أهمية المجلس الوطني للإعلام في حماية الهوية الوطنية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
بات الإعلام في العصر الحديث علماً قائماً بذاته وفرض نفسه على الشعوب والمجتمعات, وغدا سلاحاً ينصب اهتمام الباحثين عليه في دراساتهم التي تواكب التطورات الحديثة في أجهزة الإعلام والاتصال الجماهيري وتأثير استخدام هذه الوسائط في نقل الأفكار والآراء والأحداث من دولة إلى أخرى بسرعة مذهلة، فزال حاجز الزمان والمكان بين الشعوب والأمم وأصبحت رؤية المتلقين لها تتحدد من زاوية مصدر هذه المعلومات مهما اختلفت ايديولوجية هذه الأجهزة والوسائط الإعلامية.
وكان من البديهي أن تسعى الدول على اختلاف مذاهبها السياسية والفكرية إلى تعزيز دور أجهزة الإعلام وفعاليتها وتوجيهها لضمان تكوين رأي عام مؤيد لسياستها. ونذكر ابراهام لنكولن عندما وجه حديثه لأحد مراسلي الصحف قائلاً: “أنتم يا سادة من تتحكمون إلى حد كبير في الرأي العام, لم يخطر ببالكم كم ينبغي عليكم أن تخففوا من أعباء من في السلطة أولئك البؤساء التعساء المثقلون بالاهتمامات والمسؤوليات”.
وعن أهمية الصحافة الحرة وضرورتها في المجتمع لمراقبة عمل السلطات الحاكمة أكد روبرت كينيدي أن: “الصحافة في أي رأي تعادل المحاكم وأحياناً ما تكون مسبقة على المحاكم ـ في نظامنا ـ في حماية حقوق الشعب الأساسية”. وعملياً، الإعلام الحقيقي يكون في متناول الجماهير ويتميز بالصدق والوضوح ويقوم بعرض الحقائق كاملة على الشعب بأسلوب علمي وفي جو من الحرية والديمقراطية وسيادة القانون، والتي هي جميعها بمثابة الهواء اللازم للحياة بالنسبة لأجهزة الإعلام. وفي هذا السياق، فإن ما تسمى بالحرية الاعلامية تقوم على مبدأين أساسيين هما:
1ـ ضرورة توفير الحرية للإعلامي ليعبر عن رأيه.
2ـ إيجاد الوسائل التي تحول دون استعمال هذه الحرية كوسيلة للنيل من حقوق الأفراد وكرامتهم.
لذلك فإن أي جهد لتطوير وتنظيم الإعلام لا بد أن ينصب على التوفيق بين الحريات الضرورية للإعلاميين وحماية حقوق الأفراد والمجتمع. وهو ما كان حاضراً في ضمير المشرّع السوري عند تنفيذ برنامج الإصلاح السياسي بإصدار المرسوم التشريعي رقم 108 لعام 2011 المتضمن قانون الإعلام؛ فقد كانت الغاية تنظيم العمل الإعلامي بأشكاله كافة وضمان الحرية الإعلامية في ذات الوقت. ولأجل تحقيق هذا الهدف تم إحداث المجلس الوطني للإعلام بموجب المادة /19/ من المرسوم المذكور، وأنيط به العمل على ضمان حرية الإعلام وحرية التعبير من خلال قواعد أساسية حددت منهجية ممارسة العمل الإعلامي، والأساس الذي تنطلق منه، وهي حرية التعبير وحق المواطن في الحصول على المعلومات المتعلقة بالشأن العام والمحافظة على القيم الوطنية والقومية للمجتمع السوري والمسؤولية في نشر المعرفة والتعبير عن مصالح الشعب وحماية الهوية الوطنية، وتم النص عليها في المادة الثالثة من قانون الإعلام.
إن المجلس الوطني للإعلام باعتباره الجهة المخولة قانوناً، والمكلفة السهر على حسن تطبيق قانون الإعلام، وإبداء الرأي في كل ما يتعلق برسم السياسات الإعلامية، ووضع الأسس والضوابط الكفيلة بتنظيم قطاع الإعلام وفق أحكام هذا القانون، فإن ذلك يحتم عليه العمل على حماية الهوية الوطنية؛ فالمطلوب من الوسائل الإعلامية وغيرها من المؤسسات والهيئات ذات الصلة بتكوين الرأي العام، وفي هذه الفترة من تاريخ سورية بالذات، تعميق الوعي بالهوية الوطنية والقومية، وتعزير الصلات بها، وتكوين الإدراك بأهمية الانتماء لها. وهي مهمة ليست باليسيرة كما يعتقد البعض, لأن الإعلام العربي الرسمي والخاص قد اعتاد على معالجة كافة الموضوعات الوطنية والقومية معالجة دعائية تستثير العواطف وتغيّب العقل وتزّيف الوعي. ونحن هنا، وبمنتهى الصراحة، أمام واقع لا يحتاج إلى هذا الأسلوب من الإعلام، بل إلى أسلوب آخر هو الإعلام النقي البعيد كل البعد عن الدعاية السياسية والاختراق الإعلامي والتكرار.. الإعلام القائم على الحوار والنقاش بدل التلقين والنصح المباشر, لأن هذه الأساليب لم تعد تجدي نفعاً في هذا العصر.
وهذه المهمة هي من صميم عمل المجلس الوطني للإعلام وذلك من خلال إبداء الرأي في كل ما يتعلق برسم السياسات الإعلامية من جهة, ومن خلال متابعة الأداء الإعلامي لجميع الوسائل والمؤسسات الإعلامية وإلتزامها بنصوص هذا القانون، وفي مقدمتها حماية الهوية الوطنية. وهو إذ يقوم بهذا العمل لا ينتهك حرية التعبير أو يفرض قيوداً على حق من حقوق الأفراد.
ففي فرنسا مثلاً، نص قانون الاتصال عام 1986 على إخضاع كل الوسائل الإعلامية إلى نظام الرقابة المسبقة من قبل هيئات مكونة لهذه الغاية من بينها المجلس الأعلى لوسائل الاتصال السمعي والبصري، وجعل الغاية الأساسية من تأسيس هذا المجلس هي توفير المساواة في المعاملة وضمان استقلالية ونزاهة القطاع العام في مجال البث الإذاعي الصوتي والتلفزيوني، والسهر على تشجيع حرية المنافسة، وعلى نوعية البرامج وتعدديتها وعلى نمو وتطور الانتاج والابتكار السمعي والبصري المحلي والدفاع على اللغة والثقافة الفرنسيتين.
لذلك، فإن قيام المجلس الوطني للإعلام بهذا الدور والسهر عليه ووضع القواعد المهنية والآداب السلوكية في الأداء الإعلامي وبما يعزز الهوية الوطنية، لا يعد تدخلاً أو مخالفة لقانون الإعلام السوري الذي يبدو أكثر حرية وانفتاحاً حين حرّم في المادة السادسة منه إخضاع أي محتوى إعلامي للرقابة المسبقة.
وقيام المجلس بعقد ندوة بعنوان: “الشخصية الوطنية والكتب المدرسية”، وذلك بالتعاون مع وزارة التربية لا يكفي، بل لابد من أن يكون العمل على نطاق أوسع ليشمل كل الجهات والهيئات والفعاليات المؤثرة والصانعة للرأي العام بما فيها الصحافة والإذاعة والتلفزيون والمسرح والدراما والتربية والتعليم العالي والأوقاف ومنظمات طلائع البعث والشبيبة واتحاد الصحفيين واتحاد الكتاب العرب والاتحاد الوطني للطلبة واتحاد العمال والاتحاد النسائي… وغيرهم من المنظمات الشعبية والسياسية الرسمية والخاصة في إطار مشروع وطني عام وشامل. ويجب أن لا يقتصر عمل المجلس على الندوات والاجتماعات، ولا بد من وضع قواعد وآليات يُصطلح عليها في القانون بـالآداب المهنية والسلوكية”، تسهم في رسم الهوية الوطنية السورية، وأن تُستتبع هذه الجهود بالمتابعة الحثيثة، وذلك بالتعاون مع الجهات المعنية بها للوصول إلى الهدف المنشود، ألا وهو حماية الهوية الوطنية والإيمان بالرسالة الحضارية والإنسانية والتاريخية للشعب والدولة السورية من خلال صناعة فكر متنور مؤمن بقضاياه المحقة، يكون قادراً على مقاومة التطرف والرجعية والتخلف والانغلاق على الذات وعدم الشعور بالانتماء لهذا الوطن العريق.
اترك تعليقاً