أحكام رد الاعتبار وفقاً لقانون المسطرة الجنائية المغربي
تقديم
قال قائل فما أحسن طرق التفسير، فالجواب، إن
أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن.
لقد اعتمدت في مقاربة هذا الموضوع الذي بين يدي نفس المنهجية المذكورة، إذ استخلصت مجموع أحكامه من قول المشرع وبسطتها في تصميم جمع بين الآجال المطلوبة قانونا لتفعيله والشروط والجهة المكلفة بتطبيقه ثم مآله.
ولما كان تقريب المعنى يفيد في معرفة المراد، وجدت نفسي ملزما بأن أستهل حديثي ببيان القصد. يراد برد الاعتبار،[1] محو آثار العقوبة وحالات فقدان الأهلية المترتبة عنها في المستقبل، ويحق مباشرته من قبل كل شخص صدر عليه حكم من إحدى المحاكم الزجرية بالمملكة من أجل جناية أو جنحة.
فحسب ما تقدم، لا يمكن مباشرة رد الاعتبار طبقا لمقتضيات المواد 687 إلى 702 من قانون المسطرة الجنائية إلا بعد استحضار الشروط المستفادة من تعريف المشرع نفسه، إذ يجب:
-أن يكون هناك مقرر قضائي يقضي بالإدانة.
-أن يكون مقرر الإدانة صادر عن المحاكم الزجرية بالمملكة.[2]
-أن ينصرف موضوع رد الاعتبار لجناية أو جنحة، إذ لا يعمل به في المخالفات.[3]
ويميز قانون المسطرة الجنائية بين رد الاعتبار القانوني الذي يكون بقوة القانون وبين رد الاعتبار القضائي الذي يصدر في شأنه حكم من طرف القضاء.
وعليه، سأناقش هذا الموضوع في مبحثين وفقا للتصميم التالي:
-المبحث الأول: رد الاعتبار القانوني
-المطلب الأول: الآجال المطلوبة قانونا لرد الاعتبار القانوني.
– الفقرة الأولى: رد الاعتبار القانوني في الجنح.
– الفقرة الثانية: رد الاعتبار القانوني في الجنايات.
-المطلب الثاني: الجهة المختصة بتطبيق أحكام رد الاعتبار القانوني ومآله.
– الفقرة الأولى: الجهة المختصة بتطبيق أحكام رد الاعتبار القانوني.
– الفقرة الثانية: مآل رد الاعتبار القانوني.
-المبحث الثاني: رد الاعتبار القضائي
-المطلب الأول: الشروط والآجال المطلوبة قانونا لتقديم طلب رد الاعتبار القضائي وإجراءاته
– الفقرة الأولى: الشروط والآجال المطلوبة قانونا لتقديم طلب رد الاعتبار القضائي.
– الفقرة الثانية: إجراءات رد الاعتبار القضائي.
-المطلب الثاني: الجهة المختصة بالبت في طلب رد الاعتبار القضائي ومآل القرار الصادر فيه
– الفقرة الأولى: الجهة المختصة بالبت في طلب رد الاعتبار القضائي.
– الفقرة الثانية: مآل القرار الصادر في طلب رد الاعتبار القضائي.
– المبحث الأول: رد الاعتبار القانوني
-المطلب الأول: الآجال المطلوبة لرد الاعتبار القانوني
يخضع رد الاعتبار القانوني لأحكام المواد 688-689 من قانون المسطرة الجنائية.
ويكتسب المحكوم عليه رد الاعتبار بقوة القانون ما لم يصدر ضده داخل الآجال المحددة فيما بعد أي حكم جديد بعقوبة سالبة للحرية من أجل جناية أو جنحة.
وعليه سوف أوضح آجال رد الاعتبار القانوني في الجنح، ثم سأتحدث عن رد الاعتبار القانوني في الجنايات.
-الفقرة الأولى: رد الاعتبار القانوني في الجنح
1-بالنسبة للعقوبة الوحيدة النافذة
– فيما يخص العقوبة الوحيدة النافذة الصادرة بالغرامة:
ينص الفصل 35 من القانون الجنائي على أن الغرامة هي إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي لفائدة الخزينة العامة مبلغا معينا من النقود، بالعملة المتداولة قانونا في المملكة.
ويبت بالغرامة كعقوبة في المخالفات من 30 إلى 1200 درهم طبقا للفصل 18 من القانون المذكور، وفي الجنح فيما يتجاوز عن 1200 درهم طبقا للفصل 17 من القانون الجنائي كذلك.
غير أن ما يعنينا في هذا المقام، هو الغرامات الصادرة في الجنح دون المخالفات التي لا يشملها رد الاعتبار.
ويرد اعتبار المحكوم عليه بغرامة بقوة القانون، بعد انتهاء أجل سنة واحدة تحسب من يوم أدائها أو من يوم انتهاء الإكراه البدني أو انصرام أمد التقادم.
والملاحظ أن المشرع حدد نفس المدة -بالنسبة للغرامات -في رد الاعتبار عموما سواء كان قانونيا أو قضائيا غير أنه يحتسب من يوم أدائها أو من يوم انتهاء الإكراه البدني أو انصرام أمد التقادم بالنسبة لرد الاعتبار القانوني ومن يوم أدائها بالنسبة لرد الاعتبار القضائي.
– فيما يخص العقوبة الوحيدة النافذة الصادرة بالحبس لمدة لا تتجاوز ستة أشهر:
بعد انتهاء أجل خمس سنوات إما من يوم انتهاء العقوبة المنفذة على المحكوم عليه وإما من يوم انصرام أجل التقادم.
– فيما يخص العقوبة الوحيدة النافذة الصادرة بالحبس لمدة لا تتجاوز سنتين:
بعد انتهاء أجل عشر سنوات تبتدئ إما من يوم انتهاء العقوبة المنفذة على المحكوم عليه وإما من يوم انصرام أجل التقادم.
– فيما يخص العقوبة الوحيدة النافذة الصادرة بالحبس لمدة تتجاوز سنتين:
بعد انصرام أجل خمس عشرة سنة تحسب بنفس الطريقة أعلاه، أي تبتدئ إما من يوم انتهاء العقوبة المنفذة على المحكوم عليه وإما من يوم انصرام أجل التقادم.
2-بالنسبة للعقوبة المتعددة في الجنح:
ويراد بها العقوبات الحبسية المتعددة.
– فيما يخص عدة عقوبات لا يتجاوز مجموعها سنة واحدة:
يكون رد الاعتبار بقوة القانون بعد انتهاء أجل عشر سنوات تبتدئ إما من يوم انتهاء العقوبة المنفذة على المحكوم عليه وإما من يوم انصرام أجل التقادم.
– فيما يخص عدة عقوبات يتجاوز مجموعها سنة واحدة من أجل جنح:
بعد انصرام أجل خمس عشرة سنة تحسب بنفس الطريقة؛ أي من يوم انتهاء العقوبة المنفذة على المحكوم عليه وإما من يوم انصرام أجل التقادم.
3- بالنسبة للعقوبات المزدوجة في الجنح:
يقصد بها حالة الحكم بالحبس والغرامة، حيث يحتسب الأجل الساري في العقوبة السالبة للحرية من أجل رد الاعتبار القانوني.
-الفقرة الثانية: رد الاعتبار القانوني في الجنايات
فيما يخص العقوبة الجنائية الوحيدة أو العقوبات الجنائية المتعددة، [4]بعد انصرام أجل عشرين سنة ابتداء من يوم انقضاء آخر عقوبة أو انصرام أمد تقادمها.
وفي محل ختم هذا المطلب، يجب التذكير بأنه يعادل الإسقاط الكلي أو الجزئي للعقوبة بطريق العفو، تنفيذ هذه العقوبة كليا أو جزئياً، كما يجب التذكير بمقتضيات المادة 689 من قانون المسطرة الجنائية، حيث يرد الاعتبار كذلك بقوة القانون لكل محكوم عليه بعقوبة حبس أو غرامة مع إيقاف التنفيذ، وذلك بعد انتهاء فترة اختبار مدتها خمس سنوات ما لم يقع إلغاء إيقاف التنفيذ، تحسب من التاريخ الذي أصبحت فيه العقوبة مكتسبة لقوة الشيء المقضي به.
في حالة ازدواجية العقوبة بالغرامة النافذة والعقوبة السالبة للحرية الموقوفة التنفيذ، يحتسب الأجل الساري على الحبس الموقوف لرد الاعتبار.
-المطلب الثاني: الجهة المختصة بتطبيق أحكام رد الاعتبار القانوني ومآله
-الفقرة الأولى: الجهة المختصة بتطبيق أحكام رد الاعتبار القانوني
بخلاف رد الاعتبار القضائي الذي يكون بحكم المحكمة المختصة وفقا لما نص عليه المشرع، يكون رد الاعتبار في هذا المقام بقوة القانون، إذ يستفيد المحكوم عليه ويرد له اعتباره بحكم القانون بتدخل الجهة الموكول لها تطبيق قواعد المسطرة الجنائية وهي تتحدث عن أحكام السجل العدلي الذي يميز في إطاره بين:
-السجل العدلي الوطني التابع لوزارة العدل والحريات يختص بمراقبة المراكز المحلية ويتولى مسك سجل عدلي خاص بالأشخاص المولودين خارج المملكة من غير اعتبار لجنسيتهم، ومسك بطائق السجل العدلي للأشخاص المعنوية المنصوص عليها في المواد 678 وما بعدها من القانون المذكور.
-ومراكز محلية بالمحاكم الابتدائية يتم تعيينها بقرار لوزير العدل، وتتولى مسك السجلات العدلية لجميع الأشخاص مهما كانت جنسيتهم المولودين بدائرة محكمة من المحاكم المحددة طبقاً للقرار المشار إليه.
وحسب المادة 655 من قانون المسطرة الجنائية فانه يتولى إدارة مركز السجل العدلي الوطني أحد القضاة العاملين بوزارة العدل، في حين تسند إدارة السجل العدلي المحلي لأحد قضاة النيابة العامة.
وبالرجوع للمادة 656 من نفس القانون فانه تمسك مراكز السجل العدلي المحلي، بطائق تسمى البطائق رقم 1 للسجل العدلي، وتسلم حسب الشروط المحددة في المواد 665 وما يليها، بيانات أو ملخصات منها تدعى البطائق رقم 2 أو رقم 3.
كما يمسك مركز السجل العدلي الوطني نفس البطائق ويسلم نفس البيانات بالنسبة للأشخاص المولودين خارج المملكة وللأشخاص المعنوية.
وبمجرد تحقق الآجال المنصوص عليها بالنسبة لرد الاعتبار القانوني فان الأمر يستوجب إدخالها كتغييرات على البطاقة رقم 1 طبقا للمادة 661 من القانون المذكور.
وعمليا، فانه في حالة إغفال ذلك يقدم طلب في الموضوع من طرف المعني بالأمر إلى وكيل الملك المختص، وبعد الدراسة يتقرر إما الموافقة على الطلب وتحرير أمر بذلك للجهة المكلفة من أجل إدخال رد الاعتبار القانوني كتغيير على البطاقة رقم 1 كما سلف الذكر، وإما رفض الطلب إذا اختل شرط من الشروط الواجبة للاستجابة للطلب.
على أنه في حالة وجود نزاع بشأن رد الاعتبار بحكم القانون تفعل مقتضيات المادة 672من قانون المسطرة الجنائية، حيث يقدم الطلب في شكل مقال إلى رئيس المحكمة التي أصدرت المقرر.
ويطلع رئيس المحكمة النيابة العامة على المقال ويكلف عند الاقتضاء، قاضيا بتقديم تقرير في الموضوع.
وتجري المناقشات ثم يصدر المقرر في غرفة المشورة إما برد الاعتبار القانوني أو بالسلب.
-الفقرة الثانية: مآل رد الاعتبار القانوني
باستقراء المواد 687 إلى 689 من قانون المسطرة الجنائية، نجد أن المشرع لم يبين الإجراءات الواجب إتباعها بعد مباشرة رد الاعتبار بحكم القانون.
وإذا كانت المادة 661 تسعف بالقول إن المشرع نص صراحة على إدخال رد الاعتبار القانوني كتغيير في البطاقة رقم 1 من السجل العدلي، فانه يجب كذلك تضمينه بطرة المقررات الصادرة بالعقوبة قياسا على رد الاعتبار القضائي احتراما للمادة 702 من قانون المسطرة الجنائية.
– المبحث الثاني: رد الاعتبار القضائي
-المطلب الأول: الشروط والآجال المطلوبة قانونا لتقديم طلب رد الاعتبار القضائي واجراءاته
-الفقرة الأولى: الشروط والآجال المطلوبة قانونا لتقديم طلب رد الاعتبار القضائي
-أولا: الشروط المطلوبة قانونا لتقديم طلب رد الاعتبار القضائي
1-الأشخاص المسموح لهم مباشرة رد الاعتبار القضائي:
مبدئيا، يجب التمييز بين الأشخاص المسموح لهم مباشرة رد الاعتبار القضائي والمحكوم عليه على قيد الحياة ثم حالة تتبع طلب رد الاعتبار سبق تقديمه من طرف المحكوم عليه قبل وفاته.
ففي الحالة الأولى، لا يمكن للمحكمة أن تستجيب للطلب-إذا توافرت شروطه الشكلية والموضوعية بطبيعة الحال-إلا إذا قدم من قبل المحكوم عليه شخصيا.
وعليه، لا مجال لإعمال أحكام النيابة القانونية أو الاتفاقية في هذا المقام، غير أن هذه النتيجة في حقيقة الأمر ليست مطلقة لعلة أن المشرع المغربي أورد عليها استثناءين، ذلك أنه يمكن مباشرة رد الاعتبار القضائي من قبل الممثل القانوني للمحكوم عليه شرط أن يكون هذا الأخير محجورا عليه أو شخص معنوي مع ضرورة الإدلاء بما يفيد ذلك.[5]
أما في الحالة الثانية، فالأمر لا يتعلق بتقديم طلب رد الاعتبار مباشرة وإنما تقديم طلب بتتبعه أمام القضاء، بعد وفاة المحكوم عليه طبقا للفقرة 2 من المادة 691 من قانون المسطرة الجنائية.
وقد حصر المشرع الأشخاص الذين يمكنهم ذلك في زوج المحكوم عليه أو أصوله أو فروعه.
ويراد بالزوج، شريكة المحكوم عليه أو شريك المحكوم عليها وفقا لعقد الزواج.
أما المقصود بأصول المحكوم عليه والديه وان علا، أما فروعه فينصرف المعنى لأولاده وان سفل أي نزلوا في درجة القرب.
ولا ضير في هذا التوسع مادام أنه لم يجرم فعلا ولم يخلق عقوبة، بل الأكثر من ذلك يجب الاستجابة للطلب حتى في الحالة التي تربط المحكوم عليه بالأصل-إن صح التعبير-أو الفرع علاقة بتبني الجزاء أو التنزيل منزلة الولد أو ما يسمى كذلك بالكفالة.
2- يجب أن يكون طلب رد الاعتبار شاملا لمجموع المقررات القاضية بالإدانة:
فبصيغة الوجوب جاء المشرع واضحا عندما اشترط أن يكون طلب رد الاعتبار شاملا لمجموع المقررات القضائية،[6] غير أن السؤال يبقى مطروحا حول قصده من كلمة -شاملا-فهل يراد بها الإشارة إلى مراجع المقررات المذكورة، على أن يتولى وكيل الملك بمسعى منه طلب نسخ منها طبقا للمادتين697-698 من قانون المسطرة الجنائية، أو أن طالب رد الاعتبار القضائي ملزم بتقديم الطلب مرفق بنسخ مصادق عليها من المقررات القضائية الصادرة بالإدانة؟
عمليا تجدر الإشارة إلى أنه تقدم الطلبات مرفقة بنسخة أو نسخ مصادق عليها بحسب تعدد قرارات الإدانة، رفقته شهادة أو شواهد بعدم الطعن تفيد حيازة المقرر القضائي لقوة الشيء المقضي به تسريعا للإجراءات،[7] غير أنه يجب القول بضرورة تفعيل المادتين المذكورتين في حالة تقديم الطلب متضمنا لمراجع مقررات الإدانة فقط ومجردة من الوثائق اللازمة.
3- يجب أن ينصرف طلب رد الاعتبار القضائي لعقوبات نافذة[8] لم يسبق محوها، لا عن طريق رد اعتبار سابق ولا عن طريق العفو الشامل :[9]
والجدير بالذكر في هذا المقام، أن رد الاعتبار القضائي طبقا لمفهوم المخالفة للمادة 690 من قانون المسطرة الجنائية لا يهم العقوبات موقوفة التنفيذ.
كما أن المشرع اشترط للاستجابة للطلب ضرورة ألا تكون السوابق القضائية المراد محوها عن طريق
حكم المحكمة، موضوع رد اعتبار سابق سواء قضائي أو قانوني احتراما لعمومية اللفظ الذي استعمل في المادة المذكورة سلفا، أو كانت قد سبق محوها بعفو شامل.
غير أن القانون الجنائي وبالضبط على مستوى الفصلين 50-51 منه، يميز بين العفو الشامل الذي لا يكون إلا بنص تشريعي صريح، ويحدد هذا النص ما يترتب عن العفو من آثار دون المساس بحقوق الغير، وبين العفو الذي يعد حق من حقوق الملك، والذي يباشر وفق الترتيبات التي تضمنها الظهير المعني.
حيث يستفاد مما تقدم، أن العفو الخاص الذي يمارسه الملك لا يحول دون طلب رد الاعتبار القضائي.
4- الإدلاء بما يفيد أداء أو الإعفاء من المصاريف القضائية والغرامة والتعويض :
يجب على المحكوم عليه أن يثبت أداء المصاريف القضائية،[10] والغرامة والتعويض أو يثبت إعفاءه من أدائها، وإذا لم يثبت ذلك، فعليه أن يقدم الدليل على أنها:
– تقادمت طبقا للمادة 648 من قانون المسطرة الجنائية.
-أو أنه قضى مدة الإكراه البدني.
-أو أن الطرف المتضرر تخلى عن هذه الوسيلة، ويجب أن تفسر هذه الأخيرة بسلوك الدعوى المدنية التابعة ويبرر ذلك غالبا بإشهاد يفيد ذلك، أما في حالة سلوك الوسيلة وتعذر العثور على الطرف المتضرر أو إذا امتنع من حيازة المبلغ المستحق، دفع هذا المبلغ لصندوق الإيداع والتدبير.
تحدد المحكمة في حالة الحكم بالتضامن، نسبة المصاريف القضائية والتعويض أو الدين التي يتعين أداؤها من طرف الشخص الذي طلب رد الاعتبار.
وباستثناء ما جاء أعلاه، لا يخضع رد الاعتبار لأي شرط يتعلق بالأجل أو بتنفيذ العقوبة إذا أدى المحكوم عليه بعد ارتكابه الجريمة خدمات جليلة للبلاد مخاطراً بحياته طبقا للمادة 695 من القانون المبين.
في الأخير، يتعين التذكير بأنه إذا كان الحكم صادراً من أجل تفالس بالتدليس،[11] فيجب على المحكوم عليه أن يثبت أداء الديون المترتبة عن التفلسة بما فيها من رأسمال وفوائد ومصاريف أو يثبت إعفاءه من أدائها.
-ثانيا: الآجال المطلوبة قانونا لتقديم طلب رد الاعتبار القضائي
1-بالنسبة للعقوبات البدنية النافذة:[12]
بالنسبة للعقوبات البدنية النافدة الصادرة في الجنح العمدية لا يمكن طلب رد الاعتبار القضائي في شأنها قبل انصرام أجل ثلاث سنوات.
غير أن هذا الأجل يخفض إلى سنتين إذا كانت العقوبة صادرة من أجل جنحة غير عمدية.
أما في العقوبات الجنائية، فانه لا يمكن تقديم الطلب قبل انصرام خمس سنوات.
وتجب الإشارة إلى أنه يبتدئ سريان الآجال المبينة، من يوم الإفراج بالنسبة للمحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية.
2-بالنسبة للعقوبات المالية:
إذا كانت العقوبة غرامة فقط، لا يرد اعتبار الشخص المدان إلا بمرور سنة من يوم الأداء في حق المحكوم عليه بغرامة.
3-بالنسبة للعقوبات المزدوجة:
في حالة الحكم بعقوبة مزدوجة بالغرامة والعقوبة السالبة للحرية، يحتسب الأجل الساري في العقوبة السالبة للحرية فقط.
4-بالنسبة لحالات العود:
لا يقبل من المحكوم عليه الذي يوجد في حالة العود إلى الجريمة ولا من المحكوم عليه الذي صدر في حقه حكم بعقوبة جديدة سالبة للحرية بعد رد الاعتبار إليه، تقديم طلب رد الاعتبار إلا بعد مرور أجل خمس سنوات من يوم الإفراج عنه.
غير أنه إذا كانت العقوبة الجديدة عقوبة جنائية، رفعت فترة الاختبار إلى عشر سنوات.
في نهاية هذه النقطة، يجب التنبيه إلى أنه لا يمكن للمحكوم عليه الذي سقطت عقوبته بالتقادم، أن يحصل على رد الاعتبار القضائي باستثناء إذا شملته مقتضيات المادة 695 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه لا يخضع رد الاعتبار لأي شرط يتعلق بالأجل أو بتنفيذ العقوبة إذا أدى المحكوم عليه بعد ارتكابه الجريمة خدمات جليلة للبلاد مخاطراً بحياته.
كما يستلزم التذكير أنه في حالة وفاة المحكوم عليه، يمكن لزوجه أو أصوله أو فروعه تتبع الطلب الذي سبق أن تقدم به المتوفى ويمكنهم أن يتقدموا بالطلب مباشرة داخل أجل ثلاث سنوات من تاريخ الوفاة، ويمدد هذا الأجل لغاية نهاية السنة الموالية للأجل المعتمد عليه لحساب المدة المشار إليها في المادة 693 من هذا القانون، إذا طرأت الوفاة قبل مرور المدة القانونية اللازمة لطلب رد الاعتبار.
الفقرة الثانية: إجراءات رد الاعتبار القضائي
يقدم المحكوم عليه طلبا برد الاعتبار لوكيل الملك بمحل إقامته الحالي أو بآخر موطن له بالمغرب، إذا كان يقيم بالخارج ويبين بدقة في هذا الطلب:
-تاريخ المقرر الصادر في حقه والمحكمة التي صدر عنها؛
-الأماكن التي أقام بها المحكوم عليه منذ الإفراج عنه.
بعد دراسة الطلب، يطلب وكيل الملك شهادات من ولاة أو عمال الأقاليم أو العمالات أو المفوضين من قبلهم بالأماكن التي أقام بها المحكوم عليه، ويتعين أن تحتوي على البيانات الآتية:
– مدة إقامة المحكوم عليه بكل مكان؛
– سيرته أثناء هذه الإقامة؛
– وسائل معيشته خلال نفس المدة.
علاوة على ذلك، يمكن لوكيل الملك أن يأمر بإجراء بحث تقوم به مصالح الدرك أو الشرطة بالأماكن التي أقام بها المحكوم عليه.
كما يسعى وكيل الملك للحصول على:
– نسخة من الأحكام أو القرارات الصادرة بالعقوبة؛
– ملخص سجل الاعتقال في المؤسسات السجنية التي قضى بها المحكوم عليه مدة عقوبته، ورأي المدير أو رئيس المؤسسة السجنية حول سلوك المحكوم عليه خلال مدة الاعتقال؛
– البطاقة رقم 2 من السجل العدلي.
المطلب الثاني: الجهة المختصة بالبت في طلب رد الاعتبار القضائي ومآل القرار الصادر فيه
الفقرة الأولى: الجهة المختصة بالبت في طلب رد الاعتبار القضائي
بعد أن يقوم وكيل الملك بمباشرة الإجراءات المذكورة يوجه كل ما تحصل لديه من الوثائق المطلوبة، مقرونة برأيه إلى الوكيل العام للملك الذي يحيلها على الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف باعتبارها الجهة المختصة بالبت في الطلب.
وتبت الغرفة المذكورة داخل شهرين بناء على مستنتجات الوكيل العام للملك وبعد[13] الاستماع إلى الطرف الذي يعنيه الأمر أو إلى محاميه أو بعد استدعائهما بصفة قانونية.
كما يمكن لطالب رد الاعتبار، أن يعرض مباشرة على هذه الغرفة سائر الوثائق التي يراها مفيدة.
المستخلص أنه طبقا لمفهوم المخالفة يجب على الغرفة الجنحية عدم البت في الطلب إلا بعد الاستماع إلى الطرف الذي يعنيه الأمر أو إلى محاميه –أنظر الأشخاص الذين يمكنهم تقديم طلب رد الاعتبار القضائي أو تتبعه-وفي أدنى الأحوال بعد استدعائهما بصفة قانونية وفقا لأحكام الفصول 37-38-39 من قانون المسطرة المدنية.
وتجب الإشارة إلى أنه، بالإضافة لما ذكر أعلاه، تختص محكمة النقض وحدها بالبت في طلب رد الاعتبار في القضايا المحالة إليها تطبيقا للمادة 265 من قانون المسطرة الجنائية،[14] والفقرة الثالثة من المادة 268 من نفس القانون المذكور،[15] والتي أصدرت فيها حكما بالإدانة، ويجري التحقيق حينئذ في الطلب، ويسهر على ذلك الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض.
الفقرة الثانية: مآل القرار الصادر في طلب رد الاعتبار القضائي
يتعين مناقشة حالة الموافقة على الطلب ثم إمكانية رفضه:
-أولا: حالة البت وفق الطلب
في حالة الاستجابة لطلب رد الاعتبار القضائي من طرف الجهة المختصة، تتم الإشارة إلى القرار الصادر برد الاعتبار ب:
– طرة المقررات الصادرة بالعقوبة
– وفي السجل العدلي.
ولا يمكن في هذه الحالة أن يشار إلى العقوبة بالبطاقة رقم 3 من السجل العدلي، غير أنه يشار إليها في
البطاقة رقم 2 المسلمة للقضاة من أجل تطبيق مقتضيات المادة 693 من قانون المسطرة الجنائية.[16]
يضاف لذلك ضرورة توجيه نسخة من القرار الصادر برد الاعتبار القضائي للمدير العام للأمن الوطني، وان كانت هذه الدراسة تسجل سكوت المشرع عن ذلك في محل حديثه عن رد الاعتبار.
هذا ويمكن للمستفيد من القرار أن يحصل على نسخة منه وملخص من السجل العدلي دون مصاريف.
-ثانيا: حالة رفض الطلب
في حالة رفض طلب رد الاعتبار، لا يمكن تقديم طلب جديد ولو في الحالة المنصوص عليها في المادة 695 من قانون المسطرة الجنائية،[17] إلا بعد انصرام أجل سنتين تحسب من تاريخ هذا الرفض، ما لم يكن الرفض بسبب عدم استيفاء الآجال المنصوص عليها في المادة 692 من نفس القانون المشار إليه.[18]
في حقيقة الأمر، أن هذه الحالة أثارت فضول هذا البحث لأنه لا يمكن ترتيب الرفض بشكل مطلق على شروط تقديم طلب رد الاعتبار القضائي، وإنما يجب القول بعدم القبول كذلك كما في حالة عدم تقديم الوثائق اللازمة، وفي حالات تقديم الطلب من شخص غير ذي صفة.
نتيجة ما تقدم، يعد رد الاعتبار بنوعيه سببا موجبا لمحو آثار العقوبة نحو المستقبل، وكذا حالات فقدان الأهلية التي رتبها المشرع كعقوبات أصلية أو إضافية في القانون الجنائي بموجب الفصول 26-36 منه.
[1] أنظر المادة 687 من ق م ج.
[2] بمفهوم المخالفة لا يمكن مباشرة رد الاعتبار أمام محاكم المملكة إذا كان مقرر الإدانة صادر عن محاكم أجنبية.
[3] يقصد بها الجرائم المعاقب عليها بالاعتقال لمدة تقل عن شهر، وبالغرامة من 30 إلى 1200 درهم طبقا للفصل 17 من القانون الجنائي.
ويجب التمييز بين الاعتقال كعقوبة في المخالفات وبين الاعتقال الاحتياطي كتدبير استثنائي في إجراءات التحقيق الإعدادي بموجب المواد من 175 إلى 188من قانون المسطرة الجنائية والذي يكون مبنيا إما على أمر بالإيداع في السجن يوجهه قاضي التحقيق إلى رئيس المؤسسة السجنية كي يتسلم المتهم أو بناء على أمر بإلقاء القبض يصدر عن نفس القاضي ويوجه للقوة العمومية بالبحث عن المتهم ونقله إلى المؤسسة السجنية المبينة في الأمر المذكور.
كما يجب التمييز بين العقوبة المشار إليها سلفا وبين الاعتقال الاحتياطي الذي تباشره النيابة العامة بموجب أمرها بإيداع المتهم في السجن وإحالته على المحكمة في حالة اعتقال.
[4] يجب التذكير أنه ليست هناك عقوبات جنائية مزدوجة تجمع بين العقوبات السالبة للحرية والغرامة لأن المشرع حدد العقوبات الجنائية الأصلية في: الإعدام، السجن المؤبد، السجن المؤقت من خمس سنوات إلى ثلاثين سنة، الإقامة الإجبارية، التجريد من الحقوق الوطنية طبقا للفصل 16 من القانون الجنائي.
[5] ما يفيد التمثيل القانوني الذي يمكن أن يأتي في شكل نيابة قانونية أو شرعية بالنسبة للمحجور عليه كما في حالة الولاية أو الوصاية أو التقديم، أو في صورة نيابة اتفاقية بين النائب القانوني أو الشرعي والممثل القانوني لفائدة المحجور عليه نفسه.
[6] تطلق من حيث الدلالة على الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية والقرارات التي تبت بموجبها محاكم الاستئناف في المادة الزجرية، يضاف إليها قرارات محكمة النقض كمحكمة قانون.
[7] يمكن اجمال الوثائق اللازمة فيما يلي:
– شهادة الإقامة أو السكنى.
– نسخة موجزة من رسم الولادة.
-السجل العدلي -البطاقة رقم 3 –
– صورة شمسية من البطاقة التعريف الوطنية.
-نسخة من سجل الاعتقال أو بطاقة الافراج.
-نسخ من الأحكام أو القرارات الحائزة لقوة الشيء المقضي به.
-وصل أداء الغرامات والصوائر.
– ما يفيد أداء التعويضات المحكوم بها أو الإعفاء منها.
– شهادة بعدم الطعن بالاستئناف أو النقض أو قرار محكمة النقض.
[8] سالبة للحرية أو عقوبة مالية.
[9] أنظر المادة 690 من قانون المسطرة الجنائية.
[10] إذا أثبت المحكوم عليه أنه عاجز عن أداء المصاريف القضائية، جاز أن يرد له الاعتبار ولو في حالة عدم أداء هذه المصاريف أو أداء جزء منها.
[11] تنص المادة 721 من مدونة التجارة على أنه يدان بالتفالس في حال افتتاح إجراء المعالجة الأشخاص المشار إليهم في المادة 702 الذين تبين أنهم ارتكبوا أحد الأفعال التالية:
-قاموا إما بعمليات شراء قصد البيع بثمن أقل من السعر الجاري أو لجأوا إلى وسائل مجحفة قصد الحصول على أموال بغية تجنب أو تأخير فتح مسطرة المعالجة؛
-اختلسوا أو أخفوا كلا أو جزءا من أصول المدين؛
-قاموا تدليسيا بالزيادة في خصوم المدين؛
-قاموا بمسك حسابات وهمية أو أخفوا وثائق حسابية للمقاولة أو الشركة أو امتنعوا عن مسك أية حسابات رغم أن القانون يفرض ذلك.
[12] للتذكير، فان رد الاعتبار القضائي لا يعمل به في العقوبات السالبة للحرية موقوفة التنفيذ، لذلك يحتسب أجل رد الاعتبار القضائي من يوم الإفراج لا غير.
[13] حرف -الواو-يفيد العطف لا الاختيار، وعليه يجب على الغرفة الجنحية ومحكمة النقض بحسب الأحوال أن تباشر هذا الإجراء وعدم الاكتفاء بحجز القضية للمداولة بعد تقديم النيابة العامة لمستنتجاتها.
[14] تنص المادة 265 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: إذا كان الفعل منسوباً إلى مستشار لجلالة الملك أو عضو من أعضاء الحكومة أو كاتب دولة أو نائب كاتب دولة مع مراعاة مقتضيات الباب الثامن من الدستور أو قاض بمحكمة النقض أو المجلس الأعلى للحسابات أو عضو في المجلس الدستوري أو إلى والي أو عامل أو رئيس أول لمحكمة استئناف عادية أو متخصصة أو وكيل عام للملك لديها، فإن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض تأمر- عند الاقتضاء – بناء على ملتمسات الوكيل العام للملك بنفس المحكمة بأن يجري التحقيق في القضية عضو أو عدة أعضاء من هيئتها.
يجرى التحقيق حسب الكيفية المنصوص عليها في القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي.
بعد إنهاء التحقيق يصدر قاضي أو قضاة التحقيق، حسب الأحوال، أمراً قضائياً بعدم المتابعة أو بالإحالة إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض.
تبت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض في القضية.
يقبل قرار الغرفة الجنائية الاستئناف داخل أجل ثمانية أيام. وتبت في الاستئناف غرف محكمة النقض مجتمعة باستثناء الغرفة الجنائية التي بتت في القضية.
لا تقبل أية مطالبة بالحق المدني أمام محكمة النقض.
[15] تنص الفقرة الثالثة من المادة 268 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: إذا كان ضابط الشرطة القضائية مؤهلا لمباشرة وظيفته في مجموع تراب المملكة، فإن الاختصاص يرجع إلى محكمة النقض حسب الكيفيات المنصوص عليها في المادة 265.
[16] تنص المادة 693 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: لا يقبل من المحكوم عليه الذي يوجد في حالة العود إلى الجريمة ولا من المحكوم عليه الذي صدر في حقه حكم بعقوبة جديدة سالبة للحرية بعد رد الاعتبار إليه، تقديم طلب رد الاعتبار إلا بعد مرور أجل خمس سنوات من يوم الإفراج عنه.
غير أنه إذا كانت العقوبة الجديدة عقوبة جنائية، رفعت فترة الاختبار إلى عشر سنوات.
لا يمكن للمحكوم عليه الذي سقطت عقوبته بالتقادم باستثناء الحالة المنصوص عليها في المادة 695 بعده، أن يحصل على رد الاعتبار القضائي.
[17] تنص المادة 695 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: لا يخضع رد الاعتبار لأي شرط يتعلق بالأجل أو بتنفيذ العقوبة إذا أدى المحكوم عليه بعد ارتكابه الجريمة خدمات جليلة للبلاد مخاطراً بحياته.
[18] راجع الآجال المطلوبة في رد الاعتبار القضائي.
بقلم د محمد حلمناش
منتدب قضائي من الدرجة الثانية بالنيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بآسفي