النظام العام وإرادة الأطراف المتدخلة في العملية التحكيمية
إن أساس التحكيم هو الاتفاق، أي أنه يعود إلى إرادة الأطراف واختيارهم إياه طريقا قضائيا لحسم منازعاتهم باعتبار أنه بإرادتهم يوجد، وبهما ينقضي، وبهاته المثابة، لن يكون غريبا أن يناط بالأفراد رسم إجراءات سيره فيكون لهم مكنة، بل حق، التحديد الإرادي للقواعد الإجرائية التي تسير عليها عملية التحكيم حتى يصل إلى غايته، ويكون خارجا على طبيعة التحكيم منافيا لحكمته أن تفرض عليهم قواعد إجرائية لا يرغبون فيها .
تعد فكرة النظام العام فكرة وطنية بالدرجة الأولى، حيث تهدف في إطار القانون الدولي الخاص إلى حماية المصالح العليا والمبادئ والأسس العامة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، التي يقوم عليها كيان المجتمع وهو ذات الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه فكرة النظام العام الداخلي ولكن بطريقة مختلفة .
فقواعد النظام العام في القانون الداخلي تهتم أكثر بالقانون الداخلي باعتبارها تتلخص في مجموعة القواعد القانونية التي لايمكن للأفراد الاتفاق على مخالفتها باعتباره جزءا منها وحام لها، أما في القانون الدولي الخاص، فتحقيق هاته الحماية يتم عن طريق دفع يتم بمقتضاه استبعاد القانون الأجنبي الواجب التطبيق بمقتضى قاعدة الإسناد الوطنية عند تعارض أحكامه مع تلك المبادئ في دولة القاضي ، وما يعني دراستنا في هذا المجال ليس النظام العام الداخلي الشائع الاستعمال، ولا النظام العام المتصل بقاعدة الإسناد أو المنهج التنازعي برمته، لأنها محل نقد من جانب الفقه الحديث المتبني لمنهج القواعد الموضوعية، حيث أن الأول إذا استعمل في مجال العلاقات القانونية ذات الطابع الدولي فإنه يطلق على جميع القواعد الآمرة المقررة في هذه الدولة ولا يصلح أن يطبق مصطلح بعينه للدلالة على مفهومين بينهما تباين، مفهوم النظام العام في نطاق القانون الداخلي ومفهومه في مجال القانون الدولي الخاص .
كما أن النظر إلى النظام العام على أنه يشكل في نطاق العلاقات الخاصة الدولية قاعدة من قواعد تنازع القوانين أو جزءا لايتجزء منها، فإنه في نظر أصحاب هذا الرأي أمر يجافي واقع الأشياء فيرى أنه لما كان النظام العام يتحصل مفهومه في نطاق القانون الدولي الخاص ـ في مجموعة القواعد الآمرة المقررة في دولة القاضي لتنظيم بعض المراكز القانونية والتي لاتتسامح هذه الدولة على الإطلاق في الخروج عن أحكامها وكان مؤدى هذا المفهوم من ناحية أن القواعد التي يصدق عليها هي ذات مضمون مادي خالص .
كما أن مؤداه من ناحية أخرى أن دولة القاضي حين تستأثر بالاختصاص التشريعي في نطاق المسائل التي تتعلق بها تلك القواعد، أن ينظر إلى النظام العام على أنه يشكل صور أو أسلوب أو منهج القواعد الموضوعية في فض المنازعات الخاصة ذات الطابع الدولي، ولايستفيم أن ينظر إليه على أنه يشكل وسيلة فنية تقترن بوسيلة أو منهج قاعدة الإسناد وجودا وعدما.
ذلك أن أزمة هذا المنهج كانت سببا أساسيا في أزمة النظام العام في ظل منهج تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص، بل هي عامل أساسي لظهور فكرة نظام عام عبر دولي، بقواعده الموضوعية ذات المضمون العبر دولي أو العالمي، سواء كان مصدرها دوليا أو وطنيا.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً