أركــان الـشـفـعــة
يمكن أن نستنتج من التعريف السابق الذي أورده المشرع في الفصل 25 من ظهير 19 رجب أن للشفعة أركان وهي تستوجب كلها مجموعة من الشروط وكذا الأحكام للقول بها.
أولا : الشفيع : وهو من له حق أخذ الحصة التي تم بيعها إلى الغير، ولا يمكن ان يحمل الصفة هاته ولا أن يثبت له حق الشفعة ما لم تتوفر فيه مجموعة من الشروط وهي كالآتي :
1- أن تتوافر فيه صفة المالك على الشياع : أي أن يكون مالكا لجزء غير معين في المال المشترك، وهكذا يجب أن يكون المال المشاع لم يفرز بصفة نهائية، تجدر الإشارة إلى أن القسمة الإستغلالية أو الإتفاقية لا يمكن أن تحول دون ممارسة حق الشفعة عندما يتم تفويت الجزء المقسم للإستغلال وهو ما قرره المجلس الأعلى في أحد قراراته ويقول المتحف بهذا الصدد :
وفي الأصول فيما شرع ………………………………. في ذي الشياع وبحد تمتنع.
وما يمكن تسجيله بشأن القسمة ههنا هو أنه في حالة تعارض البينة المثبتة للقسمة مع النافية لها، فإن الفقه أجمع على مبدأ عام يقول “إن المثبت يقدم على النافي”.
كما أضاف ظهير 12 غشت 1913 بهذا الصدد ان القسمة المنصبة على عقار محفظ كيفما كانت –رضائية أم قضائية- لا تأثير لها على إزالة حالة الشياع ما لم تسجل على الرسم العقاري وبالتالي فإن حق الشفعة يبقى قائما في هذه الحالة.
2- أن يكون مالكا للحصة التي يشفع بها قبل إقدام شريكه على تفويت حصته: ويستوي أن يكون الشفيع مالكا للرقبة أو مالكا للمنفعة بحيث إذا كان شريكا في ملكية الرقبة وقام أحد الشركاء بتفويت حصته في الرقبة فإن حق الشفعة في هذه الحصة من الرقبة ثابت للشفيع ونفس الشيء إذا كان شريكا في ملكية المنفعة فقط، ويجب التنبيه بالنسبة للعقارات المحفظة أن الشفيع يجب لثبوت حقه في الشفعة أن يكون قد سجل سند تملكه في السجل العقاري قبل قيام المشفوع منه بتسجيل سند التفويت.
3- أن تظل ملكية الشفيع قائمة إلى حين حصول التفويت الصادر عن شريكه :
إذ أنه إذا سبق للشريك أن فوت أسهمه المشاعة قبل قيام شريكه ببيع حصته، فيما إذا كان العقار غير محفظ أو سجل صك تفويته على الرسم العقاري قبل تسجيل العقد الوارد على حصة شريكه المنصبة على العقار المحفظ، فإنه يصبح فاقد الصفة في استشفاع هذه الحصة.
بالإضافة إلى الشروط السابقة يمكن ذكر مجموعة من الشروط الأخرى التي تعتبر ذات أهمية هي الأخرى وتتجلى فيما يلي :
4- أن يكون الشفيع ذا أهلية كاملة : إذ يجب أن يكون الشفيع راشدا ومتمتعا بقواه العقلية وغير محجور عليه لسنه أو جنون او غيرهما، ومن هنا نجد أن القانون منح الولي أو المقدم أو القاضي إمكانية إجراء الشفعة لصالح المحجور عليه.
5- يجب أن لا تكون شركة الشفيع ذات صبغة تفاوضية.
6- أن يكون على بينة من قدر الثمن.
7- أن يكون مليئا بالثمن : أي يجب على الشفيع الذي يريد ممارسة حق الشفعة أن تكون ذمته مليئة وإلا لم يحكم له بها، وإن حكم له بالشفعة وتبين أنه غير قادر على أدا الثمن أو المصاريف، فإنه يحق للمشفوع منه أن يطلب الحكم بسقوط حقه في الشفعة .
ثانيا : المشفوع منه : وهو الشخص الذي يمارس الشفعة ضده، والذي يكون تملك حصة أحد الشركاء على الشياع سواء في المنقول أو العقار عن طريق التفويت، وسواء كان شريكا أو أجنبيا.
وإن كان الأمر على ما يبدو عليه من وضوح فإن بعض الفقه ومعه القضاء أحيانا قد اختلفا في إمكانية ممارسة حق الشفعة في مواجهة المشفوع منه الشريك وذلك بالغستناد إلى الفصل 974 من ق.ل.ع وكذلك الفصل 25 من ظهير 2 يونيو 1915 في صيغته الفرنسية اللذان ينصان صراحة على الأجنبي أو الغير. وقد برر المجلس الأعلى توجهه حينما أقر بإمكانة الشفعة في حق المشفوع منه الشريك بكون المقصود بالأجنبي والغير في كل من ظهير ل.ع وكذا ظهير 19 رجب كون اللفظ ينصرف إلى الأجنبي والغير في العقد دون سواهما، وأضاف في تبريره ما نص عليه الفصل 29 من ظهير 19 رجب.
وبالتالي فإن الشريك المشفوع منه يجد مصدر حقه فيما له من حق الشفعة، إلا أن استعماله لهذا الحق لا يكتسي صبغة استشفاع إذ لا يجوز أن يشفع الشخص من نفسه، وبالتالي فهو غير ملزم بتقديم دعوى يتعين على المحكمة ان تقضي بذلك تلقائيا ما عدا إذا عبر الشريك المشفوع منه صراحة من الإستفادة من هذا الحق .
ثالثا : الأعيان القابلة للشفعة : أو المشفوع فيه :
يمكن دراسة هذا الركن من زاويتين أولهما تتعلق بالمشفوع فيه في إطار القواعد العامة، وثانيهما تتعلق بالمشفوع فيه في إطار القواعد الخاصة.
1- المشفوع فيه في إطار القواعد العامة : حسب المشهور فقها فإن حق ممارسة الشفعة ينحصر، من حيث المحل في دائرة العقار وتوابعه مما يستبعد المنقول، وينضوي تحت مفهوم العقار الأراضي وما اتصل بها من أبنية وأشجار، وقد اختلف الفقهاء إلى رأيين بشأن جواز الشفعة في العين غير القابلة للقسمة، وذهب مالك ومن معه إلى جواز شفعة ما لا يقبل القسمة.
وتوابع العقار يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام منها ما يجوز شفعته ولو وقع بيعه باستقلال عن متبوعه المشاع. وهو حكم مياه الري و الثمار، ومنها ما تمنع شفعته إذا بيع مستقلا في متبوعه ولو مشاعا، ويندرج ضمن هذا الصنف ما اصطلح على تسميته بالعقارات بالتخصيص والتي تتمثل في الآلات والمعدات المرصدة لخدمة العقار، والصنف الأخير هو ما لا يمكن شفعته ولو كان البيع يشمل متبوعه المشاع، ومثاله القمح والزرع وكذا الخضروات وغيرها كثير.
2- المشفوع فيه في إطار القواعد الخاصة:
تخضع مادة العقار المحفظ العامة سالفة الذكر مع مراعاة الخصوصيات التالية :
أ- أن المحصولات الفلاحية التي لم تحصد وثمار الأشجار التي لم تجن هي في منظور القانون العقاري عقارات بطبيعتها وليست مجرد توابع وذلك بصريح المادة 6 من ظهير 2 يونيو 1915 في فقرتها الثانية.
وبحسب المادة 25 من نفس الظهير فإن الشفعة هي الحق الثابت لكل من يملك مع آخرين على الشياع عقارات أو حقوقا عينية عقارية.
وبهذا وحيادا عن المشهور فقها لدى المالكية فإن هذه المحصولات والثمار تعتبر قابلة للشفعة إذا ما شمل البيع متبوعها.
وأما إن تم بيع المنتجات المحصودة وكذا الثمار المجنية فإنها تتجرد من طبيعتها التخصيصية وتصبح منقولا بحسب المآل ولا تعتبر من توابع العقار.
ب- المياه الخاصة : إذ أن المياه الدائمة الجريان والعائدة إلى ملكية الخواص تعتبر قابلة للتداول، ولذلك تجوز فيها الشفعة.
3- المنقول : نجد ان الفصل 974 من ق.ل.ع قد أجاز الشفعة في المنقول بحسب تعبير المشرع “الحصة الشائعة”. دون تحديد لها في مجال العقار. وقد استند المشرع ظ.ل.ع في هذا الحكم إلى الفقه الإسلامي وذلك بالحديث المروي ابن عباس : “إن الشريك شفيع والشفعة في كل شيء”.
ونجد في إطار التقنينين المصري والفرنسي، ان المنقول المشاع يرد عليه حق الإسترداد المخول للشريك شريطة أن يقوم بممارسته خلال أجل ثلاثين يوما، تحسب ابتداءا من تاريخ علمه بالبيع أو من وقت إشعاره بالعقد، وإن كان هذا الحق يختلف عن حق الشفعة من زاوية الأجل والتعبير الإصطلاحي، فإنهما يلتقيان في النهاية في مصب واحد .
رابعا : التصرفات القانونية التي ينبثق عنها المركز القانوني بالنسبة للشفيع (المشفوع به).
سوف يتم دراسة هذا الركن من خلال تسليط الضوء على الشروط الواجب توافرها في الصفقة ليتولد عنها حق الشفيع، ثم الحديث عن العقود للبيع في ترتيب نفس الأثر.
1- الشروط الواجب توافرها في الصفقة لتكون مصدر نشوء حق الشفيع:
لكي يترتب عن الصفقة أثر إنشاء حق الشفعة للشفيع يجب أن تتوافر فيها الشروط الآتية :
أ- أن يتم التصرف لقاء عوض.
ب- أن يكون ناقلا للملكية.
ج- أن يقع باتا منجزا.
د- أن ينعقد التصرف صحيحا.
هـ -أن يكون العقد ثابتا.
و- أن يستوفي إجراءات التحفيظ إذا ما انصب على عقار محفظ.
2- العقود المشابهة للبيع التي لها نفس أثر البيع في إنشاء حق الشفعة:
يمكن أن نجد مجموعة من العقود التي تشبه كثيرا عقد البيع من حيث كونها ناقلة لملكية خارج نطاق التبرعات. ويمكن أن نقول أن هذه التصرفات تتمثل في المقايضة عند تمليك الحصة المشاعة للغير، أو التصيير أو الصلح، الهبة المقرونة بعوض أو مهر، المغارسة، الوصية بثمن وغيرها من التصرفات التي ترتب نفس الأثر.
اترك تعليقاً