العدالة
مجيد اللامي
العدالة هي شعور كامن في اعماق النفسي ويكشف عنه العقل السليم ويوصي به الضمير المستنير لإعطاء كل ذي حق حقه. ولكن مع هذا فالعدالة لا تقتصر على مجرد الامتناع عن ايقاع الضرر بالغير وعلى اعطاء كل ذي حق حقه وانما تنطوي فوق ذلك على شيء اعمق وبعد وهو التوازن بين المصالح المتعارضة بغية توفير النظام الضروري لسكينة المجتمع الانساني وتقدمه واذا كان تحقيق مفهوم (اعطاء كل ذي حق حقه) يقوم على فكرة ان استحقاق الانسان لحقه لمجرد كونه تابعاً سميت عندها بـ (العدالة الطبيعية) اما اذا كان استحقاق الانسان لحقه على قاعدة يقبلها مجتمعه سميت بـ (العدالة الاتفاقية) واذا كان هذا الحق يستند الى قاعدة تجعله يتملكها مسؤولاً عن فعله امام السلطة العمومية سميت عندها بـ (العدالة القانونية) ان الذي يهمنا من هذه المفاهيم للعدالة هو مفهوم (العدالة القضائية) والمقصود بالعدالة القضائية هي القناعة بان افراد المجتمع البشري كلهم من حيث الانسانية والكرامة والحقوق الانسانية متساوون وكلهم طبقا لهذا متساوون امام القانون.
لذا يجب على القضاء اعادة الحق للشخص الذي تم التجاوز والاعتداء على حقوقه بدون مراعاة اية اعتبارات قيمية او اعتبارية والتي تحول من دون اعادة هذا الحق فالعدالة بهذا المعنى هي احقاق الحق المسلوب او الضائع وبهذا يمكن اعتبار العدالة القضائية في مجال تنفيذ القانون اكبر من العدالة القانونية لانها تشمل القانون العادل والاجراءات القضائية العادلة أي المظهر الشكلي للعدالة والاسلام اهتم بالقضاء اهتماماً كبيراً وللقضاء في الشريعة الاسلامية مكانة عظيمة فهو فرض من اقوى الفرائض واشرف العبادات بعد الايمان بالله تعالى لان المظلومين يلجأون اليه لكي ينصفوا في مواجهة الظالمين والناس يحتاجون اليه في تنفيذ الاحكام وقطع المنازعات والفصل في الخصومات واسناد الحقوق الى اهلها.
ان تحقيق القضاء العدالة فذلك من اولى واجباته لكن لتحقيق العدالة مستلزمات واذا كان تطبيق القضاء للقانون وفق ظروف القضية المطروحة واصدر الحكم المناسب في الوقت المناسب من المستلزمات الاساسية لتحقيق العدالة فان قناعة اطراف القضية وخاصة المحكوم عليه تكون هدف العدالة الاساسي. ان العمل القضائي لا يقوم على معرفة القانون فحسب بل هو اعمق واشمل من ذلك انه اعطاء حل عادل لمشكلة انسانية وقد اثبتت التجارب الفضائية ان القانون لا يتضمن كل الحق فالعدالة الحقة هي التي تؤدي الى انتصار الحق بوساطة القانون وليس خسران الحق باسم القانون.
ومن التطبيقات القضائية الاخرى ما خلصت اليه محكمة التمييز مبدأ مفاده عدم الالتفات الى المدد القانونية الخاصة بالطعون ومنها المادة (171) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل اذا تعلق موضوع الطعن بمسائل الحل والحرمة كما جاء في قرارها (اذا تعلق موضوع الدعوى بالحل والحرمة فلا يتعلق بالمدد القانونية او وقوع الطعن خارج المدة القانونية)..
على القاضي ان يحاذر التطبيق الآلي للقانون والجمود على النص وترك المضمون لان ذلك يؤدي ظاهره الى عدالة شكلية وباطنه الى احكام ظالمة فواجب القاضي هو الخضوع الواعي للقانون لا الخضوع الاعمى له اذ ان القانون روح قبل ان يكون حرفاً ومعنى قبل ان يكون لفظاً فالقاضي هو الذي يحول النصوص الجامدة الى حقائق تنبض بالحياة.
اترك تعليقاً