيفة خدمة وتكليف وتنظيم لمجموعة من الاختصاصات و المسؤوليات يمارسها الموظف خدمة للمصلحة العامة ومن هنا يمكن القول أن الوظيفة العمومية هي خدمة وطنية شريفة تناط بالقائم عليها مجموعة من الواجبات يتحملها كمقابل للحقوق المعترف له بها وهدا ما عملت به نظرية الوظيفة العمومية هي ذات البنية المغلقة التي ألزمت الموظفين بالخضوع لهده الواجبات لاجتناب كل ما من شانه أن يجعلهم محل عقوبات([22]).
ومقابل الواجبات التي يتحملها الموظف العمومي اعترف له ببعض الحقوق التي تحقق له الاحترام والتوقير اللازمين نظر لأن الموظف العمومي يعتبر إلى حد كبير تجسد لسيادة الدولة وهيبتها كما أن الوظيفة العمومية لا تعتبر فقط مهنة ولكنها كدالك وظيفة اجتماعية وخدمة لصالح الموطنين ومن هدا المنطلق فان إقرار حقوق وواجبات الموظفين من طرف المشرع يرمي إلى تحقيق هدفين أساسيين وهما:
أولا: تسيير الخدمات على أحسن وجه وبدون انقطاع وتوقف أي في نطاق الاستمرارية والدوام قصد تلبية رغبات المواطنين.
ثانيا : الحفاظ على كرامة الوظيفة العمومية حيث لا يمكن للموظف أن يشتغل صفة الموظف لأغراضه الشخصية([23]).
و هدا ما دفع المشرع إلى إصدار قوانين من اجل احترام واجبات الوظيفة و اتخاذ عقوبات الجزاء لمخالفتها من طرف الموظف مقابل الحصول على حقوق و امتيازات مهمة.
و ستعمل على تقسيم هدا المبحث إلى مطلبين نتناول في المطلب الأول واجبات الموظف العمومي على أن نخصص المطلب الثاني للحديث عن حقوقه مع استعراض التعديلات المقترحة للظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 24 فبراير بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية من خلال إجراء تعديلات جزئية على النظام المذكور قصد تجاوز بعض الآختلالات التي أبان عنها تطبيقه العملي.
المطلب الأول: واجبات الموظف العمومي
ترتبط واجبات الموظف بالمصلحة العامة التي تسعى الدولة إلى تحقيقها للجماعة و من تم فان أي تهاون أو امتناع عن القيام بالواجبات يعتبر مساسا للمصلحة العامة و إذا كان القانون الأساسي للوظيفة العمومية لم يشر إلى هده الواجبات بدقة و تفصيل فانه يمكن استنباط أهمها من نص المقتضيات الخاصة التي توضح التزامات الموظف التي يجب احترامها أثناء مزاولة نشاطه.
و من خلال قراءة متأنية لمجموعة من النصوص التي تتناول موضوع الواجبات يمكن القول أن هده الأخيرة تتمحور حول أربع نقط أساسية و هي إلزامية أداء العمل الوظيفي و الطاعة الرئاسية و الامتناع عن ممارسة عمل متعارض مع الوظيفة و كدا الإلزام بكتمان السر المهني.
أولا: إلزامية أداء العمل الوظيفي .
و يقتضي هدا الواجب أن يقوم الموظف بتأدية عمله المنوط به بنفسه بدقة و أمانة وليس له أن يوكل غيره في دلك إلا في الحدود التي يسمح بها القانون([24]).
فأول واجب من واجبات الموظف العمومي هو أن يؤدي عمله بنفسه و لا يفوضه إلى غيره إلا إذا أجاز القانون له دلك.
كما أن الموظف يجب أن يقبل المنصب الذي خصص له أثناء تعيينه و يلتحق بمقر عمله لممارسة مهامه. لأنه في حالة رفضه الالتحاق يعرض نفسه للعقوبات التأديبية التي قد تصل إلى حذفه من قائمة الموظفين لان عدم الالتحاق بالمنصب بدون مبررات قانونية يعتبر تخليا عنه.
لدلك نجد أن القضاء الإداري اعتبر أن الموظف المتخلي عن منصبه لا يحق له أن يطعن في قرار عزله على أساس عدم شرعيته إلا إذا كان هدا الأخير يشوبه عيب واضح و خطير يسئ للمصلحة العامة لدلك لا بمكن معاقبة الموظف في حالة كان التخلي عن منصبه ناتجا عن قوة قاهرة([25]).
لدلك فان المشرع راعى مصلحة الموظف في الفصل 64 من قانون الوظيفة العمومية… و يجب أن تراعى في تعيين الموظفين الطلبات التي يقدمها من يهمهم الأمر و كذلك حالتهم العائلية ضمن الحدود الملائمة لمصالح الإدارة([26]).
ثانيا:واجب الطاعة الرئاسية
الطاعة الرئاسية لم يخلقها القانون بذاته و إنما أتت و نشأت كظاهرة إدارية و اجتماعية نتيجة لتطبيق الوظائف الإدارية بصفة متدرجة ابتداء من وظائف التخطيط و التصور و مرورا بوظائف التطبيق و الانتهاء بوظائف التنفيذ و كما هو معلوم فان تنظيم الإدارة المغربية ينبني على قاعدة هرمية تقضي بان السلطة الأدنى مطالبة بالطاعة للسلطة العليا و الفصل 17 من قانون الوظيفة العمومية ينص على أن كل موظف كيفما كانت وظيفته في السلم الإداري فهو مسؤول عن المهام الموكولة إليه كدالك يمكن استنباط فكرة واجب الطاعة من الفصول 66.13.19.3 ([27]).
كما يشترط في امتثال المرؤوس لأوامر رئيسه أن تكون هذه الأوامر جائزة من الوجهة القانونية وممكنة التنفيذ من الوجهة القانونية وممكنة التنفيذ من الوجهة العملية وداخلة في اختصاص كل من الرئيس والمرؤوس معا وإلا اتسمت بعدم المشروعية كما أن تهاون الموظف في تنفيذ التزاماته يعرضه للعقوبات التأديبية بالإضافة إلى العقوبات الجنائية إن اقتضى الأمر ذلك عملا بالفصل17 من الظهير الشريف رقم 008-58-1([28]).
ثالثا:الامتناع عن ممارسة عمل آخر متعارض مع وظيفته .
لا يجوز بحال من الأحوال للموظف أن يجمع بين وظيفته وعمل آخر سواء أكان عمله هذا في القطاع العام أو في القطاع الخاص والغاية من ذلك هي أن الموظف ملزم بتكريس وقته لخدمة الجماعة ولأن نشاطه الأصلي قد يتضرر من مزاولة نشاط آخر مع العلم انه يخشى أن يفقد الموظف حريته([29]).
وهذا ما أكد عليه الفصل 15 من قانون الوظيفة العمومية الجديد حيث منع الموظف من مزاولة أي نشاط مهني حر أو تابع للقطاع الخاص يدر عليه دخلا كيفما كانت طبيعته غير أنه أجاز بعض الاستثناءات.
وقد نص الفصل 15 من قانون الوظيفة العمومية الجديد على ما يلي:
<مع مراعاة الأحكام التشريعية المنافية الخاصة ببعض الهيئات يمنع على الموظف مزاولة أي نشاط مهني حر أو تابع للقطاع الخاص يدر عليه دخلا كيفما كانت طبيعته باستثناء:
– انجاز الأعمال العلمية و الأدبية والفنية شريطة ألا يطغى عليها الطابع التجاري و لا يجوز للموظف المعني أن يذكر صفته الإدارية بمناسبة نشر أو عرض هذه الأعمال إلا بموافقة رئيس الإدارة التابع لها>.
– إجراء الخبرات و الاستشارات أو القيام بدراسات أو بالتدريس شريطة أن تمارس هذه الأعمال بصفة عرضية ولمدة محددة وأن لا يطغى عليها الطابع التجاري ولا يجوز للموظف الاستفادة من هذين الاستثناءين إلا بعد تقديم تصريح بذلك لرئيس إدارته الذي يمكنه الاعتراض متى تبن له أن الأنشطة التي يزاولها الموظف تتم أثناء الفترة القانونية لعمله العمومي أو تخضعه إلى تبعية قانونية غير التبعية القانونية لوظيفة العمومي أو تجعله في وضعية متنافية مع هذا الوظيف.
يلزم الموظف الذي له زوج يزاول مهنة حرة أو نشاطا اعتياديا تابعا للقطاع الخاص يدر عليه دخلا أن يصرح بدلك لإدارته و يتعين على هده الأخيرة أن اقتضى الحال اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على مصالح الإدارة و تحدد كيفيات تطبيق هدا الفصل بنص تنظيمي([30]).
و هكذا يمكن أن نسجل بارتياح تفعيل النصوص المانعة للجمع بين الوظائف خصوصا و أن المغرب يسعى اليوم إلى مكافحة البطالة التي أصبحت تنخر حسد المجتمع.
رابعا:الالتزام بكتمان السر المهني.
إن الموظف العمومي و بحكم وظيفته يطلع على أسرار المهنة المناطة به و بدلك لا يجوز له إفشاء أسرار المهنة دونما ترخيص من الإدارة و هدا ما يمكن تسميته بكتمان السر المهني.
و السر المهني يراد به عدم إفشاء الأسرار التي يطلع عليها الموظف بحكم عمله إذا كانت سرية بطبيعتها كالأمور التي لها علاقة بحياة المدار أو بموجب تعليمات تقتضي دلك([31]).
كما أن التزام الموظف بكتمان أسرار المهنة يظل ساري المفعول حتى ولو بعد ترك الموظف لوظيفته.
لدلك نجد أن الفصل 18 من قانون الوظيفة العمومية يؤكد على ضرورة كتمان السر المهني بنصه على « بقطع النظر عن القواعد المقررة في القانون الجنائي فيما يخص السر المهني فان الموظف يكون ملزما بكتم سر المهنة في كل ما يخص الأعمال و الأخبار التي يعلمها أثناء مهامه أو بمناسبة مزاولتها».
إن فلسفة هدا الالتزام تظهر في كون تسرب معلومات للغير يفقد الثقة ما بين الإداري والمدار إن لم نقل فقد السلطة والهيبة التي من الضروري أن يتميز بها كل موظف يوجد في خدمة الدولة غير أن هذه الفلسفة جعلت البعض ينظر إليها نظرة سلبية خاصة إذا ظل سر المهنة مطلق وهكذا وحسب المناهضين لفكرة السرية يرون بان الالتزام بكتمان سر المهنة قد يجعل من الإدارة عالما مغلقا ومبهما بالنسبة للمجتمع المدني وخاصة بالنسبة للباحثين في المجال الاقتصادي والاجتماعي و الإداري الذين غالبا ما يعانون من صعوبة الحصول على المعلومات التي تحتكرها الإدارة والتي يكونون في حاجة ماسة إليها من أجل إغناء أبحاثهم التي قد تستفيد منها الإدارة نفسها لهذا كله لابد من التعامل مع هذا الواجب بشيء من المرونة لتيسير البحث العلمي والمعرفة خاصة وأن الإدارة العمومية تعتبر إدارة المواطنين تماشيا مع مبدأ تقريب الإدارة من المواطنين([32]).
المطلب الثاني : حقوق الموظف العمومي
يقوم الموظف العمومي بأداء الخدمة الوظيفية ويتحمل ما يتصل بها من التزامات وأعباء كما سبق وذكر في المطلب الأول. وفي مقابل ذلك يتمتع بعدد من الحقوق التي تحقق له الاحترام والتوقير اللازمين.
ويمكن تقسيم حقوق الموظف إلى قسمين الحقوق العامة والحقوق الخاصة.
الفقرة الأولى :الحقوق العامة للموظف.
الحقوق العامة للموظف هي التي يستفد منها كمواطن كحرية الرأي او الحرية النقابية وكذا حق الترشيح والتصويت.
أولا: حرية الرأي:
وقد تأكدت دستوريا في المغرب بواسطة الفصل التاسع وكذلك الفصل 20 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي يمنع الإشارة إلى نزاعات الموظف السياسية والدينية في ملفه الشخصي إلا أن الموظف وهو يمارس هذه الحقوق يبقى مقيدا باحترام مقتضيات ومسؤوليات وظيفته والابتعاد عن كل ما من شانه أن يضر أو يساهم في شل السير العادي للمرافق العمومية وذلك بإبداء آراء تتعارض وأهداف وغايات هذه المرافق داخل أو خارج المصلحة أو تضر بسمعة الإدارة([33]).
وبذلك يمكن القول أن حرية إبداء الرأي مضمونة شريطة احترام مقتضيات ومسؤوليات وظيفته والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يضره أو يساهم في شل السير العادي للمرفق العام.
ثانيا :حق الترشيح والتصويت :
وقد نص على هذا الحق الفصل 18 من الدستور المراجع في 13 شتنبر 1996 بأنه « لكل مواطن ذكرا كان أم أنثى الحق في أن يكون ناخبا إذا كان بالغا سن الرشد ومتمتعا بحقوقه المدنية والسياسية ».
و استنادا إلى هدا كله فالموظف كسائر المواطنين يمكن أن يكون ناخبا أو منتخبا([34]).
غير انه توجد هناك بعض الاستثناءات التي نص عليها القانون فيما يخص عضوية مجلس النواب حيث لا يجوز لبعض الموظفين الترشح لها كالقضاة و قضاة المجلس الأعلى للحسابات و العمال و الكتاب العامون للعمالات أو الأقاليم و الخلفاء الأولون للعمال و الباشاوات و رؤساء دواوين العمال و رؤساء المقاطعات و رؤساء الدوائر و القواد و خلفائهم و خلفاء المقاطعات و الشيوخ و المقدمون العسكريون و أعوان القوة العمومية حسب المادة السادسة من القانون التنظيمي 97-31 المتعلق بمجلس النواب([35]).
كما تنص المادة السابعة من نفس القانون على مايلي « لا يؤهل للترشح إلى الانتخاب الأشخاص الآتي ذكره في كل دائرة تقع داخل النفوذ الذي زاولوا فيه مهامهم منذ اقل من سنتين من تاريخ الاقتراع » و هم القضاة و قضاة المجلس الجهوية و قضاة مجلس الحسابات و العمال و الكتاب العامون للعمالات و الأقاليم و كذا الباشاوات و رؤساء دواوين العمال و المقاطعات الحضرية و القواد و خلفائهم و الشيوخ و المقدمون و رؤساء النواحي العسكرية و رؤساء المصالح الإقليمية للإدارة العامة للأمن الوطني و عمداء الشرطة.
كما تنص المادة الثامنة من نفس القانون على «لا يمكن انتخاب الأشخاص الآتي ذكرهم في أية دائرة داخل النفوذ الذي يزاولون فيه مهامهم بالفعل أو انقطعوا عن مزاولتها منذ اقل من سنة واحدة في تاريخ الاقتراع » و هؤلاء الأشخاص هم الذين أسندت إليهم مهمة انتداب ولو كان مؤقتا و كيفما كانت تسميته أو مداهما بعوض أو دون عوض و الذين يحملون بتلك الصفة في خدمة الدولة أو الإدارة العمومية أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العامة أو في خدمة مصلحة ذات طابع عمومي و الذين رخص لهم بحمل السلاح أثناء مهامهم.
الفقرة الثانية: الحقوق الخاصة للموظف.
الحقوق الخاصة للموظف العمومي و هي الحقوق المشتملة على الطابع المادي و المعنوي للموظف و الواردة في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، و هي الراتب الشهري و الترقية و المعاش و العطل أو الرخص.
أولا: الراتب الشهري.
الراتب و هو عبارة عن المبلغ الذي يتقاضاه الموظف شهريا في مقابل الخدمة التي يقدمها للإدارة، و يعتبر الراتب هو الحق الأساسي و الأول للموظف العمومي، بل هو السبب الرئيسي للالتحاق بالوظيفة، و يكاد البعض يعتبره من عناصر تعريف الموظف العام.
و حسب المادة 26 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، فالأجرة تشتمل على المرتب و التعويضات العائلية و غيرها من التعويضات المحدثة بمقتضى النصوص التشريعية و النظامية([36]).
و بذلك، فإن الموظف له الحق في تقاضي مرتبه بصفة منتظمة، طالما أنه مستمر في أداء عمله، و بالإضافة إلى هذا يتمتع بحقه في التعويضات التي قد تكون عامة، فتطبق على جميع الموظفين العموميين، و قد تكون خاصة بفئة معينة منهم([37]).
ثانيا: الترقيات.
تعتبر الترقية من أهم الدعامات التي تقوم عليه نظم التوظيف، و تعتبر من الحقوق الأساسية للموظف، فالموظف يضع نصب عينيه من أول الأمر احتمال صعود درجات السلم أو تلك الرتبة.
فحسب مقتضيات الفصل 29 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، فالترقية تشمل الصعود إلى طبقة أو رتبة، و تنجز الترقية بصفة مستمرة من طبقة إلى طبقة، و من درجة إلى درجة، و من رتبة إلى رتبة، بعد رأي اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء ذات النظر([38]).
و الترقية تتم بالأقدمية للصعود إلى الدرجة العليا على أساس النقط المحصل عليها، و إما عن طريق الاختبار للصعود إلى الدرجة بعد التسجيل في لائحة الترقية، و بهذا الخصوص لابد من رأي اللجنة المتساوية الأعضاء قبل الحصول على الترقية.
و الأقدمية تتم إما بالأقدمية للصعود إلى الدرجة العليا على أساس النقط المحصل عليها، و إما عن طريق الاختبار للصعود إلى الدرجة بعد التسجيل في لائحة الترقية، و في جميع الحالات لابد من رأي اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء قبل الحصول على الترقية([39]).
و لتجاوز السلبيات التي تطبع المنظومة الحالية، يقترح مشروع قانون الوظيفة العمومية إعادة ضبط القواعد الأساسية التي تحكم مجال تقييم الأداء و الترقي، لا سيما على مستوى التمييز بين مختلف أنماط الترقية، حسب الفصلين 30 و 31 من القانون الجديد للوظيفة العمومية.
فحسب الفصل 30، فقد نص على “تتم الترقية في الرتبة بكيفية مستمرة من رتبة إلى الرتبة التي تليها مباشرة، بناءا على أقدمية الموظف و على النقطة العددية الممنوحة له، و تتم الترقية في الدرجة أو الإطار إلى درجة، بعد اجتياز امتحان الكفاءة المهنية، و عن طريق الاختبار حسب الاستحقاق، بعد التقييد في اللائحة السنوية للترقي.
و يتعين على كل موظف تمت ترقيته إلى درجة أعلى، أن يقبل الوظيفة المنوطة به في درجته الجديدة، و يترتب عن رفضه هذه الوظيفة إلغاء ترقيته، كما يمكن حذفه من جدول الترقي”([40]).
تحدد شروط و كيفيات تطبيق هذا الفصل بموجب مرسوم.
أما الفصل 31، فقد نص على “تحدد الأنظمة الأساسية الخاصة المشار إليها في الفصل 5 من هذا القانون، الشروط المطابقة لكل نمط من أنماط الترقية المشار إليها في الفصل 30 أعلاه، على أن يراعى مبدأ الانسجام بين هذه الأنظمة فيما يخص أنماط الترقي المعتمدة([41]).
و بذلك، يمكن القول أن مشروع قانون الوظيفة العمومية اعتمد على آليتين، تتمثلان في امتحان الكفاءة المهنية، و الاختبار بعد التقييد في اللائحة السنوية للترقي.
ثالثا: المعاش.
حسب مقتضيات الفصل 3 من القانون رقم 011.71، فإنه يستفيد من راتب التقاعد كل من الموظفون الجارية عليهم مقتضيات قانون الوظيفة العمومية، و رجال القضاء، و المتصرفون، و المتصرفون المساعدون بوزارة الداخلية الخاضعون لظهير فاتح مارس 1963، و الأعوان المرسمين في أسلاك الجماعات و المؤسسات العمومية التي تحدد لائحتها بموجب مرسوم.
فحسب مقتضيات الفصل 5 من ظهير 011.71، فإن الحق في المعاش يستفيد منه الموظفون، و المستخدمون الذين قضوا في الخدمة الفعلية مدة لا تقل عن 21 سنة.
كما يكتسب الحق في معاش التقاعد، بالنسبة للموظفين و المستخدمين الذين حذفوا من أسلاك الموظفين و المستخدمين المنتمين إليها بسبب إصابتهم بعجز، سواء أكان ناشئا عن ممارسة المهام المنوطة بهم، أو غير ناشئ عنها، و ذلك دون شروط في مدة الخدمات.
و يتكون المعاش من المرتب الأساسي، المخصص للرقم الاستدلالي المطابق للدرجة، و السلم، و الرتبة، أو الطبقة التي يوجد فيها الموظف أو المستخدم، و يضاف إليه التعويض التكميلي المنصوص عليه في الفصل 32 من الظهير الشريف رقم 1.58.008، المعتبر بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية، إن كان الموظف ينتفع به، و كذا تعويض الإقامة المقرر للمنطقة ج، و مجموع التعويضات و المكافآت الدائمة التي يتمتع بها الموظف أو المستخدم بحكم وضعيته النظامية، باستثناء كل عنصر آخر يدخل في تحديد أجرته، خصوصا التعويضات عن المصاريف و عن الأعباء العائلية([42]).
كما أن المشرع أعطى للموظف معاشا سمي بمعاش الزمانة، في حالة تعرض الموظف لحادث أثناء عمله، و قد نص الفصل 25 من القانون 06.89 السالف الذكر، على أنه “إذا حصل لموظف أو مستخدم عجز ناتج عن جرح أو مرض أصيب به، أو تفاقم إما في مزاولة الخدمة المنوطة به أو بسببها، أو عند قيامه بعمل في سبيل مصلحة عامة، أو المخاطرة بحياته لإنقاذ شخص أو أشخاص، و كان العجز المصاب به لا يقل عن 25%، استحق الحصول على معاش زمانة مؤقت أو دائم”([43]).
أما في حالة وفاة الموظف، فإن الذي يستفيد من المعاش هم المستحقين عن صاحب المعاش الأصلي، و هم أرملة الموظف أو المستخدم، و زوج الموظفة المتوفاة، و الأيتام طبق الشروط المنصوص عليها قانونا.
رابعا: الرخص.
الأصل أن وقت الموظف كله ملك للدولة، فلا يجوز له أن يتغيب عن العمل، إلا لإجازة يستحقها وفقا لأحكام الإجازات المقررة في القوانين و الأنظمة.
ولمصلحة العمل، و لاعتبارات اجتماعية و وطنية، يحق للموظف الحصول على الإجازة أو الرخصة، و هي على شكلين: الإجازة السنوية و يقصد بها إتاحة الفرصة للموظف في الحصول على قدر من الراحة بعد عمل طويل و صعب، و هذا النوع من الإجازات أصبح حقا تقره التشريعات الإدارية و أنظمة الوظائف لجميع الموظفين، أما الشكل الثاني من الإجازات، و هي الرخص الخاصة كالحج أو الوضع للموظفة، فالموظف قد يقع مريضا و لا يستطيع القيام بعمله الوظيفي، لذلك منحه المشرع الحق في الرخصة في مثل هذه الحالات.
ففيما يتعلق بالرخصة الإدارية السنوية، تم تحديدها في 22 يوما من أيام العمل الفعلي دون احتساب أيام الراحة الأسبوعية و العطل الرسمية، حسب قانون الوظيفة العمومية الجديد عوض مدة شهر.
و قد نص على ذلك الفصل 40 من قانون الوظيفة العمومية، على “للموظف المزاول لعمله بصفة فعلية الحق في رخصة سنوية و مؤدى عنها، تحدد مدة الرخصة في 22 يوم عمل برسم كل سنة زاول الموظف خلالها عمله فعليا، على أن الرخصة الأولى لا يسمح بها، إلا بعد قضاء اثني عشر شهرا في الوظيفة([44]).
كما أعطى الفصل 40 من نفس القانون للإدارة صلاحية تحديد جدولة الرخص، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضعية العائلية، من أجل تخويل الأسبقية في اختيار فترات الرخص السنوية، كما منع على الموظف تأجيل الرخصة السنوية، كما جاء في الفصل 40 السالف الذكر “و لا يمكن تأجيل الاستفادة من الرخصة السنوية برسم سنة معينة إلى السنة الموالية، إلا استثناءا أو لمرة واحدة”.
و لا يخول عدم الاستفادة من الرخصة السنوية الحق في تقاضي أي تعويض عن ذلك.
هذا بالنسبة للإجازة السنوية، أما بالنسبة للرخص الخاصة فنجد رخصة أداء فريضة الحج، و هذه الرخصة لا تعطى إلا مرة واحدة في الحياة الإدارية، و لا حق لهؤلاء الموظفين في التمتع بالرخصة المقررة في الفصل 40 خلال السنة التي ينالون فيها تلك الرخصة الخصوصية([45]).
كما نجد ضمن الرخص الخاصة المخولة للموظف الرخص لأسباب صحية، و تشمل الرخص القصيرة الأمد، و يتقاضى خلالها الموظف أجرته كاملة أي خلال الثلاثة أشهر الأولى عن فترة 12 شهرا متتابعا، و يتقاضى خلال الثلاثة أشهر مجموع أجرته، و تخفض الأجرة إلى النصف في الثلاثة الأشهر الموالية.
أما الرخص المتوسطة الأمد، فلا يجوز أن تزيد عن 3 سنوات، يتقاضى الموظف طوال السنتين الأوليتين من الرخصة المذكورة مجموع أجرته، و تخفض هذه الأجرة إلى النصف في السنة الثالثة.
و أما الرخص الطويلة الأمد، فلا يجوز أن تزيد مدتها عن 5 سنوات، يتقاضى طيلة 3 سنوات مجموع أجرته، و نصف هذه الأجرة طوال السنتين التاليتين.
و يدخل في إطار الرخص الخاصة كذلك، رخصة الولادة التي تستفيد منها الموظفة.
و حسب الفصل 46 من مشروع قانون الوظيفة العمومية، فقد تم رفع مدة رخصة الولادة من 12 أسبوعا إلى 14 أسبوعا، انسجاما مع ما تنص عليها المعاهدات الدولية في هذا المجال “تتمتع الموظفة الحامل برخصة عن الولادة مدتها 14 أسبوعا، تتقاضى خلالها كامل أجرتها، باستثناء التعويضات عن المصاريف([46]).
و أخيرا نجد الرخص بدون أجر، و قد نص على هذا النوع من الرخص، الفصلان 39 و 46 مكرر من القانون رقم 10.97، بتاريخ 18 سبتمبر 1997، المعدل للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية لسنة 1958، و تمنح هذه الرخص بناءا على طلب الموظف المعني بالأمر، و بعد موافقة الرئيس الإداري المختص.
و يستفيد الموظف من رخصة بدون أجر مرة واحدة كل سنتين، على أساس ألا تتعدى مدتها شهرا واحدا غير قابل للتقسيط([47]).
المبحث الثالث: تأديب الموظف العمومي:
في مقابل الضمانات التي يتمتع بها الموظف العمومي، فقد تقررت جملة إجراءات تكفل مراقبته والتحقيق معه وتأديبه عما يقع من إهمال أو خطأ في أداء واجبات وظيفته. فكما أنه من اللازم أن يكافأ الموظف المجد على اجتهاده بالترقية وغيرها فإنه من الضروري أن يعاقب الموظف المهمل على إهماله بالعقوبات المناسبة.
هذا التأديب قد يكون تأديبا إداريا (المطلب الأول) أو تأديبا جنائيا (المطلب الثاني).
المطلب الأول: التأديب الإداري:
من أجل الإلمام بهذا الموضوع يتعين التطرق للخطأ الذي يرتكبه الموظف ويؤدي إلى تأديبه (الفرع الأول). ثم العقوبة التأديبية التي يمكن أن توقع عليه في حالة ارتكابه لهذا الخطأ (الفرع الثاني). والضمانات التي يجب توفرها أثناء التأديب (الفرع الثالث). والسلطة المختصة بالتأديب (الفرع الرابع).
الفرع الأول: الخطأ التأديبي:
من الصعب أن نجد مفهوما للخطأ التأديبي مادام القانون الأساسي للوظيفة العمومية لو يوضح بدقة مدلوله، إلا أنه يمكن القول بأنه كل فعل أو امتناع يرتكبه الموظف إخلالا بواجبات منصبه إيجابا أو سلبا سواء تلك التي نص أو لم ينص عليها القانون مما يستوجب توقيع الجزاء التأديبي عليه(48).
ويتميز الخطأ التأديبي بكونه غير محدد بنصوص قانونية صريحة، ومن ثم فخه يخضع للسلطة التقديرية للإدارة وللرئيس التسلسلي الذي يقدر في كل حالة على حدة ما إذا كان سلوك الموظف يشكل خطأ يستوجب التأديب أن لا.
غير أنه في الإمكان أن نلجأ إلى بعض القواعد التي ستساعدنا في تحديد مفهوم الخطأ التأديبي رغم أن مضمونها يعتبر نسبيا، وهذه القواعد هي:(49)
أ- أن تكون المخالفات المقترفة لها طابع خطأ يعني أنها تشكل إخلالا واضحا بالواجبات الوظيفية بالمعنى الدقيق كالتصرفات السيئة التي تخل بكرامة الوظيفة أو ترك هذه الأخيرة بدون مبررات قانونية.
وفي هذا الإطار فإن عدم القدرة الجسمانية لأداء الوظيفة أو عدم الكفاءة المهنية لممارستها إخلالا للواجبات الوظيفية. وفي هذه الحالة وكما يقول الأستاذ محمد سليمان الطهاوي أنه يتوجب التدريب وليس التأديب.
ب- أن يكون اقتراف الخطأ أثناء مزاولة الموظف لمهامه. وهذا ما يدل على أن الموظف الذي أحيل على التقاعد أو توفي لا يمكن له أن يكون عرضة لعقوبات تأديبية مادامت الصلة بينه وبين الإدارة انتهى أمرها.
غير أن القضاء اعتبر أن الخطأ الذي يقترف قبل ولوج الوظيفة يمكن أن يشكل عقوبة تأديبية أثناء تولي صاحبه الوظيفة شريطة أن تكون الإدارة الموظفة ليس لها علم بذلك أثناء التوظيف وأن الخطأ الذي ارتكب لا يناسب ممارسة الوظيفة التي أنيطت به.
أما عن الخطأ المقترف من طرف الموظف والخارج عن ممارسة وظيفته يعني الخطأ المتعلق بحياته الشخصية، فيمكن أن يشكل خطأ تأديبيا يسأل عنه في حالة إذا كان له تأثيرات على تأدية الوظيفة كالإخلال بواجب كتمان السر أو واجب التحفظ.
ج- أن يكون الخطأ المقترف غير ناتج عن ظروف قاهرة أو عن إكراه بحيث أن الموظف ارتكبه بمحض إرادته.
د- أن يكون الخطأ حقيقيا وليس مفترضا حتى يمكن أن يسأل عليه الموظف.
هذه هي القواعد التي يمكن الاعتماد عليها لتحديد مفهوم الخطأ التأديبي. غير أنه من حيث المبدأ، فإن الخطأ التأديبي يعد منفصلا عن الخطأ الجنائي وبالتالي فإن المحاكمة التأديبية جذورها مستقلة عن المحكمة الجنائية. فالأولى تقتصر على الموظفين وتقام على أساس الدفاع عن مصلحة الإدارة بينما الثانية لها صبغة عامة تشمل الموظفين وغيرهم وتقام على أساس الدفاع عن المجتمع.
وتبعا لهذا يمكن أن يكون الفعل الضار المقترف من طرف الموظف يشكل خطأ جنائيا وفي نفس الوقت خطأ تأديبيا. فيقدم الموظف للمحاكمة الجنائية والتأديبية عن فعل واحد. فيحاكم آنذاك بإحداهما دون الأخرى تطبيقا للقاعدة المعروفة ” لا عقوبتين لفعل واحد ” أو في بعض الحالات يحاكم الموظف جنائيا وتأديبيا من غير مراعاة القاعدة التي أشرنا إليها أعلاه. فإذا ارتكب الموظف سرقة مثلا فسيسأل عن هذا الفعل جنائيا من طرف القاضي ثم في الإمكان أن يسأل عنه من طرف الإدارة في حالة ما إذا كانت الجنحة تشكل خطأ تأديبيا يمس بواجبات الوظيفة ومقتضياتها أو كرامتها.
وفي الأخير لابد من الإشارة أن الفقه اختلف في تسمية هذا الخطأ. فهناك من يسميه بالخطأ المسلكي ومنهم من يسميه بالجريمة التأديبية ومنهم من يسميه بالمخالفة التأديبية.
الفرع الثاني: العقوبة التأديبية:
على خلاف الأخطاء التأديبية التي لا يوجد بشأنها نص صريح يحددها فإن العقوبات التأديبية تتميز بكونها محددة على سبيل الحصر، وبالتالي لا يمكن للإدارة أن توقع أية عقوبة، إلا إذا كانت من العقوبات التي حددها القانون.
ويعتبر تحديد العقوبات على سبيل الحصر من قبل الشرع المغربي، وسيلة من وسائل الحد من اختصاص السلطة التقديرية التي تتمتع بها السلطة المختصة بالتعيين في المجال التأديبي. وفي نفس الوقت توازنا مقابل نوع من الحرية التي تتمتع بها هذه السلطة في تكييف الخطأ المؤاخذ عليه.إذ لا تطبق في هذا المجال التأديبي القاعدة المعروفة في القانون الجنائي”لا جريمة إلا بنص” لكن يفرض التوازن أن يطبق الشق الثاني من المقولة وهو: “ولا عقوبة إلا بنص” وهكذا يفرض على الإدارة التزام بالعقوبات المحددة على سبيل الحصر.(50)
وقد تكفل الفصل 66 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ذكر العقوبات التأديبية على الموظفين وهي مرتبة حسب تزايد الخطورة:
1- الإنذارL’avertissement
2- التوبيخLe blâme
3- الحذف من لائحة الترقي La vadiation du tableau
4- الانحدار من الطبقةL’abaissement d’échelon
5- القهقرة من الرتبةLa rétrogradation
6- العزل من غير توثيق حق التقاعد La révocation sans suspension des droits à pension
7- العزل المصحوب بتوثيق التقاعد La révocation avec suspension des droits à pension
وتضيف الفقرة الثانية من نفس الفصل عقوبتين بالشكل التالي:
“وهناك عقوبتان تكتسبان صبغة خصوصية وهما:
الحرمان المؤقت من كل أجرة باستثناء التعويضات العائلية وذلك لمدة لا تتجاوز ستة أشهر.
والإحالة الحتمية على التقاعد.”
وتؤكد نفس الفقرة على أنه “لا يمكن إصدار هذه العقوبات الأخيرة إلا إذا كان الموظف مستوفيا شروط المقررة في تشريع التقاعد” .
هذه هي أهم العقوبات التي أشار إليها المشرع المغربي في فصله 66 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية، وهي عقوبات تمنح للسلطة الإدارية مجالا واسعا في تقديرها وتطبيقها. لذا فلها سلطة يمكن أن تؤدي إلى الاستبداد خاصة وأن مراقبة القضاء يمكن اعتبارها هزيلة ومحتشمة في هذا المجال ذلك أن القاضي يكتفي في تدخلاته بالتحقيق في الأفعال القائمة على الخطأ والضارة التي تتطلب عقابا تأديبيا بدون أن يذهب إلى مراقبة درجة صرامتها وتناسبها مع الأخطاء المرتكبة وحجم خطورتها.
ومهما كان الأمر، فإنه من المنطق والقانون أن لا تكون العقوبة المقررة في حق الموظف تتعارض مع المبادئ العامة للقانون “فلا عقوبة بأثر رجعي ولا عقوبتين لنفس الخطأ”
وأخيرا يمكن القول بأن العقوبة التأديبية ليست أزلية ذلك أنه في الإمكان حذفها وذلك في الحالات التالية:
– إلغاؤها من طرف القضاء إذا كان يشوبها عيب من طرف الموظف.
– إمكانية إعدامها بناء على مسطرة المراجعة المثار من قبل الموظف أمام القضاء.
وترتيبا على ما تقدم، فإنه في الإمكان أن يلتمس الموظف من السلطة الرئاسية أي الوزير محو آثارها من ملفه الوظيفي وذلك بعد مرور خمس سنوات إذا كان الأمر يتعلق بتوبيخ و عشر سنوات بالنسبة للعقوبات الأخرى.
وتشير الفقرة الأخيرة من الفصل 75 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية على أنه إذا أصبح سلوك الموظف وسيرته مرضية بعد العقوبة التي صدرت في حقه.
فإنه يستجاب لطلبه من طرف الوزير بعد استشارة المجلس التأديبي بحيث يعاد الملف في صورته الجديدة، أي أنه يخضع لعملية التطهير.(51)
الفرع الثالث: ضمانات التأديب:
لقد أحاط الشرع العقوبات التأديبية بعدة ضمانات، حماية للموظف من تعسف رؤسائهم أو تجاوزهم في استخدام سلطتهم التأديبية، أو استغلال تلك السلطات في تحقيق أغراض شخصية.
ويمكن إجمال تلك الضمانات في الآتي:(52)
– تمكين الموظف من الإطلاع على ملفه الشخصي بتمامه وعلى جميع الوثائق الملحقة وذلك بمجرد ما يحال على التأديب، سواء بتقديم ملاحظات كتابية أو شفهية أو باستحضار الشهود والسماح له بالاستعانة بمحام لمساندته طبقا للفصل السابع والستون من النظام الأساسي العام للوظيف العمومية .
– عدم توقيع عقوبة تأديبية أشد من العقوبة التي اقترحها المجلس التأديبي إلا إذا وافق على ذلك الوزير الأول، وإلا اعتبر القرار باطلا،ويجوز الطعن فيه بدعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة.
– عدم معاقبة الموظف عن الفعل الواحد مرتين استنادا إلى المبدأ القانوني القاضي بعدم تعدد الجزاءات على الجريمة الواحدة، ومعنى ذلك أنه إذا وقع جزاء على الموظف عن فعل ارتكبه فلا يجوز تكرار الجزاء عليه عن السلوك ذاته ما دام هو عن عين الجريمة التأديبية، ومن ثم فإن قيام السلطة الـتأديبية بمعاقبة الموظف ثانية عن الفعل المعاقب عليه يرتب إلغاء مقررها للشطط في استعمال السلطة.
– ضرورة إثبات الإدارة ما تدعيه في مواجهة الموظف المخطئ وتعتبر هذه الضمانة من الضمانات الأساسية للموظف، ولقد اشترط المشرع توفرها حتى في العقوبات البسيطة الجسامة الإنذار والتوبيخ.
– تعليل القرار الإداري المتضمن للعقوبة.لأن التعليل هو ركن أساسي من أركان القرار وقد نص الفصل 66 في فقرته الثانية “يقع الإنذار والتوبيخ بمقرر معلل تصدره السلطة التي لها حق التأديب”. ولقد فرضت هذه الفقرة هذا التعليل لأن هذين القرارين يتم اتخذهما “من غير استشارة المجلس التأديبي” الفقرة من الفصل 66.ويعتبر هذا التعليل الإلزامي كتوازن لعدم هذه الاستشارة ويفرز ذلك التعليل الإلزامي كتوازن لعدم هذه الاستشارة ويفرز هذا التعليل أيضا بان يثبت في القرار التأديبي بعد استدلاء بيانات من المعني بالأمر.
الفرع الرابع: السلطة المختصة بالتأديب:
يقصد بالسلطة التأديبية الجهة التي عينها الشرع لتطبيق العقوبات التأديبية المنصوص عليها قانون إلا الجهة التي خصها الشرع بذلك. ولا يجوز لها التفويض في التأديب إلا وفقا لما هو منصوص عليه في القانون.
وتختلف الجهة التي تملك هذا الحق في التأديب من تشريع إلى آخر باختلاف الأنظمة ففي النظام الإداري يعهد بهذه السلطة الإدارية إذ الرئيس الأعلى في كل جهاز إداري هو الذي يتولى التجريم والعقاب.(53)
والسلطة المتخصصة بالتأديب هي السلطة التي تملك حق التسمية (التعيين) غير أنه لا يمكنها أن توقع أية عقوبة، غير عقوبتي الإنذار والتوبيخ. إلا بعد عرض الأمر على اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء، والتي تقوم بدور المجلس التأديبي.
وينظر المجلس التأديبي في تقرير الإدارة. بيد أنه إذا رأى بأن العقوبات المقدمة من طرف هذه الأخيرة غير كافية. يمكنه أن يطلب إجراء بحث إضافي وبعد الاستماع إلى تصريحات المعني بالأمر، وتصريحات الشهود، يقوم المجلس بإعطاء رأيه المعلل بخصوص العقوبة التي يرى وجوب اتخاذها إزاء الأعمال الصادرة عن الموظف. على أن يوجه على السلطة التي لها حق التأديب.
ويدلي المجلس التأديبي برأيه بخصوص العقوبة الملائمة في اجل شهر واحد ابتداء من يوم النازلة، مع إمكانية تمديد هذه الآجال إلا في حالة متابعة المعني بالأمر أمام محكمة زجرية،حيث يمكنه آنذاك تأجيل الإدلاء برأيه،إلي حين صدور حكم المحكمة.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب يأخذ بالنظام الشبه القضائي في التأديب، إذا السلطة التي تختص بتطبيق الجزاء هي السلطة الرئاسة التي تملك الحق في التسمية عملا بالفصل 65 من قانون الوظيفة العمومية رقم 1.58.008 والتي خولها الشرع الحق في تطبيق العقوبات دون مشاركة أية هيئة أخرى.بينما وكما رأينا استلزم بالنسبة إلى بعضها الأخر ضرورة استطلاع رأي هيئة معينة هي اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء التي تنعقد عندئذ بصفتها مجلس تأديب قبل أن تصدر إدارة قرارها بالجزاء.(54)
المطلب الثاني: التأديب الجنائي
حسب الفصل 224 من القانون الجنائي المغربي فانه يعد موظفا عموميا في تطبيق أحكام التشريع الجنائي كل شخص كيفما كانت صفته يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة باجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة والإدارات العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام(55).
هذا الفصل يعتبر بمثابة تعريف للموظف العمومي في القانون الجنائي ويؤخذ بهذا التعريف عند زجر الجرائم المتعلقة باختلاس الأموال العمومية وجرائم الرشوة والغدر وسنتناول في الفقرة الأولى العقوبات التأديبية للموظف في حال ارتكابه لهذا النوع من الجرائم ونخصص الفقرة الثانية للحديث عن العقوبات التأديبية للموظف في حالة ارتكابه لجريمة الزور واستعمال نفوذه للتعدي على حقوق الأفراد.
الفقرة الأولى: عقوبات الموظف في حال ارتكابه لجرائم الرشوة والغدر واختلاس الأموال
تشتركان في كونهما مظهرين من مظاهر إساءة استغلال الوظيفة العمومية حيث تتمثلان في مطالبة أو أخد الموظف ما ليس مستحقا.
أولا: الرشوة
تعتبر الرشوة ظاهرة خطيرة وجديرة بالمكافحة,لأنها تؤدي كما ذهب الدكتور المرصفاوي إلى أمرين خطيرين .أولهما أنها تسفر عن فقدان الثقة لدى الأفراد بالمهمة التي أودعتها الدولة بين أيدي الموظفين العموميين . والأمر الآخر يكمن في أن الرشوة في حد ذاتها تؤدي إلى انتفاء العدالة بين المواطنين . فمن كانت له القدرة على دفع المقابل,تؤدى لمصلحته الأعمال الوظيفية.ومن لا يستطيع أولا يريد تعففا تهدر حقوقه ومصلحته(56).
لذلك نجد أن الفصل 248من القانون الجنائي ينص على ما يلي” يعد مرتكبا لجريمة الرشوة ويعاقب بالحبس من سنين إلى خمس سنوات و غرامة من 1200 إلى خمسة آلاف درهم من طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من اجل:
القيام بعمل من أعمال وظيفته بصفته قاضيا أو موظفا عموميا أو متوليا مركزا نيابيا أو الامتناع عن هذا العمل سواء أكان عملا مشروعا أو غير مشروع طالما انه غير مشروط باجر وكذلك القيام أو الامتناع عن أي عمل ولو انه خارج عن اختصاصاته الشخصية إلا أن وظيفته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله(57).
كما انه و بعد أن كانت جريمة الرشوة تعتبر مجرد جنحة تخضع لاختصاصات المحاكم العادية. وفي إطار سياسة مكافحة الرشوة بدت نصوص قانون 26 نونبر 1962 لا تكفي لمواجهة الاتجار الذي اخذ يتفش في الجهاز الإداري و الذي ينذر بتطور اخطر إن لم يزجر بصرامة ولم يضرب(58).
لذلك نجد أن المشرع المغربي أعاد النظر في جريمة الرشوة فاصدر قانون 20مارس 1965 احدث بموجبه محكمة العدل الخاصة عهد إليها دون غيرها بزجر مرتكبي جريمة الرشوة وجعل من هذه الجريمة المحالة على المحكمة جناية بعدما كانت جنحة.
ثانيا: جريمة الغدر
حسب الفصل 243 من القانون الجنائي يعد مرتكب لجريمة فيعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 1200الى عشرة ألاف درهم كل قاض أو موظف عمومي طلب أو تلقى أو فرض أوامر بتحصيل ما يعلم انه غير مستحق أو انه يتجاوز المستحق سواء للإدارة العامة أو الأفراد الذين يحصل لحسابهم أو لنفسه خاصة(59).
كما ينص الفصل 244 من نفس القانون على ما يلي “يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصل السابق كل ذي سلطة عامة ,أمر بتحصيل جبايات مباشرة أو غير مباشرة. لم يقررها القانون وكذلك كل موظف عمومي أعد قوائم التحصيل وباشر استخلاص تلك الجبايات وتطبيق نفس العقوبات على ذوي السلطة العمومية. أو الموظفين العموميين اللذين يمنحون بدون إذن من القانون بأي شكل, ولأي سبب. كان إعفاء أو تجاوز عن و جبية أو ضريبة أو رسم عام أو يسلمون مجانا محصولات مؤسسات الدولة.أما المستفيد فيعاقب كمشارك خاصة(60).
فجريمة الغدر إذن تتجلى في متاجرة الموظف في مجال خاص جدا. يتمثل في تحصيل المستحق وهو مجال ما من شك في أن المشرع ذاته أحاطه بمجموعة من الضمانات الحمائية,بحيث يسهل على الموظف المكلف باستغلالها و الانحراف بها على وجه غير قانوني.ومن دون إن يشعر بذلك المكلف الذي يبقى ضحية على كل حال . مادام أنه لم يشارك في العمل الإجرامي, بل إن استجابته للموظف لم تكن سوى خضوع لأوامر القانون المصطنعة.والتي سمحت صفة الموظف المحصل بانعكاسها في شكل مشروع .وهو أمر بنظرنا يخفي خطورة أكبر من تلك التي تتسم بها جريمة الرشوة(61).
وبذلك يمكن أن نميز جريمة الغدر عن الرشوة في سند التحصيل, أي الباعث على الحصول على الشيء أو المبلغ المستحق.
فالموظف في الحالتين يطلب أو يأخذ ما ليس مستحقا,ويكون المال في جريمة الغدر.على أساس الرسومات أو الغرامات أو الضرائب أو تحصيل جبايات مباشرة أو غير مباشرة.أو التجاوز في قيمة هذه الأشياء إن كان القانون يفرضها , أي أن جريمة الغدر تشمل كل ما يأخذه الموظف باسم القانون وهو يعلم أن القانون لا يجيز له ذلك(62).
ثالثا: جريمة اختلاس الأموال العامة.
وقد نص على عقوبة جريمة الاختلاس ,كل من المواد 241 و 242 من القانون الجنائي و المادة 32 من ظهير 6 أكتوبر 1972 التي تنص على ” يعاقب بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة ,كل قاض أو موظف عمومي ,بدد أو اختلس أو احتجز بدون حق. أو أخفى أموالا عامة أو خاصة أو سندات أو حججا أو مستندات أو عقودا أو منقولات موضوعة تحت يده بحكم وظيفته أو بسببها(63).
وبذلك يمكن استنتاج أن جريمة الاختلاس وفق القانون المغربي يمكن أن تتحقق عند تبديد الأشياء. كإعارتها أو استهلاكها ,أو الاستيلاء عليها بنية تملكها أو احتجازها أو إخفائها.
وفي جميع الأحوال نجد أن المشرع لم يقرر عقوبة الغرامة في جريمة الاختلاس عكس ما نجده في عقوبتي جريمة الرشوة و الغدر.
الفقرة الثانية: عقوبات الموظف في حال ارتكابه لجريمة الزور و الاعتداء على حقوق الأفراد باستخدام نفوذه:
أولا: عقوبة الموظف في حال اعتداءه على الأفراد:
إن تدخل المشرع لحماية الحرية الفردية, يرمي بالأساس إلى زجر التعسف في السلطة المرتكب من طرف مأموريها . والحيلولة دون الاستعمال السيئ لها.
ولذلك نجد أن الفصل 231 من القانون الجنائي ينص على أن كل قاض أو موظف عمومي أو أحد موظفي السلطة أو القوة العمومية , يستعمل أثناء قيامه بوظيفته أو بسبب قيامه بها العنف ضد الأشخاص, أو يأمر باستعماله بدون مبرر شرعي . يعاقب على هذا العنف على حسب خطورته طبقا لأحكام الفصول 401 و403 مع تشديد العقوبات على النحو التالي:
إذا كانت جناية معاقب عليها بالسجن المؤقت. فان العقوبة تكون السجن المؤبد(64).
ونستخلص من هذا الفصل أن المشرع المغربي , منع منعا كليا مختلف جرائم الإيذاء العمدي ضد الأفراد. واستغلال النفوذ أو السلطة للاعتداء على الغير. وقد ترك الجزاء التأديبي لمن يرتكب جريمة من هذا النوع على حسب خطورة الفعل , طبقا لأحكام الفصول 401 إلى 403. مع تشديد العقوبة.
ثانيا: عقوبة جريمة الزور.
تعتبر جريمة الزور من جرائم المساس بالثقة العامة . ومن جرائم الزور التي قد يرتكبها الموظف في الأوراق الرسمية لذلك نجد أن المشرع المغربي وبمقتضى الفصل 352 من القانون الجنائي المغربي يقرر عقوبة السجن المؤبد لمقترف هذه الجريمة ولعل هذه إشارة قوية من طرف المشرع المغربي على الأقل تفيد أن انحراف الموظف في الجرائم العادية قد يشكل في بعض الأحيان خطورة أكبر من الانحراف في مجال الشأن العام.
وعموما فإننا نعتقد أنه إذا كان من السهل على المدونة الجنائية العامة أن تتوسع في مفهوم الموظف باسم الضرورات الزجرية ورغبة في إرضاء الفعل المجتمعي ولو بخطاب تشريعي يدرك مسبقا بأنه يبالغ في توظيف الأداة الرعدية , فإن النتيجة المحصل عليها لم تكشف على أية حال سوى توظيف مبتذل لدور القاعدة الجنائية ظلت المجهودات المبذولة عبارة عن ترميمات قاصرة عن ترسيخ الاقتناع بأذن أمام مرحلة جديدة من البناء القانوني لا بد وأن يتمكن فيها القانون الجنائي شأنه شأن بقية القوانين الأخرى من مواجهة قضايا العصر بمفاهيم متطورة عن الأمن والاستقرار ولكن تمكن أيضا لكل مكونات المجتمع علاقات واضحة ومسئولة تصبح فيها التناقضات المجتمعية المضمون الحيوي الذي ينبغي عليه المشرع تصوره للحقيقة القانونية(65).
الفصل الثاني: دراسة نقدية للتعديلات الجديدة على النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
إن مصداقية أي قانون كيفما كان شكله ومهما علا شأنه تتوقف على تجسيده على أرض الواقع.
وبالطبع فان التجسيد الحقيقي هو الذي يؤدي إلى المساهمة في إيجاد أجوبة للمشاكل والإشكاليات المطروحة.
ويلاحظ في هذا الباب على سبيل المثال أنه إذا كان العديد من الأساتذة والفقهاء والباحثين قد اعتبروا الظهير الشريف رقم 008. 58. 1 المؤرخ في 4 شعبان 1377 . موافق 24 فبراير 1958 والذي يعتبر النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية . بمثابة قفزة نوعية تساهم في بناء صرح الدولة المغربية الحديثة.
فإنه قد تبين مع مرور الوقت أنه يحتاج لتعديلات تستجيب للتطورات القانونية المتسارعة سواء وطنيا أو دوليا.
وانطلاقا من ذلك أخذ المشرع على عاتقه طرح قانون تعديل النظام الأساسي للوظيفة العمومية من خلال وزارة تحديث القطاعات العامة. التي قامت بإعداده ثم عرضه على البرلمان بغرفتيه للنظر فيه ومناقشته وفق المساطر الإجرائية المعمول بها .
ونشير هنا أن الغرفة الأولى المتمثلة في مجلس النواب قد صوتت لصالح هذا المشروع بينما لا يزال في ردهات الغرفة الثانية لمجلس المستشارين ينتظر دوره في المناقشة والمصدقة أو الرفض.
وانطلاقا من كل هذا سنحاول أن نناقش في الفصل الثاني من هذا البحث التعديلات الجديدة على النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية كمبحث أول حيث سنتعرف على الإضافات الجديدة التي أتى بها القانون الجديد،ثم في المبحث الثاني سنتطرق للملاحظات الشكلية و الجوهرية على القانون.
المبحث الأول : التعديلات الواردة على قانون الوظيفة العمومية.
الموظف خاضع للأحكام عامة موجودة سلفاً، وليس له أي دخل في وضعها أو تحديدها محتواها وتسري على جميع الموظفين(66).
كما للإدارة حق تعديل أحكام الوظيفة العمومية دون انتظار قبول أو رفض الموظف حتى وإن كان التعديل يمس بوضعيته القانونية.
والتعديل يجب أن يكون عاماً ومجرداً لا يخص موظفاً بذاته، كما يجب أن يتم التعديل بمقتضى قواعد تشريعية من نفس درجة القواعد المعدلة(67).
وإذا ما قمنا بمقارنة بين النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية المعمول به حالياً والمشروع الجديد، فإن هذا الأخير يتضمن عدة مقتضيات جديدة، يستهدف المشرع منها تجاوز الآختلالات التي ظهرت في الوظيفة العمومية، وسنحاول أن نبرز ذلك من خلال المطالب الموالية .
المطلب الأول : إصلاح منظومة التوظيف وإمكانية التشغيل بالعقد .
يتجه القانون الجديد بحصر التوظيف بالإدارات العمومية بواسطة المباريات ، وفي حدود المناصب المالية المفتوحة لهذا الغرض ، والتي يمكن أن تنظم بصفة مشتركة بين عدة إدارات عمومية وبصورة غير ممركزة .
وهنا يدخل في هذا الإطار مبدأ الجدارة في النظم الإدارية ، حيث يعتمد في الاختيار والتعيين على عقد مسابقة للمتقدمين للحصول على الوظيفة بعد الإعلان عنها ، وهذه الامتحانات تختلف طبيعتها ومضمونها وأسلوبها باختلاف الوظائف المراد شغلها .
فالفصل 22 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية المغربي ينص على ” يقع التوظيف في كل منصب من المناصب إما عن طريق مباريات تجري بواسطة الاختبارات أو نظراً للشهادات، وإما بواسطة امتحان الأهلية أو القيام بتمرين لإثبات الكفاءة . وذلك مع مراعاة المقتضيات المؤقتة المقررة في التشريع الجاري به العمل ، وفيما يتعلق بالوظائف التي تكون إطاراً واحداً فإن التوظيف يمكنه أن يكون خاصاً بكل إدارة أو مشتركاً بين عدة إدارات “.
هنا اعتمد المشرع على التوظيف بناء على الشهادات ، وهذا الأسلوب لا يفتح في الأصل إلا في إحدى الحالتين إما أن عدد الوظائف المطلوب شغلها من القلة بحيث لا تستلزم إجراء الامتحان ، أو أن هذه الوظائف على درجة عالية من الأهمية وتتطلب من صاحبها إمكانية علمية أعلى من التي قد يحصل عليها عن طريق مسابقة بالاختبار ، مثال الأطباء التابعين لأسلاك وزارة الصحة العمومية المطالبين بالتوفر على شهادة الدكتورة في الطب .
وتعتبر المباريات والامتحانات من أهم الأساليب لتكريس مبدأ المساواة وبناء على الفصل 22 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية فهو يعتبرها طريقة أساسية ، ويتبعها في معظم مجالات التوظيف .
وقد نظمتها عدة مراسيم حيث تضمنت مقتضيات عامة وأساسية في بيان كيفية إجراء المباريات وتنظيمها . هذه المقتضيات تعد هامة ومشتركة بين مختلف الأجهزة الإدارية للدولة مع مراعاة المقتضيات الخاصة ببعض الأنظمة الأساسية .
فإذا كان النص القديم قد حدد التوظيف عبر أربع منطلقات هي التوظيف عن طريق المباراة أو الشهادات أو امتحان الأهلية أو القيام بتمرين لإثبات الكفاءة .
إضافة لذلك فالقانون الجديد يعلن أن التوظيف سيكون في حدود المناصب المالية المفتوحة لهذا الغرض.
زيادة على ذلك هناك إمكانية إدخال الانتقاء ، وهذا تناقض واضح فبعد إلغاء طرق التوظيف المذكورة أعلاه والاكتفاء فقط بالمباراة يعلن القانون في الفقرة الثانية من الفصل 22 أنه يمكن أن يخضع الترشيح للمباراة لانتقاء أولي.
كما بعلن المشرع في الفقرة الرابعة من نفس الفصل 22 على أن المباريات غير مفتوحة كل سنة في وجه المترشحين وإنما بحسب الحاجة على المستوى المركزي أو اللاممركز.
وهناك أيضا التنصيص على أن امتحانات التخرج من المؤسسات التي تقوم بالتكوين خصيصا لفائدة الإدارة يدخل في حكم المباراة(68).
ومن المستجدات ما تنص عليه الفقرة الخامسة من الفصل 22 على أن الأنظمة الأساسية الخاصة ستحدد طبيعة الشهادات المطلوبة ، وعند الاقتضاء مدة الخدمات الفعلية اللازمة للمشركة في هذه المباريات .
بينما يحدد المشرع في الفقرة السادسة من نفس الفصل على أن كل إدارة واعتباراً لمصلحتها تقوم بتسهيل ولوج الأطر والدرجات التسلسلية العليا لجميع الموظفين المتوفرين على الشروط المطلوبة عن طريق مباريات مهنية .
كما ينص المشرع في الفقرة الأخيرة من نفس الفصل على أنه سيتم تحديد شروط و كيفيات تطبيق مقتضيات هذا الفصل بواسطة مرسوم .
ومن التعديلات الجديدة الواردة في المشروع فتح إمكانية التشغيل بموجب عقد شريطة عدم توفر الإدارة المعنية على موظفين يتوفرون على نفس المؤهلات ، ويحُد المشرع أن هذا التشغيل لا ينتج في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الإدارة.
من هنا نستنتج أن المغرب الذي يعمل بالنظام الوظيفي المغلق يتجه و ينحو إلى النظام المفتوح ، فما هي دواعي ذلك ؟ هل ضغوط دولية على المغرب ؟ أم اتجاه لتخلي الدولة عن الوظيفة العمومية والمرفق العام؟
المطلب الثاني: مراجعة نظام الوضعيات و نظام الترقية.
يتجه القانون الجديد إلى مراجعة نظام الوضعيات في اتجاه تدعيم الحركية بالنسبة لوضعية القيام بالوظيفة، ثم إلى وضعية الإلحاق.
الفقرة الأولى: وضعية القيام بالوظيفة.
ما جاء في القانون الجديد في هذا الصدد، هو توسيع مجال إعادة الانتشار، بفتح إمكانية نقل الموظفين من الجماعات المحلية إلى الإدارات العمومية، و اعتماد إجراءات تحفيزية لفائدة الموظفين المنقولين (فصل 38 مكرر).
و قد وضع المشروع شروطا لنقل الموظفين، منها ما تنص عليه الفقرة الثالثة من الفصل 38 مكرر “أن النقل يكون تلقائيا بمبادرة من الإدارة العمومية، أو الجماعة المحلية، عندما تقتضي حاجيات المصلحة، شريطة أن لا يؤدي هذا النقل إلى تغيير محل إقامة الموظف”.
و تنص الفقرة الرابعة “أنه يمكن ذلك بموافقة الموظف، إذا كان هذا النقل سيؤدي إلى تغيير محل إقامته، و في هذه الحالة يمكن تخويل الموظفين المعنيين تعويضا خاصا”.
و يخبرنا هذا الفصل في فقرته الأخيرة، أن كيفيات تطبيق هذا الفصل ستتحدد بموجب مرسوم.
دائما في مجال وضعية القيام بالوظيفة، حيث ينص الفصل 38 على التنصيص على إمكانية وضع موظفين رهن الإشارة لدى إدارة أخرى، و استفادتهم من التفرغ النقابي لدى إحدى المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا، و اعتبار الموظفين المستفيدين من ذلك في وضعية القيام بوظيفة.
و من المعلوم أن الوضعيات الإدارية للموظفين، كما ينص عليها النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية محددة في أربع حالات:
1) الموظف في حالة القيام بالوظيفة.
2) الموظف في حالة الإلحاق.
3) الموظف في حالة التوقيف المؤقت عن العمل.
4) الموظف في حالة وضعية الجندية.
إضافة للحالات أعلاه، فالمشرع أضاف حالة جديدة، و سماها حالة الموظف الموضوع رهن الإشارة، حيث “يكون الموظف موضوعا رهن الإشارة، عندما يبقى تابعا لإطاره بإدارته الأصلية، و شاغلا لمنصبه المالي بها، و يزاول مهامه بإدارة عمومية أخرى، و يظل الموظف الموضوع رهن الإشارة متمتعا بإدارته الأصلية بجميع حقوقه في الأجرة و الترقية و التقاعد، كما لا يجوز الوضع رهن الإشارة لدى إدارة عمومية أخرى، إلا لحاجيات المصلحة الضرورية، من أجل إنجاز مهام معينة، و خلال مدة محددة بموافقة الموظف، كما يمارس الموظف الموضوع رهن الإشارة مهاما من مستوى تراتبي، مماثل للمهام التي كان يمارسها في إدارته الأصلية([48]).
و يخبرنا القانون في نهاية الفصل، أن كيفية تطبيق هذا الفصل سوف تحدد بمقتضى مرسوم.
أما في مسألة التفرغ النقابي، فحسب ما جاء به الفصل 46 مكرر ثلاث مرات من المشروع الجديد “فيكون الموظف مستفيدا من التفرغ النقابي، عندما يبقى تابعا لإطاره بإدارته الأصلية، و شاغلا لمنصبه المالي بها، و يزاول مهامه بإحدى النقابات الأكثر تمثيلا([49]).
كما يتمتع بجميع حقوقه في الأجرة و الترقية و التقاعد([50]).
كما يعطي لنا المشرع ضوابط تحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا، حيث يجب الأخذ بعين الاعتبار بما يلي:
_ الحصول على الأقل على 6 % من مجموع ممثلي الموظفين المنتخبين برسم اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء على الصعيد الوطني.
_ الحصول على الأقل على 35 % من مجموع ممثلي الموظفين المنتخبين برسم اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء على صعيد الوزارة، أو الإدارة المعنية.
_ الاستقلال الفعلي للنقابة.
و إذا عدنا للفصل 38، فإننا نستشف أن وضعية القيام بالوظيفة تتطلب توافر ثلاثة شروط:
_ الانتماء إلى درجة من درجات الوظيفة العمومية.
_ مزاولة العمل فعلا في الإطار الأصلي الذي عين فيه.
_ الترسيم.
الفقرة الثانية: وضعية الإلحاق.
يعتبر الإلحاق إحدى الوضعيات الأربع التي يمكن أن يكون فيها الموظف، و قد حدد القانون الجديد في الفصل 48 منه قائمة الإدارات و الهيئات التي يمكن إلحاق الموظفين إليها و هي:
1) إدارة الدولة.
2) جماعة محلية.
3) المؤسسات العامة، وشركات الدولة، و الشركات التابعة العامة، و الشركات المختلطة، و المقاولات ذات الامتياز المشار إليها في المادة الأولى من القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة، و هيئات أخرى الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 103.195 بتاريخ 16 رمضان 1424 الموافق ل 11 نونبر 2003.
4) هيأة خصوصية ذات مصلحة عامة، أو جمعية ذات منفعة عامة.
5) دولة أجنبية، أو منظمة جهوية، أو دولية.
و ينص هذا الفصل على أن الإلحاق يتم بطلب من الموظف، و يمكنه أن يتراجع عنه، كما أن الإجراءات و مساطر الإلحاق ستحدد بواسطة مرسوم.
كما تم تحديد حالات الإلحاق بقوة القانون في القانون الجديد، و هذا مانص عليه الفصل 48 مكرر “أنه خلافا للفصل 48 يلحق الموظف بحكم القانون في الحالات التالية:
+ التعيين بصفة عضو في الحكومة.
+ القيام بنيابة عمومية، أو بنيابة نقابية إن اقتضت تلك النيابة واجبات تحول دون القيام بالمهام بصفة عادية.
+ شغل إحدى الوظائف العليا المنصوص عليها في الفصل 6 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
كما يقوم القانون الجديد على ضبط القواعد المتعلقة بإعادة إدماج الموظفين الملحقين، حيث أن الموظف الملحق الذي يرجع إلى إدارته الأصلية لأي سبب غير ارتكابه لهفوة في مزاولة مهامه، و الذي لا يمكن إعادة إدماجه في سلكه الأصلي، بسبب عدم وجود منصب شاغر مطابق لدرجة الموظف في إطاره الأصلي، يستمر في تقاضي أجرته المطابقة لوضعيته النظامية، خلال السنة الجارية من الإدارة التي كان ملحقا بها، و تتحمل الإدارة الأصلية وجوبا الموظف المعني، إبتداءا من السنة الموالية في أحد المناصب المالية المطابقة (فصل 51)*.
أما الموظف الذي وقع إلحاقه للقيام بمهمة عمومية لدى دولة أجنبية، أو لدى منظمة دولية، فيرجع في الحال إلى سلكه الأصلي، في حالة إنهاء إلحاقه.
و عند عدم وجود أي منصب شاغر مطابق لدرجة الموظف في إطاره الأصلي، يعاد إدماجه زيادة عن العدد، بقرار لرئيس الإدارة المعني، تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالمالية، و تستدرك هذه الزيادة عن العدد المحدد، مباشرة عند توفر أول منصب في الميزانية يطابق الدرجة المعنية.
و يدمج كذلك زيادة عن العدد المحدد، الموظفون المشار إليهم في الفصل 48 من نفس القانون، و الموظفون الملحقون للقيام بمهام عضو في الدواوين الوزارية.
الفقرة الثالثة: نظام الترقية
أما بخصوص نظام الترقية، فقد تم اعتماد آليتين: تتمثلان في امتحان الكفاءة المهنية، و الاختيار بعد التقييد في اللائحة السنوية للترقي.
و لتجاوز السلبيات التي تطبع المنظومة الحالية، يقترح القانون إعادة ضبط القواعد الأساسية، التي تحكم مجال تقييم الأداء و الترقية، لاسيما على مستوى التمييز بين مختلف أنماط الترقية.
فالفصل 30 من القانون الجديد جاء في الفقرة الثانيةمنه ، بما يلي “و تتم الترقية في الدرجة أو الإطار من درجة إلى درجة، بعد اجتياز امتحان الكفاءة المهنية، و عن الاختيار حسب الاستحقاق، بعد التقييد في اللائحة السنوية للترقي”، الباقي بدون تغيير.
أي أن كل موظف أراد أن يترقى من درجة إلى درجة أو في الإطار، فالسبيل الوحيد إليهما هو اجتياز امتحان الكفاءة المهنية، و ليس كل موظف متاح له هذا الأمر، فهناك الاستحقاق كأمر لابد منه، و الإدارة هي التي تحدد شروطه بعد التقييد في اللائحة السنوية للترقي.
كما ينص الفصل 31 على أنه “سيتم تحديد الأنظمة الأساسية الخاصة، المشار إليها في الفصل 5 من هذا القانون، الشروط المطابقة لكل نمط من أنماط الترقية المشار إليها في الفصل 30، على أن يراعى مبدأ الانسجام بين هذه الأنظمة، فيما يخص أنماط الترقي المعتمدة.
المطلب الثالث: مراجعة الجمع بين الوظائف و الأجور و نظام الرخص
في هذا الصدد، سنتحدث هنا عن الجديد الذي أتى به القانون، فيما يخص الجمع بين الوظائف و الأجور من جهة، و الرخص الإدارية و السنوية من جهة أخرى.
الفقرة الأولى: الجمع بين الوظائف و الأجور.
هنا يحاول المشرع التدقيق في مقتضيات الفصل 15 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، و ذلك بتحديد مجال الاستثناء من قاعدة المنع من مزاولة الموظف لنشاط يدر عليه دخلا في:
_ إنجاز الأعمال العلمية و الأدبية و الفنية.
_ إجراء الخبرات أو الاستشارات، و القيام بدراسات أو بالتدريس.
و قد تم ربط الاستفادة من هذين الإستثنائين، بتقديم تصريح بذلك لرئيس الإدارة، الذي يمكنه الاعتراض على ذلك، متى تبين له أن الأنشطة التي يزاولها الموظف تتم أثناء الفترة القانونية لعمله العمومي، أو تخضعه إلى تبعية قانونية غير التبعية القانونية لوظيفه العمومي، أو تجعله في وضعيته متنافية مع هذا الوظيف، كما تم اشتراط ألا يطغى على تلك الأعمال و الخبرات الطابع التجاري من جهة، و ألا يذكر الموظف صفته الإدارية من جهة أخرى.
كما يلزم الموظف الذي له زوج يزاول مهنة حرة أو نشاطا اعتياديا، تابعا للقطاع الخاص يدر عليه دخلا، أن يصرح بذلك لإدارته، و يتعين على هذه الأخيرة ـ إن اقتضى الحال ـ اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على مصالح الإدارة (الفقرة 5 الفصل 15)*.
و في نهاية هذا الفصل، يخبرنا المشرع أن كيفيات تطبيق هذا الفصل، سوف تحدد بواسطة نص تنظيمي.
أما بخصوص منع الجمع بين أجرتين أو أكثر، فقد نص عليها الفصل 26 مكررمن القانون الجديد “يمنع على الموظف الجمع بين أجرتين أو أكثر، تؤدى مقابل مزاولة وظيفة بصفة قارة أو عرضية من ميزانية الدولة، أو الجماعات المحلية، أو المؤسسات العمومية، أو الشركات، أو المقاولات التي تملك فيها الدولة أو المؤسسات العمومية أو الجماعات المحلية على انفراد أو بصفة مشتركة أو بصفة مباشرة أو غير مباشرة أغلبية الأسهم في الرأسمال، أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار”.
و يقصد بالوظيفة لتطبيق مقتضيات هذا الفصل، ممارسة أي عمل يقوم به الموظف خلال أوقات العمل الإدارية، علاوة على وظيفته النظامية بصفة دائمة أو عرضية مقابل أجرة، كيفما كانت طبيعتها أو نوعها.
و لا يشمل المنع المنصوص عليه في الفقرة الأولى من هذا الفصل:
_ التعويضات أو الأتعاب المرتبطة بالأنشطة المشار إليها في الفصل 15.
_ الأجور التكميلية أو التعويضات الممنوحة بصفة نظامية (الفصل 26 مكرر)*.
الفقرة الثانية: حق الرخص.
تشتمل على تدقيق المقتضيات المنظمة لمدة الرخصة الإدارية و السنوية، و ذلك بتحديدها في 22 يوما من أيام العمل الفعلي، دون احتساب أيام الراحة الأسبوعية و العطل الرسمية، حيث رفع مدة رخصة الولادة من 12 إلى 14 أسبوعا، انسجاما مع ما تنص عليها المعاهدات الدولية في هذا المجال، و الجديد الذي جاء به القانون، هو تقليص مدة العطلة السنوية من شهر إلى 22 يوما فقط، مع إعطاء الصلاحية للإدارة لتحديد جدولة الرخص السنوية، و يمكن لها رعيا لضرورة المصلحة، أن تعترض على تجزئتها.
مع الأخذ بعين الاعتبار الوضعية العائلية، من أجل تخويل الأسبقية في اختيار الرخص السنوية ([51]).
و لا يمكن تأجيل الاستفادة من الرخصة السنوية برسم سنة معينة إلى السنة الموالية، إلا استثناءا، و لمرة واحدة ([52]).
و لا يخول عدم الاستفادة من الرخصة السنوية الحق في تقاضي أي تعويض عن ذلك.
أما رخصة الولادة، فإن العمل و الولادة وظيفة اجتماعية، تقوم بها المرأة بالإضافة إلى مختلف الوظائف التي تقوم بها، بما فيها مهمتها المهنية كموظفة، و لإعطاء الاهتمام لوظيفة الأمومة، فقد متعها القانون الجديد برخصة عن الولادة مدتها أربعة عشر أسبوعا، تتقاضى خلالها كامل أجرتها، باستثناء التعويضات عن المصاريف([53])، بينما كانت في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية تستفيد من إثنا عشر أسبوعا فقط.
اترك تعليقاً