مقال قانوني حول أثر الدستور الامريكي على تنظيم المحاكم الامريكية
المحامي هاتف الاعرجي/ باحث قانوني
ان تعيين قضاة محاكم الولاية في الولايات المتحدة الامريكية ــ يقرره قانون الولاية نفسها. وفي حوالي ثلاثة ارباع الولايات، ينتخب الشعب معظم او جميع قضاته لمدد معينة. وفي بعض الولايات الاخرى يعينون من قبل حكام الولايات. وفي النظام الفيدرالي يعين رئيس الولايات المتحدة القضاة الفيدراليين الاتحاديين، بعد مشاورة مجلس الشيوخ وموافقته، كما نصت على ذلك الفقرة الثانية من المادة الثانية من الدستور.
ويبقى القضاة في مناصبهم مدى الحياة ما دام سلوكهم حسنا، ولم يستقيلوا او يحيلوا انفسهم على التقاعد وبراتب تام (اذا بلغوا سن الخامسة والستين، على ان لا تقل مدة خدمتهم عن خمس عشرة سنة، او اذا بلغوا سن السبعين على ان لا تقل مدة خدمتهم عن الشعر سنوات).
وتتكون السلطة القضائية في الولاية من ثلاثة اصناف من المحاكم وهي:
المحاكم المحلية.
والمحاكم الاعلى للوثائق والسجلات.
واخيرا المحكمة العليا للولاية، وتتمتع السلطة القضائية للولاية بدرجة كبيرة من الاستقلال عن السلـــطة القضائية الفيدرالــيــة وذلك لان الدستور الفيدرالــي قــد حــدد اختــصــاصـــات الاتحاد حصرا فيما ترك الاختصاصات والسلطـــات المتبـــقـــية الى حكومات الولايات وذلك بموجب التعديل العاشر للدستور الامريكي. ومن هنا فأن دستور الولايات المتحدة الامريكية يأخذ بنظام القضاء المزدوج الذي يتكون من المحاكم الفيدرالية ومحاكم الولايات.
وتنقسم المحاكم الفيدرالية الى ثلاثة انواع:
اولا: محاكم المقاطعات.
وثانيهما: محاكم الاستئناف.
واخيرا: المحكمة العليا.
وتعتبر المحكمة العليا اسمى سلطة قضائية في الولايات المتحدة الامريكية، اذ تتربع على رأس الهرم القضائي الامريكي، وهي المحكمة الاكثر شهرة في العالم ــ الفيدرالية وامكانية تطبيقها في العراق ــ الدكتور محمد عمر مولود ــ كردستان 2003 ص 423.
وتتألف المحكمة العليا من تسعة قضاة بضمنهم رئيس القضاة. وهم يعينون من قبل رئيس الولايات المتحدة الامريكية وبمصادقة مجلس الشيوخ، غير انهم لا يعزلون طالما بقيت خدماتهم حسنة.
باستثناء حالة اتهامهم بسوء السلوك، وتعليقا على ذلك هناك مثل امريكي يقول بان اعضاء المحكمة العليا الامريكية، هم من الاشخاص الذين قلما يموتون ولا يستقيلون ابدا.
وتراجع المحكمة الامريكية العليا اجراءات الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات على حد سواء، ولها سلطة ابطال اي قانون او قرار لا يأتلف مع الحريات الدستورية الاساسية. وبموجب احكام دساتير الولايات تمارس محاكم الولايات سلطة مشابهة. وتجدر الاشارة الى ان الدستور الاتحادي لا يمنح المحكمة العليا بنص صريح، الحق بمراقبة دستورية اي قوانين.
ويبدو ان واضعي الدستور افترضوا بان المحكمة العليا ستمارس هذه السلطة ولكنهم اهملوا النص على ذلك في الدستور. وتختص المحكمة العليا حصرا بالنظر في النزاعات القضائية ما بين الولايات، والدعاوى المقامة على الاتحاد اذا ما تنازل الاخير عن الحصانة المقررة له كونه دولة ذات سيادة. وتختص هذه المحكمة كذلك بالنظر في بعض الدعاوى الجنائية التي جعل الكونكرس صلاحية تطبيق العقوبة فيها من اختصاص المحكمة العليا بسبب خطورتها؟ “الوسيط في القانون الدستوري العام الجزء الاول ــ الدولة في الماضي والحاضرــ دار العلم للملايني بيروت 1964 صـ 608 ــ 609. للدكتور ادمون رباط والمحكمة العليا اخذت على عاتقها منذ البداية تأكيد سلطتها في مراقبة دستورية اجراءات الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات على حد سواء، متذرعة بان النصوص التي تكفل الحقوق الاساسية تصبح بلا جدوى ومعنى الا اذا اعطي القضاء حق حمايتها من جميع السلطات الحكومية الاخرى.
ويمكن القول اذن ان للمحكمة العليا في الولايات المتحدة السيادة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، لانها تملك السلطة النهائية في الفصل في القضايا المعروضة امامها ــ ولكن من الممكن ان لا يبالغ المرء بهذه السيادة، اذا يتحدد اختصاص المحكمة العليا في المراقبة والاشراف من خلال كونها كمحكمة استئنافية وهو اهم مظهر من مظاهر سلطاتها. وفقا لقانون يصدره الكونكرس بذلك ومن ناحية اخرى، لا تنظر المحكمة العليا في قضايا دستورية القوانين والاجراءات ولا تفصل بها الا اذا عرضت امامها من خلال منازعة فعلية فالمحكمة العليا لا تصدر آراء استشارية ولا تنظر في قضايا صورية لا تقوم فيها منازعة جدية وفعلية بين الفريقين. ولهذا المظهر من مظاهر اصول المحاكمة امام المحكمة العليا علاقة هامة بفعاليتها كحامية للحقوق الشخصية ان هذا يعني بالطبع ان المحكمة لن تصدر اي قرار يتعلق بدستورية اي اجراء حكومي الا اذا كان الفريق المتضرر مستعدا للسير في الاجراءات الطويلة التي تستلزمها المنازعة في دستورية القانون، امام المحاكم البدائية والاستثنائية، ومن ثم امام المحكمة العليا.
ومما لا شك فيه ان مجموعات القوانين الامريكية تحتوي على قوانين تتعدى على القوانين الاساسية، وقد تكون بالتالي غير دستورية، ولكنها لم تبطل قط في الماضي لان احدا لم يناقش في دستوريتها في سياق نزاع قضائي. ومن ناحية ثانية يعني اصرار المحكمة على النظر في القضايا الحقيقية ان المحكمة لا تحتاج لان تخمن فيما اذا كان قانون ما سيتعدى على الحقوق الاساسية فعند دراسة القانون ضمن اطار التطبيق الفعلي تستطيع المحكمة ان تقدر تماما كيف يمس القانون الحريات العامة كما تستطيع ان تحكم بصورة افضل على مطابقته لمتطلبات الدستور.
اذا ما اراد شخص ما ان يتذرع بحقوقه الدستورية، فعليه ان يظهر ان هذه الحقوق قد تضررت واذا كانت هذه الحقوق قد تضررت فعلا ــ فباستطاعة المتضرر ان يطلب تثبيت حقه الدستوري بواسطة القضاء ويسعى لاستصدار قرار بشأنه ويمكن اقامة الادعاء بوجه اي سلطات من سلطات الحكومة مثاله اذا تعدى اجراء غير دستوري صادر عن السلطة التنفيذية على حقوق احد الافراد، يستطيع الفريق المتضرر ان يطلب من المحكمة اصدار امر للموظف المسؤول يقضي بايقاف ذلك التعدي. وفي بعض الاحوال يستطيع المتضرر ان يستصدر امرا من المحكمة الى الموظف المختص باتخاذ الاجراءات الكفيلة باعادة حقه اليه. واذا اوقفت الشرطة احد الافراد بطريقة تعسفية تتعارض مع حقوقه الدستورية ، فهو يستطيع ان يطلب من المحكمة اصدار امر بمنع حبسه غير المشروع. وتقام هذه الدعاوى امام المحاكم البدائية التابعة للحكومة الاتحادية او لحكومات الولايات، التي تعطي حكما اوليا في صحة الادعاء. واحكام هذه المحاكم قابلة للاستئناف امام المحاكم الاستثنافية، وفي بعض الاحوال امام المحكمة العليا ذاتها. وتلزم المحاكم سواء اكانت تابعة للولايات ام للاتحاد، بالتقيد باحكام الدستور، وتكون احكامها عرضة للمراجعة كما هي الحال بالنسبة للاعمال الصادرة عن السلطة التنفيذية. واذا ادعى شخص ما ببطلان قانون لتعديه على حقوقه الدستوريه، يستطيع اتباع طريقة مشابهة لتلك التي ذكرناها. فاذا تضررت حقوقه في الواقع فله ان يطلب من المحاكم ابطال القانون، واذا رفضت المحكمة البدائية اجابة طلباته، يستطيع المدعي ان يلج ابواب المحاكم العليا بطريق الاستئناف وتنفرد المحكمة العليا من بين المحاكم الامريكية بانها تتمتع بحرية كبيرة في تحديد نطاق عملها.
فهناك قوانين محددة جدا تعطي حق الطعن امام المحكمة العليا وتنظر الاخيرة في عدد من القضايا كأختصاص منصوص عليه مسبقا بينما نجد ان نسبة كبيرة من الدعاوى تأتي اليها عن طريق الاوامر القضائية والتي تصدرها المحكمة المذكورة.
ويذكر (سوتون)sutton بان على القاضي في المجتمع المنظم تنفيذ وظيفيتين فهو لا يقتصر على ان يقرر الاجراء الواجب اتباعه بحق منتهكي القانون، بل عليه ايضا ان يقرر ما يعينه القانون موضوع العلاقة في التطبيق العلمي ان هذه الوظائف جوهرية في اي نظام حكومي، ولكنها مدعوة بان تكتسي اهمية خاصة عندما تتوسع السلطة القضائية لكي تفسر القانون الاسمى في البلاد وهو الدستور. ومن هنا تبرز اهمية المحكمة العليا في كون اختصاصاتها لا تقتصر على تطبيق الدستور والقوانين الصادرة بموجبه بل تتجاوز ذلك الى تفسيرها ــ عن طريق الرقابة القضائية او من خلال الدور السياسي للمحكمة العليا الامريكية.
الدكتور محمد عمر مولود الفيدرالية وامكانية تطبيقها في العراق ـ كردستان 2003 ص 425.
ولابد من الاستنتاج بان وجود سلطة قضائية قوية ومستقلة بالرغم من النواقص والاخطاء امر لا يمكن الاستغناء عنه للمحافظة على الحريات الاساسية محافظة فعالة. فالمحاكم تأخذ بعين الاعتبار المشاكل اليومية التي لا حصر لتنوعاتها والناشئة عن وثيقة الحقوق وتنظر فيها ضمن اطارها الصحيح. واذا كان صحيحا ان القضاة ليسوا اقرب الى الكمال من بقية البشر، فمن الصحيح كذلك كما اشار الى ذلك (هاملتون) منذ مدة طويلة، انهم اقل خطورة من غيرهم عندما توكل اليهم السلطة ــ اذ تنقصهم وسائل اساءة استعمالها. وبما ان القضاة يعتمدون على السلطتين التنفيذية والتشريعية لتنفيذ احكامهم فهم لا يقدرون اطلاقا ان يشكلوا تهديدا مستقلا لحريات الشعب. ان الرقابة القضائية ابقيت الشعب متيقظا للاخطار والتهديدات التي تجابه حقوقها الاساسية.
اترك تعليقاً